المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دموع طائر



الدكتور أحمد قاسم العريقي
07-01-2013, 03:16 AM
دموع طائر
( منظومة شعراً )

منذُ أعوامٍ وأنا أعملُ في إحدى محطّاتِ الأسفارِ إلى المجهولِ، ففيها مَنْ يمضي منها حين الترحيبَ بهِ، وهناك مَنْ يبقى حتى يأتي دورهُ في الرحلة. ومنِ العاداتِ لديّ، هوَ المشي إليها في الصُّبحِ الباكرِ، اعبرُ في سيري مُنتزهاً للروح .
فيهِ أشجارٌ ووردٌ تتراقصُ حينَ يهبُّ عليها نسيمُ الأصباحُ ، وما كان يُسعدني أنّ هناك عصافيرَ تأتي إليهِ طائفةً وكأنّهُ يبدو كعبتهم .
ألقيتُ بجسمي على العُشبِ الأخضرِ والعينانِ تنظرُ في الأشجارِ الممدودةِ أعناقها نحو سماءِ اللهِ، كأنّها تدعو الخالقَ تسبيحاً وجلالاً، يمتزجُ التسبيحُ بتغاريدَ عصافيرَ الفرحةِ والألوانِ، وبينما كنتُ استمعُ إلى الأنغامِ كأنّها لحنٌ ينقرُ قلبي يملأهُ طرباً وحبوراً، حاولتُ التفريقَ بين الأنغامِ كأنّي أُفرّقُ بين حروفِ هجاءٍ نسمعُهُ. أطلقتُ عَنانَ خيالي ليترجمَ تلك النغمات إلى لُغةِ الإنسان.
نظرتْ عيناي عصفورين على غُصنٍ قابلا رأسي تماماً وقريباً مني، كان إحداهم يغمسُ منقارهُ في ريشِ أخيهِ، لَست أدري هل تبدو مُداعبةً أو تفتيشاً عن قملٍ فيه.
إذ بعيني تسدلُ جفنَ الأحلامِ، عصافيرُ قلبِي تنصتُ أيضاً، قال الأوّل ذو اللون الأزهى : أتَرى هذا الإنسانَ هنا كُلَّ صباحٍ يستلقي فوق العُشبِ هذا ؟!، ، يبدو عليهِ سرورٌ أتُراه سعيداً دوماً ، أم يبدو عليهِ هُنا أكثرَ مِن أي مكانٍ آخر؟! أجابَ الثاني وهْو يرتجفُ قليلاً : إنّ الإنسانَ ليسعد للخُضرةِ في الأرضِ الخلّابةِ للروحِ كما نحن نسرّ بها، وقدِ اصطنعوا جِناناً في مُدنٍ عدّةٍ ليُسرّ بها حين الكربةُ تغزوه .
سألَ الأوّلُ: كيف ينشئها حيناً، ويدمّرها حيناً ؟! فترى زمناً يقطع الغاباتِ، يدمّرها في كُلّ مكانٍ، وهْي تمدّ الخَلقَ بألطفِ نسمة ريحٍ، تزيّنُ هذي الأرضَ، وفي مُدنٍ حَزَّ الأشجارَ ليغرسَ غابات الإسمنت ، ولوّث فيها هواءَ الأرضِ، وحتى زروعٍ من ذُرةٍ أو قمحٍ ... هيَ أغلى مِن ذهبِ الدنيا... بدّلها بعُشبٍ يمضغهُ ثم يتقيّأهُ رماداً مثل خُفاشٍ، أو ما يدري أنّا مَن ألهمهُ الطيران، فكان لهُ كنسورٍ فينا وصقورٍ؛ ترمي شُهباً يُحرقُ فيها الأرضَ معاً والإنسانَ بما فيها فناءهِ عِوّضاً أن يسعى لرخائهِ . كيف يسعى هذا المخلوقُ البشري أن يقتلَ نفسهُ بيديه ؟!
قال الثاني : يا أخي هذا الإنسان خليطٌ من الخير والشرّ، فالخيرُ نورٌ من نورِ اللهِ تسمو به نحو الأعلى، والشرُّ شهوةُ شيطانٍ، كلٌّ سكنَ الجسدَ الطينيِ هذا ، وكُلٌّ منهم تجذبُ ذاك الجسدَ المُضنى إليها كي ينصرها على الأخرى. هكذا يبقى صراعٌ بينهما حتى تهجرهُ الروحُ يوماً، مُتحررةً منهُ .
قالَ الأوّلُ: إني أمقتُ هذا الإنسانَ لِما يسمحُ للشهْوة فيهِ تدمير الأرضِ والنفسِ معاً، أو ما يدري أنّها ليست مِلكهُ وحدهُ، إنّها مَلك المخلوقات على الأرض جميعاً .
صمت الطيرُ قليلاً والعينُ تنضحُ حزناً منها، هبّ نسيمٌ داعبَ جفنيّ ، فرأيت العصفورين يقفانِ على الغصنِ فوقي تماماً. أحسستُ في خدّي قطرةَ ماءٍ تسري فوضعتُ السبّابةَ فيها، تذوّقتُ القطرةَ إذ بها مالحةٌ كالدمعِ، عندئذٍ لم أسطعْ أن أعرفَ هل كنتُ في حلمٍ أم علمٍ. لكنّي أدركتُ بأنّ الأرضَ أمُّ الخلقِ جميعاً، كلٌّ يحنو عليها إلا الإنسان .

ناديه محمد الجابي
07-01-2013, 06:45 AM
قصة جميلة هادفة باسلوب جميل , عميق الدلالة
استمتعت بقراءتها
تحياتى وتقديرى .

براءة الجودي
07-01-2013, 07:48 AM
حياك الله دكتورنا أحمد ..
بداية العوان ( دموع طائر ) شاعري جدا ويحمل أحاسيسا رائعة , ثم دعني الآن أتحدث عما أثرته في قصتك الجميلة عن أنغام العصافير فحين تأملي وإنصاتي لها أشعرُ أنها تحمل حكايتين للإنسان : تارة حكاية فرح وتارة حكاية ترح , تبقى نغماتها تعيدنا لذكرى ماضية تحمل الكثير من المشاعر الإنسانية ومن المعاني السامية التي تهفو لها أنفس الكرام وتبسم لها أرواح النبلاء , كان تصويرا دقيقا وتأملا رائعا ياأستاذنا الفاضل .
ثم تطرقت إلى أمور غاية في الأهمية وهي همجية الناس في أحايين كثيرة وتخريبهم للطبيعة من أجل مصالحهم وأنانيتهم, فمثلا الغابات لابأس أن يأخذ الإنسان منها مايعينه على معيشته وحياته لكن ألا يلجأ لتدميره عنوة , وهنا قد ندخل ضمن أدب مهم ألا وهو الرفق بالحيوان والإحساس به , وماورد من ذكرك لهذا الأمر ذكري بدروس الجغرافيا في الطبيعة والحيوانات ربما قد نسي هذا الأمر الأكثرية , وهناكفرق كبير بين الاستمتاع بالحدائق التي هي من ترتيب الإنسان وتنسيقه لها وبين الطبيعة النضرة كما لقها الله ببديع منظرها فسبحان الله !

ملاحظة ..
عى حد علمي أن كلمة ( خلابة ) تعني خداعة , فهل يصح لنا أن نقول أرض أو طبيعة خلابة ؟ التي يعني بها الكثير أنها جذابة ..!

الدكتور أحمد قاسم العريقي
08-01-2013, 04:32 AM
الشاعرة العزيزة براءةالجودي شكر على رائك في القصة وقد وجدت أن كلمة خلّاب لها معنى مزدوج فاتن وساحرمخادع
وشكر لك

سعاد محمود الامين
08-01-2013, 11:08 PM
قصة كما اللوحة الملونة سردها جميل ومضمونها عظيم شكرا لهذا المشهد البديع ..دائما توصف الطبيعة [انها خلابة بمعنى ساحرة جميلة مدهشة تخلب الالباب.

نداء غريب صبري
03-02-2013, 02:13 PM
قصة جميلة وممتعة
وسرد مشوق أحببت قراءتها

شكرا لك أخي

بوركت

ربيحة الرفاعي
30-03-2013, 11:48 PM
نص قصي جميل الفكرة هادف المضمون
وجدت فيه شيئا من المباشرة ووالحاجة للتكثيف ليأتلق

دمت بخير أيها الكريم

تحاياي

كاملة بدارنه
30-04-2013, 06:36 PM
كلٌّ يحنو عليها إلا الإنسان .
يعاملها بسيوف القسوة التي تقطع كثيرا ممّا يصادفه لأجل أهدافه ومتطلّباته الخاصّة
نصًّ هادف
بوركت
تقديري وتحيّتي
(تنظران - كان أحدهما - عوضَ )

أحمد عيسى
30-04-2013, 08:43 PM
جميل هذا النص وان كان مباشراً
الأستاذ : أحمد قاسم

كانت رحلة جميلة تلك التي سمحت لنا بالتحليق معك فيها

شكراً لك