مشاهدة النسخة كاملة : عاجل 2
عبد السلام دغمش
03-01-2013, 07:17 PM
( ننصح القارئ الكريم بمطالعة النص القصصي عاجل 1..)
لم يكنْ وقعُ ما حلّ بصاحِبنا على يد تلك العجوزِ الخرفة في المصعد الكهربائيّ يسيراً عليه ..فقد كشفت له تلك الحادثةُ غفلَتهُ عن ما يستجدّ من حوله من شُؤونِ الدنيا ...وربما غّرَر به جهلُه أن يصدق أي شيءٍ تتلقّفُه أذناه بينما لا يقبلهُ عقل ..
فكر و قدّر ..ثم نظرْ.. فرأى أن لا بدّ له من متابعة الأخبارأولاً بأوّل من الفضائيات و الصحف اليومية ..وعندها يمكن له أن يشارك الآخرين برأيه ..ولم لا ؟ و هل جارُه ” مرتضى” أرجحُ منه عقلاً و أفصح لسانا ً؟ فكلاهما خرّيج الإعدادية قبل ثلاثين سنةٍ و نيّف ،.. صحيحٌ أن مرتضى كان متقدماً عليه بموادّ العلوم و الجبر و اللغة العربية و الانجليزية و التاريخ و الجغرافيا و التربية الدينية ( فقط ..!) أما هو فقد تقدم عليه بدرجاتٍ في الرياضة و التربية الفنية .. فلماذا يتصدّرُ مرتضى المجالسَ و يتكلّم في الشأن العامِّ ..بينما يلوذ هو بالصمت .. ومن أجلِ ذلكَ كان لا بدّ من إعادة توليف الطبق اللاقط ليتمكّن من متابعة الفضائيات الاخبارية ..أما الصحيفة اليومية فقد أوصى بها صاحب البقالة بان يحضرها كل صباحٍ مع عُبوة الحليب و اللبن اللتين اعتاد أنْ يوصِلهما لبيته.. و عندما ذكّره البقّال بالمبلغ الشهريِّ الذي صار َ لزاماً عليه أن يسدّده مقابل تلك الصحف، ثقُلَ ذلك عليه، فارتَضيا حلاّ و سطا وهو أن يحضر له كلّ يومٍ صحيفةَ اليومِ الذي يَسبقُهُ فأخباُر اليوم هِي ذاتُها أخبارُ الأمس -كما أقنعه البقّال- وكان الإتفاق على ربع الثمن فحسب ..فكان على الصحيفةِ أن تقضي ليلتها بين جُدران البقالة - تتخمّر – تماماً كما تتخمّرُ عجينةُ الكعك..
أمّا زوجته فلم تُطقْ ما رَأتهُ عليهِ من تغيير ..وحذّرتهُ بأّنه يكفيه همُّ قوتِ عيالهِ فحسب..وحقّا لم يكنْ لصاحبِنا أن يحملَ همّا قطّ..وإنْ كان فهو كيسُ الخبزِ وكيسُ الخضرواتِ يحملهُما في يديه لا في رأسهِ ..فكيف له الآن بأوزارٍ ينوءُ بها رأسُه قبلَ يديه؟!
و لم يكن يعي قبل ذلك مصطلحاتٍ كثيرةٍ أَثقلت أُذنيه ..فالتحليل كان بالنسبة اليه إمّا تحليلُ دمٍ أو تحليل( ...)أما التحليل السياسيّ فبدعة ؟؟ و الديمقراطية و(ضرّتها ) الديكتاتورية و جارتهما في ذاتِ الحيّ الايديولوجية ..مصطلحات مرّن لسانَهُ على نطقها ..ولا تسلْ عن مغزاها ؟!
