تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عاجل.. 3



عبد السلام دغمش
12-01-2013, 05:41 PM
عاجل.. 3( الأخيرة)

- أو لم يكفِهِ ذلك كلُّهُ ليستَفِقْ و يدَعْ تلكَ القَنَوات جانِباً ويرجِعُ إلينا بروحهِ بعد أن كان حاضِراً بيْنَنا بدَناً و ذِهنُهُ شارِدٌ في الأخبارِ سابِحٌ بين الفضائيّات؟
كان َ ذلكَ ما حدّثتْ بهِ زوجتُهُ نفسَها ..وهي لم تستطعْ أن تخفي سَعادتها المكنونة بعد ما حصل مع زوجها بالمقهى..ولمْ يكُنْ في ذلك شماتةً به أو تشفّياً منه ..وأنّى لها ذلك و هما رفيقا دربٍ استهلاّه قبلَ خمس عشرةَ سنةٍ في شقّتهم ذات الغرفتين وانتهتْ في ذات المكان حيث هم الآن ..! غير أنها رأتْ في ذلك الموقف على مشقّته عليه خلاصاً لَهُ مما ألمّ به من انشغالٍ عنها وانصرافٍ عن شؤون البيت و متطلباته بسبب تسلّط الفضائيّات عليه أو قلْ تسلّطُه عليها..
لم يرُقْ لها أن تراه جاحظاً عينيه في شاشة التلفاز..ولم يكن همّها في المقام الأوّلِ ما يسمع بلْ من يرى..كانت تتلوّى غيرةً من مقدّمة نشرة الأخبار فهي عاجزةٌ مهما صنعتْ عن مُجاراتها..فكانتْ عيناها تتنقّلان ما بين حَركاتِ تلك المذيعة وَما بين وجْهِ زوجِها تقرأُ فيهِ علامات التعجّب حيناً و الإعجاب حيناً آخر..ولو كان باستطاعتها ان تجعلَ عيناً هنا وعينا ً هناك لفعَلتْ و لكنّها سنّة الله في خلقه.
أخذت تحرّضُه و تحثّهُ أنْ يطْرحَ الأخبارَ و الفضائيّات جانباً، فقالت له : دعك من هذا الشأن ونمْ قرير العين واتركِ الأمرَ لاهلهِ وأنت لست أهلاً له..
أمّا صاحبنا فقدْ بدأت تنقبضُ نفسُه و يضيقُ صدرُهُ بعدما رأى أنْ لا طائل ممّا هو فيه ..فلم يرَ من جُلِّ ما يسمعُهُ إلا نفخاً في الهواء لا يغني صاحبَهُ منْ جوع..ولكنْ لا يزال لديهِ همٌّ يؤرّقهُ وهو كيف له أنْ ينفكّ ممن يستفزونه بكلمةٍ هنا وسؤالٍ هناك..؟ فقرّرأن يتوجّه لصديقه البقّال وهو صاحبُ حظوةٍ عنده و كلمته- منْ بعدِ زوْجَتِهِ- مسموعةٌٌ لديه ،والبقّال- لمن لا يعرفه : صاحبُ فكرة الصحيفة البائتة بربع الثمنِ والتي كان يرسلُها إليه – متخمّرةً- اما الآن فلا صحيفة و لا خميرة!
...حذّره البقّال من" بني طيّة" وإليهم تنتسب " ديمقراطية" و بيروقراطية " فهم يخفرون الذمّة و لا يحفظون العهد..ونصحَه بأن يواجه من يستفزّه بعبارة من كلمتين فحَسبْ: " انا معتدل" وبذلك ينوءُ بنفسهِ عن اليمين و اليسارِ و التقدّم و الرّجعيّة و العلوّ و الانبطاح و غيرها من الاتجاهات! إستحسن صاحِبُنا الفكرةَ و راقتْ له العبارة و صار يروّض لسانهُ عليها حتّى استظهرها.
..مرّت أيام و هو على ذلك الحال يهتفُ من حينٍ لآخر :" انا معتدل..معتدل"، حتّى عادَ ذات يومٍ لبيته مقطّب الجبين .زائغَ العينين،وكان سهلاً على زوجتِهِ أن تقرأ في قسمات و جهه أَحاسيسه الدفينة..
- قل لي : ما بك ؟أظهرَتْ تلكَ العجوزُ مرّةً أخْرى أم هو" مرتضى" ؟
- لا هذا و لا تلك، كنتُ عند المزيّن فغلبتني غفلة ..ما إن إنتبهتُ من غفلتي إلاّ وهو يسألني عن مفرق شعري على اليمين أم على اليسار..فصرخت فيه : معتدل..معتدل!

مدّت كفّها لتتشابك مع كفّهِ بعد انْ أطلقا ضحكتين معاً متحدّين شاشةً سوداء صامتةً كانتْ أمامهم..

- إنتهى-

سهى رشدان
12-01-2013, 10:29 PM
أعجبتني
لغتك قوية
وسردك متقن الحضور
شكراً
كل تقديري

عبد السلام دغمش
13-01-2013, 03:00 AM
أعجبتني
لغتك قوية
وسردك متقن الحضور
شكراً
كل تقديري

الأخت سهى
شكرًا لمرورك المزهر بين السّطور ..
مع خاص تحيّاتي

كاملة بدارنه
13-01-2013, 03:05 AM
سرد ممتع وخاتمة لطيفة ...
تمنّيت مراجعة التّشكيل قبل النّشر

أو لم يكفِهِ ذلك كلُّهُ ليستَفِقْ و يدَعْ تلكَ القَنَوات جانِباً ويرجِعُ إلينا
لمّ تسكين الأفعال؟
بوركت
تقديري وتحيّتي

عبدالإله الزّاكي
13-01-2013, 06:15 AM
عاجل.. 3( الأخيرة)


...حذّره البقّال من" بني طيّة" وإليهم تنتسب " ديمقراطية" و بيروقراطية " فهم يخفرون الذمّة و لا يحفظون العهد..ونصحَه بأن يواجه من يستفزّه بعبارة من كلمتين فحَسبْ: " انا معتدل" وبذلك ينوءُ بنفسهِ عن اليمين و اليسارِ و التقدّم و الرّجعيّة و العلوّ و الانبطاح و غيرها من الاتجاهات! إستحسن صاحِبُنا الفكرةَ و راقتْ له العبارة و صار يروّض لسانهُ عليها حتّى استظهرها.
..مرّت أيام و هو على ذلك الحال يهتفُ من حينٍ لآخر :" انا معتدل..معتدل"، حتّى عادَ ذات يومٍ لبيته مقطّب الجبين .زائغَ العينين،وكان سهلاً على زوجتِهِ أن تقرأ في قسمات و جهه أَحاسيسه الدفينة..
- قل لي : ما بك ؟أظهرَتْ تلكَ العجوزُ مرّةً أخْرى أم هو" مرتضى" ؟
- لا هذا و لا تلك، كنتُ عند المزيّن فغلبتني غفلة ..ما إن إنتبهتُ من غفلتي إلاّ وهو يسألني عن مفرق شعري على اليمين أم على اليسار..فصرخت فيه : معتدل..معتدل!

مدّت كفّها لتتشابك مع كفّهِ بعد انْ أطلقا ضحكتين معاً متحدّين شاشةً سوداء صامتةً كانتْ أمامهم..

- إنتهى-

أنت بارع أخي الأديب عبد السلام دغمش في النقد الساخر، تمتلك دراية كبيرة أدبية و لغوية و علمية في كل المواضيع التي تطرحها. استمتعت كثيرا بقراءة الفصول الثلاثة لهذا النص البديع الذي تناولته بأسلوب مهذب و راقي.

تحياتي لك أديبنا الممتع و بالغ تقديري.

عبد السلام دغمش
13-01-2013, 01:50 PM
سرد ممتع وخاتمة لطيفة ...
تمنّيت مراجعة التّشكيل قبل النّشر

لمّ تسكين الأفعال؟
بوركت
تقديري وتحيّتي

الأخت كاملة
أشكر لكم مروركم و تدقيقكم للنص
حاولت قدر الامكان أن أتلافى هذه الاخطاء و لا أدري ان فاتني شيءٌ منها
مع وافر التحية

آمال المصري
13-01-2013, 03:32 PM
ثلاثية متكاملة بديعة وكانت ختامها مسك فالاعتدال خير الأمور
أتقنت سردا ولغة وفكرة أديبنا الفاضل
دام ألقك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

عبد السلام دغمش
13-01-2013, 09:09 PM
أخي سهيل المغربي
يسعدني قراءتُكم المتأنّية للنصّ..ودمتم كالنخل الباسقات لهذه الواحة الغنّاء..
..بالغ تحيّاتي

عبد السلام دغمش
13-01-2013, 11:49 PM
ثلاثية متكاملة بديعة وكانت ختامها مسك فالاعتدال خير الأمور
أتقنت سردا ولغة وفكرة أديبنا الفاضل
دام ألقك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

الأخت الأديبة آمال المصري
تشرّفني هذه المشاركة و الردّ من لدنكم أختنا الفاضلة
دمتم و دامت الواحة

ربيحة الرفاعي
05-02-2013, 10:45 PM
رائع
كان هذا الجزء الأجمل من ثلاثيتك
تفوق سردا ولغة وأسلوبا

أثني على ملاحظة الأديبة كاملة بدارنة

تحاياي

عبد السلام دغمش
08-02-2013, 03:14 AM
رائع
كان هذا الجزء الأجمل من ثلاثيتك
تفوق سردا ولغة وأسلوبا

أثني على ملاحظة الأديبة كاملة بدارنة

تحاياي

الأخت ربيحة الرفاعي
تشرفت بمروركم وسررت لاعجابكم بالنص
شكرًا لملاحظتكم والأخت كاملة
دمتم و دامت الواحة

محمد الشرادي
08-02-2013, 04:27 AM
عاجل.. 3( الأخيرة)

- أو لم يكفِهِ ذلك كلُّهُ ليستَفِقْ و يدَعْ تلكَ القَنَوات جانِباً ويرجِعُ إلينا بروحهِ بعد أن كان حاضِراً بيْنَنا بدَناً و ذِهنُهُ شارِدٌ في الأخبارِ سابِحٌ بين الفضائيّات؟
كان َ ذلكَ ما حدّثتْ بهِ زوجتُهُ نفسَها ..وهي لم تستطعْ أن تخفي سَعادتها المكنونة بعد ما حصل مع زوجها بالمقهى..ولمْ يكُنْ في ذلك شماتةً به أو تشفّياً منه ..وأنّى لها ذلك و هما رفيقا دربٍ استهلاّه قبلَ خمس عشرةَ سنةٍ في شقّتهم ذات الغرفتين وانتهتْ في ذات المكان حيث هم الآن ..! غير أنها رأتْ في ذلك الموقف على مشقّته عليه خلاصاً لَهُ مما ألمّ به من انشغالٍ عنها وانصرافٍ عن شؤون البيت و متطلباته بسبب تسلّط الفضائيّات عليه أو قلْ تسلّطُه عليها..
لم يرُقْ لها أن تراه جاحظاً عينيه في شاشة التلفاز..ولم يكن همّها في المقام الأوّلِ ما يسمع بلْ من يرى..كانت تتلوّى غيرةً من مقدّمة نشرة الأخبار فهي عاجزةٌ مهما صنعتْ عن مُجاراتها..فكانتْ عيناها تتنقّلان ما بين حَركاتِ تلك المذيعة وَما بين وجْهِ زوجِها تقرأُ فيهِ علامات التعجّب حيناً و الإعجاب حيناً آخر..ولو كان باستطاعتها ان تجعلَ عيناً هنا وعينا ً هناك لفعَلتْ و لكنّها سنّة الله في خلقه.
أخذت تحرّضُه و تحثّهُ أنْ يطْرحَ الأخبارَ و الفضائيّات جانباً، فقالت له : دعك من هذا الشأن ونمْ قرير العين واتركِ الأمرَ لاهلهِ وأنت لست أهلاً له..
أمّا صاحبنا فقدْ بدأت تنقبضُ نفسُه و يضيقُ صدرُهُ بعدما رأى أنْ لا طائل ممّا هو فيه ..فلم يرَ من جُلِّ ما يسمعُهُ إلا نفخاً في الهواء لا يغني صاحبَهُ منْ جوع..ولكنْ لا يزال لديهِ همٌّ يؤرّقهُ وهو كيف له أنْ ينفكّ ممن يستفزونه بكلمةٍ هنا وسؤالٍ هناك..؟ فقرّرأن يتوجّه لصديقه البقّال وهو صاحبُ حظوةٍ عنده و كلمته- منْ بعدِ زوْجَتِهِ- مسموعةٌٌ لديه ،والبقّال- لمن لا يعرفه : صاحبُ فكرة الصحيفة البائتة بربع الثمنِ والتي كان يرسلُها إليه – متخمّرةً- اما الآن فلا صحيفة و لا خميرة!
...حذّره البقّال من" بني طيّة" وإليهم تنتسب " ديمقراطية" و بيروقراطية " فهم يخفرون الذمّة و لا يحفظون العهد..ونصحَه بأن يواجه من يستفزّه بعبارة من كلمتين فحَسبْ: " انا معتدل" وبذلك ينوءُ بنفسهِ عن اليمين و اليسارِ و التقدّم و الرّجعيّة و العلوّ و الانبطاح و غيرها من الاتجاهات! إستحسن صاحِبُنا الفكرةَ و راقتْ له العبارة و صار يروّض لسانهُ عليها حتّى استظهرها.
..مرّت أيام و هو على ذلك الحال يهتفُ من حينٍ لآخر :" انا معتدل..معتدل"، حتّى عادَ ذات يومٍ لبيته مقطّب الجبين .زائغَ العينين،وكان سهلاً على زوجتِهِ أن تقرأ في قسمات و جهه أَحاسيسه الدفينة..
- قل لي : ما بك ؟أظهرَتْ تلكَ العجوزُ مرّةً أخْرى أم هو" مرتضى" ؟
- لا هذا و لا تلك، كنتُ عند المزيّن فغلبتني غفلة ..ما إن إنتبهتُ من غفلتي إلاّ وهو يسألني عن مفرق شعري على اليمين أم على اليسار..فصرخت فيه : معتدل..معتدل!

مدّت كفّها لتتشابك مع كفّهِ بعد انْ أطلقا ضحكتين معاً متحدّين شاشةً سوداء صامتةً كانتْ أمامهم..

- إنتهى-

أخي عبد السلام.

سخرية موفقة من موضة العصر. الجميع الآن يتحدثون عن الاعتدال في السياسة...في الدي...في المواقف...حتى في فلسطين ينقسم الصهاينة إلى يممبن متطرف و يسار و بينهما الوسط المعتدل. و في سفك الدماء و اغتصاب الأرض يصبحون حزبا واحدا تنتهي في فيها كل الفوارق.
و الاعتدال أيضا هو السلاح السحري الذي يشهره الغرب في وجوهنا لمحاربتنا في ديننا. فهو يقول أنه لا يكره الإسلام و لكنه يحب الاعتدال فيه و هو في الحقيقة لا يحب المسلم أبدا سواء كان متطرفا أو معتدلا. فالغرب لا يجب المسلم إلا ذبيحا أو منبطحا.
لذلك نجح النص في سخريته من الاعتدال.
أو لم يكفِهِ ذلك كلُّهُ ليستَفِقْ و يدَعْ تلكَ القَنَوات جانِباً ويرجِعُ إلينا --- أرى هذه الجملة سليمة



دام الألق ليراعك أخي.

ناديه محمد الجابي
08-02-2013, 05:30 AM
قصة ماتعة بلغتها المتينة
وبسرد شائق , وأداء ماتع , وقلم ساخر
سلمت يداك وسلم القلم .

عبد السلام دغمش
09-02-2013, 01:57 AM
أخي محمد الشرادي
ربما يكون مصطلح الاعتدال هو ما يلوذ به الكثيرون ليلزموا جانب السلامة ..ولكن حتى هذا المصطلح صار المطلوب تأويله
إضافتك منيرة ..
تحياتي

عبد السلام دغمش
09-02-2013, 02:00 AM
الأخت نادية
أقدر حضوركم المميز ومشاركاتكم المثمرة
دمتم على خير

محمد ذيب سليمان
09-02-2013, 02:37 AM
شكرا ايها الحبيب
على الجمال والمتعة
مودتي

عبد السلام دغمش
09-02-2013, 04:17 AM
أخي الاديب محمد ذيب سليمان
والشكر موصول لمروركم الندي بين سطور هذا النص المتواضع

نداء غريب صبري
10-06-2013, 02:16 AM
قصة جميلو وسرد مشوق
أمتعتني قراءتها

شكرا لك أحي

بوركت

عبد السلام دغمش
10-06-2013, 06:47 AM
قصة جميلو وسرد مشوق
أمتعتني قراءتها

شكرا لك أحي

بوركت

الأخت نداء

مروركم شرف النص المتواضع.

بوركتم.

خلود محمد جمعة
30-11-2014, 06:03 AM
ثلاثية تستحق المتابعة
والحلقة الأخيرة كانت الأقوى
تحدثت بلسان حال الواقع بدقة و حرفية واسلوب مائز يعبر عن فكر جاد بسرد قصصي خفيف على القلب ثقيل على العقل بعمقه ومحموله
بانتظار جديدك
كل التقدير
دمت متألقا

لانا عبد الستار
14-07-2015, 05:03 PM
أدب ساخر في إطار قصّي وأسلوب جميل
أشكرك

ناديه محمد الجابي
15-02-2021, 06:46 PM
ههههههههه .. أضحك الله سنك
قصة جميلة السرد والحبك بروح ساخرة وخفة ظل
فكرة قوية ـ وقفلة مباغتة بسخريتها.
دمت ينبوع لا ينضب من الإبداع.
:nj:D::0014: