المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ربيع بلون الموت



معزوز أسامة
07-01-2013, 09:27 PM
لكم جميعا و دعوة أوجهها للأحبة لمتابعة أحداث شاء لها القدر أن تنسج ألامها في صميم الفؤاد و تنشر أمالها في أفق أراد له *البعض* أن يكون ظلمات تعلوها ظلمات ...


مُدّني بجبينك سيّدي ...
أقبِلُهُ...
أستنشق شهامته
مُدّني بكل ما تملك من إبــــاء...
ألبسه ...
أنثره فوق رؤوس الأبريــــاء
مُدّني بحنجرة النصر سيدي ...
أصرخُ بها ...
أزَلزِلُ ...
أقتلع بها كرسي غاشمٍ
أحرقه...
أنسج من رمادِه ...دِمَائِــه
النصر آآآآتْ.

*****************

من شُرفة بيتها العتيق و المُنغَمِس في حِكَايات الماضي الأليم، لم تكن تحمل سوى وشاح تُلَملِم به دُمُوعَها الحارقة، غريزة الأنثى الخائفة، وَلَهُ الأم الصّادق يعصر رُوحها، خَفَقَان قلبها وارتجافه يُرسل و ينشُر نظراته هُنا و هُناك.
في الأفق البعيد، قَلِقة مُرتقِبة و لكن هذه المرّة أدهى وأمر، فلم تَعتَد على غِيابه لوقت طويل، فهو لا يفارقها إلاّ للحاجة. قلبُها الجريح و صدرُها المتضايق أرغماها أن تقف منذ الظّهيرة تنتظر عودته دون ملل لساعات طويلة، فلا هي تستطيع أن تخرج في البحث عنه ولا عيناها استسلمتا أمام إصرار جُنُودِ اللّيل!.
كنت في الخامسة من عمري حينما قال لي والدي: "بُنيّ، سأراك رجلا شهما و سأفتخر بك لا محالة يوما ما" و بسذاجة الأطفال سألته: "و هل ستفخر بي حقّا يا أبي" فردّ و هو يضغط على يديّ الصّغيرتين ليُؤكّدَ صرامة و قوة كلامه: "نعم بُنيّ، لأنّك و أمثالك من أبناء الوطن ستحرّرون الأقصى و الجولان من يد المُحتل"...حينها ذهبت أجري صوب أمّي المنشغلة بتحضيرات الرحلة الى الربيع الفاتن: "أمّي، أمّي سأحرّر الأقصى و الجولان، أعدكم أنّي سأحرّرهما" فمسحت على شعري و قالت: "بإذن الله بنيّ" و طالبة مني الاستعداد للنزهة.
ليست المرة الأولى التي أخرج فيها مع عائلتي الى الغابة الجميلة لنجلس غير بعيد مُستأنسين بخرير الماء المتدفق من عين انبجست في رأس الجبل المقابل لريفنا، مُلتفة حولنا أشجار الصنوبر، مُرددا لنا أبي حكاياته البطولية و مُمارسته لكل أنواع التمرُد على والديه و شيخه في المدرسة القرآنية آتيا الى هنا ليلعب و يمرح مع أصحابه و جالبا الحطب لجدتي لطهو الطعام و وقده في الشِتاء القارص و بيعه في سوق المدينة القريب و في الأسواق البعيدة أحيانا، أما في شبابه و بعد تسلل المستعمر الى القرى المجاورة ثم الى ريفنا لم يُفكر أبي للحظة، بل ببسالة و إصرار قرر اللجوء مع أقرانه إلى الجبل نِيّة محاربة المستعمر و إلحاق الخسائر المتتالية في صفوفه المُدججة.
"لم تعد الأيام جميلة كما كانت في السابق، رغم غياب ما يُسمى بالسياسة و القانون آنذاك، لأننا كنا نُخفي ذلك في قلوبنا، فشرعُ الله و الأعراف كانا يقفان حاجزاً يُحاسب و بِعدل من يتجاوز حدودهما الحمراء".
هذا ما كان يقوله لنا والدي بل و يؤكّد أنه لابد لنا من الحذر و على كل واحد منا أن يكون فطنا دون فهم قصده؟.
خرجنا من البيت و السعادة تغمرنا، سِرنا جنبا الى جنب-أنا و أختي-و كأننا نقصد الاحتكاك و الجذب و الدفع أكثر من أي وقت مضى، بينما أبي و أمي مُنهمكين في مُغازلة بعضهما، ومن حين لآخر نسمع والدي يدندن لها و وجنتاها الورديتان تَتَفَتَحان له زهرة حمراء خجولة...و بعد ساعة من مغادرتنا للبيت و اشرافنا على الطريق المُلتوية الغائرة في كثافة الغابة المُوصلة لأعلى الجبل و العين العذبة هُناك، إذ دوّى انفجار عنيف بدا بعيداً يهزّ عرش سعادتنا و يسقط تاج الفرح عن قلوبنا المسرورة لِتوِها. حينها أمرنا والدي بالبقاء في مكان ميّزه بشجرة باسقة، و بعد دقائق عاد و هو يجمع أنفاسه المُنهكة ليجدنا مُلتفين حول بعضنا وعيوننا تصرخ خوفا و جزعا، "علينا العودة للبيت فصوت المدافع و القصف آت من خلف الجبل و كلّ من التقيته لا يعرف مصدره سوى أنها قُوّة مُدجّجة!!!"، فقالت أمي بعد أن غدا جمالها سوادا فاحماً "العدو، العدو". وراحا يشقان الطريق متجهين بنا الى بيتنا بعد أن حملني والدي فوق منكبيه و أختي قد استقرت فوق ظهر أمي.
لبثت بنا السّاعات و آذاننا تتمزّق من هول القصف و قلوبنا ترتجف هلعا، أخرسنا الفزع، جرّدَنَا من أرواحنا، أحجار صَمّةٌ مُتعانقة، لا نتحرك، لسَعَنَا صمتٌ رهيب، تسلّلَ الخوف إلى أحشائنا كسُمٍّ قاتل، بهَتَ جمال أمّي و أختي...ذاب في أجاج الفاجعة، "الصّهاينة، الصّهاينة"، ثمّ أردفت أختي و هي تبكي: "ألم يكتفُوا من تدمير فلسطين و سفك دمائها؟، ماذا يريدون منّا؟، ألم يقتلوا كل أهلها الأبرياء العُزّل؟"، أمّا والدي فكان يُصارع من أجل انقاذ أحِبّته، راح يُزيح صندوقا كبيرا عن فوهة مخرج سرّي تحت بيتنا كان قد حفره مع جدي من زمن بعيد بغية الاختباء فيه ان هو داهمنا العدو...و هو كذلك و بِجُهدٍ بليغ حتّى سمعنا صوت طرق عنيف على باب بيتنا يكاد يقتلعه من مكانه، دخل المحتلّ إلى عقر دارنا، جمعنا والدي كلنّا إليه و أسكننا بقوّة في حضنه الدافئ ثم همس لأمّي: "أنا أحبّك...أنا أحبّك" ثم أردف "اعتني بثمرة فؤادي و قُرّة عيني"، ثمّ ابتسم لأختي جُمانة و كأنّه يقول لها: "الوداع بُنيّتي"، أمّا أنا فالتفت إليّ و قال مُتحمّسا: "كما وعدتنا يا بطل(الأقصى و الجولان)"، فقلت له و بثقة الأحرار: "أعدك يا أبي، أعدك".
ضحكاتهم الخبيثة و المرتفعة خارج المنزل تزعزع أسوار بيتنا، تقترب و تقترب، يُتلف أزيزها ترانيم الحياة، تملأ النّفس ذُعرا، تغرقُ العين دمعًا، و في لمحٍ البصر امتلأت الغرفة الّتي كنّا نحتمي بها برجال ذوي جُثث ضخمة، لم يَسلَم أحدهم من تشوّهَات على وجهه أو في أجزاء أخرى من جسده... لم نُحرّك ساكنا، قام أبي من مكانه ليُسلّمنا إلى حضن أمّي ليقفَ وقفة الواثق من نفسه.
صوتٌ عربي قُح يشقّ طريقه بين الوحوش المتلهّفة، فَغَرَت أمّي فاهَا و طفقت تُردّد بصوت منخفض خَفيّ: "العسكر، العسكر، أبناء الوطن، أبناء الوطن".
وقف الجندي أمام التفافنا حول بعض و في فمه سيجارة و على يده الموشومة استقر رشّاش لامع، جلس جلسة الخيلاء على الأريكة المقابلة لنا ثمّ راح ينفخ من فمه العفن أسئلةً لا علاقة لأبي و لا نحن بها: - أين هم الإرهابيون...ها أين هم؟
و مِن دون تردّد أو خوف قال أبي مبتسما:
- الإرهاب، ألا ترى أين هم، هم هنا أمامك.
كشّر عن أنيابه و التفت يمنة و يسرة: أين هم... أجب...، لِمَ تُخبّئون أعداء الوطن بينكم يا... ؟
- أنت و كِلابك هم الإرهاب، ألا ترى ما فعلتم بالبلاد و العباد، ألم تكتفوا من أكل أرزاقنا و امتصاص عرق جباهنا، بالله عليكم ألم يحنّ قلبكم يومًا ..أليست لكم أفئدة تشعر بوجع المظلومين، أيّ فصيلة من البشر أنتم؟!، فلا أحسبنّكم إلاّ وحوشًا لا ترحم.
صرخ الجندي في وجه أبي و قَطَع حبل كلامه و أمره بالصّمت وإلاّ... ؟
- و إلاّ...و إلاّ ماذا؟، و هل تحسبني أخشاك أو عبداً لسيّدك(لا و الله)، تأكد يا هذا أنّ أمهاتنا أنجبتنا أحرارًا و سنبقى و نحيا كذلك ولن نركع إلاّ لربّ الأحرار، و تأكّد أنّنا سنرضى بالموت كيفما كان في سبيل حُريتنا و في أيّ وقت... أمّا المذلّة و الخُذلان فسنتركها لك و للخنازير أمثالك، (تفو) عليك و على أصنامك.

يتبع...

ناديه محمد الجابي
08-01-2013, 06:32 AM
قصة رائعة ( معزوز أسامة )
سحرتنى اللغة , وجذبنى السرد الماتع
لقلمك أسلوب جميل , وقد أخذ بنا خيالك لنعيش
داخل القصة .. أعشق قصص البطولة والمقاومة
نتابع معك بشوق وشغف
تحياتى والورود .

معزوز أسامة
08-01-2013, 07:37 PM
قصة رائعة ( معزوز أسامة )
سحرتنى اللغة , وجذبنى السرد الماتع
لقلمك أسلوب جميل , وقد أخذ بنا خيالك لنعيش
داخل القصة .. أعشق قصص البطولة والمقاومة
نتابع معك بشوق وشغف
تحياتى والورود .

الأديبة نادية لمرورك شذاه و عبقه الريحاني كونك اول من لامس و عايش قصة لطالما انتظرت كشف الحجاب عنها لمكانتها الخاصة في القلب و حقيقتها التي صغتها من معاناة أمة بأكملها...

الأديبة نادية أشكرك جزيل الشكر و لنفسك الطيبة باقة ودّ و تقدير.

سأتابع سرد القصة بعد تكرم الأحبة باعطاء رأيهم الذي أعتز به .

أسامة .

سعاد محمود الامين
08-01-2013, 11:02 PM
الاخ اسامة
تحية البطولة والعزة
لك قلم يطيعك فتنثر الدرر.. سردك جميل وماتع ويخطف الانفاس.ولغتك أدبية سلسة تصور المشاهد بروعة.شكرا لك على هذا القص المائز

وليد عارف الرشيد
09-01-2013, 01:24 AM
هؤلاء هم الشبيحة المرتزقة يعيثون في الأرض فسادا، غُسلت أدمغتهم بوجبات الدماء التي يمصونها مقابل ولاء لزعيم عصابة وظفه المستعمر لهذا
جميل أنت أبي ومبدع
أجدت لغةً وفكرًا وسردا غير أني أحببت في الحوار الأخير الذي تبدت فيه الخطابية الصريحة أن يتناسق مع الأسلوب الذي انتهجته منذ البداية
شكرا لك مبدعنا الجميل أمتعتني وتعاطفت مع شخوصها بقوة
مودتي وكثير تقديري

مصطفى حمزة
09-01-2013, 02:14 AM
أخي الأكرم الأستاذ معزوز
أسعد الله أوقاتك أيها النبيل
نصّ جميل ، وسرد سلس ، تعبق به العاطفة النبيلة والحميّة والغيرة على الأرض الطيّبة ومن عليها من الأطهار .
لكنني شعرتُ بخلل ما في هذه العبارة ( "لم تعد الأيام جميلة كما كانت في السابق، رغم غياب ما يُسمى بالسياسة و القانون آنذاك، لأننا كنا نُخفي ذلك في قلوبنا، فشرعُ الله و الأعراف كانا يقفان حاجزاً يُحاسب و بِعدل من يتجاوز حدودهما الحمراء". ) !
بانتظار التكملة
دمتَ بخير

معزوز أسامة
09-01-2013, 03:19 AM
الاخ اسامة
تحية البطولة والعزة
لك قلم يطيعك فتنثر الدرر.. سردك جميل وماتع ويخطف الانفاس.ولغتك أدبية سلسة تصور المشاهد بروعة.شكرا لك على هذا القص المائز

النبيلة سعاد تحية أخوية عطرة

أطربني مرورك و الثناء الجميل و عاجز أن أرد جميلك ... فلا تلوميني أرجوك.

لك مني كل الشكر و أجزله ...دمت بخير

أسامة .

معزوز أسامة
09-01-2013, 03:34 AM
هؤلاء هم الشبيحة المرتزقة يعيثون في الأرض فسادا، غُسلت أدمغتهم بوجبات الدماء التي يمصونها مقابل ولاء لزعيم عصابة وظفه المستعمر لهذا
جميل أنت أبي ومبدع
أجدت لغةً وفكرًا وسردا غير أني أحببت في الحوار الأخير الذي تبدت فيه الخطابية الصريحة أن يتناسق مع الأسلوب الذي انتهجته منذ البداية
شكرا لك مبدعنا الجميل أمتعتني وتعاطفت مع شخوصها بقوة
مودتي وكثير تقديري

الأستاذ الفاضل"وليد عارف الرشيد" لاطلالتك البهية نور لامس شغاف الفؤاد و أسعدني جدا ان كان للنص وقع استحسنته ذائقتك الأدبية الغنية عن التعريف.

أما الشبيحة فلهم شأن آخر سيتم رفع الحجاب عنه في التتمة و لذلك أتمنى أن تبقى قريب ...

تحاياي العطرة .

عبد السلام هلالي
09-01-2013, 03:39 AM
قرأتها واستمتعت باللغة الجميلة الطيعة وانسيابية السرد .
سأنتظر تتمتها بشوق.
تحيتي وتقديري.

معزوز أسامة
09-01-2013, 04:01 AM
أخي الأكرم الأستاذ معزوز
أسعد الله أوقاتك أيها النبيل
نصّ جميل ، وسرد سلس ، تعبق به العاطفة النبيلة والحميّة والغيرة على الأرض الطيّبة ومن عليها من الأطهار .
لكنني شعرتُ بخلل ما في هذه العبارة ( "لم تعد الأيام جميلة كما كانت في السابق، رغم غياب ما يُسمى بالسياسة و القانون آنذاك، لأننا كنا نُخفي ذلك في قلوبنا، فشرعُ الله و الأعراف كانا يقفان حاجزاً يُحاسب و بِعدل من يتجاوز حدودهما الحمراء". ) !
بانتظار التكملة
دمتَ بخير

أستاذي الفاضل"مصطفى حمزة"

طابت أوقاتك أيها الكريم

غمرتني أمواج اطراءك الشامخة و لاطاقة لي بردها ... كيف لي بردها ..لا و الله.

أما التكملة أستاذي حمزة فلازالت القصة طويلة و أخشى أن يتلاشى خيط تتبُعها من يد السادة و الأحبة و لهذا أطلب منك أن تساعدني في ايجاد حل ...أنتظرك و انا تحت أمرك فيما ترى .

كل الود و التحايا العطرة لنفسك النبيلة .

أسامة

معزوز أسامة
21-01-2013, 10:39 PM
...
صرخ الجندي في وجه أبي و قَطَع حبل كلامه و أمره بالصّمت وإلاّ... ؟
- و إلاّ...و إلاّ ماذا؟، و هل تحسبني أخشاك أو عبداً لسيّدك(لا و الله)، تأكد يا هذا أنّ أمهاتنا أنجبتنا أحرارًا و سنبقى و نحيا كذلك ولن نركع إلاّ لربّ الأحرار، و تأكّد أنّنا سنرضى بالموت كيفما كان في سبيل حُريتنا و في أيّ وقت... أمّا المذلّة و الخُذلان فسنتركها لك و للخنازير أمثالك، (تفو) عليك و على أصنامك.
و هو يمسح البُصاق الطاهر عن وجهه الذّليل، ادّعى أنّ والدي خائن متآمر على تدمير الوطن!، ثمّ غمز مَنْ كانا على جانِبَيْه، و بِحَركة هِستيريّة ضربهما على قفاهما، و بسرعة قام أحدهما بتكبيل أبي من يديه و رجله، أما الخبيث الثاني فاغتنم ضُعفَنَا و بوحشيةٍ شنيعة سحب أمّي من رجلها النّحيفة و لطمها بعرض الحائط ما جعلها تسكن في زاوية البيت مُغما عليها، ثمّ اقترب سيدهم من أختي، "جُمانة" البهيّة التي لم تتفتّح كل ورودها بعد، شعرها الطّويل أمواج ذهبية مُسترسَلَة، ثغرها الصّغير خاتم دري لامع، لكنها ما لبثت حتى صار سحر جمالها مجرد قصة من الماضي، بعد أن أمسكها العربيد و بقوّة ليُجبِرَها و يجرّها إلى خارج البيت و باقي الكلاب يغنّون أغنية الأفراح و كأنّه سيزفُّها إلى بيتها الزوجي!.
بقي الجميع يصفّق و يرقص و هو يسحبها و هي تصرخ و تُقاوم علّها تُفلت من قبضة يديه الحديدية أمام أول دمعة أراها تتسل حُرقة و ألما من عيون والدي المكبل جسمه الأبيّ المتصدي لعدوان الاستعمار سنوات عديدة، فما كان بوسعه سوى الصراخ عليهم و إرعابهم بعذاب الله و انتقامه لنا، أما والدتي فلازالت مغميّا عليها!.
صُراخ أختي يرتفع، يصلُ إلى ذروة الألم و القهر، صُراخها يعلو و يعلو، شهقةٌ من أعماقها زعزعت صُمُود الكون، أختي تصمت، لا أسمع أنينها، سُكُونٌ قاتمٌ قاهرٌ يلقي بأشرعته على بيتنا، قلوبنَا، صمتٌ فصمتٌ، لا صوت لنبض الحياة!.
و هو يبكي بكاء مريرا صرخ والدي بعد عودة سيدهم من خارج البيت دون أختي: "أين هي ابنتي، ماذا فعلت بها، أين هي يا كلب"، فما كان من الظالم سوى أن سلّ سكينا حادا من نفس الجيب الذي دس فيه لسان ابي قبل أن يجف من دمه بعد أن تألق في قطعه و بتأنٍ شديد و تَلَذُّذٍ مقيت، ثم مسح سكينه على وجهه ليقول مُستهزئا:"هذا نصيب من طال لسانه على ربّه، و هذه أجمل هدية سأحتفظ بها". و بعدها اصطفت كل كلابه المسعورة و أفرغت أمعاء رشّاشتها و كأنّها تتنافس على تمزيق جسد أبي المكبل الطّاهر المنتفض كطائر أصابه المطر أمام نيراهم الحاقدة.
أما أنا و في حالة خوف و ذعر و بكاء شديدين، كادت روحي تنسلّ من حشرجتها البائدة، أسرعتُ لخارج البيت بعد أن غادر الكلاب بيتنا تحت قهقهات و إطلاق رصاص عشوائي و رقصات فاجرة ماجنة لِأجد أختي عاريةً من لباسها...من روحها، ممزقةً أوصالها، منهوشاً ثغرها، صدرها، رأسها الصغير مُعلق بحبل تدلى من شجرة التين المقابلة لباب بيتنا. سحبتها على مهل و دماء عينيّ تكتب على جسدها المضمّخ كلمات الأسى و لوعة الفراق بعد أن فككت العقدة المحُكمة على رأسها الصغير ثم أدخلتها إلى البيت و بقيت أُرتب شتاتها. أما أمّي فلازالت ساكنة في زاوية الغرفة! .

**********
لم تكن الأيام الفاصلة بين الفاجعة و رحيلنا عن الريف طويلة، حيث قررت أمي المغادرة بعد أن أقدمت دون تردد على بيع كلّ ما تملك من مصاغ حتى قلادتها العزيزة إلى قلبها من أبي أيّام خِطبتها، هَمُهَا أن تنجو بابنها الوحيد لئلاَّ تطوله يد البطش و الظّلم.
غادرنا الوطن و سافرنا إلى حيث لا ترانا عين العدوّ و لا يمتدّ إلينا سوطه. كانت البداية في حيّ قصديري، حيث اشتغلت أمّي كمنظّفة في أحد البيوت الرّاقية الغنيّة، تخرجُ من البيت و لحاف الظّلام لم تتلاش كلّ خيوطه بعد و لا تعود إلاّ و بيديها المُرهقتين شمس النّهار لتُسلّمها لدنيا الصّمت و السّكون ضمانًا لديمُومة دراستي و معاشي، لم أشعر يومًا بضجرها، بتعبها، رغم ذبولها وتدهور صحتها! .
طالت الأعوام و لازلنا نتضوّر من يومٍ لآخر مرارة شوقنا لبيتنا، للوطن... انتقلتُ بين أطوار التّدريس بتميّز و اجتهاد و مُحرزا الرُّتب المتقدّمة راجيا الوصول الى ما يُمَكّنُنِي من الأخذ بالثأر، فلم أجد سوى القانون!، و بعد سنوات قليلة نُصّبتُ في مكتب قانوني راقٍ، اشتريت من مدخوله السخي مسكنا جميلا، لكن و رغم كلّ المحاولات في إخماد نار الشوق الملتهبة في روحنا لم نستطع أن نصبر أكثر... فأمي قد لَفَحَهَا فِراق المدينة و أهلها و أرقَ جفنيْها سنوات عديدة، فقالت لي يومًا و تضاريس وجهها محفوفة بشرائط همٍّ سوداء، بأنّاتٍ حَشرَجَتْ روحها لم تتركها سوى جُثّة تراقصت كلّ صرخات الوجع على نحافتها:
"دعنا نعُد يا بُني، دعنا نعُد..."
و كانت العودة بالفعل و من هناك بدأت مراسمها ...أقصد من المكان الذي رسمت فيه أمي بغصنٍ صغير حملته من على أرض المقبرة القاحلة...الساكنة إلاّ من تمتمات الموت المترددة الخالدة هناك، رسمت حُدود قبرها على يمينه و قالت بنبرة تجرّ الخُطى"إيّاك أن تدفنني بعيدًا عنهما يا بنيّ، بل أريده ههنا"
هكذا كانت عودتُنا كوَدَاعنا لوالدي و أختي جُمانة مُذ عشرين عاما، كان علينا ان ندفنهما جنبا إلى جنب. و لا شك في قُدوم وقت قد يكون قريبا و نجتمع مرة ثانية و نتلاحم كتلاحُمنا في ذلك اليوم المهيب؟.

طال جلوسنا بين روحيهما الطّاهرتين، و آيات الأسى و الحزن تُرتَّلُ بأفواه البيوت القريبة الجاثية على خرابها و دمارها إخلاصًا من أهل الريف لأبنائهم...لأحفادهم...لصغاره م...لكبارهم، حتى تُطبع و للأبد وصمة العار المقيتة على جبين نظام هَتك و شرّد و سفك و قتل دون رحمة!؟.

***********
دَعَوتُها للعمل بجانبي و جعلِها ...

يُتبع...

آمال المصري
22-01-2013, 09:01 PM
ولجت للجزء الثاني ولم أعرف كيف فاتني قراءة هذا الجزء بلغته الأنيقة وسلاسة السرد الذي يجذب المتلقي لتتركنا وشوقنا للآتي
سأكون هناك للمتابعة وهنا لي عودة لربط الأحداث دائما حتى التتمة رغم أنني أفضل دائما إدراج الأجزاء معا
بوركت اليراع التي نسجت واحدة من قصص البطولة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

آمال المصري
22-01-2013, 09:25 PM
سرد أكثر من رائع ولغة باذخة وانتقال سريع بنا عبر الأحداث يجعلنا لانمل الحكاية رغم ماتحمله من أسى
مازلت متابعة حتى النهاية
وشكرا لك أديبنا على العطاء
تحاياي

ناديه محمد الجابي
22-01-2013, 10:26 PM
الأخ الفاضل / معزوز أسامة
أولا .. وقبل كل شىء كنت أتمنى أن لا تفصل الجزء الثانى
عن الجزء الأول من القصة , ليتمكن القارىء من المتابعة والأسترسال .
عندك حق فى أن يكون لهذة القصة مكانتها الخاصة فى نفسك وقد صيغت
من الألام المرة والمعاناة ..
إنك تجيد السرد وبأسلوب جميل ماتع يأخذ عقل المتلقى , وإن كان يمكن
تكثيفه لتنجو من لغة الخطابة والتقريرية .
مازلنا متابعين معك بكل الأهتمام بقية الأحداث .
دام ألقك ولك التحايا .

كاملة بدارنه
22-01-2013, 11:59 PM
سرد رائع ومشوّق ينبّئ بكاتب روائيّ متمكّن من أدوات السّرد والقصّ
بوركت وبورك إبداعك
تقديري وتحيّتي

معزوز أسامة
10-02-2013, 02:10 AM
سرد أكثر من رائع ولغة باذخة وانتقال سريع بنا عبر الأحداث يجعلنا لانمل الحكاية رغم ماتحمله من أسى
مازلت متابعة حتى النهاية
وشكرا لك أديبنا على العطاء
تحاياي


كعادتك دائما ما يغرقني ثناؤك ...
الرائعة آمال لك مني شاهق ودّ و تقدير .

أسامة

معزوز أسامة
10-02-2013, 02:13 AM
الأخ الفاضل / معزوز أسامة
أولا .. وقبل كل شىء كنت أتمنى أن لا تفصل الجزء الثانى
عن الجزء الأول من القصة , ليتمكن القارىء من المتابعة والأسترسال .
عندك حق فى أن يكون لهذة القصة مكانتها الخاصة فى نفسك وقد صيغت
من الألام المرة والمعاناة ..
إنك تجيد السرد وبأسلوب جميل ماتع يأخذ عقل المتلقى , وإن كان يمكن
تكثيفه لتنجو من لغة الخطابة والتقريرية .
مازلنا متابعين معك بكل الأهتمام بقية الأحداث .
دام ألقك ولك التحايا .

الجميلة نادية تحية عطرة لك

ماكنت لأفعل ذلك لولا خشيتي كما قلت من قبل أن يتلاشى خيط تتبعها من يد الاحبة

ألف شكر لمرورك البهيّ ...

سموات تقدير

أسامة

أحمد عيسى
10-02-2013, 02:14 AM
تبدو اللغة قوية والسياق يشد الانتباه
رغم أن القص لم يكتمل


بالانتظار أخي الفاضل

كن بخير

معزوز أسامة
10-02-2013, 02:16 AM
سرد رائع ومشوّق ينبّئ بكاتب روائيّ متمكّن من أدوات السّرد والقصّ
بوركت وبورك إبداعك
تقديري وتحيّتي

الكريمة الأستاذ الراقية كاملة بدرانة ... بورك تواجدك السخي ...

قوافل احترام و ودّ

أسامة.

معزوز أسامة
10-02-2013, 02:20 AM
قرأتها واستمتعت باللغة الجميلة الطيعة وانسيابية السرد .
سأنتظر تتمتها بشوق.
تحيتي وتقديري.

الجميل المبدع صديقي عبد السلام هلالي ...وكم استمتعت بمرورك الجميل ...

تحاياي...

أسامة

معزوز أسامة
10-02-2013, 02:22 AM
ولجت للجزء الثاني ولم أعرف كيف فاتني قراءة هذا الجزء بلغته الأنيقة وسلاسة السرد الذي يجذب المتلقي لتتركنا وشوقنا للآتي
سأكون هناك للمتابعة وهنا لي عودة لربط الأحداث دائما حتى التتمة رغم أنني أفضل دائما إدراج الأجزاء معا
بوركت اليراع التي نسجت واحدة من قصص البطولة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

الجميلة الراقية آمال المصري لمرورك ألف وردة ...
ابقيّ في القرب

أسامة

مصطفى حمزة
10-02-2013, 02:30 AM
أستاذي الفاضل"مصطفى حمزة"

طابت أوقاتك أيها الكريم

غمرتني أمواج اطراءك الشامخة و لاطاقة لي بردها ... كيف لي بردها ..لا و الله.

أما التكملة أستاذي حمزة فلازالت القصة طويلة و أخشى أن يتلاشى خيط تتبُعها من يد السادة و الأحبة و لهذا أطلب منك أن تساعدني في ايجاد حل ...أنتظرك و انا تحت أمرك فيما ترى .

كل الود و التحايا العطرة لنفسك النبيلة .

أسامة
أسعد الله مساءك أخي الحبيب معزوز
أنا مَن تحتَ أمرك ... ولكن لم أفهم بالضبط طلب المساعدة ! عندما كتبتُ لك في ردّ ( بانتظار التكملة ) كان ذلك تعقيباً على كلمتك ( يتبع )
دمتَ بخير

معزوز أسامة
10-02-2013, 02:32 AM
***********
دَعَوتُها للعمل بجانبي و جعلِها المَاسك الأول و الوحيد لِزِمام كل أمور العمل في غيابي، و بإتقان و تفان كانت تُنفذ ما أطلب و تبالغ أحيانا، ما آل إلى إعجابي بها و بأخلاقها... فكلّ الطّباع الحسنة و القِوام الفاتنة تلخّصت في ذاتها و جسدها...كانت نسخةً أخلاقيةً لا تكاد تختلف عن أمّي في أيّ شيء و صورة جمالية تعكس ما كانت أختي جمانة عليه من رونق و بهاء.
لم أكن أحبّها من قبل، بل لم أكن أعرفها في الأصل...زيارةٌ واحدةٌ منها مع والدتها يوم عودتنا كانت كافيةً لغرس سهم سِحرها الفاتن في قلبٍ لم يذُق طعم الحبّ من قبل...قلب كان شُغله الشّاغل التميّز في كلّ مراحل حياته و إعانة أمّه و مساعدتها و الانتقام في أول فرصة تسنح له فكانت الانسانة المناسبة إن لم تكن الوحيدة، ما جعلني أطلب منها المساعدة في تأسيس منظمة أردتها تحت حُكم الدولة و رقَابَتِهَا حتى لا يُكشف لي أمر دبرته معها لَيّلَ نَهَار و لوحدي منذُ سنوات عديدة من أجل شيء واحد...واحد و فقط...و لابد أن يتحقق، و كم كان لعملي بالمسار القانوني خارج الوطن صداه في كسب ثقة أصحاب القرار و جعلهم يتخذون تدابير قانونية و غير قانونية كما فعلوا مع غيري لأصبِح في رمشة من العين مُستشارا قانونيا تقوده يد الحكومة أينما شاءت دون أن تعي إلى أين سينتهي بها المطاف في الأخير و بأي طريقة سأبّترها ؟.

لم تُصدّق أمي حينما قلت لها أنني اتّفقت مع (لمياء) على خطبتها وهي موافقة، ثم سألتها و على وجهي مسحة فرح لا توصف "ما رأيك أن تذهبي في طلب يدها من أمّها، فوالدها هو الآخر ذهب وسط زُحمة الظلم و الغدر "...لم أكن قد أكملت كلامي بعد كانت أمّي حينها قد انتهت من ستر شعرها الطويل السنبلي و جسدها الذي بدأ يكسب صحته من جديد، ثم سحبتني من يدي بقوّة كتلميذ يُساق الى المدرسة لأول مرة في حياته: "و هل هذا الطّلب يُردّ يا بُنيّ...و من ذا الّذي يرفض أن يرى أحفاده يلعبون و يمرحون أمام عينيه...هيّا نذهب قبل أن يخطفها غيرك"...تمازحني و في عينيها بريق سعادة لامع.
وافقت والدتها دون تردّد، بل سعدت بذلك أيّة سعادة. أمّا عمّها رضا فلم يُعارض كونه صديق والدي و أدرى النّاس بنا، لكن بشرط أن أعجل في الزّواج. فكان قبولهم بمثابة الدّافع في تضافر جهودي و السّعي المُرهق أحيانا بُغية الإسراع في إقامة زفافي و لجعله مُميّزا يرفع عن قلب الريف حجاب الحزن الحالك و يسقط أوراق النّكبات اليابسة عن أشجاره.

***********
بلغت السعادة مداها, و صافحت يداها عنان السماء، و الحياة بُعثت من جديد و أشرعة الهناء البيضاء الشاسعة نفضت عنها غُبار الفزع القاتم الثقيل و أذنت لريح الطمأنينة التي لطالما انتظر هبوبها أن تقول للخوف و القهر آن لك الرحيل...

إلى عنان السماء بلغ ابتهاجه و كان سيبقى لولا ذلك اليوم...يوم انصرافه من عمله و أفكاره الكثيرة و المبعثرة بين ألم الماضي و طموح المستقبل لا تزال رابضة على ذهنه دون أن تلفحها حرارة الشمس الحارقة للمدينة و أهلها، حاول جاهدا في لملمتها غير أن ما استقرت عليه عيناه بخّر كل ما جمعه من شتات...تجمُّع الكثير من الكبار و الصغار...نساء و رجال أمام مبنى حكومي يحملون بأيمَانِهِم أغصان زيتون و بشمائلهم شِعارات تُطالب بالحرية و تحقيق المطالب المشروعة و لكن و رغم سِلمِيَتِها لم تشأ الحكومة سوى نشر جنودها التي حاصرتهم من كل جانب فاعتقلت ما شاء لها أن تعتقل ثم فرّقت الباقي بكل أنواع الظّلم و القهر .
لم تبق سوى ساعات قليلة من موعد زفاف حبيبتي لبيتي...اجتمع كل أصحابي و أحبابي في بيتنا، ضحكنا و أنشدنا و أكلنا ما لذّ و طاب، كانت السعادة مترّبعة في عين و قلب كل واحد منا، أما أمي فيعجز اللسان عن وصف فرحتها بابنها الوحيد...حركاتها...كلامها...ك ما كانت عليه يوحي بأنها عادت الى شبابها الجميل المطعون في ظهره لاحقا. و نحن كذلك، اذا بشاب عيونه تشع بالفجيعة يدخل باحة البيت مُسرِعًا مرتبكا" العسكر...العسكر في كل مكان"، تغلغل الخبر كالصاعقة في قلوبنا و نثر غبار الأسى في عيون كانت سعيدة لتوّها، انتفضنا و تأهب كل واحد منا عِلمًا بظلم الحكومة و شدة سطوها على المناطق الريفية بالتحديد تفريغا لشحنة غضبها كما فعلت من قبل و كنت أول المُشككين بما سيحدث، غير أني لم أكن أتوقع أنه سيكون بهذه السرعة الماقتة الحاقدة!!!.
لم يكن أغلب الحاضرين قد غادر بيتي بعد، اذا بـ....

***يتبع***

أحمد عيسى
10-02-2013, 02:39 AM
الأستاذ القدير : معزوز أسامة

تبدو قصة طويلة أو رواية قصيرة ، المهم أننا نحب أن نتابعها في متصفح واحد
لكي لا تضيع الخيوط منا ، ولكي لا يزدحم القسم بأجزاء القصة المنفصلة

وأرجو من الأخوة في الاشراف العمل على الدمج ان سمحت أنت بذلك

تقديري

براءة الجودي
10-02-2013, 03:12 AM
ربيع بلون الموت
سردك ممتع يتحدث عن واقعنا اليوم , سأنتظر التكملة ي هذه الصفحة فإني مؤيدة لقول ألأستاذ أحمد عيسى

ربيحة الرفاعي
23-04-2013, 08:07 PM
ربيع شدنا للمتابعة بمشوق السرد
وسأحرص على المتابعة

دمت بخير

تحاياي

ربيحة الرفاعي
23-04-2013, 08:32 PM
تم من بعد إذنك دمج الأجزاء الثلاث لتسهيل المتابعة على القارئ

دمت بألق

تحاياي

قوادري علي
23-04-2013, 08:41 PM
نتابع السرد المشوق
شكرا جزيلا كاتبنا معزوز

نداء غريب صبري
12-08-2013, 07:41 AM
رائع أخي
رائع وصادق واسلوبك سلس جميل ولغتك ايضا
أحسنت في وصفهم وعبرت عن قذرارتهم وارواحهم الملوثة بدماء أهلنا التي سمكوها

شكرا لك أخي

بوركت