أمضى اسبوعين يقضي الساعات الاربعِ الفاصلةِ ما بينَ عودتهِ من عملهِ و ساعةِ نومه مقلّباً أصابعه بين صفحات الجرائدِ و عينيهِ بين الفضائيات ..خبٌرعاجلٌ هنا وتحليلٌ هناك ..أما الزوجة المسكينةُ فقد ثقلُ عليها ثلاثَ أكوابٍ من الشاي صارت تقّدمها له بدلٍَ كوب واحد كان يكفيه .. وكانت أخبار مصر المحروسة تشدّه وقد ثارتْ أزمة الدستورما بين مؤيِّد و معارض ..
لم يعتدْ أن يتغيب عن جيرانه الذين يجتمعون أسبوعيا كل خميسٍ في المقهى عند آخر الحيّ..فتوجَّه إليهم لكنْ بروحٍ جديدة..كانت أجواءُ المقهى عَبقةً بالّدخان المتطايرمن السجائر و الأراجيل كأنه سحابٌ مركوم..يعلو فوق أصوات مختلطةٍ من السعالِ و قهقهات الرواد ..وطرقاتِ أوراق الكوتشينة على المناضد الخشبية..كان في الطاولة من خلفه" مرتضى" ومن معهُ أمّا هو فقد اختارَ مكاناً آخرَ إلى جانبهم..جلس الى صحْبهِ بعدَ أن ضمّ معطَفه بيديهِ و رفع رأسه مزهوّاً ..حدّث أصدقاءه معتذرا لغيابه عنهم الأسبوعَ المنصرم ، متعللا بمتابعته للأحداث و التحليلات ..شرع يحدّثهم عن ما قرأهُ أو شاهدهُ من أحداثٍ..
..و كانوا يهّزون رؤوسهم باهتمام ..فلم يعهدوا على صاحِبهم حديثاً من قبل سِوى أَسعار الفاكهة و اللحوم و غلاء المعيشة ..حدثهم عن ازمة الدستور في مصر :
"هناك دستوران في مصر أحدهما أعدّه الدكتور الغرياني والآخر أعدّه الدكتور البرادعي و الدستوران يتنافسان لنيلِ رِضى المصريين ..!" ..إستوقفه أحدُهم وقد جعلَ سيجارته بين أصابعهِ بعد أنْ ملأَ فمه دخاناً ثمّ أطلقهُ سحابة ظللتهم :ما شاء الله كلهم دكاترة..فما تخصّصهم ؟! إرتبك صاحبنا ثمّ استدرك :أما أحدُهما.. فدكتور جّراح ..والاخر.. طبيب عيون .!.قلّبَ عينيه فيمن حوله متفحّصاً ..ساد المشهد صمتٌ لبرهةٍ داخلته همهماتٌ من الطاولة المجاورة حيث مرتضى ومن معه .. ثمّ تلاشى الصمت بقهقهاتٍ ضجّت بها جنباتُ المقهى ..
في البيت عندَ المساء ..صحفٌ ممزّقة ..و تلفاٌز معطّلٌ و صاحبُنا ملقىً على سريره..و زَوجتُه تضع كفّها على فمها لتحبس ابتسامةً أفلت نصفها ..!
سعاد محمود الامين
04-01-2013, 02:27 PM
فكرة هذا النص فى منتهى الجمال ولكن فى سردها.إنفلات ليس إنفلات أمنى ههه ..انفلات سردى لكثرة التفاصيل الغير مهمة على سبيل المثال(كان متقدما فى الرياضيات و..و.يمكن اختصارهامتقدما عليه فى الدراسة)عبوة الحليب واللبن..مصر المحروسة....والدستور.و,هذا أفقد النص هدفه:رجل غير متعلم ثقف نفسه ذهب ليشارك وقف اللقب الأكاديمى فى طريقه فانهزم.فكرة رائعة رائعة تستحق منك العناية.ان يكون العنوان جاذبا لوكنت مكانك لاسميتها (صحيفة ودخان)صحيفة رمز الثقافة ودخان للصعود الضعيف.انا لست متخصصة كلامى هذا انطباعى بحت ارجو أن أكون خفيفة عليك لاتزعل منى.. أنت اديب بوركت
مصطفى حمزة
04-01-2013, 02:44 PM
أسعد الله صباحك أخي العزيز الأستاذ عبد السلام
كنتُ مع صاحبنا منذ كان بالمصعد إلى هنا .. ونصيحتي له أن يضع جبنه على خبز تلك العجوز التي التقاها بالمصعد وسألته عن حرب المئة سنة .. فهما كشنّ وطبقه ههه
ممتعة هذه الحكاية ، ورشيقة ، وفي جزئها الثاني إسقاط خفيف الظل والتلميح إلى ما يجري في مصر .
وما يجري في مصر الحبيبة - وهذا رأي خاص - هو نتيجة ( سكب ) حرية الإعلام سَكباً ، ومرة واحدة ... مما جعل الكثيرين الذين لم يتذوقوها قبلاً يغصّون بها !!!
ربما عابَ النصّ الأسماء الصريحة التي ذكرت فيه ..
بانتظار عاجل3 ... دمتَ بألف خير
عبد السلام دغمش
04-01-2013, 04:28 PM
فكرة هذا النص فى منتهى الجمال ولكن فى سردها.إنفلات ليس إنفلات أمنى ههه ..انفلات سردى لكثرة التفاصيل الغير مهمة على سبيل المثال(كان متقدما فى الرياضيات و..و.يمكن اختصارهامتقدما عليه فى الدراسة)عبوة الحليب واللبن..مصر المحروسة....والدستور.و,هذا أفقد النص هدفه:رجل غير متعلم ثقف نفسه ذهب ليشارك وقف اللقب الأكاديمى فى طريقه فانهزم.فكرة رائعة رائعة تستحق منك العناية.ان يكون العنوان جاذبا لوكنت مكانك لاسميتها (صحيفة ودخان)صحيفة رمز الثقافة ودخان للصعود الضعيف.انا لست متخصصة كلامى هذا انطباعى بحت ارجو أن أكون خفيفة عليك لاتزعل منى.. أنت اديب بوركت
الأخت الكريمة
بدايةً فلستُ أضيق ذرْعاً بالنقد بل على النقيض من ذلك أرحب بالملاحظات
أما عن الإطالة في بعض التفاصيل فذلك استلزمته طرافة النص -وهنا للرصانة أن تتنحى جانباً- فمرتضى كان متفوقاً على صاحبنا بسيلٍٍ من المواد الدراسية وكان تعدادها يضيف طرافة لكلمة "فقط" كما جاء في النص..وكذا الحال في اللبن و الحليب فهما لا يختلفان بالنسبةِ اليه عن الصحيفة ..أما العنوان فهو متسلسل و متصل بالنص الأول فكان "عاجل 2"
فكرة العمل ليست بعيدة ً عما ذكرت فالانسان البسيط صار يضيقُ ذرعاً بما حوله من سيلٍٍٍ اعلامي وليس من بد أن يتعامل معه
أحييك أختي الكريمة و أقدّر قراءتِِك للنصّ في زمنٍٍ عزّ فيه من يقرأ
عبد السلام دغمش
04-01-2013, 09:56 PM
أسعد الله صباحك أخي العزيز الأستاذ عبد السلام
كنتُ مع صاحبنا منذ كان بالمصعد إلى هنا .. ونصيحتي له أن يضع جبنه على خبز تلك العجوز التي التقاها بالمصعد وسألته عن حرب المئة سنة .. فهما كشنّ وطبقه ههه
ممتعة هذه الحكاية ، ورشيقة ، وفي جزئها الثاني إسقاط خفيف الظل والتلميح إلى ما يجري في مصر .
وما يجري في مصر الحبيبة - وهذا رأي خاص - هو نتيجة ( سكب ) حرية الإعلام سَكباً ، ومرة واحدة ... مما جعل الكثيرين الذين لم يتذوقوها قبلاً يغصّون بها !!!
ربما عابَ النصّ الأسماء الصريحة التي ذكرت فيه ..
بانتظار عاجل3 ... دمتَ بألف خير
أخي الأستاذ مصطفى
أقدّر لكم هذه القراءة المتأنية للنص ...رأيت حضوركم بين سطوره ولو أني رأيتك في المصعد لكان لنا شأن آخر!
أما عن عاجل 3 فستأتي انشاء الله ..لكن عندما يفيق صاحبنا من وقع الصفعة الأخيرة
يشرفني تعليقكم أديبنا الكبير
كاملة بدارنه
05-01-2013, 01:04 AM
زمن كثرت فيه المصطلحات وضاع النّاس بين أوهام مضامينها
وصف لحالات القلق والهموم بأنواعها...
بوركت
تقديري وتحيّتي
آمال المصري
05-01-2013, 01:20 AM
.إستوقفه أحدُهم وقد جعلَ سيجارته بين أصابعهِ بعد أنْ ملأَ فمه دخاناً ثمّ أطلقهُ سحابة ظللتهم :ما شاء الله كلهم دكاترة..فما تخصّصهم ؟! إ
كشأن الكثير ممن يتركون مهام الأمور ويقفون عند سفاسفها
نسج قصصي بديع وقدرة على جذب القارئ وخاتمة لاتقل روعة عن سابقتها
وفي انتظار المزيد من إبداعاتك
دام ألقك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي
بهجت عبدالغني
05-01-2013, 01:38 AM
يقولون ان الطبع يغلب التطبع
قصة جذابة .. سرد يسحب القارئ الى النهاية بسلاسة
وخاتمة رائعة تفلتت مع ابتسامة الزوجة ..
دمت مبدعاً
بخير وعافية ..
عبد السلام دغمش
05-01-2013, 04:51 PM
زمن كثرت فيه المصطلحات وضاع النّاس بين أوهام مضامينها
وصف لحالات القلق والهموم بأنواعها...
بوركت
تقديري وتحيّتي
الأخت كاملة بدارنة
هو ما ذكرتم .. مصطلحات طنّانة ضاع فيها المواطن البسيط ..يحاول ان يتماشى معها فيخفق ..لأنها لم تتجاوز حروفها
شكرا على مروركم..و دمتم
عبد السلام دغمش
05-01-2013, 08:07 PM
كشأن الكثير ممن يتركون مهام الأمور ويقفون عند سفاسفها
نسج قصصي بديع وقدرة على جذب القارئ وخاتمة لاتقل روعة عن سابقتها
وفي انتظار المزيد من إبداعاتك
دام ألقك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي
الأخت آمال المصري
أسعدني مروركم بين سطور النص ..وافر تحياتي
عبد السلام دغمش
05-01-2013, 08:11 PM
يقولون ان الطبع يغلب التطبع
قصة جذابة .. سرد يسحب القارئ الى النهاية بسلاسة
وخاتمة رائعة تفلتت مع ابتسامة الزوجة ..
دمت مبدعاً
بخير وعافية ..
الأخ بهجت الرشيد
أدام الله عليك البسمة والخير والعافية..أسعدني مرورك على النصّ
عبدالإله الزّاكي
13-01-2013, 02:12 AM
( ننصح القارئ الكريم بمطالعة النص القصصي عاجل 1..)
لم يعتدْ أن يتغيب عن جيرانه الذين يجتمعون أسبوعيا كل خميسٍ في المقهى عند آخر الحيّ..فتوجَّه إليهم لكنْ بروحٍ جديدة..كانت أجواءُ المقهى عَبقةً بالّدخان المتطايرمن السجائر و الأراجيل كأنه سحابٌ مركوم..يعلو فوق أصوات مختلطةٍ من السعالِ و قهقهات الرواد ..وطرقاتِ أوراق الكوتشينة على المناضد الخشبية..كان في الطاولة من خلفه" مرتضى" ومن معهُ أمّا هو فقد اختارَ مكاناً آخرَ إلى جانبهم..جلس الى صحْبهِ بعدَ أن ضمّ معطَفه بيديهِ و رفع رأسه مزهوّاً ..حدّث أصدقاءه معتذرا لغيابه عنهم الأسبوعَ المنصرم ، متعللا بمتابعته للأحداث و التحليلات ..شرع يحدّثهم عن ما قرأهُ أو شاهدهُ من أحداثٍ..
..و كانوا يهّزون رؤوسهم باهتمام ..فلم يعهدوا على صاحِبهم حديثاً من قبل سِوى أَسعار الفاكهة و اللحوم و غلاء المعيشة ..حدثهم عن ازمة الدستور في مصر :
"هناك دستوران في مصر أحدهما أعدّه الدكتور الغرياني والآخر أعدّه الدكتور البرادعي و الدستوران يتنافسان لنيلِ رِضى المصريين ..!" ..إستوقفه أحدُهم وقد جعلَ سيجارته بين أصابعهِ بعد أنْ ملأَ فمه دخاناً ثمّ أطلقهُ سحابة ظللتهم :ما شاء الله كلهم دكاترة..فما تخصّصهم ؟! إرتبك صاحبنا ثمّ استدرك :أما أحدُهما.. فدكتور جّراح ..والاخر.. طبيب عيون .!.قلّبَ عينيه فيمن حوله متفحّصاً ..ساد المشهد صمتٌ لبرهةٍ داخلته همهماتٌ من الطاولة المجاورة حيث مرتضى ومن معه .. ثمّ تلاشى الصمت بقهقهاتٍ ضجّت بها جنباتُ المقهى ..
في البيت عندَ المساء ..صحفٌ ممزّقة ..و تلفاٌز معطّلٌ و صاحبُنا ملقىً على سريره..و زَوجتُه تضع كفّها على فمها لتحبس ابتسامةً أفلت نصفها ..!
أما أنا فأعجبتني كثيرا و وجدتها أكثر عمقا و جاذبية من عاجل1 و إن كان الأمر لا يتعلق بالمقارنة بينهما و إنما أردت أن أقول أن التتمة كانت ناجحة بامتياز و أضافت للنص الأول بعدا أخر.
تحياتي لك أخي الكريم و أديبنا المتألق عبد السلام دغمش و بالغ تقديري.
عبد السلام دغمش
13-01-2013, 02:28 AM
أخي سهيل
يسرّني دوماً تعليقاتك و مرورك بين النصوص ..وأتمنى أن ترجع للحلقة الأخيرة من هذه السلسلة المتواضعة (عاجل 3) و التي أردت فيها عرض موقف الانسان البسيط أمام هذا الصخب الاعلامي و الذي لم يجدلنفسه فيه دوراً
لك مني وافر التحايا
ربيحة الرفاعي
05-02-2013, 10:14 PM
نص طيب الفكرة شيق المعالجة في طرافته فائدة ربما غابت عن المتلقي
فمشكلة صاحبنا لم تكن في رغبته المتأخرة بالمعرفة وإدراكه لأهمية اطلاعه على حقيقة ما يدور حوله، بل كان من ناحية في نواياه الاستعراضية من وراء ذلك، والتي لو لم تكن لكان الحال صحيا في تطوره، ومن ناحية أخرى في ادعائه معرفة ما لا يعرف وعجزه عن قول لا أدري والتي لم تكن لتعيبه لو قالها
دمت بخير أديبنا
تحاياي
محمد الشرادي
05-02-2013, 10:36 PM
( ننصح القارئ الكريم بمطالعة النص القصصي عاجل 1..)
لم يكنْ وقعُ ما حلّ بصاحِبنا على يد تلك العجوزِ الخرفة في المصعد الكهربائيّ يسيراً عليه ..فقد كشفت له تلك الحادثةُ غفلَتهُ عن ما يستجدّ من حوله من شُؤونِ الدنيا ...وربما غّرَر به جهلُه أن يصدق أي شيءٍ تتلقّفُه أذناه بينما لا يقبلهُ عقل ..
فكر و قدّر ..ثم نظرْ.. فرأى أن لا بدّ له من متابعة الأخبارأولاً بأوّل من الفضائيات و الصحف اليومية ..وعندها يمكن له أن يشارك الآخرين برأيه ..ولم لا ؟ و هل جارُه ” مرتضى” أرجحُ منه عقلاً و أفصح لسانا ً؟ فكلاهما خرّيج الإعدادية قبل ثلاثين سنةٍ و نيّف ،.. صحيحٌ أن مرتضى كان متقدماً عليه بموادّ العلوم و الجبر و اللغة العربية و الانجليزية و التاريخ و الجغرافيا و التربية الدينية ( فقط ..!) أما هو فقد تقدم عليه بدرجاتٍ في الرياضة و التربية الفنية .. فلماذا يتصدّرُ مرتضى المجالسَ و يتكلّم في الشأن العامِّ ..بينما يلوذ هو بالصمت .. ومن أجلِ ذلكَ كان لا بدّ من إعادة توليف الطبق اللاقط ليتمكّن من متابعة الفضائيات الاخبارية ..أما الصحيفة اليومية فقد أوصى بها صاحب البقالة بان يحضرها كل صباحٍ مع عُبوة الحليب و اللبن اللتين اعتاد أنْ يوصِلهما لبيته.. و عندما ذكّره البقّال بالمبلغ الشهريِّ الذي صار َ لزاماً عليه أن يسدّده مقابل تلك الصحف، ثقُلَ ذلك عليه، فارتَضيا حلاّ و سطا وهو أن يحضر له كلّ يومٍ صحيفةَ اليومِ الذي يَسبقُهُ فأخباُر اليوم هِي ذاتُها أخبارُ الأمس -كما أقنعه البقّال- وكان الإتفاق على ربع الثمن فحسب ..فكان على الصحيفةِ أن تقضي ليلتها بين جُدران البقالة - تتخمّر – تماماً كما تتخمّرُ عجينةُ الكعك..
أمّا زوجته فلم تُطقْ ما رَأتهُ عليهِ من تغيير ..وحذّرتهُ بأّنه يكفيه همُّ قوتِ عيالهِ فحسب..وحقّا لم يكنْ لصاحبِنا أن يحملَ همّا قطّ..وإنْ كان فهو كيسُ الخبزِ وكيسُ الخضرواتِ يحملهُما في يديه لا في رأسهِ ..فكيف له الآن بأوزارٍ ينوءُ بها رأسُه قبلَ يديه؟!
و لم يكن يعي قبل ذلك مصطلحاتٍ كثيرةٍ أَثقلت أُذنيه ..فالتحليل كان بالنسبة اليه إمّا تحليلُ دمٍ أو تحليل( ...)أما التحليل السياسيّ فبدعة ؟؟ و الديمقراطية و(ضرّتها ) الديكتاتورية و جارتهما في ذاتِ الحيّ الايديولوجية ..مصطلحات مرّن لسانَهُ على نطقها ..ولا تسلْ عن مغزاها ؟!
أمضى اسبوعين يقضي الساعات الاربعِ الفاصلةِ ما بينَ عودتهِ من عملهِ و ساعةِ نومه مقلّباً أصابعه بين صفحات الجرائدِ و عينيهِ بين الفضائيات ..خبٌرعاجلٌ هنا وتحليلٌ هناك ..أما الزوجة المسكينةُ فقد ثقلُ عليها ثلاثَ أكوابٍ من الشاي صارت تقّدمها له بدلٍَ كوب واحد كان يكفيه .. وكانت أخبار مصر المحروسة تشدّه وقد ثارتْ أزمة الدستورما بين مؤيِّد و معارض ..
لم يعتدْ أن يتغيب عن جيرانه الذين يجتمعون أسبوعيا كل خميسٍ في المقهى عند آخر الحيّ..فتوجَّه إليهم لكنْ بروحٍ جديدة..كانت أجواءُ المقهى عَبقةً بالّدخان المتطايرمن السجائر و الأراجيل كأنه سحابٌ مركوم..يعلو فوق أصوات مختلطةٍ من السعالِ و قهقهات الرواد ..وطرقاتِ أوراق الكوتشينة على المناضد الخشبية..كان في الطاولة من خلفه" مرتضى" ومن معهُ أمّا هو فقد اختارَ مكاناً آخرَ إلى جانبهم..جلس الى صحْبهِ بعدَ أن ضمّ معطَفه بيديهِ و رفع رأسه مزهوّاً ..حدّث أصدقاءه معتذرا لغيابه عنهم الأسبوعَ المنصرم ، متعللا بمتابعته للأحداث و التحليلات ..شرع يحدّثهم عن ما قرأهُ أو شاهدهُ من أحداثٍ..
..و كانوا يهّزون رؤوسهم باهتمام ..فلم يعهدوا على صاحِبهم حديثاً من قبل سِوى أَسعار الفاكهة و اللحوم و غلاء المعيشة ..حدثهم عن ازمة الدستور في مصر :
"هناك دستوران في مصر أحدهما أعدّه الدكتور الغرياني والآخر أعدّه الدكتور البرادعي و الدستوران يتنافسان لنيلِ رِضى المصريين ..!" ..إستوقفه أحدُهم وقد جعلَ سيجارته بين أصابعهِ بعد أنْ ملأَ فمه دخاناً ثمّ أطلقهُ سحابة ظللتهم :ما شاء الله كلهم دكاترة..فما تخصّصهم ؟! إرتبك صاحبنا ثمّ استدرك :أما أحدُهما.. فدكتور جّراح ..والاخر.. طبيب عيون .!.قلّبَ عينيه فيمن حوله متفحّصاً ..ساد المشهد صمتٌ لبرهةٍ داخلته همهماتٌ من الطاولة المجاورة حيث مرتضى ومن معه .. ثمّ تلاشى الصمت بقهقهاتٍ ضجّت بها جنباتُ المقهى ..
في البيت عندَ المساء ..صحفٌ ممزّقة ..و تلفاٌز معطّلٌ و صاحبُنا ملقىً على سريره..و زَوجتُه تضع كفّها على فمها لتحبس ابتسامةً أفلت نصفها ..!
أخ دغمش
حكي شيق...و فكرة جميلة...لغة النص مرحة ساخرة.
حصل على بعض الثقافة من الجرائد البائتة...و من إداعات التسطيح الإعلامي...خرج يستعرض ثقافته الواسعة (ههههههههههه) أصابته صدمة فمن يحدثهم لهم مواقع اجتماعية و ألقاب أكديمية ...من أين له ذلك؟
نص مرح
تحياتي
عبد السلام دغمش
06-02-2013, 12:15 AM
نص طيب الفكرة شيق المعالجة في طرافته فائدة ربما غابت عن المتلقي
فمشكلة صاحبنا لم تكن في رغبته المتأخرة بالمعرفة وإدراكه لأهمية اطلاعه على حقيقة ما يدور حوله، بل كان من ناحية في نواياه الاستعراضية من وراء ذلك، والتي لو لم تكن لكان الحال صحيا في تطوره، ومن ناحية أخرى في ادعائه معرفة ما لا يعرف وعجزه عن قول لا أدري والتي لم تكن لتعيبه لو قالها
دمت بخير أديبنا
تحاياي
الأخت ربيحة الرفاعي
تعليق مميّز وقراءة طيبة لأبعاد النص..
دمتم و دامت الواحة
عبد السلام دغمش
06-02-2013, 12:21 AM
أخي الأديب محمد الشرادي
أحياناً يود من يعيش وسط هذا الصخب الاعلامي أن يشارك بما يعرف أو لا يعرف ..والجريدة" البائتة" أحياناً أفضل من جريدة اليوم ما دام التدليس هنا و هناك ..والأمس خيرٌ من اليوم!
أضأت بحضورك!
نداء غريب صبري
17-06-2013, 06:04 AM
الزمن أصبح صعبا والناس أصبحو مهاويس سياسة
معلومات كلها تقريبا خاطئة ويتبجحون بها
قصة جميلة أخي
شكرا لك
عبد السلام دغمش
17-06-2013, 07:15 AM
الزمن أصبح صعبا والناس أصبحو مهاويس سياسة
معلومات كلها تقريبا خاطئة ويتبجحون بها
قصة جميلة أخي
شكرا لك
الأخت نداء
شكرا لمروركم و قراءتكم.
كانت هذه محاولة قصصية للإشارة للفوضى الاعلامية..وأصبح كل من هب و دب يفتي ويحلل..والمتلقي البسيط هو الضحية.
تحياتي.
خلود محمد جمعة
16-11-2014, 07:42 AM
يبدو أن صاحبنا علق في المصعد الى أن هوى به فطرحه مغشيا بصدمته
معك أديبنا في انتظار عاجل 3
اسجل اعجابي
كل التقدير
وليد مجاهد
24-02-2015, 05:18 PM
لماذا نستكثر عليه أن يجلس بين أصحابه ليتحدث بعد مذاكرة أسبوعين قرأ فيها الصحف اليومية وتابع القنوات الإخبارية
أنا متأكد أنها تكفي للتخصص فقد أصبح الواقع السياسي ضيقا واضحا تفاصيله قليلة ومحدودة ، والسؤال الذي طرحه محدثه سخيف وأظن أن الأخ الكاتب أراد ذلك ليقول أن الحديث السياسي أصبح حوار طرشان
أعجبتني القصة وسأبحث عن عاجل 1 لقراءتها
لك تقديري
عبد السلام دغمش
06-03-2015, 05:30 AM
يبدو أن صاحبنا علق في المصعد الى أن هوى به فطرحه مغشيا بصدمته
معك أديبنا في انتظار عاجل 3
اسجل اعجابي
كل التقدير
الأديبة الفاضلة خلود
تقديري لطيب مروركم .. والحلقة الثالثة موجودة في الواحة الغراء .
تقديري .
عبد السلام دغمش
06-03-2015, 05:33 AM
لماذا نستكثر عليه أن يجلس بين أصحابه ليتحدث بعد مذاكرة أسبوعين قرأ فيها الصحف اليومية وتابع القنوات الإخبارية
أنا متأكد أنها تكفي للتخصص فقد أصبح الواقع السياسي ضيقا واضحا تفاصيله قليلة ومحدودة ، والسؤال الذي طرحه محدثه سخيف وأظن أن الأخ الكاتب أراد ذلك ليقول أن الحديث السياسي أصبح حوار طرشان
أعجبتني القصة وسأبحث عن عاجل 1 لقراءتها
لك تقديري
تقديري لطيب مروركم أستاذ وليد مجاهد. وما تنشده في هذا الرابط .
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=62413
تحياتي .
علي الحسن
06-03-2015, 08:35 AM
قصة جميلة وتشد القارىء إلى النهاية..
كثرة التفاصيل كان بالإمكان التقليل منها واختصارها حتى لا يضيع الحدث ويشتت القارىء بين كماشتيها..
دمت مبدعاً أخي الكريم
ناديه محمد الجابي
15-02-2021, 06:13 PM
سرد لطيف ونص ظريف لمن يحاول أن يكتسب مظهر المثقف
فكثرت عليه المصطلحات السياسية فحفظها دون ان يفقه لها معنى
وطفق يفتي ويحلل في مالاله علم فيه.
براعة سردية في نص قوي التعبير، جميل التصوير
جعلنا نبتسم في النهاية مع زوجته.
سلمت الأنامل.
:nj::0014:
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir