تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة اعمال القلوب 2



عبدالله
10-12-2004, 09:33 PM
سلسلة أعمال القلوب
للشيخ محمد بن صالح المنجّد


الدرس السابع

الصبر


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد..
فإن الله جعل الصبر جواداً لا يكبو، وصارماً لا ينبو، وجنداً لا يُهزم، وحصناً حصيناً لا يُهدم،وهو مطيّة لا يضل راكبها فهو والنصر أخوان شقيقان،فالنصر مع الصبر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدّة ولا عدد، ومحله من الظفر محل الرأس من الجسد، وهو سبيل النجاح والفلاح، وهو فضيلة يحتاج إليه الإنسان في دينه ودنياه، فحال الإنسان إما بين صبر على أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذه ، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وقدر يجري عليه اتفاقاً، ونعمة يجب عليه شكر المنعم عليها، وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه فالصبر لازم إلى الممات، فالحياة لا تستقيم إلا بالصبر، فهو دواء المشكلات لدار الابتلاء، والصبر زاد المجاهد إذا أبطأ عنه الصبر، وزاد الداعية إذا أبطأ عنه الناس بالإجابة، وزاد العالم في زمن غربة العلم، بل هو زاد الكبير والصغير ، والرجل والمرأة ، فبالصبر يعتصمون وإليه يلجئون وبه ينطلقون.
قال الإمام أحمد – رحمه الله – في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( وجدنا خير عيشنا بالصبر))،إن الله وصف الصابرين بأوصاف وخصّهم بخصائص لم تكن لغيرهم،وذكر الصبر في نحو تسعين موضعاً من الكتاب الكريم، وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها ثمرة له.
إن للصابرين معيّة مع الله ، ظفروا بها بخير الدنيا والآخرة، وفازوا بها بنعمة الله الظاهرة والباطنة ، وجعل الله سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين فقال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( بالصبر واليقين ؛ تُنال الإمامة في الدين)).
تعريف الصبر
الصبر لغة: الحبس والكف، قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}، يعني احبس نفسك معهم، والصبر حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما، ويقال صبر يصبر صبراً، وصبَر نفسه.
والصبر في الاصطلاح الشرعي: حبس النفس على فعل شيء أراده الله أو عن فعل شيء نهى الله عنه فهو صبر على شيء أمر به الله وصبر عن شيء نهى الله عنه ، جعل الله فيه الأجر العظيم لمن أراد به وجهه، وكافأ أهل الجنة لأنهم صبروا ابتغاء وجه ربهم ، والصبر فيه معنى المنع والشدة والضنّ، و تصبّر رجل يعني تكلّف الصبر وجاهد نفسه عليه وحمل نفسه على هذا الخلق، وصبّرها إذا حملها على الصبر وهو ثبات على الدين إذا جاء باعث الشهوات ، وهو ثبات على الكتاب والسنة ، لأن من أخذ بهما فقد صبر على المصائب وصبر على العبادات وصبر على اجتناب المحرمات ، فهذه أنواع الصبر الثلاثة إذاً:
1- صبر على طاعة الله.
2- صبر عن معصية الله.
3- صبر على أقدار الله المؤلمة.
هذا الصبر علّق القرآن الفلاح عليه فقال الله سبحانه وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون}، فعلّق الفلاح بمجموع هذه الأمور ،ونهى عن ما يضاد الصبر فقال : {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرُسل ولا تستعجل لهم }، كما قال: {ولا تهنوا ولا تحزنوا}، وكذلك فإنه سبحانه وتعالى أخبر عن مضاعفة الأجر للصابرين : { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا}، وإذا كانت الأعمال لها أجر معلوم محدود فإن الصبر أجره لا حد له ، قال تعالى: {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}، قال سليمان بن القاسم:كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر لأجل هذه الآية{إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}، قال : كالماء المنهمر، وعلق الله الإمامة في الدين على الصبر وعلى اليقين كما مرّ في الآية ،وجعل الله الظفر بمعية الصبر فقال: { إن الله مع الصابرين}، وجعل للصابرين أموراً ثلاثة لم يجعلها لغيرهم، وهي الصلاة منه والرحمة والهداية{وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
وجعل الصبر سبحانه وتعالى عوناً وعدة وأمر بالاستعانة به، فقال :{واستعينوا بالصبر والصلاة }، فمن لا صبر له؛ لا عون له، وعلّق النصر على الصبر والتقوى فقال تعالى: {بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}، وقال صلى الله عليه وسلم : (( واعلم أن النصر مع الصبر))،وجعل سبحانه الصبر والتقوى جنة عظيمة من كيد العدو ومكره فقال :{ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً}، وأخبر أن ملائكته تسلّم في الجنة على الصابرين فقال: {سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار}، وجعل الله الصبر منزلة فوق منزلة المعاقِب لمن عاقبه بمثل العقوبة فهو أفضل وأكثر أجراً فقال: { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصابرين}، فتأمل هذا التأكيد (لئن) اللام ولامٌ أخرى للتأكيد(لهو).
ورتب المغفرة والأجر الكبير على الصبر مع العمل الصالح فقال :{إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير}، وجعل الصبر على المصائب من عزم الأمور وهذه مرتبة لا ينالها أي أحد فقال عز وجل :{ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}، وأوصى لقمان الرجل الصالح الحكيم ولده بأن يصبر على ما أصابه في سبيل الله :{يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}.
ووعد الله المؤمنين بالنصر والظفر، وهي كلمته التي سبقت لهم نالوها بالصبر فقال تعالى: {وتمّت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}.
وعلّق تعالى محبته بالصبر ، وجعلها لأهل الصبر فقال: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}، وأخبر عن خصال من الخير لا يلقاها إلا الصابرون فقال تعالى في أهل العلم الذين علموا قومهم المفتونين بقارون : {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون}، وعند الدفع بالتي هي أحسن{ وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}، وأخبر أنه لا ينتفع بآياته ولا يستفيد منها إلا صاحب الصبر المكثر منه فأتى به بصيغة المبالغة في قوله تعالى :{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبّار شكور}، وفي سورة لقمان قال: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}، وبعد قصة سبأ قال:{فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}، وفي ذكر النعمة بالسفن على العباد تنقل أنفسهم وبضائعهم قال: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}، فهذه أربع مواضع في القرآن الكريم تدل على أنه لا ينتفع بالآيات إلا أهل الصبر والشكر، الدين كله صبر وشكر، الإيمان نصفان صبر وشكر، حياة المسلم كلها صبر وشكر،ماذا يوجد في الطاعات والعبادات والتقرب إلى الله غير الصبر والشكر..؟*!
وأثنى الله على عبده أيوب بأحسن الثناء لأنه صبر فقال: {إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أوّاب}، فمدحه بقوله نعم العبد لأنه صبر، وحكم الله بالخسران حكماً عاماً على من لم يكن من أهل الصبر فقال: {والعصر*إن الإنسان لفي خسر*إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، وخص الله أهل الميمنة( أصحاب اليمين) بأنهم أهل الصبر والمرحمة فقال تعالى: {ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة}، وقرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان فقرنه بالصلاة فقال: {واستعينوا بالصبر والصلاة}، وقرنه بالأعمال الصالحة فقال: { إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات}، وقرنه بالتقوى فقال : {إنه من يتقِ ويصبر }، وقرنه بالتواصي بالحق فقال: { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، وقرنه بالرحمة فقال: { وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة}، وقرنه باليقين فقال: { لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}، وقرنه بالصدق فقال: { والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات}، فنعم المنزلة منزلة الصبر ونعم الخلق خلق الصبر ونعم أهله أهل الصبر ، فالصبر طريق الجنة: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.

عبدالله
10-12-2004, 09:34 PM
هذا الصبر العناية به في القرآن الكريم كبيرة جداً دليلاً على أهميته، دليلاً على أنه خلق عظيم:
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة
إذا استعنت بصبر أن ترى الفرج
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومدمن القرع للأبواب أن يلج
وقل من جد في أمر يحاوله
واستصحب الصـبر إلا فاز بالظفر
والصبر لدخول الجنة وسبب النجاة من النار، فالجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، فكيف تدخل الجنة بدون صبر على المكاره؟ ، وكيف تقي نفسك النار بدون صبر عن الشهوات؟، وقد نبّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على المعنى اللطيف في هذا الحديث، حفت الجنة بالمكاره؛ علمنا أنه لا طريق للجنة إلا عبر المكاره، لأنه قال حُفّت، من جميع الجهات، فإذا ما ركبت المكاره لا تدخل الجنة، والمكاره هي ما تكرهه النفس من المجاهدة اللازمة لأداء العبادات( صلاة الفجر – الوضوء في البرد- الصبر على المصائب- الجهاد ....)،فلا يمكن دخول الجنة إلا باختراق المكاره، ولا يمكن اختراقها إلا بالصبر، وأما النار فإنها حفت بالشهوات، ولا يمكن منع النفس من الدخول في النار إلا إذا صبر عن المعاصي وامتنع عن المعصية وحبس نفسه عن ذلك فهذه إذاً فضائل هذا الخلق الكريم.
ما حكم الصبر؟
أصل الصبر واجب، الصبر من حيث الجملة واجب، والله أمر به { واستعينوا بالصبر والصلاة}{اصبروا وصابروا}، ونهى عن ضده{ولا تستعجل لهم}{فلا تولوهم الأدبار}{ولا تبطلوا أعمالكم}، ورتب عليه خيري الدنيا والآخرة، لكن عندما نأتي إلى التفصيل فالصبر منه ما هو صبر واجب، يأثم الإنسان إذا لم يصبر ومنه ما هو صبر مستحب فهو واجب في الواجبات و واجب عن المحرمات و مستحب عن المكروهات و إذا صبر عن المستحب ولم يفعله فصبره مكروه ، ومما يدل علىأن الصبر قد يكون لازماً قول الله تعالى: {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}،فهذا يدل على أن الصبر قد لا يكون لازماً كقوله : {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}، فما حكم الصبر هنا ؟، أنت مخيّر بين أن تعاقب من عاقبك؟، ما الحكم الشرعي؟،يجوز لك القصاص فتنتقم منه بمثل ما ظلمك، ما حكم الصبر وعدم الانتقام؟، مستحب ، فإذا ً لو قلت ما حكم الصبر على صلاة الفجر؟ ، واجب، ما حكم الصبر عند المصيبة بمنع النفس عن النياحة؟ واجب، ما حكم الصبر عن الانتقام ممن أساء إليك بمثل ما أساء؟ مستحب..
فالصبر إذاً منه ما يكون واجباً ومنه ما يكون مستحباً والصبر جاء في صيغة المفاعلة في القرآن فقال { وصابروا}، وهذه عادة ما تكون إلا بين طرفين {وصابروا}، فمعنى ذلك أن هناك مغالبات بين المسلم والعدو، وأننا لابد أن نصابر أنفسنا على باطلهم وعلى جهادهم وعلى مقاتلتهم ومرابطتنا في الثغور وثباتنا عليها حتى لا ينفذوا إلينا من هذه الجهات فهذا صبر مهم جداً ..
الصبر نوعان :
1- بدني .
2- نفسي.
وكل منهما قسمان : اختياري واضطراري، فصارت القسمة أربعة..
1- بدني اختياري: تعاطي الأعمال الشاقة.
2- بدني اضطراري: الصبر على ألم الضرب، لأنه يضرب وماله حيلة إلا الصبر.
3- نفسي اختياري: صبر النفس عن فعل مالا يحسن شرعاً، مكروه مثلاً.
4- نفسي اضطراري:صبر النفس عن فقد المحبوب الذي حيل بينها وبينه بحيث لو لم تصبر هذا الصبر لوقعت في الجزع المحرم أو النياحة أو لطم الخدود أو شق الجيوب أو قص وحلق الشعور ونحو ذلك.
والبهائم تشارك الإنسان في النوعين الاضطراريين ولكن الصبر الاختياري هو الذي يميز الإنسان عن البهيمة، فقال رجل من أهل الحكمة: (( ما غلبني رجل كما غلبني شاب من مرو، قال لي مرة ما الصبر، قلت : إن وجدنا أكلنا وإن فقدنا صبرنا، قال : هذا ما تفعله كلاب مرو عندنا!، قلت فما الصبر عندكم؟ قال: إن فقدنا صبرنا وإن وجدنا آثرنا وأعطينا لغيرنا))، فإذاً هناك صبر تشارك فيه البهائم الإنسان ولكن هناك صبر يتفوق به المسلم الإنسان على البهيمة والدابة ، وقد تجد من الكفار من يصبر على المصائب ويتجلد ولا ينهار ولكن لا يرجو من وراء ذلك جزاء من عند ربه ولا أجراً يوم القيامة..
وكذلك فإن الصبر متعلق بالتكليف لأن الله ابتلى العباد بواجبات لابد أن يفعلوها ومحرمات لابد أن يتركوها، وأقدار لابد أن يصبروا عليها،فلا يقعوا في الجزع والتسخط و شكوى الخالق إلى المخلوقين.
وقد ورد الصبر في السنة أيضاً في مواضع متعددة:
1- بشر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يصبر على فقد عينيه بالجنة : ((إن الله تعالى قال إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة)) [رواه البخاري].
2- (( ومال عبد مؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)).
3- لما مرضت الأمة السوداء بالصرع جاءت تشتكي للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أُصرع وإني أتكشف فادعُ الله لي، قال : (( إن شئتِ صبرتي ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيكِ)) فقالت: أصبر ولكن ادع الله لي ألا أتكشف. فدعا لها فكانت تصرع ولا تتكشف. [متفق عليه].
4- ورد في السنة ما يفيد أن الصبر خلق يمكن تحصيله، فهناك أناس جبلهم الله على الصبر وبعضهم جبله على قليل منه، فلو كان عند المرء نقص في هذا العمل من أعمال القلوب فيمكن تحصيله بالمران والرياضة النفسية والتدريب عليه والمجاهدة، فهو شيء ممكن اكتسابه وليس شيئاً فطرياً فقط لا يمكن الزيادة عليه، والدليل على أن الصبر خلق مكتسب وليس خلق فطري فقط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ومن يتصبّر يصبّره الله))، فقد يكون إنسان جزع بأصل طبعه لكن لما علم فضل الصبر وأجره وأهميته ومكانته في الدين قرر ألا يمر بحادث وموقف في حياته إلا ويستعمل الصبر ويجاهد نفسه عليه ويجبرها عليه حتى تصبح صبّارة.
5- بينت السنة أن الصبر للمؤمن خير عظيم، إذا أصابته ضراء يكون الخير له.
6- بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصبر ضياء ، كما جاء في حديث مسلم فقال: ((الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك)).
7- لما مر النبي صلى الله عليه وسلم عند امرأة تبكي عند قبر فأراد أن يعظها فقال لها : (( اتقي الله واصبري)) قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه.فلما مضى صلى الله عليه وسلم لم يشأ أن يجادل المرأة في هذه الحالة، وهذا هو الموقف الصحيح للداعية في مثل هذا الحال ، فلما مضى صلى الله عليه وسلم قيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت لأنه ردت عليه هذا الرد وهو نبي الله صلى الله عليه وسلم فأتت بابه لتعتذر فلم تجد عنده بوابين ولا حرس من تواضعه فقالت معتذرة : لم أعرفك. فقال: (( إنما الصبر عند الصدمة الأولى)).[رواه البخاري].
8- كذلك لما مات أبو سلمة ، ماذا تقول أم سلمة وزوجها بهذه المكانة الكبيرة في نفسها، قالت ما تعلمته سابقاً: ((إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها))، ولما مات زوجها وجاءت لتقول العبارة فقالت أي المسلمين خير من أبي سلمة؟بعدما رأت من حسن معشره وطيب خصاله،ولأنها مؤمنة قالت ما تعلمته، قالت: فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد خطبها وتزوجها .
9- وإذا صبر العبد على فقد الولد، يقول صلى الله عليه وسلم : (( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم، قال قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم، فيقول ماذا قال عبدي، فيقولون حمدك واسترجع، فقال: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد)). فلا يقبض لمؤمن صفي من أهل الأرض فيصبر ويحتسب إلا وكان له ثواب إلا الجنة.

عبدالله
10-12-2004, 09:34 PM
10- كذلك فالناس يبتلون على حسب دينهم وعلى حسب صبرهم (( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً وعنده صبر قوي زيد له في البلاء ليزداد أجراً)).يوم القيامة يود أهل العافية عندما يعطى أهل البلاء الثواب ويقسم عليهم ، الذين صبروا في الدنيا،يتمنون لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بمقاريض..![الحديث في الترمذي وحسنه الألباني].
11- والنبي صلى الله عليه وسلم مما ورد في سنته أيضاً وعلّمنا إياه تمهيد نفسي للمواجهة : (( إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم)). أيام الصبر هي أيا م الابتلاء في الدين والشهوات المستعرة والشبهات المستحكمة ومع ذلك المرء صابر لدينه. فسماها أيام الصبر لأنه لا يستعمل فيها إلا الصبر ولا حلّ إلا الصبر. المؤمنون في مكة ابتلوا فيأتي الصحابي فيأتي الصحابي يقول للنبي صلى الله عليه وسلم ادع الله لنا ، ألا تستنصر لنا؟، فصبرهم صلى الله عليه وسلم بأنه كان من قبلهم كان الرجل يُحفر له في الأرض فيجاء بالمئشار فيوضع على رأسه فيشق اثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه وعصبه ما يصده ذلك عن دينه. فهناك مواقف والصبر هو القائد وهو الملاذ والحصن الحصين ، من دخله عصم..
الناس في الصبر أنواع وهذا تقسيم شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه سبر نفوس الناس حسب ما رأى من الدين:
1- أهل الصبر والتقوى، وهم الذين أنعم الله عليهم من أهل السعادة في الدنيا والآخرة ، صبروا على طاعته وصبروا على ترك محارمه.
2- ناس عندهم تقوى بلا صبر، فقد يكون هناك رجل عابد زاهد قوام صوام متصدق منفق ذاكر قانت لكن إذا نزلت به المصيبة ينهار، فعنده تقوى لكن إذا نزلت به مصيبة انهار. يقول ابن الجوزي: رأيت كبيراً قارب الثمانين كان يحافظ على الجماعة فمات ولد لابنته فقال ما ينبغي لأحد أن يدعو فإنه لا يستجيب. فإذاً من الناس من عنده عبادة لكن لا يصبر ولا يتجلد ولا يقاوم عند المصيبة فينهار. بل إن أحد هؤلاء قال: عندي كذا أولاد لا أخشى عليهم إلا منه!- تعالى الله انظر إلى الكفر إذا وصل إلى درجات في هذا الباب ، سوء ظنه بالله، ماذا تنفع الصلاة وهذه عقيدته التي في قلبه؟ {قل من يكلأكم بالليل والنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}-. إذاً الذي ليس عنده صبر لا تنفعه عبادته.
3- ناس لديهم صبر بلا تقوى. مثل الفجار لكنهم جلدين يصبرون على ما يصيبهم ككثير من اللصوص وقطاع الطرق يصبرون على الآلام والمشاق لنيل الحرام، وكذلك طلاب الرياسة والعلو ، يصبرون على أنواع من الأذى لا يصبر عليها أكثر الناس.فهو من أجل أن يصل إلى هدفه يضيع صلوات ويأكل حرام ولا يبالي فعنده صبر بلا تقوى وغالب هؤلاء لا يرجون من الله جزاء على صبرهم، فالصبر لديهم خلق مفطورين عليه. ويوجد من الكفار من يتجلّد عند المصيبة فقد جاء مدح الروم في حديث عمرو بن العاص: (( أسرع الناس إفاقة بعد مصيبة))، تقع عليهم الكارثة فيستدركونها بسرعة، ومن تأمل ما حدث لهم وهم النصارى بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، كيف تهدمت بلادهم فما أسرع ما أعادوا بنائها و أعادوا مسيرة الاقتصاد و الإنتاج والزراعة والصناعة وقد مات منهم أكثر من 40 مليون .قال: وكذلك أهل المحبة للصور المحرمة من العشق، يصبرون على ما يهوونه من المحرمات من أنواع الأذى، فربما هذا المعشوق يجعل العاشق يتعذب من أجله ويشتغل لأجله ويحاول إرضائه بشتى الطرق ، فعنده صبر ولكن بلا تقوى وهكذا..،وقد يصبر الرجل على ما يصيبه من مصائب كالمرض والفقر ولا يكون فيه تقوى إذا قدر ، إذا قدر صار جباراً شقياً.
4- وهو شر الأقسام، لا يتقون إذا قدروا ولا يصبرون إذا ابتلوا {إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا}.

عبدالله
10-12-2004, 09:35 PM
مراتب الصبر
والصبر مراتب فالصبر على طاعة الله أعلى منزلة من الصبر عن المعاصي والصبر عن المعاصي أعلى منزلة من الصبر على الأقدار. فالصبر على الواجبات أعلى أنواع الصبر لأن جنس فعل الواجبات أعلى درجة عند الله من جنس ترك المحرمات ، وأجر ترك المحرمات أكبر من أجر الصبر على المصائب ، لأن الصبر على الواجب والصبر على ترك الحرام عملية اختيارية، لكن لما نزلت به المصيبة ، شيء بدون اختياره، ليس له إلا كف النفس والصبر. فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن يوسف عليه السلام: " كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها الذي دعته إليه من الحرام أكمل من صبره على إلقاء أخوته له في الجبّ"، فصبره على الفاحشة أكمل وأعظم وأكثر أجراً من صبره على السجن وإلقاء أخوته له لأن الأول فيه شيءاختياري وصبره عليها صبر رضا ومحاربة للنفس لا سيما مع وجود الأسباب القوية المزينة للحرام فكان شاباً أعزباً وغريباً عند البلد و عبداً مملوكاً والمرأة جميلة وصاحبة منصب وهي التي دعته فسقطت الحواجز النفسية ثم استعانت عليه بكيد النسوة وهددته بالسجن ، ثم إن زوجها ليست عنده غيرة {يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك}، وغُلّقت الأبواب وغاب الرقيب، فصار داعي الزنا قوي جداً جداً ولكنه صبر عليه الصلاة و السلام،أما الأمور الأخرى من السجن وإلقاء أخوته له في الجبّ فجرت عليه بغير اختياره ولا كسب له فيها.
مجالات الصبر
1- الصبر على بلاء الدنيا {لقد خلقنا الإنسان في كبد} مشقة وعناء وبلاء وفتن، والله تعالى قال:{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.
2- الصبر على مشتهيات النفس {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله } ، ولذلك قال بعض السلف: " ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر..!".وقالوا: " البلاء يصبر عليه المؤمن والعافية لا يصبر عليها إلا صدّيق". والصبر على مشتهيات النفس لابدّ أن يكون من وجوه أربعة كما قال ابن القيم رحمه الله :
1- أن لا يركن إليها ولا يغترّ بها.
2- أن لا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها.
3- أن يصبر على أداء حق الله فيها.
4- أن لا يصرفها في حرام.
3- الصبر عن التطلع إلى ما بيد الآخرين، وعن الاغترار بما ينعمون به من مال وبنين، فبعض قوم قارون ما صبروا فقالوا: {ياليت لنا مثل ما أوتي قارون} ، والله تعالى قال: {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون}، {ولا تمدَّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه}، { إنما أعطيناهم لنفتنهم ورزق ربك خيرٌ وأبقى}.
4- الصبر على طاعة الله، وهذا أعظم أنواع الصبر وأشده على النفوس{ فاعبده واصطبر لعبادته}، اصطبر أكمل وأبلغ من اصبر فالزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} على الصلاة وعلى أمر الزوجة بالصلاة، والصبر على الطاعة له ثلاث أحوال:
*أ- قبل الطاعة بتصحيح النية وطرد شوائب الرياء .
*ب- حال الطاعة أن لا تغفل عن الله فيها ولا تتكاسل عن أدائها وتراعي واجباتها وأركانها والخشوع في الصلاة.
*ج- بعد الفراغ منها بأن لا تفشي ما عملت وتُعجَب به وتُسَمّع به في المجالس{لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى}، {ولا تبطلوا أعمالكم}.
5- الصبر على مشاق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فإنه غير خافٍ على الدعاة حال الناس اليوم من البعد عن الدين و البعد هذا يستلزم دعوة كبيرة وإنكاراً للمنكرات وصدع بالحق ، عمر بن عبد العزيز لما استشعر المسؤولية الكبيرة في تغيير الانحرافات المتراكمة من سنوات طويلة في العهود السابقة قال : "إني أعاجل أمراً لا يعين عليه إلا الله"..!.فنوح عليه السلام صبر هذا الصبر العظيم في الدعوة 950 سنة ، ألف سنة إلا خمسين عاماً على جميع أنواع الابتلاءات {دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً }، وهكذا سراً وجهاراً ماترك فرصة إلا قام بالدعوة، ثم الدعوة ليست عملية سهلة لأن الإنسان يجد كيد من الأعداء وحسد حتى من الناس الذين يظنهم معهم والقريبين منه على ما آتاه الله من فضله فيتمنون أن يوقع به ويضر ويتوقف ولذلك لابد للداعية أن يصبر في الداخل والخارج، القريبين والبعيدين، مع الناس الذين هم ضده علناً أو الذين يضمرون له الشر في داخل أنفسهم، {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعنّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً } ، والحل ..{وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}، { واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً}، الرسل كان من رأس مالهم وبضاعتهم الصبر على إيذاء أقوامهم بل أكّدوا على ذلك وقالت الرسل لأقوامهم: { ولنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون}، {ولقد كُذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا }، وهكذا يصبر الداعية على طول الطريق وعقباته وبطء النصر وتأخره ، {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}{ حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}.
6- إن هناك صبراً حين البأس وفي الحرب وعند لقاء العدو والتحام الصفين فيكون الصبر شرط للنصر والفرار كبيرة ولذلك أوجب الله الثبات{إذا لقيتم فئة فاثبتوا} وحذر من الفرار وتولي الأدبار وعندما تضطرب المعركة وينفرط العقد فيكون الصبر أشد {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}، {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً}، وحدثنا الله عن الثلة المؤمنة البقية الباقية بعد عمليات الترشيح المستمرة في قصة طالوت، {إن الله مبتليكم بنهر}وعصوه من قبل ومن بعد وما بقي معه إلا قليل، {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه}، حتى الذين جاوزا النهر كان بعضهم استسلاميين فقالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}، {قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}، لذلك كان المسلمون صُبُر عند اللقاء، يصبرون وكانوا يتناقلون بينهم عبارة " إنما النصر صبرُ ساعة"، والمراغمة والمدافعة الآن بين فريقين، الذي يصبر أكثر هو الذي ينتصر، فأوصى الله عباده بالصبر على ما يلاقونه من ضرر الناس وأن لا يقابلوا السيئة بمثلها { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن}، فالصبر يكون أحياناً للمعلم على أذى التلميذ، للداعية على أذى المدعوّ، للمربي على أذى المتربي وهكذا.. ، ولذلك يقول الخضر لموسى:{إنك لن تستطيع معي صبراً*وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا}، فتعهّد وقال:{ستجدني إن شاء الله صابراً}، تعهد ولكنه لم يستطع أن يصبر في تلك المواقف، فإذاً الصبر له مواقف ومواطن وحالات ومجالات ينبغي علينا أن نكون من الصابرين لله فيها...

عبدالله
10-12-2004, 09:36 PM
ماهي الأسباب المعينة على الصبر؟
1- المعرفة بطبيعة الحياة الدنيا وما جُبِلت عليه من المشقة والعناء وأن الله خلق الإنسان في كبد وأنه كادح إلى ربه كدحاً فملاقيه وأن الآلام والتنغيص من طبيعة هذه الدنيا والابتلاءات{ولنبلونّكم}..
جبلت على كدرٍ وأنت تريدها
صفو من الآلام والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها
متقلب في الماء جذوة نار
ومن لا يعرف هذه الحقيقة سيتفاجأ بالأحداث، أما الذي يعرف طبيعة الحياة الدنيا إذا حصل له أي ابتلاء ومنغصات فإن الأمر عنده يهون.
2- الإيمان بأن الدنيا كلها ملك لله تعالى، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، {ومابكم من نعمة فمن الله}، ولذلك الإنسان إذا حرم من شيء وابتلي يقول: {إنا لله وإنا إليه راجعون} ، لا يوجد كلمة أبلغ في علاج المصاب وأنفع له عند المصيبة من تذكير العبد نفسه بهذين الأصلين . والدنيا فانية، والعبد وأهله وماله ملك لله، والمال وأولاده جعلوا عنده عاريّة، وصاحب العارية متى ما شاء استردها، ومصير الناس العودة إلى الله سبحانه وتعالى. وأم سليم لما فقهت هذا كان لها مع أبي طلحة ذلك الموقف المشهور فلما مات ولده الذي يحبه فقالت: ( يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟)قال: لا ..إن العارية مؤداة، قالت: ( إن الله أعارنا فلاناً – ولدنا- ثم أخذه منا) فاسترجع..
3- معرفة الجزاء والثواب على هذا الصبر .. وقد تقدم ذكر شيء من هذا.. {نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}، يوفون أجرهم بغير حساب..
4- الثقة بحصول الفرج، والله جعل مع كل عسر يسرين رحمة منه عزوجل {فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً}، العسر معرفة بأل ، و يسر نكرة ، فالعسر هو نفسه و يسر يسر ٌثانٍ، ولن يغلب عسرٌ يسرين. والله تعالى جعل اليسر مع العسر وليس بعده، ولذلك فالله ينزل المعونة على قدر البلاء، والله لا يخلف الميعاد، {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفّنك الذين لا يوقنون}، والفجر ينبلج ولو بعد ليل طويل..
اشتدي يا أزمة تنفرجي
قد آذن ليلك بالبلج
يعقوب صبر على فقد يوسف والولد الثاني، وقال : { فصبر جميل} لا تسخّط فيه ولا جزع ، وقال: { عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً}، فبعض الناس يصبرون صبراً غير جميل، والصبر الجميل ليس فيه تشكّي للمخلوقين،{إنما أشكو بثِّي وحزني إلى الله} وليس إليكم.
5- الاستعانة بالله تعالى واللجوء إلى حماه وطلبة معونته سبحانه،قالها موسى لقومه: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} ، وحاجة الصابرين إلى الاستعانة عظيمة جداً ولذلك كان التوكل جانباً للمعونة من الله { إلا الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}.
6- الإيمان بالقضاء والقدر من أعظم ما يعين على الصبر، وأن يعلم العبد أن قضاء الله نافذ وأن يستسلم لما قضاه وقدره مما لا حيلة له به، {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها }، ثم إن العبد يعلم أن الجزع والهلع والتبرم والاعتراض والتشكّي والتضجر لا يجدي شيئاً ولا يعيد مفقوداً فلا حلّ إلا بالصبر، والعاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد سبعة أيام..!، أي يستسلم.
آفات في طريق الصبر
1- قضية الاستعجال {خلق الإنسان من عجل}، الإنسان يجب أن يصبر ويتأنى والثمرة تأتي ولو بعد حين..، {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}..لقد باءت دعوات بالفشل.. لماذا؟ .. لأن أصحابها لم يصبروا..
2- الغضب ينافي الصبر، ولذلك لما خرج يونس مغاضباً قومه ابتلاه الله بالحوت، فتعلم الصبر في بطن الحوت{ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت}..، ولولا أنه كان من المسبّحين قبل أن يبتلعه الحوت للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ، لذلك العبادة في وقت الرخاء تجلب الفرج في وقت الشدة، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، ولذلك لما نادى يونس في بطن الحوت؛ عرفت الملائكة صوته لأنها كانت تسمعه وهو يذكر الله في حال الرخاء..
3- اليأس أعظم عوائق الصبر، ولذلك حذر يعقوب أولاده منه {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله}.{ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون}، {والله معكم ولن يتركم أعمالكم}، إذاً إضاءة شمعة الأمل دواء اليأس والاستعانة بالله هي الأمل ، لأن الله لا يخيب ولا يضيع من رجاه ويأتي الفرج ولو بعد حين..

عبدالله
10-12-2004, 09:37 PM
التأمل في قصص الصابرين من أعظم الأسباب المعينة على الصبر:
فهذا نوحٌ عليه السلام صبر في دعوته لقومه صبراً عظيماً دام ألف سنة إلا خمسين عاماً جاهد ودعوة، وصبر على الإيذاء والسخرية، اتهموه بالجنون والسحر والضلال وهو يقابل ذلك بالصبر حتى قالوا: {لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين}، وصبر..
إبراهيم تعرض لمحنة عظيمة ويصبر صبر الموحد الموقن بوعد الله، حتى لما ألقي في النار قال: {حسبي الله ونعم الوكيل}، حتى لما أُمِر بذبح ولده صبر وهمّ بذبح الولد ، وأخذ السكين وأضطجع الولد استسلاماً لأمر الله، والله ابتلاه بهذا الأمر فصبر.
وموسى واجه التهديد والإيذاء من قومه وقوم فرعون قبلهم، فصبر على دعوة قومين!.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال لما تذكرأخيه موسى: { يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر}.
إبراهيم لما أُمِر بترك ولده وهو حديث عهد ولادة ، وقد كان عقيماً ، جاءه اسماعيل بعد سنوات طويلة جداً وهو شيخ كبير، وجاءه الأمر من الله اتركه وأمه في وادٍ غير ذي زرع!، مانال الخليل هذه المرتبة من شيء قليل، فمضى ولم يلتفت ولم يتحسر ولم يتردد ، حتى قالت هاجر: لمن تتركنا؟آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فرجع للشام ورزقه الله من سارة بإسحاق ومن ورائه يعقوب.
وعيسى عانى من بني إسرائيل من التهم الباطلة، تآمروا على قتله وصلبه وصبر حتى رفعه الله إليه.
وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم كم تعرض للأذى والاضطهاد، قالوا عنه مجنون ساحر كذاب خائن، وأشد شيء على الصادق أن يتهم بالكذب ,أشد شيء على العاقل أن يقال عنه مجنون، وأشد شيء على الأمين أن يتهم بالخيانة، وأشد شيء على المؤمن أن يقال عنه شاعر ساحر به جنّة، وهو أكمل الخلق وأصدقهم وأعقلهم ، ووضعوا الشوك وأخرجوه من بلده ، وذهب للطائف يعرض نفسه على القبائل، وأحسّ بالاضطهاد وخرج من مكة لا يدري من الهم لم يستفق إلى في قرن الثعالب، حتى تآمروا على قتله{ليُثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك}، وقتلوا بعض أصحابه وعذبوا بعضهم، وأشد شيء على النبي أن يرى أتباعه يضطهدون ويقتلون أمامه، يمر عليهم فيقول: ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)، وهكذا صبر صلى الله عليه وسلم حتى أتاه اليقين من ربّه بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة حتى لما ذهب المدينة لا يُظَنّ أن مجالات الصبر قد خفّت لأنه عانى من المنافقين معاناة عظيمة، يكفي حادثة الإفك، وصبر على كيد اليهود ، ووضعوا له السم، وكانت نوبات الحمى تنتابه حتى مات في آخر نوبة منها فكان في ذلك أجله وهكذا أصحابه، بلال ، سمية،صهيب،عمار، مقداد ، أبو بكر، صهروهم في الشمس وعذبوهم..
وهذا الصحابي خبيب ، يسجن ليقتل ويصلب..
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
المرأة التي قُتِل أبوها وأخوها وزوجها في يوم أحد فصبرت على ما حصل لها من هذه الأقدار، فماتوا في رفعة الدين ونصرة الدين وجهاد الكفار، وهكذا سار على هذا المنوال التابعون وتابعو التابعين..
عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد من أحسن الناس وجهاً، دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليد:هكذا تكون فتيان قريش، ولا دعا بالبركة فقالوا أنه أصابه بالعين،خرج هذا محمد بن عروة بن الزبير من المجلس فوقع في اصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطأه حتى مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة(الغرغرينا)في رجل عروة وقالوا لابد من نشرها بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها فلما وصل المنشار إلى القصبة(وط الساق) وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه ثم أفاق والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يده وقال: ((أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله))، ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، لما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، ولما قالوا: نسقيك شيئاً يزيل عقلك؟قال: إنما ابتلاني ليرى صبري، ورفض.
أبوقلابة ممن ابتلي في بدنه ودينه،وأريدعلى القضاء وهرب إلى الشام فمات بعريضة وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكر.
أحمد بن بنصر الخزاعي من كبار علماء السلف كان قوالاً بالحق آمراً بالمعروف، نهاءً عن المنكر ،ثبت في محنة خلق القرآن، حملوه إلى سامراء فجلس مقيداً وعرض عليه الرجوع عن القول بأن القرآن كلام الله المنزل وعرض عليه القول بخلق القرآن فرفض ، وقاموا عليه بحرب نفسية وجسدية..، فيقوم القاضي عند خليفة السوء فيقول إنه حلال الدم، ووافقه من كان حاضراً، وأحمد بن أبي دؤاد قال شيخ كبير ، يتظاهر بالشفقة عليه، فقال الخليفة:ما أراه إلا مؤدياً لكفره فأخذ السيف وقال إني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر..!، فضرب به عنقه بعد أن مدوا رأسه بحبل، ونصب رأسه بالجانب الشرقي من بغداد، يقول أحد أهل العلم جعفر بن محمد الصائغ رأيت أحمد بن نصر الخزاعي حين قُتِل قال رأسه لا إله إلا الله وهذا من كراماته رحمه الله، قال الإمام أحمد رحمه الله عنه: جاد بنفسه في سبيل الله.

عبدالله
10-12-2004, 09:38 PM
والإمام أحمد نفسه كيف صبر في محنة خلق القرآن؟، حُمِل هو ومحمد بن نوح وهو شاب وليس عالماً لكن صبر مع الإمام أحمد ، فحُمِل إلى المأمون، يشاء الله أن محمد بن نوح يمرض ويوصي الإمام أحمد: أنت إمام وأنا أموت ولا أحد يأبه لي، فاصبر..، ويموت محمد في الطريق، ويؤخذ الإمام أحمد رحمه الله مقيد ، ودخل عليه بعض الناس قبل الدخول على الخليفة ( هناك أحاديث في التقية والمرء عند الشدة يمكن أن يورِّي حتى تمضي العاصفة)، قال: كيف تصنعون بحديث خبّاب؟ إنه من كان قبلكم يُنشَر أحدهم بالمنشار ثم لا يصده ذلك عن دينه فيئسوا منه وتركوه، وقال اللهم لا تريني وجه المأمون،فمات المأمون قبل أن يصل أحمد، ووصل الخليفة الذي بعده والمحنة مازالت مستمرة، فيقول له: يا أحمد إنها والله نفسك ، إنه لا يقتلك بالسيف ولكن يضربك ضرباً بعد ضرب حتى تموت ، قال ناظَر ابن أبي دؤاد، فأسكت، هاتوا شيء من القرآن أقول به، هاتوا شيء من السنة أقول به فلا يأتون بدليل، يقول الخليفة لأحمد :تعرف صالح الرشيدي؟،قال :سمعت باسمه، قال:كان مؤدبي، فسألته عن القرآن فخالفني، ولما خالفني وأصر على أن القرآن غير مخلوق أُمِرت به فوطيء وسُحِبَ حتى مات، قال: هاتوا العقابين والسياط، قال:اءتوني بغيرها، ثم قال الخليفة للجلادين : تقدموا واضربوه ، وربطوا الإمام أحمد، وكل فرد منهم يضرب سوطين و بأقوى ما عنده ويقول الخليفة للجلاد: شدّ يداً قطع الله يدك..،لينال أحمد رحمه الله أعظم العذاب بالضرب على أيديهم، ثم يقول الخليفة علامَ تقتل نفسك إني عليك لشفيق وجعل ذلك القائم على رأسه الحارس ينخسه بالسيف، وذاك يقول ويحك يا أحمد ما أجبتني ، أجبني إلى أي شيء يكون لك فيه فرج حتى أطلقك فيقول: يا أمير المؤمنين أعطني شيئاً من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي الجلاد ويضرب وهكذا تستمر عملية الضرب حتى قال ذهب عقلي فأفقت والأقياد في يدي فقال لي رجل كببناك على وجهك وجعلنا فوقك حصيراً ووطئنا عليك فقال ماشعرت بذلك، أتوني بأكل فقلت لا أفطر وكان صائماً، ثم جاؤوا به والدم يسيل في ثوبه فصلى فقال أحدهم: صليت والدم يسيل في ثوبك؟ قال أحمد:صلى عمر وجرحه يثعب دماً، ثم مكث في السجن ثم خُلّي عنه بعد 28 شهراً، ثم جُعِل في الإقامة الجبرية، في بيته، وليس هناك أصعب على العالم من أن يتوقف عن نشر العلم، سئل أحدهم عن الإمام أحمد رحمه الله فقال: رجل هانت عليه نفسه في سبيل الله فبذلها كما هانت على بلال نفسه، لولا أحمد لذهب الإسلام.
فيا ضعيف العزم الطريق طويل..تعب فيه آدم.. وجاهد فيه نوح.. وألقي في النار إبراهيم.. واضطجع للذبح إسماعيل.. وشق بالمنشار زكريا وذبح الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود، واتهم بالسحر والجنون نبي الله الكريم وكسرت رباعيته وشج رأسه ووجهه وقُتِل عمر مطعوناً وذو النورين علي والحسين وسعيد بن جبير وعذب ابن المسيب ومالك..، فالشاهد أنه في النهاية لا سبيل إلا الصبر..
ولذلك يقول عمر رضي الله عنه : (( أدركنا أفضل عيشنا بالصبر))،يعني ما طابت الحياة إلا بالصبر مع مافيها من المنغصات والشدائد، فهو العمل القلبي الذي تطيب معه الحياة ولا تطيب بدونه، ولذلك ينبغي على العبد أن لا يفعل شيئاً ينافي الصبر ، مثل شكوى الخالق للمخلوق والتبرم والتضجر فإما أن يخبر الإنسان الطبيب بعلته ليداويه فلا بأس..
والأنين .. الألم .. ما يحدث من صوت من المريض المتألم..، هناك أنين استراحة وتفريح فلا يكره، وأنين شكوى فيكره ففيه تفصيله..
ومما ينافي الصبر ما يحدث من النائحات وغيرهم وحتى من الرجال الآن من لطم الرأس والخد و ضرب الوجه باليدين والكفين والنياحة.. واويلاه.. واثبوراه..
ولذلك فإن المسلم عليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يسلك سبيل الصابرين، نسأل الله عزوجل أن يجعلنا منهم، وأن يرزقنا هذا الخلق الكريم، إنه جواد كريم..



أسئلة من درس الصبر
كيف يصبر الإنسان على غض البصر عن المحرمات؟
يصبر بأمور فمن ذلك أن لا يغشى الأماكن التي فيها هذه المنكرات،يبتعد عن الفتن ويفر منها، ثم إذا علم حلاوة غض البصر ومافيه من الأجر وما يورثه الله في قلبه من عاقبة الصبر عليه هان عليه غض البصر، ثم إذا علم مناتن الصورة في ذهنه فهو مفيد في النفرة وعدم التعلق..
زوجها يفرض عليها حضور حفلات فيها أقاربه وفيها مزامير فإذا امتنعت تعتبر عاصية له؟
نعم لكنها معصية واجبة، يجب أن تعصي زوجها لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهناك طاعة أوجب من طاعة الزوج.
كلام المرأة في البال توك مع الرجال؟
باب فتنة عظيم، وسبق التنبيه عليه والتحذير منه، والتي تريد أن تكتب شيئاً في مكان بأسلوب شرعي مؤدب تكتب ويُعلّق أما الحوارات المباشرة فلا لأنها طريق فتنة.
إذا لم تدرس فإن أمها ستغضب عليها والدراسة فيها منكرات؟
لا طاعة لمخلوق في طاعة الخالق، فإذا كانت الدراسة مختلطة، والبنت عليها خوف وخشية من هذه الأماكن المختلطة، فإنها لا تطيع أمها ولا أباها في هذا، وتنتظر فرج الله بزوج ينقذها من المحنة التي هي فيها.
ذهبنا إلى مكة لزيارة أحد الأصدقاء،وأدوا صلاة العصر ، هل يلزم الإحرام؟
من أدى عمرة الفريضة من قبل فلا يلزمه أن يدخل مكة محرماً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وقد دخل وعلى رأسه المغفر، مادام أدى عمرة وحج الفريضة فلا يجب عليه الإحرام ولو كان في وقت الحج.

عبدالله
10-12-2004, 09:44 PM
الدرس الثامن

المحاسبة

المحاسبة قضية مهمة للغاية ، تدور عليها السعادة ولا يحصل الصلاح إلا بها..
محاسبة النفس أمر عظيم جداً، المحاسبة لا تصلح النفس إلا بها، المحاسبة من قام بها اليوم أمِن غداً ،المحاسبة أن تنظر في نفسك وتتأمل فيها وتعرف عيوبها، المحاسبة لا نجاة إلا بها (( يوم يبعهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد)).
المحاسبة تصدر من التأمل في هذه النصوص:
((يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره)).
المحاسبة انطلاقاً من آثار قوله تعالى: ((يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد))..
المحاسبة تنطلق من الإيمان باليوم الآخر وأن الله يحاسب فيه الخلائق وقد حذرنا الله ذلك اليوم فقال: (( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)).
المحاسبة تنطلق من الإيمان بأسماء الله وصفاته وأنه تعالى الرقيب المهيمن المطّلع على ما تعمل كل نفس وأنه شهيد على أعمالنا فهو الشهيد على أعمال عباده، جعل علينا كراماً كاتبين يحصون أعمالنا(( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ماعملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً)).
المحاسبة تنطلق من إيمان الإنسان بالهدف، بالغرض، أن يعلم أنه لأي شيء خُلِق ((أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)) ((أيحسب الإنسان أن يترك سدى)).
محاسبة النفس طريقة المؤمنين وسمة الموحدين وعنوان الخاشعين ، فالمؤمن متق لربه محاسب لنفسه مستغفر لذنبه ، يعلم أن النفس خطرها عظيم، وداؤها وخيم ، ومكرها كبير وشرها مستطير، فهي أمارة بالسوء ميالة إلى الهوى،داعية إلى الجهل، قائدة إلى الهلاك،توّاقة إلى اللهو إلا من رحم الله، فلا تُترك لهواها لأنها داعية إلى الطغيان ، من أطاعها قادته إلى القبائح ، ودعته إلى الرذائل،وخاضت به المكاره،تطلعاتها غريبة،وغوائلها عجيبة،ونزعاتها مخيفة، وشرورها كثيرة، فمن ترك سلطان النفس حتى طغى فإن له يوم القيامة مأوىً من جحيم ((أما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى))،وعلى النقيض(( وأما من خاف مقام ربه ونهة النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)).

الدليل على المحاسبة من القرآن الكريم
الآية التي أمرنا الله فيها بالمحاسبة هي قوله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم)) تنظر أي تفكر وتتفكر.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله - : يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ويقتضيه من لزوم تقواه سراً وعلانية في جميع الأحوال وأن يراعوا ما أمرهم الله به من أوامره وحدوده وينظروا مالهم وما عليهم وماذا حصلوا عليه من الأعمال التي تنفعهم أو تضرهم يوم القيامة فإنهم إذا جعلوا الآخرة نصب أعينهم وقبلة قلوبهم واهتموا للمقام بها اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها وتصفيتها من القواطع والعوائق التي توقف عن السير أو تعوقهم أو تصرفهم، وإذا علموا أن الله خبير بما يعملون لا تخفى عليه أعمالهم ولا تضيع لديه ولا يهملها أوجب لهم الجد والاجتهاد.
وقال الشيخ عن هذه الآية: وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه وأنه ينبغي له أن يتفقدها فإن رأى زللاً تداركه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه وإن رأى نفسه مقصراً في أمر من أوامر الله بذل جهده واستعان بربه في تتميمه وتكميله وإتقانه ويقايس بين منن الله عليه وبين تقصيره هو في حق الله فإن ذلك يوجب الحياء لا محالة، والحرمان كل الحرمان أن يغفل العبد عن هذا الأمر ويشابه قوماً نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها فلم ينجحوا ولم يحصلوا على طائل بل أنساهم الله مصالح أنفسهم وأغفلهم عن منافعها وفوائدها فصار أمرهم فرطاً فرجعوا بخسارة الدارين وغبنوا غبناً لا يمكن تداركه ولا يجبر كسره لأنهم هم الفاسقون.
وقد قال تعالى في كتابه العزيز : (( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون))، فإذاً ينبغي على العبد أن ينظر في حاله ويحاسبها ويتوب من التقصير فالمحاسبة تقود إلى التوبة (( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)).
ولا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه(( والشريكان يتحاسبان عند نهاية العمل))، ورُوي عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لها عند الموت :[ماأحد من الناس أحب إليّ من عمر]، ثم قال : كيف قلت؟ فأعادت عليه كلامه، فقال: [لا أحد أعزّ عليّ من عمر]. فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبرها وأبدلها بكلمة أخرى لأنه رآها أنسب وأحسن وأدق وأصدق..
قال الحسن البصري رحمه الله: [ المؤمن قوّام على نفسه يحاسبها لله وإنما خفّ الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة] ثم قال: [ المؤمن يفجأه الشيء يعجبه فيقول والله إنك تعجبني وإنك من حاجتي ولكن هيهات !حيلي بيني وبينك!]، هذا نموذج من الحساب لشيء يعرض للإنسان مزيّن ويعجبه وتميل إليه نفسه ولكنه يتركه لأنه ليس من مصلحته في الآخرة ، [ ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ماذا أردتِ بهذا؟!!]، يفرط أي يسبق ويحصل ويقع.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وقد خرج وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول بيني وبينه جدار[ يا أمير المؤمنين!بخٍ!بخٍ!والله لتتقين الله أو ليعذبنّك!]، فهو يذكر نفسه بأن هذا اللقب أمير المؤمنين لا يغني عنه من الله شيئاً..
قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى: ((ولا أقسم بالنفس اللوامة)): [ لا يلقى المؤمن إلا وهو يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي؟ماذا أردت بأكلتي؟ماذا أردت بشربتي؟والفاجر يمضي قدماً لا يعاتب نفسه].
وقال مالك بن دينار رحمه الله : رحم الله عبداً قال لنفسه ألستِ صاحبة كذا ؟ ألست صاحبة كذا؟ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمّها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان لها قائداً. وهذا من حساب النفس.
وقال ميمون بن مهران: [ التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان غاشم ومن شريك شحيح].
وقال إبراهيم التميمي: [مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي : يا نفس أي شيء تريدين؟قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً، قال:فأنتِ في الأمنية فاعملي إذاً لتكوني في الجنة في ذلك النعيم].
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: [إن سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس فالمواد الفاسدة كلها إليها تنصبّ ثم تنبعث منها إلى الأعضاء وأول ما تنال القلب].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الحاجة: (( الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا))[رواه الترمذي].

عبدالله
10-12-2004, 09:46 PM
وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من شرها عموماً ومن شر ما يتولد منها من الأعمال ومن شر ما يترتب على ذلك من المكاره والعقوبات وجمع الاستعاذة من سيئات النفس وسيئات الأعمال فهذا معناه أن هناك أمرين:
1- أعوذ بك من هذا النوع من الأعمال.
2- المراد به عقوبات الأعمال التي تسوء صاحبها.
فاستعاذ من صفة النفس وعملها أو استعاذ من العقوبات وأسبابها ويدخل العمل السيء في شر النفس لأن النفس الشريرة تولد سيء العمل فاستعاذ منهما جميعاً..
وهذا العمل الذي يسوء صاحبه يوم القيامة وهذه النفس الشريرة التي تأمر بسيء العمل؛لابد من محاسبتها وقد اتفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب وأن لا يُدخل على الله سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد الظفر بالنفس وكفها عن الشر فإن الناس قسمين:
1- قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعاً لنفسه الشريرة الأمّارة بالسوء تحت أوامرها ويعمل على هواها.
2- قسم ظفروا بأنفسهم فقهروها فصارت طوعاً لهم منقادة لأمرهم.
قال بعض أهل الإيمان والحكمة: (( انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم فمن ظفر بنفسه؛ أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسِر وهلك)).
(( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)).
ومن لم يحاسب نفسه فاته من الخير بقدر ما فاته من المحاسبة ولذلك على المسلم أن يصون نفسه عن المحرمات ويبتعد عن الشبهات ولا سيما أهل العلم فمن لم يصن نفسه بهذا لم ينفعه علمه لأن العلم للعمل كالسلاح للمجاهد فإذا لم يستعمله ماذا يفيده؟*!، وكالأطعمة المدخرة للجائع إذا لم يأكل منها فبماذا تنفعه؟!

يحاول نيل المجد والسيف مغمدٌ
ويأمل إدراك العُلا وهو نائم!
إذاً بدون محاسبة لا يمكن الوصول والذي لا يصون نفسه عن ما يخرم المروءة وعن ما يُكره بعد ما يصونها عن الحرام فهذا إنسان هالك ، فصيانة النفس أصل الفضائل لأن من أهمل نفسه إتكالاً على العلم الذي عنده ( وهذه آفة ينزلق إليها بعض طلبة العلم) ربما لا يحاسبون أنفسهم إتكالاً إلى العلم الذي عندهم فربما يكون هنا الجاهل أو العامي أفضل من هذه الجهة لأنهم يحسون أن أنفسهم قاصرة فيحاسبون ويفتشون ، أما بعض الناس الذي يطغيهم العلم فلا يحاسبون أنفسهم ويتكلون على العلم الذي معهم لأنه يرون به رفعة درجة فلماذا يحاسبون فيتركون الحساب والمحاسبة فتظهر القبائح والعورات فيكون الحسد منهم واتباع الهوى والتنازلات في الفتاوى والأخطاء.
فلذلك محاسبة العلماء لأنفسهم وطلبة العلم ينبغي أن تكون أشد ما تكون لأنه إن حاسب نفسه انتفع ونفع الناس وإذا ترك محاسبة نفسه ضلّ وأضلّ، الجاهل لا يقتدي به أحد، لكن هذا الذي ينصب نفسه قدوة في الدعوة والعلم ثم لا يحاسب نفسه يُهلك..!
أيها العالم إياك الــــزلل
واحذر الهفوة والخطب الجلل!
هفوة العالم مستعظــــمة
إذ بها أصبح في الخلق مثل!
وعلى زلّته عمدتهـــــــم
فبها يحتج بها من أخطأ وزلّ
لا تقل يستر عليّ العلم زلّتي
بل بها يحصل في العلم خلل
إن تكن عندك مستحقــــرة
فهي عند الله والناس جبل
ليس من يتبعه العلــــم في
كل ما دقّ من الأمر وجلّ
مثل من يدفع عنــــه جهله
إن أتى فاحشة قيل قد جهل
انظر الأنجم مهما ســـقطت
من رآها وهي تهوي لم يُبل
فإذا الشمس بدت كاســـــفة
وَجِل الخلق لها كل الوجل
وتراءت نحوها أبصـــــارهم
في انزعاجٍ واضطرابٍ ووجل
وسرى النقص لهم من نقصها
فغدت مظلمة منها السُبُل
وكذا العالِم في زلّتــــــــــه
يفتن العالم طُرّاً و يُضِلّ!

عبدالله
10-12-2004, 09:48 PM
فنحن نرى الآن نماذج كثيرة من إضلال بعض هؤلاء في الفتاوى المتساهلة لأنهم لا يحاسبون أنفسهم وبالتالي يقعون في المزالق وما استقطبهم أهل الشر إليه من الأفخاخ التي نصبوها لهم فقعوا فيها وجاملوا على حساب الدين..
فينبغي على كل الناس أن يحاسبوا أنفسهم الذين عندهم علم والذين ليس لديهم علم، فالذي لديه علم يحاسب نفسه هل عمل به؟وهل هو يقوم به لله؟ وهل يبلغه؟أم يكتمه؟ وهل هو مقصّر فيه؟ وهل عبد ربه به؟وهل بذله للناس صحيحاً أم راعة أهواء بعض القوم فسهّل لهم أشياء بزعمه؟، أما صاحب الجهل فيحاسب نفسه، كيف يعبد الله على جهل؟متى يزيل الجهل؟كيف يزيله؟إلى متى يبقى؟كيف يتعلم؟ وبماذا يبدأ.... وهكذا..
والنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو العبد إلى خوفه ونهي النفس عن الهوى والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعي مرة وإلى هذا مرة وهذا موضع الابتلاء والمحنة..
وقد وصف الله النفس في القرآن الكريم بثلاثة أوصاف: المطمئنة واللوامة والأمّارة بالسوء..
فالنفس إذا سكنت إلى الله واطمأنت بذكره وأنابت إليه واشتاقت إلى لقائه وأنست بقربه فهي نفس مطمئنة، وهي التي يقال له عند الوفاة (( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي))، المؤمن اطمأنت نفسه إلى وعد الله ، النفس المطمئنة بما قال الله والمصدقة بما قال، النفس المطمئنة هي المنيبة المخبتة التي أيقنت أن الله ربها، وضربت جأشاً لأمره وطاعته وأيقنت بلقائه..[ هذه أقوال ابن عباس وقتادة والحسن ومجاهد].
وحقيقة الطمأنينة السكون والاستقرار فسكنت إلى ربها نتيجة طاعته وذكره واتباع أمره ولم تسكن إلى سواه، فاطمأنت إلى محبته وعبوديته والإيمان بخبره ولقائه، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، وللرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، واطمأنت إلى قضائه وقدر وإلى كفايته وحسبه وأن الله يدافع عنها ويكفيها الشرور وكيد الكائدين والحاسدين والأعداء، فاطمأنت بأنه وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ومالك أمرها كله وأن مرجعها إليه ولا غنى لها عنه طرفة عين..
وعلى الضد النفس الأمارة بالسوء ، تأمر صاحبها باتباع الشهوات من الغي والباطل فهي مأوى كل سوء، تقوده إلى القبيح والمكروه..
وقال أمّارة ولم يقل آمرة!!، أمّارة صيغة مبالغة ، وهو أبلغ، فهي كثيرة الأمر بالسوء إلا إذا رحمها الله فجعلها زاكية تأمر صاحبها بالخير فعند ذلك تكون شيئاً آخر..، والنفس أصلاً خُلِقت ظالمة جاهلة إلا من رحمها الله، والإنسان ظلوم كفار((أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً))، نعم أوجد عندهم الاستعداد الفطري لقبول الحق إذا عُرِض عليهم بغير مؤثرات خارجية مفسدة (( فطرة الله التي فطر الناس عليها))، لكن بدون تعلم ؛ النفس تبقى جاهلة فيها هوى ولو تركت بدون تربية وتروض تدعو إلى الطغيان وتميل إلى الشر ، والعدل والعلم طارئ عليها وليس أصل فيها..
الأصل في النفس ليس أنها صاحبة علم وعدل!!، الأصل في النفس الجهل والظلم! الإنسان ظلوم جهول! كما أخبر الله سبحانه وتعالى إلا من رفع الجهل بالعلم ورفع الظلم بالعدل، وألزم نفسه العلم والعدل فقام عليها بهما فعند ذلك تلهم رشدها وتتوقّى الظلم والجهل، ولولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكى منهم نفس واحدة..، فإذا أراد بها خيراً جعل لها اتجاهاً إلى العلم ومجاهدة في العدل..
وسبب الظلم في النفس الأمارة بالسوء إما الجهل وإما الحاجة، ولذلك كان أمرها بالسوء لصاحبها لازماً لها إلا إذا أدركته رحمة الله..، وبذلك يعلم أن العبد مضطر إلى الله دائماً محتاج إلى ربّه باستمرار(( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي))، فإذاً الإنسان محتاج إلى الرب حتى يكفى شر نفسه،سائلاً إياه أن يعينه على شر نفسه، وضرورة العبد إلى ربه فوق كل ضرورة،وأكثر من ضرورته للطعام والشراب والنَّفَس..
أما النّفس اللوامة فقال بعضهم: من التلّوُّم وهو التلوّن والتردد،وقال بعضهم: من اللوم وهذا أرجح، لأنه لو كان من التلون والتردد لقال ((ولا أقسم بالنفس المتلومة)) المتلونة والمترددة، لكن الأرجح أن اللوامة من اللوم ، تلوم صاحبها على الخير وعلى الشر، حتى يوم القيامة يمكن أن تلومه نفسه ،إن كان محسناً لماذا لم يزدد إحساناً وهذه مراتب الجنة أمامه، وإن كان مسيئاً لماذا عمل السوء ، وهذه النار أمامه؟!فهي تلومه في الدنيا وتلومه في الآخرة!!، تلوم المسيء أن لا يكون رجع في إساءته وتلوم المحسن أن لم يزدد إحساناً، فإذاً النفس اللوامة في الخير والشر؛نفسٌ مخلّطة فيها خير وشر، فتلوم صاحبها على الخير، لماذا لم تزدد منها وتلومه على الشر لماذا وقع فيه.
إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاتها، يستقصرها في كل ما يفعل فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضي قدماً لا يعاتب نفسه كما قال الحسن البصري رحمه الله .

عبدالله
10-12-2004, 09:49 PM
فإذاً اللوم صفة لهذه النفس، فالنفس تارة تكون أمارة بالسوء وتارة لوامة وتارة مطمئنة!، إذاً ليس بشرط أن تكون النفس عند فلان من الناس دائماً مطمئنة أو دائماً أمارة بالسوء ، قد تكون ساعات هكذا وهكذا!!، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل فيها هذا وهذا والحكم للغالب عليها من أحوالها.
فكونها مطمئنة وصف مدح لها، وكونها أمارة بالسوء وصف ذمٍّ لها ، وكونها لوّامة ينقسم إلى مدح وذم بحسب ما تلوم عليه وهذه حال النفس..
كثيراً ما يكون الإنسان المسلم العادي يمر في حالات نفس مطمئنة كأن يكون في عبادة(صلاة التراويح-في الحرم-في عمرة- في عرفة)، وتارة أمارة بالسوء(إجازات- سياحة- سفريات – معاصي) ، وتارة لوامة تلوم صاحبها في الخير والشر.
ومحاسبة النفس من علاج مرض القلب لأن مرض القلب لا يمكن إزالته وعلاجه إلا بمحاسبة النفس ومخالفتها فعندنا مبدآن في التعامل مع النفس ، المحاسبة يتبعها المخالفة، وهلاك القلب من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها، لذلك العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني..!
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كلاماً مشهوراً محذراً من الإهمال في محاسبة النفس وأنه يقود إلى الهلاك يوم القيامة : [ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم (أعمالكم) قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((من نوقش الحساب عُذِّب))، فكيف يتلافى المرء مناقشة الحساب غداً؟!!، بمحاسبة النفس اليوم.
والحساب اليسير صاحبه ناجٍ وسينقلب إلى أهلها مسروراً، أما حاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكراً فهذا الحساب الشديد نتيجة عدم المحاسبة الآن..
وتزينوا للعرض الأكبر((يومئذٍِ تعرضون لا تخفى منكم خافية))، فقال الحسن رحمه الله : (( لا تلقى المؤمن إلا ويحاسب نفسه ، ماذا أردتِ تعملين؟ماذا أردتِ تشربين؟ماذا أردتِ تأكلين؟))، وقال قتادة في قوله (وكان أمره فرطاً): [ أضاع نفسه وغُبِن]، يحفظ ماله ويضيع دينه!
قال الحسن: [ إن العبد لايزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته].
ويوجد واعظ في قلب كل مسلم إذا أراد أن يدخل في باب حرام قال: ويلك لا تفتحه، إنك إن تفتحه تلجه!، لا تزح الستار عن باب الحرام، إنك لو نظرت انجذبت، ويلك لا تفتحه، إنك إن تفتحه تلجه!..
قال ميمون بن مهران: [ النفس كالشّريك الخوّان إن لم تحاسبه؛ ذهب بمالك!].
المحاسبة وقت الرخاء سهلة بالنسبة للمحاسبة في وقت الشدة، فرحم الله عبداً قال لنفسه ألستِ صاحبة كذا وكذا؟! هذا نوع من الحساب على المعاصي ، وحساب على النوايا كقولك ماذا أردتِ بالعمل والأكلة والشربة..
تعريف المحاسبة
في اللغة: مصدر من حاسب يحاسب مأخوذ من حسب حسبتُ الشيء أحسبه حسباناً وحساباً إذا عددته والحساب والمحاسبة عدُّك الشيء.
هذا إذاً العدّ هو معنى المحاسبة في اللغة، فكأنك إذا جئت تطبقه بالمعنى الاصطلاحي عدّ السيئات.. عدّ العيوب.. وهكذا..
عرّف الماوردي المحاسبة فقال: [ أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وإن لم يمكن فيتبعها بالحسنات لتكفيرها وينتهي عن مثلها في المستقبل].
وعرّف بعضهم المحاسبة بأنها: [ قيام العقل على حراسة النفوس من الخيانة ليتفقد زيادتها ونقصانها، وأنه يسأل عن كل فعل يفعله لمَ فعلته ، فإن كان لله مضى فيه و إن كان لغير الله امتنع عنه وأنه يلوم نفسه على التقصير والخطأ وإذا أمكن المعاقبة أو صرفها إلى الحسنات الماحية].
ومحاسبة النفس نوعان كما يقول ابن القيم رحمه الله: نوع قبل العمل ونوع بعد العمل..
1- محاسبة النفس قبل العمل
أن يراعي الهمّ والخواطر والإرادات والعزائم التي في نفسه ، فالنفس لها إرادة وعزيمة وهم، تهم بالشيء، فمن أصدق الأسماء الحارث وهمّام ، لأن النفس تهمّ وتحرث، فلها همّ وعمل، فإذاً يبدأ بالمحاسبة على ما همّ به وما أراده وما خطر بباله، فالمحاسبة تبدأ من مرحلة الخواطر والإرادات والعزائم ، وهذه محاسبة قبل العمل، فيفكّر في إرادة العمل هذا هل هي في مصلحته ؟ فإن كان نعم أقدم عليه، وإن كان ليس في مصلحته تركه..
ولذلك يقول الحسن رحمه الله : [ رحم الله عبداً وقف عند همّه يحاسب فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر ولم يعمل].
هذا النوع من المحاسبة مهم جداً في إيقاع الأعمال على الإخلاص، بدون المحاسبة هذه تقع الأعمال بغير الإخلاص فيهلك الإنسان وهو يعمل (( عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية)) ، فما استفاد من العمل شيء مع أن ظاهره أعمال صالحة لكن لأنها ليست لله.
وكذلك ينظر ثانياً إذا تحركت نفسه لعمل من الأعمال وقف، هل هذا العمل مقدور عليه أو غير مقدور، فإن كان غير مقدور تركه حتى لا يضيع الوقت، وإن كان مقدوراً عليه وقف وقفة أخرى ونظر هل فعله خير من تركه أو تركه خير من فعله، فإن كان فعله خير من تركه عمله وإن كان تركه خيراً من فعله ..،وإذا كان فعله فيه مصلحة..هل سيفعله الآن والباعث عليه الله وإرادة وجهه أو الباعث عليه أمر آخر (جاه المخلوق وثنائهم ومالهم).
وهذه المحاسبة مهمة جداً في وقاية النفس من الشرك الخفي، الأول يقيها من الشرك الأكبر والأصغر ويقيها أيضاً من الشرك الخفي، ولئلا تعتاد النفس الشرك وتقع في مهاوي الرياء، لذلك فإن هناك أربع مقامات يحتاج إليها العبد في محاسبة نفسه قبل العمل:
1- هل هو مقدور له.
2- هل فعله خير من تركه.
3- هل هو يفعله لله.
4- ماهو العون له عليه.
والاستعانة طبعاً بالله (( إياك نعبد وإياك نستعين)).

عبدالله
10-12-2004, 09:50 PM
2- محاسبة النفس بعد العمل:
وهو على ثلاثة أنواع:
أولاً: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله، مثل تفويت خشوع في الصلاة وخرق الصيام ببعض المعاصي أو فسوق وجدال في الحج، كيف أوقع العبادة؟هل على الوجه الذي ينبغي؟هل وافق السنة؟هل نقص منها؟ وحق الله في الطاعة ستة أمور:
1- الإخلاص في العمل.
1- النصيحة لله فيه.
2- متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم .
3- أن يحسن فيه ويتقن فيه.
4- أن يشهد منّة الله عليه فيه أنه جاء توفيق من الله وتيسير للعمل الصالح وإعانة منه.
5- أن يشهد تقصيره بعد العمل الصالح، وأنك مهما عملت لله فأنت مقصر.

ثانياً: محاسبة على عمل كان تركه خير من فعله، وهذا يمكن أن يكون للمعاصي، أو اشتغال بمفضول ففاته الفاضل، مثل أن يشتغل بقيام الليل فتفوته صلاة الفجر، أو يشتغل بأذكار وغيرها أفضل منها، كما قال صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين: [ لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وُزِنَت بما قلتِ لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه،سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته].

ثالثاً: محاسبة على أمر معتاد مباح لمَ فعله؟ هل أراد به الله أم الدار الآخرة؟أم فاته الربح وعمله عادة؟، فتحاسب نفسك على الأمور المباحة والعادات، هل كان لك فيها نية صالحة أو ذهبت عليك؟
فالمحاسبة تولد عنده أرباح مهمة يحتاجها يوم الحساب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر: [ أن الذي ينفق نفقة على أهله يحتسبها تكون له صدقة]، وأراد لفت النظر إلى أن ما ينفقه الناس على أهلهم بالعادة إذا كان فيه نية حسنة فليس خارجاً عن الصدقة بل داخل فيها وأجرها، حتى يتشجع الناس للإنفاق على أهليهم ولا يبخلوا على أولادهم ، بل يحتسبون الأجر بدون إسراف ولا تقتير.
من أين نبدأ في محاسبة النفس؟
قال ابن القيم رحمه الله – مختصر كلامه- : أن يبدأ بالفرائض فإذا رأى فيها نقص تداركه ثم المناهي "المحرمات" فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية ثم يحاسب نفسه على الغفلة عما خُلِق له، فإن رأى أنه غفل عما خُلِق له فليتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله ويحاسب نفسه على كلمات الجوارح من كلام اللسان ومشي الرجلين وبطش اليدين ونظر العينين وسماع الأذنين ماذا أردتُ بهذا ولمن فعلته وعلى أي وجه فعلته؟ السُبُل العملية.. التفكير في المجالات أين يتجه الإنسان عند المحاسبة..
1- الفرائض ، ويجب أن نعرف أن جنس الواجبات في الشريعة أعلى من ترك المحرمات، كلاهما لابد من، لكن للفائدة فجنس فعل الواجب أعلى في الشريعة وأكثر أجراً من جنس ترك المحرم، لأن الواجبات هي المقصود الأصلي وهذه المحرمات ممنوعة، ولكن ماهو الأصل؟ أن تقوم بالواجبات، فأول ما يبدأ بالفرائض فإن رأى منها نقصاً تداركه ( الوضوء-الصلاة-الصيام بدون نية- كفارة اليمين)..، فاستدراك الخطأ في الواجبات نتيجة للمحاسبة، وهناك تقصير يمكن استدراكه وهناك آخر لا.
2- المحرمات والمناهي..، فهناك أمور تحتاج التوقف الفوري(كسب حرام – عمل حرام)، وأشياء تدارُكها(التخلص من الأموال الحرام بعد التوبة-أكل حقوق العباد فيعيد المال إلى أصحابه)، وبعضها يحتاج إلى التحلل منها وطلب السماح ، وهناك أشياء لا يمكن تداركها إلا بالتوبة والندم وعقد العزم على عدم العودة والإكثار من الحسنات الماحية لأن الله تعالى قال: (( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات)).
3- ثم يحاسب نفسه على الغفلة عما خُلِق له(الانغماس في الملاهي والألعاب مع أنها ليست حرام)، فيتدارك ذلك بأن يأتي بفترات طويلة تفوقها في الذكر والعبادة والأعمال الصالحة لتعويض الغفلة التي حدثت..

عبدالله
10-12-2004, 09:51 PM
وهناك طريقة أخرى للمحاسبة وهي محاسبة الأعضاء، ماذا فعلت برجلي؟بيدي؟بسمعي؟ ببصري؟ بلساني؟، المحاسبة على الأعضاء تعطي نتيجة فيكون الاستدراك بإشغال الأعضاء في طاعة الله، ثم المحاسبة على النوايا (ماذا أردت بعملي هذا؟ومانيتي فيه؟.
والقلب من الأعضاء ولابد له من محاسبة خاصة لصعوبة المحاسبة في النوايا لأنها كثيراً ما تتقلب فسمّي القلب قلباً من تقلّبه..
وينبغي للعبد كما أن له في أول نهاره توصية لنفسه بالحق أن يكون له في آخر نهاره ساعة يطالب نفسه فيها ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء.
فالمحاسبة لما ضرب لها العلماء مثل محاسبة الشريك الشحيح لشريكه فهذا فيه تدقيق، وهي صفة مهمة للمحاسبة؛ أن الإنسان يدقق مع نفسه ويفتّش الأمور تفتيشاً بالغاً، فقد يتناسى أشياء وهي خطيرة، ومع النفس لا تصلح المسامحة [ رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحاً إذا اقتضى]، نعم يفوّت للناس ولكن مع نفسه لا يفوّت..! فينبغي أن يكون هناك تدقيق زائد للنفس.
ومعاقبة النفس على التقصير مهمة بإلزامها بالفرائض والواجبات والمستحبات بدلاً من المحرمات التي ارتكبتها،والعجب أن الإنسان يمكن أن يعاقب عبده وأمته وأهله وخادمته وسائقه والموظف عنده على سوء الخلق والتقصير ولكن لا يعاقب نفسه على ما صدر عن نفسه من سوء العمل.
ماهي العقوبات؟
اسم العقوبات فيها تسامح وتجوّز، العقوبات المقصود منها أنك تلزم نفسك بطاعات، ولنضرب لذلك أمثلة من السلف كيف كانوا يعاقبون أنفسهم:
- عاقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدّق بأرض قيمتها مائتي ألف درهم!!
- ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة كلها، وأخّر ليلة صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فاعتق رقبتين مع أن وقت الصلاة لم يخرج..!!
- فاتت ابن أبي ربيعة ركعتا سنة الفجر فأعتق رقبة!!
والتقصير عند السلف من أصحاب النفوس العالية ليس ترك واجب أو فعل محرم ، لكن تقصير في واجب و مستحب، أي فوات طاعة مثلاً أو أذكار وأوراد، والمعاقبة أن يضاعف الأذكار والأوراد.
والنفس لا تستقيم إلا أن تُجَاهد وتُحَاسَب و تُعَاقَب..، ومما يعين على معاقبة النفس أو إرغام النفس على استدراك النقص؛ التأمُّل في أخبار المجتهدين.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كُتِب من القانتين، ومن قام بألف آية كُتِب من المقنطرين)).
ومن تأمل في حال السلف وماذا كانوا يفعلون مع ندرة النماذج هذه في هذا الزمان لعله يقود إلى معاقبة النفس بإلزامها بمزيد من العبادات والمستحبات إذا قصّرت..
قالت امرأة مسروق : ما كان يوجد مسروق إلا وساقاه منتفختان من طول الصلاة، والله إن كنت لأجلس خلفه فأبكي رحمة له.
قال أبو الدرداء: لولا ثلاث ما أحببت العيش يوماً واحداً ، الظمأ لله بالهواجر ، والسجود لله في جوف الليل، ومجالسة قوم ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر.
أم الربيع كانت تشفق على ولدها من كثرة بكائه وسهره في العبادة فنادته(يابني لعلك قتلت قتيلاً) قال(نعم يا أماه) قال(فمن هو حتى نطلب أهله فيعفو عنك، فوالله لو يعلمون ما أنت فيه لرحموك وعفوا عنك) قال( يا أماه..هي نفسي!!).
قال القاسم بن محمد : غدوت يوماً وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة رضي الله عنها أسلم عليها، فغدوت يوماً إليها فإذا هي تصلّي الضحى وهي تقرأ ( فمن ّ الله علينا ووقانا عذاب السموم) وتبكي وتدعو وتردد الآية وقمت حتى مللت وهي كما هي فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فلما فرغت من حاجتي رجعت إليها فوجدتها كما هي ففرغت ورجعت وهي تردد الآية وتبكي وتدعو!
هذه القلوب، سريعة الذنوب، لابد من قرعها ومطالعة مافيها، ومن قواعد المحاسبة توبيخ النفس، لأنها مادامت أمارة بالسوء فتحتاج إلى شدة وتوبيخ والله أمر بتزكيتها وتقويمها ، فهي تحتاج إلى سلاسل ولا تنقاد إلا بسلاسل القهر إلى العبادة ولا تمتنع عن الشهوات إلا بهذه السلاسل ولا تنفطم عن اللذات إلا بهذا الحزم معها، فإن أهملت نفسك جمحت وشردت وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والملامة كانت هي النفس اللوامة ويُرجى أن ترتقي بعد ذلك إلى النفس المطمئنة.
كيف يحاسب الإنسان نفسه ؟بماذا يذكر نفسه؟ بنقصها..بخستها ودناءتها وما تدعو إليه من الحرام وترك الواجب والتفريط في حق الله..

عبدالله
10-12-2004, 09:54 PM
فوائد المحاسبة ومصالحها
أن المرء يطّلع على عيوب نفسه ويكتشف أشياء تدهشك ولا يفقه الرجل حتى يمقت نفسه ويحتقرها في جنب الله، وكان بعض السلف يقول في دعائه في عرفة ( اللهم لا ترد الناس لأجلي)! ، وكان محمد بن واسع يقول: (لو كان للذنوب ريح ماقدر أحد أن يجلس إليّ)!، مع أنه من كبار العباد في هذه الأمة، وقال يونس بن عُبيد: ( إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسي منها واحدة)!
وهذا حمّاد بن سلمة دخل على سفيان الثوري وهو يحتضر فقال: ( يا أبا عبد الله أليس قد أمنت مما كنت تخافه وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين؟!) قال: (يا أباسلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار) قال: (إي والله إني لأرجو لك ذلك).
وقال جعفر بن زيد: ( خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فصلوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقنّ عمله، فالتمس غفلة الناس فانسلّ وثبا فدخل غيظة (مجموعة أشجار ملتفة) قريب منا، فدخلت على أثره فتوضأ ثم قام يصلي فجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة فتراه التفت إليه أو عدّه جرو! فلما سجد قلت الآن يفترسه فجلس ثم سلّم ثم قال: ( أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر)، فولّى وإن له زئيراً، فمازال كذلك يصلي حتى كان الصبح فجلس يحمد الله وقال: (اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ومثلي يستحي أن يسألك الجنة)! ثم رجع وأصبح وكأنه بات على حشاياً ، أما أنا فأصبح بي ما الله به عليم من هول ما رأيت!
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (اللهم اغفر لي ظلمي وكفري)، فقال قائل: ( يا أمير المؤمنين هذا الظلم فما الكفر؟) قال: (إن الإنسان لظلوم كفّار)، فإذا تمعّن الإنسان حال السلف عرف حاله والبعد الشديد مابينه وبينهم.
إذاً ففي المحاسبة:
1- مقارنة حال بحال فينكشف التقصير العظيم.
2- ومن التفكر في العيوب أن الإنسان ينظر في عمله ما دخل عليه فيه من العُجب والغرور فيرى نفس كاد أن يهلك ومهما عمل فهو مقصِّر.
3- أن يخاف الله عزوجل.
4- ومما يعين على المحاسبة استشعار رقابة الله على العبد وإطلاعه على خفاياه وأنه لا تخفى عليه خافية (( ونعلم ماتوسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)). وقال تعالى: (( اعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه)).
5- من الأشياء المهمة في المحاسبة التفكر في الأسئلة يوم القيامة وأن تعلم أنك مسئول يوم القيامة ، ليس سؤال المذنبين فقط، فالله تعالى قال: ((ليسأل الصادقين عن صدقهم))، وإذا كان الصادقين سيسألهم الله عن صدقهم فما بالك بغيرهم؟! (( فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين)) وحتى الرسل يُسألون..!!!

عبدالله
10-12-2004, 09:55 PM
الدرس التاسع

التفكر

الحمد لله الذي ارتفع فوق العالمين ذاتاً وقدراً.. وتمجد فوق خلقه وعلاهم عزة وقهراً.. وأمر بإعمال التدبر في آياته ومخلوقاته قلباً وفكراً فصارت قلوب الطالبين في بيداء كبريائه حيرى .. كلما اهتزت لنيل مطلوبها ردتها سُبحات الجلال قسراً .. وإذا همت بالانصراف آيسة نوديت من سرادقات الجمال صبراً صبراً.. ثم قيل لها أجيلي في ذل العبودية منك فكراً.. وإن طلبتِ وراء الفكر في صفاتكِ أمراً..فانظري في نعم الله تعالى وأياديه كيف توالت عليكِ تترى.. وجددي لكل نعمة منها ذكراً وشكراً.. وتأملي في بحار المقادير كيف فاضت على العالمين خيراً وشراً ونفعاً وضراً وعسراً ويسراً وفوزاً وخسراً وجبراً وكسراً وطياً ونشراً وإيماناً وكفراً وعرفاناً ونكراً.. ، والحمد لله الذي جعل لنا فيما خلق تفكراً وأمراً عظيماً وأنعامه تتوالى علينا وتترى .. والصلاة على محمد سيد ولد ابن آدم وإن كان لم يعد سيادته فخراً.. صلاة تبقى لنا في عرصات القيامة عدة وذخراً.. وعلى آله وصحبه الذين أصبح كل واحد منهم في سماء الدين بدراً.. ولطوائف المسلمين صدراً.. وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد..
فإن التفكر من أعمال القلوب العظيمة وهو مفتاح الأنوار ومبدأ الإبصار و شبكة العلوم والفهوم وأكثر الناس قد عرفوا فضله ولكن جهلوا حقيقته وثمرته و قليل منهم الذي يتفكر ويتدبر وقد أمر الله تعالى في التفكر والتدبر في كتابه العزيز في مواضع لا تحصى و أثنى على المتفكرين فقال:{ الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً }.
وقال عطاء انطلقت يوماً أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها فكلمتنا وبيننا وبينها حجاب فقالت : يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا؟ قال: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {زر غبّاً ؛ تزدد حبّاً}، قال ابن عمير: فأخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فال فبكت، وقالت: كل أمره كان عجباً، أتاني في ليلتي ثم قال: ذريني أتعبد لربي عز وجل فقام إلى القربة فتوضأ منها ثم قام يصلي فبكى حتى بل لحيته ثم سجد حتى بل الأرض ثم اضطجع على جنبه حتى أتاه بلال يؤذنه بصلاة الصبح ، فقال: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر..فقال: لقد أنزلت عليّ الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبر فيها أو كما قال عليه الصلاة والسلام {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها. [الحديث صححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة].
وعن محمد بن واسع أن رجلاً من أهل البصرة ركب إلى أم ذر بعد موت أبي ذر فسألها عن عبادة أبي ذر فقالت : "كان نهاره أجمع في ناحية البيت يتفكر".
قال الحسن:" تفكر ساعة خير من قيام ليلة".
قال الفضيل:" الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك".
قيل لإبراهيم إنك تطيل الفكر فقال:" الفكرة مخ العقل".
وكان سفيان بن عيينة كثيراً ما يتمثل بقول القائل: "إذا المرء كانت له فكرة؛ ففي كل شيء له عبرة" .
وقال الحسن: "من لم يكن كلامه حكمة فهو لهو، و من لم يكن سكوته تفكراً فهو سهو، ومن لم يكن نظره اعتباراً فهو لهو".
وفي قوله تعالى : {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} قال : أمنع قلوبهم التفكر في أمري .
وكان عدد من أهل العلم والحكمة يطيلون الجلوس والتفكر.
وقال عبد الله بن المبارك يوماً لسهل بن عدي لما رآه ساكتاً متفكراً: أين بلغت؟قال: الصراط!
وقال بشر :" لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل".
وقال ابن عباس: "ركعتان مقتصدتان في تفكر خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب".
وبينما كان أبو شريح يمشي إذ جلس فتقنع بكسائه فجعل يبكي فقيل له ما يبكيك؟ قال:" تفكرت في ذهاب عمري وقلة عملي واقتراب أجلي".
وقال أبو سليمان: "عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر".
وقال:" الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة و عقوبة لأهل الولاية، والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحي القلوب. ومن الذكر يزيد الحب ومن التفكر يزيد الخوف".
وقال ابن عباس: "التفكر في الخير يدعو إلى العمل به والندم على الشر يدعو إلى تركه. وإذا كان هم العبد وهواه في الله عز وجل جعل الله صمته تفكراً وكلامه حمداً" .
وقال الحسن:"إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر ، وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة".
وكان داود الطائي رحمه الله على سطح في ليلة قمراء فتفكر في ملكوت السموات والأرض وهو ينظر إلى السماء ويبكي حتى وقع في دار جار له، فوثب صاحب الدار من فراشه وبيده سيف ظن أنه لصّ، فلما نظر إلى داود رجع ووضع السيف وقال من ذا الذي طرحك من السطح ، قال: ما شعرت بذلك.
وأشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في التأمل في أسماء الله وصفاته، وجنته وناره ، و نعيمه وعذابه ، وآخرته وآلائه وآياته المسطورة في كتابه والمنثورة في كونه وما خلق سبحانه و تعالى ، وما ألذ هذه المجالس وما أحلاها وما أطيبها لمن رزقها، وقال الشافعي رحمه الله: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر. وكان الشافعي رحمه الله : من أقوى الناس عقلاً وأجودهم استنباطاً، ومن القلائل الذين مروا في الأمة الإسلامية بهذه المنزلة، وقال أيضاً: صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور والعزم على الرأي سلامة من التفريط والندم والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة و مشاورة الحكماء ثبات في النفس وقوة في البصيرة ، ففكر قبل أن تعزم وتدبر قبل أن تهجم وشاور قبل أن تقدم.
وقال أيضاً : الفضائل أربع، إحداها الحكمة وقوامها الفكرة والثانية العفة وقوامها التغلب على الشهوة والثالث القوة و قوامها التغلب على الغضب ، والرابعة العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس.
التفكر لغة: مأخوذ من مادة- ف ك ر -التي تدل كما يقول ابن فارس رحمه الله من علماء اللغة : على تردد القلب في الشيء، يقال تفكر إذا ردد قلبه معتبراً، ولفظ التفكر مصدر، وفكر مصدرها التفكير ، والفكر هو التأمل وإعمال الخاطر في الشيء، فالتفكر هو تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب..
أما التفكر الشرعي فقد قال ابن القيم رحمه الله قاعدة جليلة: أصل الخير والشر من قبل التفكر فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض وأنفع الفكر؛ 1- الفكر في مصالح المعاد ..2-وطرق اجتلابها ..3- وفي دفع مفاسد المعاد.. 4- و في طرق اجتنابها..،فهذه أربعة أفكار هي أجل الأفكار ويليها أربعة ..1- فكر في مصالح الدنيا..2- وطرق تحصيلها.. 3- وفكر في مفاسد الدنيا.. 4- وطرق الاحتراز منها، فعلى هذه الأقسام الثمانية دارت أفكار العقلاء.
قال: ورأس القسم الأول الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والاهما، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها وفي الدنيا وخستها وفنائها يثمر له ذلك الرغبة في الآخر ة والزهد في الدنيا، وكلما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى التفكر في كتابه مقروناً بذكر الأمثال والنعم و المخلوقات وكذلك ما نراه في هذا الكون من قدرته عز وجل وهذه بعض الآيات التي فيها الأمر بالتفكر أو مدح المتفكرين أو أنه خلق أشياء للمتفكرين..

عبدالله
10-12-2004, 09:58 PM
1- { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} فهذا الرجل قلبه متعلق بالبستان من حيث:
*أ- أنه جنة وليس مزرعة صغيرة.
*ب- أن فيها أشجار متنوعة .. نخيل وأعناب.
*ج- أن فيها أشجار نفيسة وأعلاها قيمة وقدراً.. النخيل والأعناب.
*د- أن الماء الذي في هذه الجنة لا يستخرج من الآبار بالمجهود الكبير بل إن هناك أنهار تجري في هذه الجنة.
*ه- أصابه الكبر.. والإنسان إذا أصابه الكبر يحتاج إلى شيء يعود إليه بالمال دون أن يتعب فيه كثيراً.
*و- له ذرية ضعفاء صغار مرضى فهو يخشى أن يموت والأولاد أين مصدر رزقهم.. لا يوجد إلا هذه الجنة.
فدرجة تعلقه بهذه الجنة كبير جداً، فكيف يكون شعوره وخيبة أمله والإحباط إذ أصابها إعصار فيه نار فاحترقت..؟..كبير جداً..، فكر لماذا ضرب المثل ولأي شيء ساق هذا المثل..؟
إنه مثل ضربه الله للذي يعمل أعمالاً كثيرة.. صدقات وغيرها ولكنه يرائي..، يوم القيامة يأتي في غمرة الأهوال وهو محتاج إلى كل حسنة فيرى أعماله التي عملها في الدنيا وأمامه النار من تلقاء وجهه والشمس دانية من رأسه وفي العرق والصراط مضروب على جهنم ولا ينجو إلا بعمل صالح فجعل الله أعماله كلها هباءً منثوراً في وقت هو أحوج ما يكون إلى الحسنات فكيف يكون إحباطه وذله وخيبة أمله في ذلك الوقت..، ما الذي ينشئ الانقياد والسعي للإخلاص في العمل؟ التفكر في مثل هذه الآيات..
2- { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار، ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار}.
3- {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغنَ بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون}.
4- { الله الذي رفع السموات بغير عمدٍ ترونها ثم استوى على العرش و سخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون، وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
5- {هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون، وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون، وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ، وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}.
6- { وما أرسنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}،يتفكرون في القرآن والتبيان السنة ، فيتفكرون في القرآن والسنة.
7- { أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }إذاً التفكر في النفوس والتفكر في مصائر الأقوام البائدة مجال آخر للتفكر.
8- { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون، لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ على لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}. فليتفكر الإنسان في هذا القرآن وقوته لو أنزل على جبل لانهدّ فماذا ينبغي أن يكون أثره على نفسه؟*
والنبي صلى الله عليه وسلم علّمنا التفكر لما قام من الليل ينظر في السماء ويقرأ ، فقراءة الآيات من سورة آل عمران في الليل سنة قبل صلاة الليل ، وهذه من السنن المهجورة، إذا قام من النوم يمسح النوم عن عينيه كما ورد في السنة ثم يقرأ { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب }في البخاري عن ابن عباس بعد أن قرأ الآية صلى الله عليه وسلم ثم قام فتوضأ واستنّ فصلى ركعتين ثم خرج فصلّى الصبح، فلذلك على أحد القولين قراءتها قبل الخروج لصلاة الصبح وقبل الوضوء وقبل سنة الفجر..والقول الآخر قبل قيام الليل.
وفائدة التفكر تكثير العلم واستجلاب المعرفة لأنه إذا اجتمع في القلب اجتمعت المعلومات الأساسية وازدوجت على ترتيب مخصوص أثمرت معرفة أخرى، فالمعرفة نتاج المعرفة ، فإذا حصلت معرفة أخرى وازدوجت مع معرفة أخرى حصل نتاج آخر!..فالعلماء من أين أنتجوا انتاجهم وأحاكم الفقه والأحكام المستنبطة والتفسير..؟ جزء كبير خرج من التأمل في آيات الله والتأمل في الأحداث والوقائع..!
الأمور المشكلة والمستعصيات كيف حُلّت..؟!
أبو حنيفة قالوا له هذا شخص وهذا أخوه عقدنا لهما على أختين لما صارت الدخلة بالخطأ دخل الأخ الأول على زوجة الثاني ودخل الأخ الثاني على زوجة الأول و وطئها تلك الليلة و لم يكتشفوا ذلك إلا في الصباح ، الحل يحتاج لتفكر وتدبر ، تعال يا فلان هل أعجبتك المرأة التي دخلت بها؟ رضيت بها؟ نعم، وأنت يافلان؟ نعم، يا فلان طلق فلانة التي عقدت عليها ويا فلان طلق فلانة ثم عقد لكل منهم على الأخرى!
الجمع بين النصوص كيف حُلّت..؟!
كيف نجمع بين { لا تزر وازرة وزر أخرى} و (الميت يعذب ببكاء أهله عليه)(بما نيح عليه)..؟!!
فيفكر العلماء .. يقولون هذا خاص بالكافر مثلاً ..هذا إذا كان راضياً بالنياحة و هو يعلم بما يفعلون بالعادة و لم ينههم قبل موته..وهكذا..

عبدالله
10-12-2004, 10:00 PM
من وسائل زيادة الإيمان التفكر في آيات الله في الكون.. في الآفاق .. في النفس.. { أولم يتفكروا في أنفسهم } .. فيما خلق الله..، فهذه الميادين في التفكر مهم جداً للإنسان المسلم والتفكر رأس المال وينتج بضاعة عظيمة جداً..
فالثمرة الخاصة للتفكر العلم.. وإذا حصل العلم في القلب تغير حال القلب.. وإذا تغير حال القلب تغيرت أعمال الجوارح ..، فالعلم تابع للفكر فالفكر هو المبدأ ينتج علماً والعلم ينتج حال في القلب من الخشية والإحساس بالتقصير في حق الله والرغبة والجد .. ينتجها العلم فيؤدي إلى زيادة أعمال الجوارح لأن القلب يأمر الجوارح بالعمل..، فيصلح الإنسان ويعلو شأنه ويتحسن حاله من نتيجة التفكر..
محبة الله تحصل من التفكر في النعم..لأن النفس مجبولة على محبة من أحسن إليها..وكذلك فإن التفكر وسيلة لفهم الشر يعة و وسيلة للفقه في الدين ( ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).. وهكذا تحصل البصيرة بالتفكر..
التفكر في النفس ماهو..؟
يشمل أن يتفكر في خلق الله كيف خلق نفس الإنسان وجسده، والتفكر في النفس أيضاً يشمل التفكر في عيوبها وهذا مهم جداً جداً جداً ولا يمكن عمل تقويم وتصحيح وتعديل وتحسين إلا بعد التفكر ، وإذا كان فكره صحيحاً عرف العيوب واكتشف الأخطاء وبالتالي يمتنع عن الوقوع فيما وقع فيه سابقاً من الأخطاء ويجتهد في تحصيل ما يستر به عيوب نفسه .. غضب شديد .. حاد الطبع .. عجول.. متهور .. عصبي.. جبان .. خواف.. ظلوم .. معتدي.. باغي.. متعدي .. يفري بلسانه في أعراض الخلق.. وهكذا..، كذلك يفكر في حال عائلته وأسرته وأولاده كيف يحسن من أحوالهم ما هي الثغرات فيه؟
لو أردنا أن نصلح أحوال المسلمين ..المصلحين الكبار والمجددين الذين مروا على العالم الإسلامي ماذا فعلوا؟.. بالتأكيد أول ما فعلوا هو النظر في حال المسلمين.. ماذا ينقصهم؟ أين الخلل؟ ما هي الثغرات؟..ثم شمروا في تحصيل أسباب القوة والارتقاء بحال المسلمين و سد الثغرات.. جهل ..شرك.. معاصي..
ومن التفكر.. التفكر في خلق الله تعالى.. فإن فيه من العجائب والغرائب الدالة على حكمة الله وقدرته وجلاله شيء يهون الناظرين والمتفكرين والموجودات منقسمة إلى أشياء معروفة و غير معروفة..، ومجال العلم التجريبي والدنيوي أن يكتشف الأشياء غير المعروفة وهي موجودة مما خلق الله عز وجل { ويخلق مالا تعلمون}..{سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون}..{ وننشئكم فيما لا تعلمون}..فمالا نستطيع أن نعرفه فلا يمكن إضاعة الوقت في استكشافه وهذا من الفروق في النظرة الإسلامية والغربية في قضايا المستكشفات والمخترعات..، مثلاً ما صحة القيام بما يسمى <أبحاث الروح>؟.. لو هناك عالم طبيب مسلم وآخر كافر.. مالفرق؟ .. المسلم يعلم أنه لا سبيل لمعرفة أي شيء في موضوع الروح زيادة عما ورد في الكتاب والسنة فلا حاجة لإضاعة الوقت لأنه يعلم {قل الروح من أمر ربي}، الكافر.. لا .. ما عنده منطلقات وقواعد ممكن أن يبذل 50 سنة من عمره في التجارب وبلا فائدة..!، حتى الدخول في العوالم الغيبية و عمل التجارب على الملائكة مثلاً..!
لذلك فمجال التفكر في الموجودات التي نعلمها من جهة الاستكشاف العلمي الدنيوي المقدور عليه..، وغير المقدور عليه لا يمكن ندخل فيه، وهناك أشياء موجودة لا يمكن معرفة تفاصيلها إلا من الوحيين ( مثل معرفة الملائكة والجنة وما بعد الموت) فالتفكر فيها يكون منطلقاً فقط من النصوص الشرعية.. ، أما قضايا الدنيا .. علم الأجنة .. والنجوم.. مثلاً وكالة ناسا أطلقت مناظير و مسبارات..أو في أعماق البحار و قيعان المحيطات.. تنظر فيها تتأمل في ملكوت الله و خلقه..، تبقى الأشياء القطعية حتى في الأمور الدنيوية وهي ما جاء الكتاب والسنة مثل من كل شيء زوجين اثنين.. وهكذا..
قال بعض العلماء من 1000 سنة : فمن آياته الإنسان المخلوق من نطفة و أقرب شيء إليك نفسك وفيك من عجائب الله الدالة على عظمة الله تعالى ما تنقضي الأعمار في الوقوف على عشر عشيره وأنت غافل عنه فيا من هو غافل عن نفسه وجاهل بها كيف تطمع في معرفة غيره و قد أمرك الله في التدبر في نفسك في كتابه العزيز فقال: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} وذكر أنك مخلوق من نطفة قذرة فقال: { قتل الإنسان ما أكفره ، من أي شيء خلقه، من نطفة خلقه فقدره ، ثم السبيل يسره}، و قال: {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون}، وقال: { ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى} ، وقال: {ألم نخلقكم من ماء مهين، فجعلناه في قرار مكين، إلى قدر معلوم}{أولم يرى الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } ثم ذكر كيف جعل النطفة علقة والعلقة مضغة والمضغة عظاماً كما قال سبحانه : {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ... الآية} فتكرير ذكر النطفة في الكتاب العزيز ليس ليُسمَع لفظه ويترك التفكر في معناه..!
انظر إلى النطفة وهي قطرة من الماء قذرة لو تُرِكت ساعة ليضربها الهوا ء فسدت وأنتنت كيف أخرجها رب الأرباب من الصلب والترائب؟و كيف جمع بين الذكر والأنثى وألقى الألفة والمحبة في قلوبهم؟ وكيف قادهم بسلسلة المحبة والشهوة إلى الاجتماع وكيف استخرج النطفة من الرجل بحركة الوقاع وكيف استجلب دم الحيض من أعماق العروق و جمعه في الرحم ثم كيف خلق المولود من النطفة وسقاه بماء الحيض وغذاه حتى نما وربا و كيف جعل النطفة وهي بيضاء مشرقة علقة حمراء ثم كيف جعلها مضغة ثم كيف قسم أجزاء المضغة و هي متساوية متشابهة إلى العظام والأعصاب والعروق والأوتار واللحم ثم كيف ركب من اللحوم والأعصاب والعروق الأعضاء الظاهرة، فدوّر الرأس وشقّ السمع والبصر و الأنف والفم وسائر المنافذ ثم مد اليد والرجل وقسم رؤوسها بالأصابع وقسم الأصابع بالأنامل، ثم كيف ركب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطحال والرئة والرحم والمثانة والأمعاء، كل واحد على شكل مخصوص، ومقدار مخصوص ، لعمل مخصوص، ثم كيف قسم كل عضو من الأعضاء بأقسام أخر، فركب العين من سبع طبقات لكل طبقة وصف مخصوص وهيئة مخصوصة لو فقدت طبقة منها أو زالت صفة من صفاتها تعطلت العين عن الإبصار وهكذا..
فانظر الآن إلى العظام وهي أجسام صلبة قوية كيف خلقها من نطفة سخيفة رقيقة ثم جعلها قواماً للبدن و عماداً له ثم قدرها بمقادير مختلفة و أشكال مختلفة فمنه صغير وكبير وطويل مستدير و مجوف ومصمت وعريض ودقيق ولما كان الإنسان محتاج إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه لم يجعل عظمه عظماً واحداً بل عظاماً كثيرة بينها مفاصل حتى تتيسر بها الحركة وقدر شكل كل واحدة منها على وفق الحركة المطلوبة بها ثم وصل مفاصلها وربط بعضها ببعض بأوتار أنبتها من أحد طرفي العظم وألصقه بالعظم الآخر كالرباط له ثم خلق في أحد طرفي العظم زوائد خارجة منه وفي الأخرى حفراً غائصة فيه موافقة لشكل الزوائد لتدخل فيها و تنطبق عليها فصار العبد إن أراد تحريك جزء من بدنه لم يمتنع عليه ولولا المفاصل لتعطل عليه ذلك.. < فلتلك النعمة العظيمة ( على كل سلام من أحدكم صدقة) 360 مفصل تجزيء عنها ركعتي الضحى>..فلننظر كيف خلق عظام الرأس وكيف جمعها وركبها وقد ركبها من 55 عظم مختلفة الأشكال والصور فألف بعضها إلى بعض بحيث استوى به كرة الرأس كما ترى ، وليس المقصود من ذكر أعداد العظام أن يعرف عددها فإن هذا علم قليل يعرفه الأطباء والمشرحون إنما الغرض أن ينظر في مدبرها وخالقها كيف قدرها ودبرها وخالف بين أشكالها وأقدارها وخصصها بهذا العدد المخصوص لأنه لو زاد عليها واحداً لكان وبالاً على الإنسان يحتاج إلى قلعه ولو نقص منها واحداً لكان نقصاناً يحتاج إلى جبره، فالطبيب ينظر فيها ليعرف وجه العلاج في جبرها ، وأهل البصائر ينظرون فيها ليستدلوا على جلالة خالقها ومصورها فشتّان بين النظرين..، وكذلك التفكر في أمر هذه الأعصاب والعروق والأوردة والشرايين و عددها ومنابتها وانشعابها فانظر الآن إلى ظاهر الإنسان وباطنه، فترى به من العجائب والصنعة ما يقضى به العجب وكل ذلك صنعه الله في قطرة ماء قذرة، فترى من هذا صنعه في قطرة ماء فما صنعه في ملكوت السموات وكواكبه؟ وما حكمته في أوضاعها و أشكالها ومقاديرها وأعدادها واجتماع بعضها وتفرق بعضها واختلاف صورها وتفاوت مشارقها ومغاربها..؟فلا تظنن أن ذرة من ملكوت السموات تنفك عن حكمة بل هي أحكم خلقاً وأتقن صنعاً { أءنتم أشد خلقاً أم السماء بناها}{ لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس}، فارجع الآن إلى النطفة وتأمل حالها أولاً وما صارت إليه ثانياً وتأمل أنه لو اجتمعت الجن والإنس على أن يخلقوا للنطفة سمعاً أو بصراً أو عقلاً أو قدرة أو علماً أو روحاً أو يخلقوا فيها عظماً أو عرقاً أو عصباً أو جلداً أو شعراً ..هل يقدرون على ذلك؟ بل لو أرادوا أن يعرفوا كنه حقيقته لربما عجزوا عن بعضه!< والذي يعملونه في الاستنساخ هو تلاعب بخلق الله {ولآمرنّهم فليغيرنّ خلق الله}وحتى الذبابة فلا يستطيعون أن يخلقوها من عدم فصارت قمة تطورهم الطبي التلاعب في الخلق، وزرع بويضة ملقحة لإنسان في قرد أو كلب و زرع بويضة ملقحة لكلب في رحم امرأة..هذه هي التجار ب الطبية>فالعجب منك لو نظرت إلى صورة إنسان مصوّر على حائط، تأنّق النقاش في تصويرها حتى قرب ذلك من صورة الإنسان وقال الناظر إليها كأنه إنسان، تعجبت من صنعة النقاش وحذقه وخفة يده وتمام فطنته وعظم في قلبك محله مع أنك تعرف أن تلك الصورة إنما تمت بالصبغ والقلم واليد وأن كل ما فعله أنه جعل الصبغ على هذا الحائط على ترتيب مخصوص وأنت تستعجب من النقاش والرسام فكيف بالذي جعل من النطفة القذرة التي كانت معدومة فخلقها في الأصلاب والترائب وأخرج منها هذا الشكل الحسن وقدرها فأحسن تقديرها وصورها فأحسن تصويرها ورتب عروقها وأعصابها وجعل لها مجاري لغذائها ليكون ذلك سبب بقائها وجعل البطن حاوياً لآلات الغذاء والرأس جامعاً للحواس وهكذا جعل في الأذنين وجعل في الأنف حاسة الشم ليستدل صاحبه باستنشاق الروائح على مطاعمه وأغذيته و يميز الطيب من الخبيث..، وهكذا إذا تأملت في الشفتين و حسن لونها وشكلها لتنطبق على الفم فتسد منفذه و ليتم بها حروف الكلام وخلق الحنجرة وهيأها لخروج الصوت وخرج اللسان قدرة للحركات والتقطيعات لتتقطع الأصوات في مخارج مختلفة تختلف بها الحروف ليتسع بها طريق النطق لكثرتها، ثم خرج الحناجر مختلفة الأشكال في الضيق والسعة والخشونة والملاسة وصلابة الجوهر ورخاوته والطول والقصر حتى اختلفت بسببه الأصوات فلا يتشابه صوتان بل يظهر بين كل صوتين فرقاً حتى يميز السامع بعض الناس عن بعض بمجرد الصوت في الظلمة.. إلى غير ذلك من الآلاء والنعم..
ثم تفكر في ما يحدث في خلق الجنين في الرحم في ظلمات ثلاث..ولو كشف الغطاء والغشاء وامتد البصر لرأيت التخطيط والتصوير يظهر عليها شيئاً فشيئاً ولا ترى المصوّر و لا آلته فهل رأيت مصوراً أو فاعلاً لا ترى آلته ومع ذلك يتشكل خلقه سبحانه وتعالى..
ثم من تمام رحمته أنه لما ضاق الرحم عن الصبي لما كبر كيف هداه السبيل حتى تنكّس و انقلب وتهيأ للخروج وتحرك وخرج من ذلك المضيق وطلب المنفذ كأنه عاقل بصير بما يحتاج إليه، ثم لما خرج واحتاج إلى الغذاء كيف هداه إلى التقام الثدي ، ثم لما كان بدنه سخيفاً لا يحتمل الأغذية الكثيفة كيف دبر له في اللبن اللطيف المستخرج بين الفرث والدم شيئاً سائغا خالصاً، وكيف خلق الثديين وجعل فيهما اللبن و أنبت منهما حلمتين على قدر ما ينطبق عليهما فم الصبي ..قدر الحلمة على قدر فتحة الفم في الصبي ثم فتح في حلمة الثدي ثقباً ضيقاً جداً حتى لا يخرج اللبن منه إلا بعد المص تدريجاً فإن الطفل لا يطيق منه إلا القليل ثم كيف هداه إلى الامتصاص حتى يستخرج من ذلك المضيق اللبن الكثير عند شدة الجوع، ثم انظر إلى عطفه ورحمته ورأفته كيف أخّر خلق الأسنان إلى تمام الحولين، لأنه في الحولين لا يتغذى إلا باللبن فيستغني عن السن وإذا كبر لم يوافقه اللبن السخيف ، و يحتاج إلى طعام غليظ ويحتاج الطعام إلى المضغ والطحن فأنبت له الأسنان في وقت الحاجة..فسبحانه كيف أخرج تلك العظام الصلبة في تلك اللثاة اللينة ثم حنن قلوب الوالدين عليها للقيام بتدبيره في الوقت الذي كان عاجزاً عن تدبير نفسه..، فلو لم يسلط الله الرحمة على قلوبهما لكان الطفل أعجز الخلق عن تدبير نفسه ، ثم انظر كيف رزقه القدرة والتمييز والعقل والهداية تدريجاً..حتى يتكامل فيصير مراهقاً ثم شاباً ثم شيخاً إما شاكراً أو كفوراً{ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً، إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً}، فتأمل وتفكر في عظمة الرب سبحانه وتعالى وهذا في شيء واحد من مخلوقاته وهو الإنسان وفي الإنسان أشياء كثيرة أخرى وكثير منها غير معلوم للآن فما بالك فيما جعل في الأرض في أكنافها وأنهارها وجبالها وهيأ السكن للساكن و جعل الأرض فراشاً وكيف جعلها كفاتاً وأنه أرساها بالجبال الرواسي وأودع فيها المياه وفجر العيون وأسال الأنهار و جعل خزانات جوفية {و ما أنتم له بخازنين}، وهكذا ترى في البوادي والأزهار والثمار والمعادن والجواهر وانقسامها إلى خسيس و ثمين وهكذا جعل منها ما يصنعه الإنسان من حاجته وحتى الحلي والنفط والكبريت و القار وحتى الملح الذي يحتاجه لتطييب طعامه و ما في هذه الحيوانات من الأمور العظيمة والتناسب الدقيق الهندسي فترى العنكبوت يبني بيته على طرف نهر فيطلب أولاً موضعين متقاربين بينهما فرجة بمقدار ذراع فما دونها حتى يمكنه أن يصل بالخيط بين طرفيه ثم يبتديء ويلقي اللعاب الذي هو خيطه على جانب ليلتصق به ثم يغدو إلى الجانب الآخر فيحكم الطرف الآخر من الخيط ثم كذلك يتردد ثانياً وثالثاً ويجعل بعد ما بينهما متناسباً تناسباً هندسياً حتى إذا أحكم معاقد القمط ورتب الخيوط كالسدى اشتغل باللُحمة (الكسوة)، فيضع اللحمة على السدى ويضيف بعضه إلى بعض ويحكم العقد على مواضع التقاء اللحمة بالسدى و يراعي في جمع ذلك تناسب الهندسة ويجعل ذلك شبكة يقع فيها البقّ والذباب و يقعد في زاوية مترصداً لوقوع الصيد في الشبكة فإذا وقع الصيد بادر إلى أخذه وأكله فإن عجز عن الصيد كذلك طلب لنفسه زاوية من حائط ووصل بين طرفي الزاوية بخيط ثم علق نفسه فيها بخيط آخر وبقي منكساً في الهوا ء ينتظر ذبابة تطير ، فإذا طارت رمى بنفسه إليها فأخذه ولفّ خيطه على رجليه وأحكمه ثم أكله وما من حيوان صغير ولا كبير إلا وفيه من العجائب ما لا يحصى.. ، أفترى أنه تعلم هذه الصنعة من نفسه؟أو تكون من نفسه؟أو علمه آدمي؟

عبدالله
10-12-2004, 10:01 PM
فإذاً البصير يرى في هذا الحيوان الصغير من عظمة الخالق المدبر وجلاله وكمال قدرته وحكمته ما تتحير فيه الألباب والعقول فضلاً عن سائر الحيوانات ، وإذا رأيت حيواناً غريباً ولو دوداً تجدد التعجب .. وقال سبحان الله..!
والإنسان أعجب من الحيوانات..ومع ذلك إذا رأى حيواناً عجيباً تعجب وليس يتعجب من نفسه..!
وهكذا ما خلقه الله في البحار وما يكون في قيعانها وفي السحاب وما يجتمع فيها من المطر وكيف ينزل وفي ملكوت السموات والأرض..، والتفكر في مخلوقات الله قد أمر الله به وأنه سبحانه وتعالى مدح عباده {ويتفكرون في خلق السموات والأرض}وأمر في التفكر وحث عليه..في النفس {أولم يتفكروا في أنفسهم}.. يتفكرون في خلق السموات والأرض لماذا..؟ قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " ليستدلوا بها على المقصود منها ودل هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين فإذا تفكروا عرفوا أن الله لم يخلقها عبثاً فيقولون{ ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك} يعني نزهناك عن كل ما لا يليق بك"، بعض الناس تفكره فقط إلى حد إتقان الصنعة وأنها صنعة جميلة لكن المقصود الأعظم ليس فقط التعجب من دقة الصنع بل لشيء وراء ذلك..
والتفكر في أمور الآخرة من الأمور المهمة جداً ، وحيث أننا ما رأينا الآخرة ولا عشنا فيها ولا عندنا الآن من ثمار الجنة شيء ولا سلاسل النار شيء، لكن عندنا من النصوص الشرعية ما يصف لنا بدقة بالغة كيف سيكون الحال يوم القيامة وهذه الأوصاف والتفاصيل من رحمة الله حتى نجد شيء نتفكر فيه، فلذلك كلما ازداد علمك بتفاصيل مافي اليوم الآخر كلما ازدادت حركة القلب في التفكر في هذه التفاصيل ، ولذلك لما سأل ابن المبارك ذاك لما رآه يتفكر قال له أين بلغت ؟ قال : الصراط..، التفكر كان يأخذ وقت طويل جداً عند العلماء والأولياء بل كانوا يقدمون التفكر على صلاة الليل..
عن يوسف بن أسباط قال لي سفيان بعد العشاء: ناولني المطهرة- الإناء الذي يتوضأ به- فناولته ، فأخذها بيمينه ووضع يساره على يده فبقي مفكراً ونمت ثم قمت وقت الفجر فإذا المطهرة في يده كما هي..فقلت هذا الفجر قد طلع.. فقال : لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الساعة..
لماذا ذكر الله أشراط الساعة ..؟ لتكون مجالاً للتفكر.. لا بد أن تشغلنا هذه القضايا دائماً و هذا من الخلل الموجود فينا أننا لا نتأمل..المشكلة أن مجالات التفكر اليوم يا في الحرام والعشق والحب والغرام أو في الدنيا فقط..طغت الحياة الدنيا على الناس.. فصار التفكير نادر في القضايا المهمة التي عليها مدار السعادة..
وجاء عن سفيان الثوري أيضاً أنهم كانوا جلوساً في مجلس فانطفأ السراج فعمّت الظلمة الغرفة فبعد ذلك أشعلوه فوجدوا سفيان رحمه الله دموعه انهمرت كثيراً كثيراً فقالوا مالك؟ قال : تذكرت القبر..
فنظراً لأن قلوبهم حية ممكن أي مشهد أو حدث يصير في الواقع يربطه مباشرة بالآخرة والقبر..
وأحد السلف كان على تنور فرن خباز فوقف ينظر في النار التي في التنور..ثم جعلت دموعه تنهمر فبكى بكاء حاراً..فقيل له مالك؟ قال: "ذكرت النار"..
قال ابن عباس:" ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب"..
قال عمر بن عبد العزيز:" الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادات"..
وبكى عمر يوماً فسئل عن ذلك فقال:" فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر ، إن فيها مواعظ لمن ادّّكر"..
فمن رحمة الله أنه جعل لذات الدنيا مهما عظُمت فيها تنغيص وتكدير حتى لا يستسلم العباد إليها ومع ذلك يستسلمون إليها!
وسأل عبدالله بن عتبة أم الدرداء ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: "التفكر والاعتبار"..
نور الإيمان التفكر.. أفضل العمل الورع والتفكر.. تفكر ساعة خير من قيام ليلة..
كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: " اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به والندم على الشر يدعو إلى تركه"..
وعن محمد بن كعب القرظي: " لئن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بإذا زلزلت والقارعة لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إلي من أن أهذ القرآن ليلتي هذّاً أو أنثره نثراً"..
قال وهب: " ما طالت فكرة امرئ قط إلا علم وما علم امرئ قط إلا عمل"..
قال فضيل: " الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك"..
عودوا قلوبكم البكاء وقلوبكم التفكر..
إني رأيت عواقب الدنيا
فتركت ما أهوى لما أخشى
فكرت في الدنيا وعالمها
فإذا جميع أمورها تفنى
وبلوت أكثر أهلها فإذا
كل امرئ في شأنه يسعى
أسمى منازلها وأرفعها
في العز أقربها من المهوى
تعفو مساويها محاسنها
لا فرق بين النعي والبشرى
وقد مررت على القبور
فما ميزت بين العبد والمولى
أتراك تدري كم رأيت
من الأحياء ثم رأيتهم موتى؟
فالإنسان عليه أن يديم التفكر ويطيله لأنه يوصل إلى مرضاة الله وانشراح الصدر وسكينة القلب ويورث الخوف و الخشية من الله ويورث العلم والحكمة والبصيرة ويحيي القلوب و يصير هناك اعتبار واتعاظ من سير السابقين.. هذا التفكر.. العمل القلبي العظيم..نسأل الله أن يجعلنا من الذين يتفكرون ومن الذين يعقلون ومن الذين يتدبرون..

عبدالله
10-12-2004, 10:03 PM
الدرس العاشر

المحبة

المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون
وإليها شخص العاملون
وإلى علمها شمر السابقون
وعليها تفانى المحبون
وبروح نسيمها تروح العابدون
قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون وسرور النفوس ونور العقول وعمارة الباطن
و غاية الأماني ونهاية الآمال وروح الحياة وحياة الأرواح


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .. وبعد..
حديثنا عن مقام عظيم وعمل كبير من أعمال القلوب فهو أساسها جميعاً ألا وهو محبة الله تعالى. المحبة هي الرأس والخوف والرجاء هما الجناحان والعبد يسير إلى الله بالمحبة والخوف والرجاء.
هذه المحبة هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون وعليها تفانى المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون وسرور النفوس ونور العقول وعمارة الباطن و غاية الأماني ونهاية الآمال وروح الحياة وحياة الأرواح.
وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات ،والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام ، فهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى ما خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه.
تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها ،وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها، وتبوءهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها ، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائماً إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب.
تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بحكمته البالغة أن المرء مع من أحب..، فيالها من نعمة على المحبين سابغة. تالله لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون. < من كلام ابن القيم في المحبة >
المحبة في اللغة:
من الحب . قيل المحبة أصلها الصفاء لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان ، وقيل إنها مأخوذة من الحباب الذي يعلو الماء عند المطر الشديد فعلى هذا المحبة غليان القلب عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب، وقيل المحبة مشتقة من اللزوم والثبات ومنه أحب البعير إذا برك.
حلّت عليه بالفلاة ضربة * * * ضرب بعير السوء إذا أحبَّ
أي إذا أقام في المقام ولزمه فكأن المحب قد لزم قلبه محبوبه فلم يرم عنه انتقالاً، وقيل بل المحبة مأخوذة من القلق والاضطراب ومنه سمي القرط حباً لقلقه في الأذن واضطرابه كما قال الشاعر:
تبيت الحية النضناض منه * * * مكان الحب تستمع السرار
وقيل مأخوذة من الحب جمع حبة وهو لباب الشيء وخالصه وأصله فإن الحب أصل النبات والشجر وقيل بل مأخوذة من الحِب الذي هو إناء واسع يوضع فيه الشيء فيمتلئ به بحيث لا يسع غيره وكذلك قلب المحب ليس فيه سعة لغير محبوبه. وقيل مأخوذة من حبة القلب وهي سويداءه ويقال ثمرته فسميت المحبة بذلك لوصولها إلى حبة القلب.
وأياً ما كان فإن هذه الصفات تجتمع في المحب وتكون مما يشعر به، و محبة الله هي التي نتحدث عنها وهي أمر هائل جسيم وفضل غامر جزيل لا يقدر على إدراك قيمته إلا من عرف الله بصفاته كما وصف نفسه .
علامات محبة الله تعالى للعبد:
العلامات التي إذا وجدت في العبد أو أحس بها تدل على أن الله يحبه..
1- حسن التدبير له فيربيه من الطفولة على أحسن نظام ويكتب الإيمان في قلبه وينور له عقله فيجتبيه لمحبته ويستخلصه لعبادته فيشغل لسانه بذكره وجوارحه بطاعته ، فيتبع كل ما يقربه إلى محبوبه و هو الله عز وجل ويجعله الله نافراً من كل ما يباعد بينه وبينه ثم يتولى هذا العبد الذي يحبه بتيسير أموره من غير ذلّ للخلق فييسر أموره من غير إذلال، ويسدد ظاهره وباطنه، ويجعل همه هماً واحداً بحيث تشغله محبته عن كل شيء.
2- الرفق بالعبد والمراد اللين واللطف والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع.
3- القبول في الأرض والمراد قبول القلوب لهذا العبد الذي يحبه الرب والميل إليه والرضا عنه والثناء عليه كما جاء في حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبّه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل عليه السلام إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فيبغضوه ثم توضع له البغضاء في الأرض}< رواه البخاري ومسلم>.
4- الابتلاء، فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحبّ قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط} فيبتليهم بأنواع البلاء حتى يمحصهم من الذنوب ، ويفرغ قلبوهم من الشغل بالدنيا غيرة منه عليهم ، فالله يغار ومن صفاته الغيرة ، يغار أن يشتغل العبد الذي يحبه بغيره فلا يريد أن يشتغل بالدنيا فيبتليه ويتلذذ العبد بالبلاء ويصبر ولا يجد وقتاً وإمكاناً للاشتغال بالدنيا التي تصرفه عن الله فلا يقع العبد فيما يضره في الآخرة، ويبتليه بضنك من المعيشة أو كدر من الدنيا أو تسليط أهلها ليشهد صدقه معه في المجاهدة ، قال تعالى: { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم }.
وهذا الابتلاء على حسب قدر الإيمان ومحبة الله للعبد كما قال سعد بن أبي وقاص : يارسول الله أي الناس أشد بلاء؟قال: { الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى العبد على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة}< رواه الترمذي وقال الألباني حسن صحيح>.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي – وجد الحر فوق اللحاف- فقلت يارسول الله ماأشدها عليك، قال : {إنا كذلك يضعّف لنا البلاء ويضعّف لنا الأجر}، قلت يارسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: {الأنبياء}قلت يارسول الله ثم من؟ قال: {الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحوّيهاوإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء}<أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني> – قالوا في اللغة التحوية أن يدير كساءً حول سنام البعير-.
5- الموت على عمل صالح، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : {إذا أحب الله عبداً عسّله قالوا وما عسّله؟ قال : يوفق له عملاً صالحاً بين يدي أجله حتى يرضى عنه جيرانه أو من حوله} < رواه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه الألباني>.

عبدالله
10-12-2004, 10:05 PM
علامات العبد الدالة على محبته لله تعالى:
لما كانت المحبة خفية في القلب سهُل أن يدّعيها كل أحد { وقالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممن خلق} فما أسهل الدعوى وأعز الحقيقة، فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان وخداع النفس إذا ادعت نفسه محبة الله مالم يمتحنها بالعلامات ويطالبها بالبراهين ، والمحبة شجرة طيبة أصلها ثابتة وفرعها في السماء ، وثمارها تظهر في القلب والجوارح كدلالة الثمار على الأشجار والدخان على النار وهذه العلامات كثيرة:
1- حب لقاء الله تعالى فإنه لا يتصور أن يحب القلب محبوباً إلا ويحب لقاءه ومشاهدته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه} < رواه البخاري ومسلم>، فالمحب الصادق يذكر محبوبه دائماً والموعد الذي بينهما للقاء، ولا ينسى موعد لقاء حبيبه ، و ماهو موعد اللقاء؟ ، هناك موعدان ، الأول الموت و الثاني يوم القيامة، والثالث اللقاء في الجنة والنظر إلى وجه الرب. إذاً فالموت هو الموعد الأول للقاء مع الله وليس معنى هذا أن العبد يريد الموت الآن وأنه يتمناه ويدعو به على نفسه، لكن إذا نزل الموت بالعبد الصالح أحب نزوله ، لأنه سيفضي به الآن إلى لقاء الله وما أعد له من الثواب والنعيم ويكون بقرب ربه { إن المتقين في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر} ، يريد أن يكون عند ربه وأن يصل إليه من الألطاف والإنعام بعد الموت من الله ما يصل ، فضلاً عن ما يكون له من الجزاء العظيم في الجنة ، فمحبة لقاء الله تعالى ولما علم الله عزوجل شوق عباده المحبين له والمطيعين ضرب لهم موعداً بينه وبينهم وهو الموت { من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت} .
2- أن يكون أنسه بالخلوة ومناجاة الله تعالى وتلاوة كتابه فيواظب على التهجد ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق ، فإن أقل درجات التنعم بمناجاة الحبيب فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذّ عنده من مناجاة الليل فكيف تصح محبته؟، فإن المحب يتلذذ بخدمة محبوبه وتصرفه في طاعته وكلما كانت المحبة أقوى كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { حبب إلي من الدنيا الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة}< رواه النسائي قال الألباني حسن صحيح>.
فقرة العين كما قال ابن القيم فوق المحبة، فجعل النساء والطيب مما يحبه، وأخبر أن قرة العين التي يطمئن القلب بالوصول إليها ومحض لذته وفرحه وسروره و بهجته إنما هو بالصلاة التي هي صلة بالله وحضور بين يديه ومناجاة له واقتراب منه فكيف لا تكون قرة العين؟ وكيف تقر عين المحب بسواها؟ومن قرة عينه بصلاته في الدنيا ؛ قرة عينه بقربه من ربه عزوجل في الآخرة وقرة عينه به أيضاً في الدنيا ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، فقرة عين المحب ولذته ونعيم روحه في طاعة محبوبه بخلاف المطيع كرهاً، المتحمل للخدمة ثقلاً ، الذي يرى أنه لولا ذل القهر ما أطاع فهو يتحمل طاعته كالمكره الذي أذله مكرِهه وقاهره بخلاف المحب الذي يعد طاعة محبوبه قوتاً ونعيماً ولذة وسروراً فهذا ليس الحامل له على الطاعة والعبادة والعمل ذل الإكراه، بل تكون دواعي قلبه وجواذبه منساقة إلى الله طوعاً ومحبة وإيثاراً كجريان الماء في منحدره ، يتم تلقائياً بكل يسر وسهولة، وهذا حال المحبين الصادقين فإن عبادتهم طوعاً ومحبة ورضا ففيها قرة عيونهم وسرور قلوبهم ولذة أرواحهم.
إذاً إذا أحب العبد ربه عمل له بيسر وسهولة منقاداً طائعاً مستلذاً ، كيف نوفّق بين هذا الكلام وبين مايجده الإنسان من المشاق في القيام لصلاة الفجر وتحمل المكاره التي يرغم نفسه عليها إرغاماً، و يرغم نفسه أحياناً على الطاعات ، هل معنى ذلك أن هذا إنسان لا يحب الله؟
الجواب: أن الوصول إلى مرحلة يكون فيها العابد لربه كالماء الذي يجري في المنحدرات؛ هذه لا تتم من أول الأمر ولا يصل إليها العبد من أول العبادة والعمل ، بل يصل إليها بعد تدريب ومكابدة ومشقة ومجاهدة، ولذلك فإن اللذة والتنعم بالطاعة تحصل بعد الصبر على التكره والتعب أولاً، فإذا صبر وصدق في صبره وصل إلى مرحلة اللذة التي تكون العبادة بعدها عنده كجريان الماء في منحدره، ولذلك قال بعض السلف: ( كابدت نفسي في قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به بقية عمري).ومن عرف هذا عرف الطريق إلى محبة الله كيف يكون أوله وآخره وماذا سيلقى وأعد نفسه لهذا وهذه مسألة في غاية الأهمية.
ولا يزال السالك عرضة للفتور والانتكاس والآفات حتى يصل إلى هذه الحالة ( إذاً فترة المشقة تكون مصحوبة باحتمالات انتكاس وفتور وبرود وآفات حتى يصل إلى مرحلة اللذة بالطاعة، ويمكن للفرد أن يشعر أنه يتلذذ بالطاعة أحياناً وتشق عليه أحياناً، وأن نفسه تتقلب حتى تستقر على التلذذ بالطاعة دائماً. فواضح إذاً أن العمل لله والعبادة مراتب ودرجات ومن فقه التدرج هذا عرف كيف يصل، أما الذي لا يعرف عن هذا الموضوع شيئاً فعباداته كلها تقليد وليس عنده تصور لقضية البدء والاستمرار ومايحصل في الطريق من آفات ثم الوصول بعد ذلك في النهاية إلى هذه المرحلة العظيمة التي تسهل عليه بعدها كل مشقة وتهون عليه كل صعوبة) فحين إذٍ يصير نعيمه في سيره ولذته في اجتهاده وعذابه في فتوره وتوقفه عن العبادة فترى أشد الأشياء عليه ضياع شيء من وقته ووقوفه عن سيره ولا سبيل إلى هذا إلا بالحب الذي يدفعه إلى العمل( ولذلك تجد بعض العابدين إذا مرض ينزعج جداً ويتألم من المرض، لا لأجل ألم المرض ، ولكن لأجل أنه قطعه عن العبادة التي كان متعوداً عليها فتصبح القواطع عن العمل أكره شيء عنده ، ولذلك عوضه الله بالأجر،" إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له مثل ماكان يعمل صحيحاً مقيماً")فإذاً علامة المحبة كمال الأنس بمناجاة المحبوب وكمال التنعم بالخلوة وكمال الاستيحاش من كل ما ينغص عليه الخلوة.
3- أن يكون صابراً على المكاره، والصبر من آكد المنازل في طريق المحبة وألزمها للمحبين ، وهم أحوج إلى منزلة الصبر من كل منزلة، فإن قيل كيف تكون حاجة المحب إليه ضرورية مع منافاته لكمال المحبة ، فإنه لا يكون إلا مع منازعات النفس النفس لمراد المحبوب؟ قيل: هذه هي النكتة ولب الموضوع والقصد والفائدة التي لأجلها كان الصبر من آكد المنازل في طريق المحبة وأعلقها به وبه يعلم صحيح المحبة من معدومها وصادقها من كاذبها فإنه بقوة الصبر على المكاره في مراد المحبوب يعلم صحة المحبة ومن هنا كانت محبة أكثر الناس كاذبة لأنهم كلهم ادعوا محبة الله تعالى فحين امتحنهم بالمكاره انخلعوا عن الحقيقة ولم يثبت إلا الصابرون ، فلولا تحمل المشاق وتجشّم المكاره بالصبر ماثبتت صحة الدعوة وقد تبين أن أعظم الناس محبة لله أشدهم صبراً وهذا ماوصف الله به أولياءه وخاصة فقال عن عبده أيوب لما ابتلاه { إنا وجدناه صابراً} فهذه العلاقة بين الصبر والمحبة{ نعم العبد إنه أواب}، وأمر أحب الخلق إليه بالصبر لحكمه وأخبر أن الصبر لا يكون إلا لله ، فيصبر لله و الصبر لا يكون إلا بالله { واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولاتكُ في ضيق مما يمكرون}.
4- أن لا يؤثر عليه شيئاً من المحبوبات، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما{ أنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال: حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال : أنت أحب إلي من كل شيءحتى نفسي، قال: الآن ياعمر}، إذاً من العلامات أن لا يقدم العبد شيئاً على الله لا ولده ولا والده ولا الناس ولا أي شهوة، ومن آثر على الله شيئاً من المحبوبات فقلبه مريض، و إذا كان العبد مؤثراً ما أحبه الله على ما يحبه هو فيكون عند ذلك مقاوماً لداعي الهوى معرضاً عن الكسل مواظباً على الطاعة متقرباً بالنوافل فيظهر الطاعة ولذلك قال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته***إن المحب لمن يحب مطيـــــع
وهذه ملاحظة مهمة تهم الدعاة في التعامل مع المدعوين وهي أن العصيان لا ينافي أصل المحبة إنما يضاد كمالها. فالمحبة كالإيمان لها أصل ولها كمال، فبحسب المعاصي ينقص الكمال، وإذا دخل المرء في مرحلة الشك والنفاق الأكبر ذهب الأصل وانخلع وانعدم، فالذي ليس في قلبه محبة لله هذا كافر مرتد ومنافق نفاق أكبر، ليس له من الدين نصيب، أما العصاة لا يقال لهم أنه ليس عندهم محبة لله بل يقال محبتهم لله ناقصة وعلى هذا يعَاملون والدليل على هذا حديث نعيمان الذي أُتي به عند النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو سكران فحدّه في شرب الخمر ، فلعنه رجلٌ وقال ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله}< رواه البخاري>، يعني عنده أصل المحبة ، وعنده نقص بقدر ما عصا. ولأن هذا صحابي فلا نتكلم فيه في ذاته بل وإنما الشاهد الإتيان بالحديث لنبين أن المعصية لا تنفي أصل المحبة ، وقد يكون الرجل قد تاب وختم له بخير فنحفظ حقوق صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الذين عصوا منهم، ومعروف أن الحدود تكفر المعاصي. وهذا ما ينبغي التعامل به مع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الذين ورد في الأحاديث أنهم وقعوا في المعاصي، فإنهم عند الله بمكان عظيم حتى العاصي منهم كان يخرج للجاهد و يقدم نفسه وروحه فداء لله ورسوله، وعندهم طاعات عظيمة قد تكون أكب بكثير مما فعلوا من السيئات.
5- أن يكون مولعاً بذكر الله تعالى ، لا يفتر لسانه ولا يخلو عنه قلبه ، فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره بالضرورة ومن ذكر ما يتعلق به.فيحب عبادته وكلامه وذكره وطاعته وأولياءه. ولقد أمر الله تعالى عباده بذكره في أخوف المواضع {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً} تحت ظلال السيوف وقعقعات السيوف ولا تشغلكم عن ذكر ربكم. فعلامة المحبة الصادقة ذكر المحبوب عند الرغب والرهب، وحتى العرب في الجاهلية كان المرء يفتخر بالأشعار أنه ذكر محبوبته في الحرب و تحت وقع السلاح . وأهل الإيمان أولى بهذا منهم بحبهم للرحمن وأكثر مما يفعله العاشقون والضلاّل مع محبوبينهم.ومن الذكر الدال على صدق المحبة سبق ذكر المحبوب إلى قلب المحبوب ولسانه عند أول يقظة من منامه وآخر شيء يذكره قبل أن ينام مرة أخرى، وهذه من فوائد أذكار النوم والاستيقاظ.
6- المحب الصادق إذا ذكر الله خالياً وجل قلبه وفاضت عيناه من خشية الله{ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون}.

عبدالله
10-12-2004, 10:06 PM
7- أن يغار لله فيغضب لمحارمه إذا انتهكها المنتهكون و لحقوقه إذا تهاون بها المتهاونون فهذه هي غيرة المحب حقاً، والدين كله تحت هذه الغيرة فأقوى الناس ديناً وأعظمهم محبة لله أعظمهم غيرة على حرمات الله، ولذلك ينكرون المنكرات ويمنعونها غيرة ، لأن محبوبهم لا يرضى بهذا فهم لا يرضون به ولا يرضون بحصوله ويسعون في تغييره.
8- محبة كلام الله عزوجل، فإذا أردت أن تعلم ماعندك وعند غيرك من محبة الله فانظر محبة القرآن من قلبك فإن من المعلوم أن من أحب محبوباً كان كلامه وحديثه أحب شيء إليه ، فلا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم، ومن هنا كان عكوف هؤلاء المحبين لله على كتاب الله، تلاوة وتفسيراً وتدبراً والاستشهاد به في كل موقف. يكثرون من القراءة نظراً وحفظاً. فيكثرون التلاوة ينتج عنها التعلق بكلام المحبوب والإكثار منه .
9- أن يتأسف على ما يفوته من طاعة الله وذكره، فترى أشد الأشياء عليه ضياع شيء من وقته فإذا فاته ورده وجد لفواته ألماً أعظم من تألم الحريص على ماله من فوات ماله وسرقة ماله وضياع ماله، وبادر إلى قضائه في أقرب فرصة كما كان يفعل الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة رضي الله عنها: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته وكان إذا نام من الليل أو مرض صلّى من الليل اثنتا عشرة ركعة} < رواه مسلم >.
10- أن يستقل في حق محبوبه جميع أعماله ولا يراها شيئاً، ولا يرى أن ما عبده به وأطال وصبر عليه أنه بذل شيئاً، فلا يراه قط إلا بعين النقص والإزدراء ويرى شأن محبوبه أعظم من كل ما عمل من أجله وأعلى قدراً فلا يرضى بعمله، بل يتهم عمله ويحتقره ويخشى أنه ما وفّى حق محبوبه بل ويتوب إليه من النقص. لذلك بعد الصلاة يقول أستغفر الله ، فهو دائم الاستغفار للنقص الحاصل في عبادة الرب. وكلما ازداد حباً لله ازداد معرفة بحقه فاستقل عمله أكثر. فكلما ازداد حبّاً ازداد عملاً واحتقاراً لما عمل.{ الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة}.
ما هي الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى؟
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به. قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، فهذا هو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم من إنزال القرآن ، وأن يشغل قلبه بالتفكير في معنى ما يقرأ ويتجاوب مع كل آية بمشاعره وعواطفه دعاءً واستغفاراً ورجاءً . قال حذيفة صليت مع الرسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى، فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبّح ، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ. وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {سبح اسم ربك الأعلى} قال سبحان ربي الأعلى. فلاشيء أنفع للقلب وأجلب لمحبة الله من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال العاملين وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والشكر والصبر وسائر الأحوا ل وأعمال القلوب . ثم يزجر عن الصفات المذمومة والأفعال القبيحة التي تفسد القلب وتهلكهه . قال الحسن البصري: (أنزل القرآن ليعمل به فاتخذوا تلاوته عملاً )فالتفكر بالقرآن أصل صلاح القلب والعمل به متمم لذلك ولا بد لهذا من هذا.
2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض لأنها توصل إلى درجة المحبة كما جاء في الحديث القدسي: { من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، و مايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطيينه ولأن استعاذني لأعيذنّه } فتضمن هذا الحديث الالهي الشريف حصر أسباب محبة الله في أمرين : أداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل. وأخبر سبحانه أن أداء الفرائض أحب ما يتقرب إليه المتقربون ثم بعدها النوافل، وأن المحب يستكثر من النوافل ، لا يزال يكثر منها حتى يصير محبوباً لله فإذا صار محبوباً شغلته المحبة عن أي أفكار وخواطر أخرى أجنبية غريبة عن العبادة فلا تخطر على باله وإذا جاءت تنصرف وتنطرد بسرعة ، لأنه صار عنده من مراقبة الله ما يمنع هذه الأفكار من الورود ويكون عنده من المهابة والعظمة لربه ما يمنع من الانشغال بأي شيء أجنبي عن العبادة، ويكون عنده من الإجلال لله والأنس به والشوق إليه ما يجعله دائماً ذاكراً تالياً عابداً عاملاً .
فإذا قيل أن هناك أناس وهذا أكثر حال المسلمين، يستكثرون من النوافل و هم مقصرون في الواجبات ويقترفون المعاصي فما الحل؟ ليس الحل في ترك النوافل فبتركها يزداد حاله سوءاً فالنوافل تجبر النقص، بل الحل في البقاء على النوافل لكن يصلح حال الواجبات و يصلح حال ترك المحرمات فيمتنع عن المحرمات ويزيد في النوافل. وفي الحديث كما قال ابن حجر عظم قدر الصلاة فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها وذلك لأنها محل المناجاة والقربى ، ولا واسط فيها بين العبد وربه، ولا شيء أقر لعين العبد منها ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه يود أنه لا يفارقه ولا يخرج منه لأن فيه نعيمه وبه تطيب حياته وهذا للعابد. إذاً المحافظة على الصلاة فرضاً ونفلاً من أعظم ما يجلب المحبة ومنها قيام الليل. ولا تكاد تجد فريضة إلا وله نوافل ( الصلاة- الصيام – الزكاة- الحج- صلة الرحم والبر بالوالدين)حتى المرء إذا قصّر في الواجب وجد ما يعوّض به ، لكن لا يمكن للمرء أن يشتغل بالنوافل ويترك الواجبات وهذا من خلل التصور واضطراب الميزان وخلل المنهج.
3- أن يكثر ذكر الله باللسان والقلب والعمل فنصيبه من المحبة على حسب نصيبه من هذا الذكر ، ولهذا أمر تعالى بالإكثار من ذكره , وأنه سبب للفلاح {واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} ،وأثنى على أهل الذكر ومدحهم وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه فوق منزلة الجهاد، وجعل الله هذا الذكر حتى بعد العبادات العظيمة وخاتمة الأعمال الصالحة وبعد الصيام {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}، والحج {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله}، والصلاة {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم}، والجمعة إذا انقضت{ فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً}،وهكذا..، فالذكر هذا مقارن للأعمال الصالحة{ وأقم الصلاة لذكري}، و بناء على ذلك فإن ذكر الله تعالى من أعظم ما يوصل إلى محبته عز وجل ..
4- أن تؤثر محابه على محابّك عند غلبات الهوى، وأن تتسنم إلى محابّه ولو صعُب المرتقى،وعلامة هذا الإيثار شيئان:
أ*- فعل ما يحبه الله ولو كانت نفسك تكرهه.
ب*- ترك ما يكرهه الله ولو كانت نفسك تحبه.
وبهذين الأمرين يصح مقام الإيثار، ومؤونة هذا الإيثار شديدة لقوة داعي الهوى والطبع والعادة ولكن المؤمن الذي يريد أن يصل إلى مرتبة المحبة وأن يجلب محبة الله له يتكلف المؤونة الشديدة ويراغم نفسه الضعيفة لكي يصل إلى هذا ويحقق هذاالإيثار، فيشمر وإن عظمت المحنة ويتحمل الخطر الجسيم إرضاء للملك ولأجل الحصول على الفوز الكبير، فإن ثمرة هذا في العاجل والآجل ليست تشبهه ثمرة من الثمرات ولا تتحقق المحبة إلا بهذا الإيثار.
قال ابن القيم –ر حمه الله- : (( ما ابتلى الله سبحانه عبده المؤمن بمحبة الشهوات والمعاصي وميل نفسه إليها إلا ليسوقه بها إلى محبة ماهو أفضل منه وأنفع وأخير وأدوم وليجاهد نفسه على تركها لله فتورثه هذه المجاهدة محبة الله والوصول إلى المحبوب الأعلى، فكلما نازعته نفسه إلى تلك الشهوات واشتدت إرادته لها وشوقه إليها ؛ صرف ذلك الشوق والإرادة بشوق أعظم ومحبة أكبروهي محبة الله عزوجل)).
والقاعدة أن الإنسان لا يمكن أن يترك محبوباً إلا لمحبوب أعلى منه.فكان لأجل ذلك من مشى إلى محبوبه على الجمر والشوك؛ أعظم من مشى إليه راكباً على النجائب. فليس من آثر محبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها، لماذا كان صالحو البشر أفضل من الملائكة؟، لأن الملائكة ليس لديهم شهوات و منازاعات ، منقادون إلى الله بطبيعتهم، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ما من موضع أربعة أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد ولذلك أطّت السماء من ثقل الملائكة الذين يعبدون الله فيها، لكن الذي يسبح ويعبد دون أن يفتر مع منازعة نفسه والشهوات وهذه العوائق والعلائق ومع ذلك صامد صابر ؛ هذا أعلى . ولماذا كانت المرأة من البشر في الجنة أفضل من الحور العين؟ بمجاهدتها نفسها ومراغمتها نفسها والتغلب على الشهوات وصبرها وصلاتها وصومها وعبادتها.فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات إما حجاباً له عنه أو حجاباً له يوصله إلى رضاه.
5- مشاهدة بره تعالى وإحسانه وآلائه ونعمه الظاهرة والباطنة فإنها داعية إلى محبته، والقلوب قد جبلت على محبة من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ، ولا أحد أعظم إحساناً على أحد من الله عزوجل؛ فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة والعبد يتقلب في نعم الرب دائماً في كل الأحوال، ويكفي أن بعض أنواع نعمة النفس لا تخطر على بال العبد وله عليه في كل يوم وليلة أربعة وعشرون ألف نعمة، كيف عرفوا ذلك ؟ ، لأنهم حسبوا كم نفس يتنفس المرء في الأربع والعشرين ساعة، فحسبوها وقدروها، فإذا كان أدنى نعمه في جانب التنفس فقط أربع وعشرون ألف نعمة في اليوم فما الظن بالنعم الأخرى إذا أردت أن تعد ؟{ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}!، فكيف بالمضرّات التي يصرفها ويدفعها عنك إضافة لهذه النعم والإحسان؟ وكّل سبحانه حفَظَة { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}. نعم مجلوبة ونقم مدفوعة لا نحس بها والله يكلأنا بالليل والنهار{ قل من يكلأكم بالليل والنهار من الرحمن}، فهو سبحانه المنعم بالكلاءة والحفظ والحراسة من كل المؤذين{ والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين}. و بعض النعم تحصل رغم معاصي وإساءات وتقصير حصل..!، لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ يدّعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم..!
6- مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته مشاهدتها ومعرفتها وتقلب القلب في رياض هذه المعرفة، فمن عرف الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبّه لا محالة، وهذا الباب الذي يدخل منه خواصّ أولياء الله العارفين به وهو باب المحبين حقاً الذي لا يدخل منه غيرهم ، ولا يشبع من معرفته أحدٌ منهم ، كلما بدا لهم منه علم ؛ ازدادوا شوقاً ومحبة إلى الله فإذا انضمّ داعي الإحسان والإنعام إلى داعي الكمال والجمال لم يتخلف عن محبة من هذا شأنه إلا أردأ القلوب وأخبثها وأبعدها عن كل خير، فإن الله فطر القلوب على محبة المحسن الكامل في أوصافه وأخلاقه، وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها قلوب عباده ؛ فمن المعلوم أنه لا أحد أعظم إحساناً من الله ولا شيء أكمل من الله ولا شيء أجمل من الله فكل جمال وكمال في المخلوق أصلاً من آثار صنعه سبحانه وتعالى ، لا يُوصف جلاله وجماله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بجميل صفاته وعظيم إحسانه وبديع أفعاله بل هو كما أثنى على نفسه، فإذا كان بعض الناس يحبون الجميل ؛ فالله عزوجل أجمل من كل شيء،وله صفة الجمال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : { إن الله جميل}، ولذلك إذا رآه أهل الجنة نسوا كل شيء، ومن تأمل هذا عرف كيف يتغلب على الأشياء الجميلة في الدنيا من المعاصي، وكل اسم من أسمائه وصفة من صفاته تستدعي محبة خاصة..محبة أكثر.. تنطلق من هذا الاسم وهذه الصفة وهذا الفعل ، فهو المحبوب المحمود على كل ما فعل و كل ما أمر إذ ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفَه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة ولا المصلحة ولا العدل ولا الفضل والرحمة وكل واحد من هذه يستوجب حمداً وثناءً على الله سبحانه وتعالى.
ما للعباد عليه حق واجـــــــــــبٌ *** كـلا ولا سعي ٌلديهِ ضــائعُ
إن عُذِّبوا فبعدله أو نُعِّموا فبفضله *** وهو الكريم الواســــــــــعُ
ولا يتصور بشر هذا المقام حق تصوره فضلاً عن أن يوفيه حقه، وأعرف خلقه به وأحبهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم قال: { لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك}!،فلا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه البتة وله الأسماء والأوصاف منها مالا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولله تسع وتسعين اسم وله أسماء أخرى، ولكن هذه الأسماء التسع والتسعين من أحصاها وحفظها وعمل بها وعرف معناها دخل الجنة.وهناك أسماء غير معلومة لذلك يوم القيامة الله يعلم نبيه أشياء عندما يسجد تحت العرش لم تخطر ببال أحد ويثني عليه بمحامد ما علمها لأحد قبله ، فإذاً لله الأسماء والصفات التي يحب لأجلها ومن تأمل في أسمائه وصفاته ازداد محبة له ، ولو شهد العبد بقلبه صفة واحدة لله من أوصاف كماله استدعت المحبة التامة فكيف إذا شهد بقية الصفات والأسماء والأفعال، وما نعلمه نحن عن الله وأسمائه وصفاته ليس إلا كنقرة عصفور في بحر!. ولا نعرف الله تعالى معرفة مشاهدة بالعين بل ما عرفناه إلا من خلال الأسماء والصفات، وما وصل إلى العباد من العلم بالله عن طريق الوحي وما رأوه في الواقع هو آثار أسماء الله وصفاته، فاستدلوا بما علموه على ما غاب عنهم فكيف لو شاهدوا ذات الرب ووجه الرب..؟! ، فلو شاهدوه ورأوا جلاله وجماله وكماله سبحانه ؛ لكان لهم في حبه شأن آخر. ولذلك إذا رأوه في الجنة أشغلهم عن كل نعيم آخر..!
وإنما تتفاوت منازلهم ومراتبهم في محبته على حسب تفاوت مراتبهم في معرفته والعلم به ، ولذلك العلماء هم أكثر الناس محبة لله لأنهم يعرفون من الأسماء والصفات و معاني الأسماء والصفات وآثارها مالا يعرفه عامة الناس، و كذلك الإيمان بأن له وجهاً يليق بجلاله وعظمته وأن له سمعاً وبصراً . ومن تأمل في هذه الأشياء ازداد تعظيماً لربه ومحبة له وتعلقاً به. وأعرف الخلق بالله أشدهم حباً له، ولذلك كانت رسله أعظم الناس حبّاً له ، والخليلان من بينهم أعظم الناس محبة و أعظم الأنبياء محبة لله وأعرفهم به تعالى؛ إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم فوقه. وإنما تظهر هذه المحبة من مطالعة الصفات بإثباتها أولاً ومعرفتها ثانياً ونفي التحريف والتعطيل والتمثيل والتشبيه والتكييف عنها. ولذلك لا يصح مطالعة أسماء الله وصفاته إلا بقواعد صحيحة مبنية على عدم التعطيل والتمثيل والتشبيه والتكييف والنفي. وكلما أكثر القلب من مطالعة أسمائه وصفاته وأفعاله ؛ ازدادت محبته للمتصف بها وللمتسمي بها وللفاعل وكل لذة ونعيم وسرور وبهجة بالإضافة إلى ذلك كقطرة في بحر!. فكم يُحرَم من هذا النعيم نفاة الصفات الذين ينفون أن لله وجهاً وسمعاً وبصراً وينفون أن له محبة وبغض.
7- انكسار العبد بين يدي الرب والافتقار إليه ، والخضوع والتذلل والإخبات والاستسلام والانطراح بين يديه، فما أقرب الجبر من هذا القلب المكسور، وما أدنى النصر والرحمة والرزق من هذا العبد الذي أذل نفسه لربه وأحب القلوب إلى الله قلب تمكن منه الانكسار وملكته الذلة والله سبحانه يحب من عبده أن يكمل مقام الذل بين يديه لأن هذه حقيقة العبودية، الذل بين يدي الله. ويقال طريق معبّد مذلل من كثرة وطأ الأقدام عليه فصار طريقاً معبداً، ولذلك كلما ذل العبد بين يدي ربه كلما ازداد محبة، والذل أنواع ، وأكملها : ذل المحب لحبيبه، وهناك ذل المالك لمملوكه وهناك ذل الجاني عند المحسن إليه، وهناك ذل العاجز عند القادر على إطعامه وإيوائه، فأعلاها إذاً ذل الحبيب لحبيبه، فإذا كان الذل لله عز وجل قائماً كثيراً؛ كانت المحبة كبيرة..، والعبد ولا شك يذل بين يدي الله كل هذه الأنواع. والذي امتلأ قلبه من محبة الله سبحانه وتعالى فقلبه منكسر عند ربه ليس معجب بعمله ولا مغترّ بما قدّم مهما كان كثيراً، فإنه لا يراه شيئاً ويرى نفسه مقصراً ويرى سائر ما عمِل لا يكافئ نعمة واحدة.
8- الخلوة بالله تعالى في وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بتأدب معه بأدب العبودبة استغفاراً وتوبة { تتجافى جنوبهم عن المضاجه يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون} { أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين يعلمون}.

عبدالله
10-12-2004, 10:07 PM
أحوال يحب الله تعالى أهلها
1- قال الله عز وجل: { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، فالعبد يندفع للإحسان لأنه إن صار من جملة المحسنين نال المحبة.
2- قال تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، الحرص على الطهارة الباطنة والظاهرة.
3- قال تعالى:{ والله يحب الصابرين}.
4- قال تعالى:{إن الله يحب المتوكلين}.
5- قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ، وما هي صفاتهم ؟ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الحق لومة لائم..
6- وأخبر الله تعالى أنه يحب المتقين..
7- وأخبر أنه يحب المقسطين، أصحاب العدل الذين يعدلون في أهليهم والولايات التي يتولونها والمناصب التي يتبوءونها..
8- أخبر تعالى أنه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص.
9- ومما ورد في السنة : { ثلاثة يحبهم الله عزوجل: رجل أتى قوماً فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلفهم رجلٌ بأعقابهم فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته إلا الله عز وجل والذي أعطاه - فالمعطي بهذه الصفة من الإخفاء يحبه الله - ، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به نزلوا فوضعوا رؤوسهم فقام يتملقني ويتلو آياتي- فبالرغم من تعبه ونصبه فقام يتملقني أي يسألني ويلحّ علي ويتلو كتابي- ، ورجل كان في سرية فلقوا العدو فانهزموا فأقبل بصدره حتى يُقتَل أو يُفتح له} < رواه النسائي وله شواهد حسن بعضها الشيخ الألباني رحمه الله >.
10- ما جاء في حديث عامر بن سعدبن أبي وقاص قال : كان سعد بن أبي وقاص في إبله فجاءه ابنه عمر فلما رآه سعد قال أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل الولد للقاء أبيه فقال الابن لأبيه: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟قال: اسكت، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي}. الغني عن الناس والخفي من لا يريد علواً في الأرض ولا مناصب ولا جاه. الخامل المنقطع إلى العبادة والانشغال بأمور نفسه.
11- ما جاء في حديث عمرو بن شعيب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده}، من غير إسراف وخيلاء ثم يتوسط ولا يبخل على نفسه.
12- عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني قال دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بفتى برّاق الثنايا وإذا الناس حوله إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه فقيل من هذا قالوا: معاذ بن جبل، فجاءه بعد ذلك فوجده يصلي فانتظره حتى قضى صلاته فسلّم عليه وقال قلت له والله إني لأحبك لله عزوجل، فقال : آلله؟فقلت: آلله, فقال: آلله.فقلت: آلله. فأخذ بحبوة ردائي فجذبني إليه فقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل : { وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين في ّ والمتباذلين فيّ}. فالحب في الله والزيارة في الله والمجالسة في الله والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر واجلس بنا نؤمن ساعة ومجالس الذكر تنال بها محبة الله، وكذلك قصة الرجل الذي زار أخاً له في الله في قرية أخرى ليس بينهم علاقة مالية ولا شراكة ولا شغل فبعث الله ملكاً يقول له : { إن الله قد أحبك كما أحببته}، وكلما زادت المحبة بين المؤمنين كان هذا أقرب إلى الله، فيقول صلى الله عليه وسلم : { ما تحابّ رجلان في الله إلا كان أحبهم إلى الله عزوجل أشدهم حباً لصاحبه} < رواه الطبراني وصححه الألباني>.
13- أحد الصحابة كلما صلّى إماماً قرأبعد الفاتحة بقل هو الله أحد ثم يقرأ سورة أخرى دائماً أو يقرأها فقط ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها ، الأحد الصمدالذي يصمد لحوائج الخلائق ، الصمد الذي ليس بأجوف، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { أخبروه أن الله يحبه}.
14- ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : {أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عزوجل سرور يدخله على مسلم أو يكشف عن كربة أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً} < حديث حسن> .
15- سُئل النبي صلى الله عليه وسلم من أحب عباد الله إلى الله؟ قال: {أحسنهم خلقاً} <رواه الطبراني وصححه الألباني في السلسلة> ، والله يحب سمح البيع وسمح الشراء وسمح القضاء و الاقتضاء.
وبالجملة فالله يحب الصالحات، ويبغض كل منكر ومعصية.
نسأل الله أن يرزقنا محبته وأن يجعل حبه أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ وأن يجعلنا ممن يقوم ويعمل بما يحب سبحانه وتعالى.
__________________________________________________ ____________
أسئلة من درس المحبة
سؤال: هل يجوز لمسلم تعزية الكافر وهو معه في العمل؟
جواب: يعزيه دون أن يدعو لكافر بالرحمة فلا يقول مثلاً غفر الله لأبيك وأبوه كافر، فلا يجوز الدعاء للكافر بالمغفرة والرحمة { ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} ، وإنما يقال جبر الله مصيبتك، عوضك الله خيراً منه، اصبر هذه حال الدنيا ، ونحو ذلك، يعزيه ويغتنم الفرصة لدعوته إلى الله.فيقال له مثلاً اتعظ بالموت الذي حصل لقريبك وأن تستعد له بالتوحيد، وأنك تعتنق الدين الذي لا يقبل الله غيره حتى تنجو.
سؤال: محبة الدنيا هل هي من الشرك؟
جواب: النبي صلى الله عليه وسلم: { حبب إلي ّمن دنياكم الطيب والنساء}، إذاً هناك أشياء في الدنيا محبتها ليست من الشرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحبها ، ولذلك يجوز للإنسان أن يحب أشياء من الدنيا مادامت ليست محرمة، فلا يجوز أن يحب المرء الزنا والرشوة والخمر، ولكن يحب زوجاته والزرع والطيب و أكلة معينة ، هذا حب طبيعي، لكن إذا طغى هذا الحب على محبة الله ، فضحى بمرضاة الله من أجل الزوجة وسرق من أجل الطيب، فهنا تكون هذه المحبة الدنيوية معصية غير جائزة، وهناك محبة شركية تُخرج عن الملة، إذا أحب غير الله أكثر من الله ، محبة عبودية فهنا يخرج عن الدين.

عبدالله
10-12-2004, 10:11 PM
الدرس الحادي عشر

التقوى

التقوى شيء عظيم ومنزلة سامية وهي أساس الدين ولا حياة إلا بها بل إن الحياة بغيرها لا تُطاق بل هي أدنى من حياة البهائم فليس صلاحٌ للإنسان إلا بالتقوى ، هي كنزٌ عزيز لئن ظفرت به فكم تجد فيه من جوهر شريف وخيرٍ كثير ورزق كريم وفوز كبير وغنمٍ جسيم وملكٍ عظيم، فكأن خيرات الدنيا والآخرة جُمِعَت فجُعِلَت تحت هذه الخصلة الواحدة التي هي التقوى..!
وتأمل ما في القرآن من ذكرها، فكم عُلِّق بها من خير، وكم وُعِد عليها من خير وثواب، وكم أضيف إليها من سعادة..!
هذه التقوى ظلالٌ طاب العيش فيها..هذه التقوى حياة كريمة .. فما هي وما تعريفها وكيف تحصل التقوى وماهي ثمراتها وما درجاتها وماهي الأسباب المعينة عليها..؟
التقوى هي الاسم من التقى والمصدر الاتقاء وهي مأخوذة من مادة وقى فهي من الوقاية، وهي ما يحمي به الإنسان نفسه ، وتدل على دفع شيء عن شيء لغيره، فالوقاية ما يقي الشيء ، ووقاه الله السوء وقاية أي حفظه..
وأما المعنى الشرعي فقد ذكر العلماء في تعريفها عدة عبارات فمن ذلك قولهم..
- أن تجعل بينك وبين ما حرم الله حاجباً وحاجزاً..
- امتثال أوامر الله واجتناب النواهي فالمتقون هم الذين يراهم الله حيث أمرهم، ولا يقدمون على ما نهاهم عنه..
- التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل..
- التقوى أن يجعل المسلم بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه..
- "وقد سأل عمر رضي الله عنه أُبَي بن كعب فقال له: ما التقوى؟ فقال أُبَي : يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقاً فيه شوك؟ قال: نعم.. قال: مافعلت؟ ..قال عمر: أشمّر عن ساقي وأنظر إلى مواضع قدمي وأقدم قدما وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة..فقال أُبَي بن كعب: تلك التقوى..! "، فهي تشمير للطاعة ونظر في الحلال والحرام وورع من الزلل ومخافة وخشية من الكبير المتعال سبحانه وتعالى..
- التقوى هي أساس الدين، وبها يرتقى إلى مراتب اليقين، هي زاد القلوب والأرواح فبها تقتات وبه تتقوى وعليها تستند في الوصول والنجاة..
- قال ابن المعتز:
خلّ الذنـــــــــــوب صغيرها وكبيرها فهو التقـــــــــى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر مايـــــــــــــرى
لا تحقرنّ صغيرة إن الجــــــــــــــــــــــ ـبال من الحصـى
- قال ابن رجب – رحمه الله - : أصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه..
- وتارة تضاف التقوى إلى اسم الله عزوجل كقوله { واتقوا الله}، فإذا أضيفت التقوى إليه سبحانه فالمقصود اتقوا سخطه وغضبه،ليس المقصود اتقوا القرب منه ولا اتقوا شرعه لكن اتقوا عذابه وسخطه ، وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي كما قال تعالى: {ويحذركم الله نفسه}، وقال سبحانه: {هو أهل التقوى}، هو أهلٌ أن يتقى وأن يخشى وأن يهاب وأن يجلّ وأن يعظّم سبحانه وتعالى وأن يعظم في صدور عباده حتى يعبدوه ويطيعوه لأنه المستحق للجلال والإكرام وهو صاحب الكبرياء والعظمة وقوة البطش..
- وتارة تضاف التقوى إلى عقاب الله أو إلى مكان العقاب كالنار { واتقوا النار} ، أو إلى زمان العقاب كيوم القيامة {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله}..
- ويدخل في التقوى الكاملة فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات، وربما دخل فيها أيضاً فعل المندوبات وترك المكروهات والمشتبهات فقول الله تعالى :{ آلم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين} يشمل ذلك كله..
- قال ابن القيم – رحمه الله – في التقوى في تعريفها الشرعي: حقيقتها العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً أمراً ونهياً، فيفعل ما أمر الله به إيماناً بالآمر وتصديقاً بوعده ، ويترك ما نهى الله عنه إيماناً بالناهي وخوفاً من وعيده..
- قال طلق بن حبيب:إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى، قالوا: و ما التقوى؟قال: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نورٍ من الله، تخاف عقاب الله.."وهذا من أحسن ما قيل في حدّ التقوى"..
- والتقوى أيضاً امتثال الأوامر واجتناب النواهي وتكون على ثلاث مراتب:
1- التوقّي من العذاب المخلّد صاحبه و هو المشرك الكافر، وذلك باتباع التوحيد وكلمة التوحيد وهي المقصودة بقوله تعالى: { وألزمهم كلمة التقوى}.
2- أن تتقي كل ما يكون سبب للعذاب في النار ولو لبرهة يسيرة من كبائر وصغائر، وهو المتعارف عليه في الشرع.
3- أن يتنزه العبد عن ما يشغل نفسه عن الله تعالى ولو كان مباحات تشغله عن السير لله أو تُبَطّيء سيره، فهذه مرتبة الكُمّل وهذه المرتبة العالية فإن الانشغال بالمباحات يشغل القلب عن الله عزوجل وربما يؤدي إلى القسوة وبالتالي يؤدي إلى الوقوع في المكروهات والمكروهات تؤدي للوقوع في المحرمات، وهذا مسلسل يعرفه الإنسان من نفسه في عدد من الأحيان.
قال بعض الواعظين: " اعلم أولاً بارك الله في دينك وزاد يقينك أن التقوى في قول أهل إصلاح الباطن تنزيه القلب عن الذنب حتى تحصل لك من قوة العزم على تركه وقاية بينك وبين سائر المعاصي، وتتوطّن نفسك على ترك كل قبيح".
و التقوى تُطلَق في القرآن الكريم على عدد من الأمور :
1- تأتي بمعنى الخشية والهيبة كما قال تعالى :{وإيايَ فاتقون} أي اخشوني وهابوني، وكذلك في قوله : {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله}أي خافوا هذا اليوم وما فيه { ويخافون يوماً كان شره مستطيراً}.
2- تأتي بمعنى الطاعة والعبادة كقوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} يعني أطيعوه حق الطاعة واعبدوه حق العبادة، وهو قول مجاهد: أن يطاع فلا يُعصَى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفَر.
3- تطلق على التنزه عن الذنوب وهذه هي الحقيقة في تعريف التقوى في الاصطلاح، قال عز وجل :{ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}، يتقه أي يترك المعاصي والذنوب، فترك الطاعة والخشية ثم ذكر التقوى فعلمنا أن حقيقة التقوى شيء إضافي غير الطاعة والخشية في هذا النص وهو تنزيه القلب عن كل قبيح.
4- وكذلك يقال في مراتب التقوى أو حالات التقوى: 1- اتقاء الشرك.2- اتقاء البدعة.3- اتقاء المعصية. ، والله عزوجل ذكر التقوى ثلاث مرات في آية واحدة ، فقال سبحانه وتعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} ، فهذا التكرار ليس تكراراً مجرداً ، فقال بعضهم: التقوى الأولى تقوى عن الشرك، والثانية تقوى عن البدعة، والثالثة عن المعاصي، ويقابل الأولى التوحيد، والثانية السنة، والثالثة الطاعة ، فجمع بين هذه المنازل الثلاث (منزلة الإيمان ومنزلة السنة ومنزلة الاستقامة والطاعة ).
وكذلك التقوى يدخل فيها كما تقدم الحذر من المكروهات والمشتبهات ، فلا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس، ومن الناس من يتقي نفسه الخلود في النار،هذه همته، ولا يتقي المعاصي التي تدخله جهنم ولو حيناً من الدهر فيقر بالتوحيد ويصدق بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول أنا مسلم ، و يأتي بأركان الإسلام والإيمان لكن لا يحرص على أن يقي نفسه دخول النار بالكلية فيفرط في واجبات ويفعل محرمات..، فينبغي أن يعلم أي درجة من التقوى هو عليها ، وهذا لا يستحق صاحبه اسم المتقي بإطلاق.لماذا..؟ لأنه متعرض للعذاب مستحق للعقاب بما يفعله إلا أن يتداركه الله برحمته ويدخل في المشيئة، لأن أهل التوحيد ممكن أن يدخلوا في المشيئة، أي يعفو الله عنهم وإن شاء عذبهم بحسب أعمالهم حتى يخرجوا من النار يوماً من الأيام.
ومن الناس من يتقي الكفر وكبائر الذنوب ويعمل طاعات و يفعل واجبات، لكن لا يمتنع من الصغائر ولا يكثر من النوافل، فهذا أقرب للنجاة لكن لا تستطيع أن تطلق عليه أيضاً أنه شخص تقي أو متقي وقد قال تعالى :{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}، وقوله صلى الله عليه وسلم : ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات))، لكن قد لا تكفي، قد تكون الصغائر كثيرة جداً بحيث أن هذه لا تكفي للتكفير، ولم يأخذ هذا الشخص جُنّته من النار ووقايته منها بالكامل فهناك تقصير ووقوع في الصغائر، وقد يؤدي إلى الاجتراء على الكبائر فيما يُستَقبل. ولذلك الله عز وجل قال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته}، يعني كلها ، ليس أن تتقي الخلود فقط في جهنم، أو تتقي الكبائر فقط ، بل لابد من اتقاء الصغائر أيضاً، اتقاء كل مايؤدي للدخول في النار، أن تجعل بينك وبين النار جنّة حصينة بهذه الطاعات.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : ((تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً))، طبعاً ليس المقصود أن يترك كل الحلال لكن الحذر يقتضي أحياناً ترك شيء من المباح خشية الوقوع في الحرام، ورَع.فإن الله قد بين للعباد أنه من يعمل مثقال ذرة شرّاً يره، فلابد أحياناً حتى تتقي الذرة من الشر أن توسع الدائرة لتبتعد، ولذلك" لا يرتع غنمه فيه وإنما يبتعد عنه ألا وإن لكل ملكٍ حمى وإن حمى الله محارمه"، ومن اقترب من الحمى أوشك أن يقع فيه.
وقال الحسن رحمه الله : ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام.
وقال الثوري: إنما سمّوا متقين لأنهم اتقوا ما لا يُتقى" ما لا يُتقى عادة أو ما لا يتقيه أكثر الناس".
فالمتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسمّاهم الله متقين، والمتقي أشد محاسبة لنفسه من محاسبة الشريك لشريكه، ولذلك يخلي جميع الذنوب ويتركها كما قال ابن المعتمر:
خلّ الذنـــــــــــوب صغيرها وكبيرها فهو التقـــــــــى
واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر مايـــــــــــــرى
لا تحقرنّ صغيرة إن الجــــــــــــــــــــــ ـبال من الحصـى

عبدالله
10-12-2004, 10:12 PM
لكن هنا مسألة مهمة وهي فائدة العلم في قضية التقوى، لابد أن تعرف أولاً ماهو الذي تتقيه..
1- أن تبين لك ما يجب عليك أن تتقي، تعلم أحكام الدين، تعلم الحلال والحرام..
2- وكذلك قد الإنسان من جهله يمتنع من حلال خالص ظناً منه أنه حرام ، من الجهل ولا يكون في هذا ورع ولا تقوى ولكن حرمان نفس بدون فائدة..
قال بعضهم:"إذا كنت لا تحسن تتقي ؛ أكلت الربا، وإذا كنت لا تحسن تتقي؛ لقيتك امرأة ولم تغض بصرك، وإذا كنت لا تحسن تتقي ؛ وضعت سيفك على عاتقك" ، أي تدخل في الفتن بالجهل، ودخل مسلمين كُثر عبر التاريخ الإسلامي في معارك بين المسلمين لو كان عندهم علم وفقه ما دخلوا فيها، مع أن بعضهم قد يتورع عن أشياء دقيقة جداً ، لكن في الدماء لم يتورع للجهل.
مسألة الاستصغار التي تقع من كثر من الناس للذنوب ويراها سهلة وليست بشيء، كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار، (( إياكم ومحقرات الذنوب))، النبي صلى الله عليه وسلم حذر منها وشبهها بالأعواد التي يجمعها المسافر أو النازل في مكان فيجمع الأعواد فيوقد ناراً فهذه أعواد ممكن أن توقد عليه نار جهنّم*!
لا تحقرنّ من الذنوب صغــيرة
إن الصغير غداً يعودُ كبيرا
إن الصغير ولو تقادم عهـــده
عـــــن الإله مسطّراً تسطيرا
فازجر هواك عن البطالة لا تكن
صعب القيادِ وشمّرَنّ تشميرا
إن المحب إذا أحبّ إلـــــــــهه
طـــار الفؤاد وأُلهِم التفكيرَ
فاسأل هدايتك الإله فتتئــــــــد
فــــكفى بربك هادياً ونصيرا
والإمام أحمد رحمه الله يقول: "التقوى هي ترك ما تهوى لما تخشى " فتترك هواك لأن لك خشية من العذاب ويوم طويل ، و قيل أيضاً في التقوى : " أن لا يراك حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك" .
وأما بالنسبة لمنزلة التقوى وشرف هذه المنزلة فإنه شيء عظيم ويكفي أن التقوى وصية الله للأولين والآخرين ، قال تعالى: { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }، قال القرطبي رحمه الله : الأمر بالتقوى كان عاماً لجميع الأمم، وقال بعض أهل العلم: هذه الآية هي رحى آي القرآن كله، لأن جميعه يدور عليها، فما من خير عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيل موصل إليه ووسيلة مبلّغة له، وما من شر عاجل ولا ظاهر ولا آجل ولا باطن إلا وتقوى الله عز وجل حرز متين وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حديث (( اتقِ الله حيثما كنت)): " ما أعلم وصية أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها قال تعالى: { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله }، ووصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما بعثه إلى اليمن فقال : يا معاذ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن "..
وكان معاذ رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة عالية فإنه قال له : يا معاذ والله إني لأحبك، وإذا كان يحب معاذ فهل ستكون الوصية وصية عابرة؟ ، والإنسان يجتهد في وصية من يحب أكثر من اجتهاده في وصية من لا يحبه تلك المحبة، ومعاذ أقسم له النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحبه فكيف ستكون الوصية له؟، ستكون وصية عظيمة جداً ، ولذلك قال له : يا معاذ .. اتقِ الله حيثما كنت..، وهو من كبار الصحابة وسادات القوم وأعلم الأمة بالحلال والحرام وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثق به جداً وأرسله لمناطق كثيرة ولليمن وولاّه وجعله قاضياً وحاكماً، و يحشر يوم القيامة أمام العلماء برتوة معاذ بن جبل ، بعثه داعياً ومفتياً وحاكماً إلى أهل اليمن، وكان يُشبّه بإبراهيم عليه السلام لأن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول :إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين..، وابن مسعود من قدامى المهاجرين ورأس في العلم و الزهد و يشهد لمعاذ بهذه الشهادة ومع ذلك يقول له صلى الله عليه وسلم : ((يا معاذ اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن )).
ما ذا نفهم من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه بالتقوى مع أن معاذ بهذه المنزلة؟
أن المرء محتاج للتقوى ولو كان أعلم العلماء، وأتقى الأتقياء، يحتاج إلى التقوى لأن الإنسان تمر به حالات، ويضعف في حالات، يحتاج إلى التقوى للثبات عليها ، يحتاج إلى التقوى للازدياد منها. اتق الله حيثما كنت، في السر والعلانية، أتبع السيئة الحسنة تمحها، لماذا بدأ بالسيئة؟ ، لأنها هي المقصودة الآن، عند التكفير الاهتمام يكون بالسيئة، لا لفضلها ، ولكن لأنها المشكلة التي ينبغي حلّها. وخالق الناس بخلق حسن..، هناك أشياء بين العبد وخالقه وبينه والناس، هذه وصية جامعة. والكيّس لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو به السيئات، و ليس المقصود الآن هو فعل الحسنات ، وإنما كيف تكفر السيئة، لذلك بدأ فيها، وإلا فقد دلّ على حسنات كثيرة في أحاديث أخرى ولم يذكر السيئة فيها ، لأن المقصود تعليم الناس الحسنات، لكن هنا المقصود تعليم الناس كيفية تكفير السيئة.
الطبيب متى تناول المريض شيئاً مضر أمره بما يصلحه، وكأن الذنب للعبد حتمٌ ولذلك قال: (( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها))، إذاً تحرص على التقوى وإذا حصل وأذنبت تعرف الطريق، اعمل الحسنات لتمحو ما ارتكبت من السيئات. فهذه الوصية لحقوق الله وحقوق عباده من النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابه لما أحسوا بدنو أجله ، وقال العرباض وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الغداء موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقال رجل إنها موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا يارسول الله؟ قال : (( أوصيكم بتقوى الله و السمع والطاعة..... الحديث..))، إذاً أول شيء بدأ به تقوى الله ، و جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أوصني؟ قال: ((أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شيء))[أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وحسنه الألباني رحمه الله ]،وفي لفظٍ آخر((أوصيك بتقوى الله فإنها جماع كل خير)).
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: (( اعقل يا أبا ذر ما أقول لك بعد )) ستة أيام، كل يوم يقول له (( اعقل يا أبا ذر ما أقول لك بعدُ)) فلما كان اليوم السابع قال: (( أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته)) [ رواه الإمام أحمد رحمه الله وهو في صحيح الجامع ].
ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها وكان أبو بكر يقول في خطبته : ((أوصيكم بتقوى الله))، ولم حضرت الوفاة دعا بالوصية لعمر وقال : ((اتقِ الله يا عمر ))، وعمر كتب بها لابنه فقال: ((أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله عزوجل))، واستعمل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجلاً على سرية فقال: (( أوصيك بتقوى الله الذي لا بد لك من لقائه )) ، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل : (( أوصيك بتقوى الله عزوجل التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين ))، ولما ولّي خطب حمد الله وأثنى عليه وقال: (( أوصيكم بتقوى الله عزوجل فإن تقوى الله عزوجل خلف من كل شيء وليس من تقوى الله خلف))، التقوى يمكن أن تعوّض أي شيء ، لكن إذا فقدت لا يعوضها شيء.
وقال رجل ليونس بن عُبَيد أوصني قال : (( أوصيك بتقوى الله والإحسان فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون))، وكتب رجل من السلف إلى أخيه : (( أوصيك وأنفسنا بالتقوى فإنها خير زاد الآخرة والأولى واجعلها إلى كل خير سبيلك ومن كل شر مهربك، فقد توكل الله عزوجل لأهلها بالنجاة مما يحذرون والرزق من حيث لا يحتسبون))، وكتب ابن السمّاك الواعظ إلى أخٍ له : ((أما بعد أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيُّك في سريرتك، و رقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال، في ليلك ونهارك وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره ، فليعظم منه حذرك، و ليكثر منه وجلك والسلام)).
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسألها في دعائه فيقول : (( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى))، وفي دعاء السفر يقول: (( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى)).
والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى مسافراً فقال: (( أوصيك بتقوى الله و التكبير على كل شرف))، إذاً فالتقوى في السفر بالذات لها طعم خاص، فالمسافر يغيّر مكانه وحاله، وقد يكون في بلاد الغربة لا يخشى مما يخشى منه في بلده وموطنه، ولا يخشى فضيحة لو عرف، لكن في بلده يخاف الفضيحة، لذلك كانت ملازمة التقوى في السفر مهمة جداً. و على كل حال الإنسان يسأل الله التقوى في السفر والحضر والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : (( اللهم آي نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكّاه أنت وليها ومولاها)).
جميع الرسل الكرام كانوا يوصون بالتقوى { إذا قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون} { إذا قال لهم أخوهم هود ألا تتقون} { إذا قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون} { إذا قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون} ، أصحاب الأيكة قال لهم شعيب { ألا تتقون}، موسى قيل له { ائت القوم الظالمين * قوم فرعون ألا يتقون}.
فهذه إذاً منزلة التقوى عرفناها من خلال الوصايا والإنذارات والدعوة التي أطلقها الرسل لأقوامهم.
1- التقوى خير لباس..، فالتقوى أجمل لباس يتزين به العبد { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يوراي سوءاتكم وريشاً}، منّ الله بهذا عليهم ، والمنّة تقتضي الإباحة، إذا جاء الأمر في سياق الامتنان يفيد الإباحة، مثلاً { تأكلون منه لحماً طرياً وتستخرجون منه حلية تلبسونها}، ما دام ذكرها في مقام المنّة؛ أفاد الإباحة، لأنه لا يمتنّ على عباده بما حرّم عليهم وإنما يمتنّ عليهم بما أحلّ لهم فقال { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يوراي سوءاتكم وريشاً}، ولكن ذكرهم في ذات الوقت بما هو أهم ، فقال في لباس معنوي غير اللباس الحسّي أنفس منه وأعلى { ولباس التقوى ذلك خير } ، واللباس يستر العورات فهو اللباس الأصلي، والريش هو ما يُتجمَّل به ، فلما أخبرهم بما يسترون به ظاهرهم ؛ نبّههم إلى ما يسترون به باطنهم، لما أرشدهم إلى ما يزينون به ظاهرهم؛ نبههم إلى ما يزينون به بواطنهم فقال: {ولباس التقوى ذلك خير}.
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى
تقلب عرياناً وإن كان كاسياً
وخير لباس المرء طاعة ربه
ولا خير فيمن كان لله عاصياً
ل

عبدالله
10-12-2004, 10:18 PM
لباس التقوى العمل الصالح، الحياء، السمت الحسن، العلم ، لكن البعض فهم قال هذا لباس التقوى الخشن من الثياب..!، يلبس الإنسان ما وجد، نعم.. يتواضع في الملبس، ومن ترك اللباس تواضعاً لله؛ فإن الله سبحانه وتعالى يكافئه يوم القيامة بالحلل العظيمة وبالحور العين.
2- قوى خير زاد { وتزودوا فإن خير الزاد التقو ى واتقونِ يا أولي الألباب}، فلما أمرهم بالزاد للسفر..، انظر إلى محبة الله لخلقه وكرمه فإنه أمرهم بالتزود في السفر وهذه قضية دنيوية، ولكن يرشدهم إلى ما يستفيدون منه حتى في الدنيا، قال وتزودوا..، قد تهلك في الطريق وقد تمد يدك للناس وهذا شيء مكروه..،تزودا..فإن خير الزاد التقوى.. واتقونِ يا أولي الألباب، فلما أرشدهم إلى زاد الدنيا في السفر ؛ أرشدهم ونبههم إلى قضية زاد الآخرة فقال : { فإن خير الزاد التقوى}، فهذا زاد الآخرة اتقاء القبائح، والآية هذه لها سبب نزول وهي أن أهل اليمن كانوا لا يتزودون ويقولون نحن متوكلون ونحن نحج بيت الله أفلا يطعمنا فيكونون كلاًّ على الناس ويمدون أيديهم فنزلت فيهم وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وخافوا عذاب الله يا أولي الألباب..
3- ثم إن أهل التقوى هم أولياء الله في الحقيقة { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}، { والله ولي المتقين}، فالمتقون هم أصحاب الولاية حقاً، المجتهدون في فعل الطاعات والنوافل (( ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه)).ومن هنا يتبين كذب ودجل إدعاء من قالوا أنهم أولياء الصوفية وهم يرقصون ويضربون بالطبل في الموالد، ويتمايلون ويتساقطون ويزعمون الصرع، ويعاشرون المردان والنسوان كما تقل عنهم العلماء ، هؤلاء هم مشايخ الصوفية، ويقولون نحن أولياء الله ، ويستغاث بهم..!!،سجدوا خلف من يزعمون أنه ولي فأطال السجود في الصلاة ثم رفعوا رؤوسهم فإذا هو ساجد، ورفعوا رؤوسهم أخر ى فإذا هو كذلك، وبعد الصلاة قالوا خشينا عليك فأراهم كمّي ثوبه مبتلة بالماء قالوا أين كنت ؟ قال: استنجد بي ناس في عرض البحر على وشك الغرق فأنجدتهم ثم عدت إلى صلاتي..!،فإذاً مسألة الأولياء هؤلاء قصة طويلة في عالم الخرافة والبدع ولذلك الله عز وجل جعل لنا فرقاناً نفرق به بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان..، فقال : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون}، { إن أولياءه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون}.
4- وجعل الله عز وجل التقوى هي الميزان عنده في التفاضل بين الناس فقال عز وجل : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وسُئِل النبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟من أرفعهم حسباً؟ فقال: الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قالوا ليس عن هذا نسأل، بيّن لهم بعد ذلك فقال عندما سُئِل من أكرم الناس؟ قال: (( أتقاهم لله))[رواه البخاري]، فالفضل والكرم إنما هو بتقوى الله لا بغيره من الانتساب للقبائل ولذلك كما قال الشاعر:
فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ
وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
وذُكِر أن سلمان رضي الله عنه كان يقول:
أبي الإسلام لا أبَ لي سواه
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
ومن شرف التقوى أن الله أمر بالتعاون من أجلها { وتعاونوا على البر والتقوى}، ومصالح العباد لا تتم إلا بها. وكذلك فإن التقوى منبع الفضائل فالرحمة والوفاء والصدق والعدل والورع والبذل والعطاء كلها من ثمرات شجرة التقوى إذا أينعت في قلب المؤمن وهي الأنس من الوحشة والمنجية من عذاب الله ، دخل عليٌ رضي الله عنه المقبرة فقال يا أهل القبور ما الخبر عندكم، إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قسمت وأن بيوتكم قد سكنت وأن زوجاتكم قد زوجّت ، ثم بكى ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا إنا وجدنا أن خير الزاد التقوى.

عبدالله
10-12-2004, 10:19 PM
علامات التقوى
1- إذا تخلّص من آفات الغفلة والاستخفاف بالمنكر من الأقوال والأفعال، والضيق بالمنكر إذا حصل، والتأذي منه إذا وقع، والفزع إلى الله طالباً الخلاص، هذا من صفات المتقين، إذا هو نفسه وقع في المعصية لا يمكن أن يستريح حتى يعود إلى الله طالباً الصفح والمغفرة مما ألمّ به والدليل على ذلك قوله عز وجل : {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون}، فلا يمكن أن يجدوا أمناً ولا طمأنينة إلا بالخروج من تلك الحال وذلك بالاستغفار والتوبة إلى الله.
2- التقي دائماً يذكر ربه، لأن ذكر الله مطردة للشيطان والوسوسة، مطهرة لكل ما يدخل في الإنسان من رجس أو دنس من كلاب الشهوات أو الشبهات التي تغير على قلبه والله عز وجل قال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكِر وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم }.
كيف تكون تقيّاً؟
1- أن تحب الله أكثر من أي شيء.
2- أن تستشعر مراقبة الله دائماً.
3- أن تعلم عاقبة المعاصي.
4- أن تتعلم كيف تقاوم هواك وتتغلب عليه.
5- أن تدرك مكائد الشيطان و وساوسه.
وهذه الأشياء سهلة بالقول وصعبة في التطبيق..، فبعض الناس يغفل وينسى مرافبة الله له،وينسى حديث (( اعبد الله كأنك تراه))..
إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقل*** خلوتُ ولكن قل عليّ رقيــــــــــبُ
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعــــــــــــة***ولا أنّ ما يخفى عليه يغيـــــــــــــبُ
وأما مسألة معرفة مافي الحرام من المفاسد والآلام فإن الإنسان يكفي أن يتأمل فيما حصل للكبار، و ما حصل للأقوام السابقة، ما الذي أخرج الأبوين من الجنة؟ من دار النعيم واللذة والسرور إلى دار الآلام والأحزان..؟؛ المعصية..!..فالحرام يترتب عليه مفاسد ومصائب..
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ باطنه وظاهره فجعله في أقبح صورة وبدّله بالقرب بعداً وبالرحمة لعنة وبالجنّة ناراً تلظّى فهان على الله غاية الهوان وصار فاسقاً مجرماً قاد البشرية إلى كل فساد وشرّ؟؛ المعصية..!
ما الذي أغرق أهل الأرض جميعهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال..؟ ، ما الذي سلّط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم صرعى على سطح الأرض..؟،ما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطّعت قلوبهم في أجوافهم..؟، ما الذي رفع قرية سدود..قرية قوم لوط..حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، وأتبعها بحجارة وجعل مكانها شيئاً منتناً لا يكاد يوجد فيه حياة..؟، وما الذي أرسل على قوم شعيب عذا ب الظُّلّة، لما صار فوق رؤوسهم أمطرهم ناراً تلظّى..؟، وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم تعرض عليها صباح مساء؟ فالأجساد للغرق والأرواح للحرق والموعد يوم القيامة..!
فتأمل مافي الذنوب من الآلام والمصائب ؛ يقود إلى التقوى ولو كان فيها لذّة..
تفنى اللذاذة ممن نال لذتهـــــــا*** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبّتهــا***لاخير في لذة من بعدها النـــار
وكذلك فالإنسان لابد أن يتعلم كيف يغالب هواه وابتداءً من معالجة الخواطر، أول ما تأتي الخاطرة بالمعصية أو بالشر يطردها، وهذا هو العلاج الناجع؛ أن الإنسان يدافع الهوى والخاطرة ويتغلّب عليها، ولا بأس أن يفطم نفسه عن المعاصي ولو كان ذلك شيئاً مكروهاً بالنسبة له، فالصبر على الحرام ليس سهلاً بل فيه ألم لكن يعقبه لذّة وراحة يوم الدنيا..
أنت في دار شتات فتأهّب لشتاتــــــــــك
واجعل الدنيا كيوم صمته عن شهواتك
واجعل الفطر عند الله في يوم وفاتـك
* * *
لا خير فيمن لا يراقب ربه عند الهوى ويخافه إيـــــــــــــــــــــــ ـماناً
حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى يخشى إذا وافى المعاد هوانا
* * *
ما إن دعاني الهوى لفاحشةٍ
إلا نهاني الحياء والكرمُ
فلا على فاحش مددت يدي
ولا مشت بي لريبة قدمٌ
ولاشك أن هذا كما تقدم فيه غصّة في البداية لكن أحسن من الشوك والغسلين والضريع يوم القيامة والإنسان أحياناً يترك المعاصي شهامة ورجولة لو تأمل ما فيها من الخسّة..
وأغضّ طرفي إن بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها
إذا كان هذا العربي قبل الإسلام يفاخر انه يغض طرفه عز وجلن جارته فبعد الإسلام كيف يجب أن نكون..؟، إذا كان الفرد يمكن أن يترك بعض المعاصي خجلاً من الناس.. فما باله إذا فكر من جهة الله..؟ سيكون الترك أعظم..!
ثم يجب على المرء أن يعرف مكائد إبليس لكي يتقيه وإبليس له عدة طرق في إغواء الناس فينبغي أن ينظر فيها، كيف يشغله مثلاً بالمفضول عن الفاضل وهذا أنزل المراتب وكيف يبدأ به من الشرك أولاً..!
صفات المتقين
1- ذكر الله من صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب إيماناً جازماً { هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب}.
2- يعفون ويصفحون { وأن تعفوا أقرب للتقوى}.
3- لا يقترفون الكبائر ولا يصرون على الصغائر، وإذا وقعوا في ذنب سارعوا إلى التوبة منه { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}سارعوا مباشرة إلى التوبة والإنابة إذا أصابتهم صغيرة.
4- يتحرون الصّدق في الأقوال والأعمال { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون}، الذي جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به قيل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه .{ أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}، هذا بيان أن المتقي يصدق.
5- يعظمون شعائر الله { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}، وما معنى تعظيم شعائر الله؟؛ أن المرء يعظم حرمات ربه فلا ينتهكها،ويعظّم أوامر الله فيأتي بها على وجهها، ويأتي بأنفس الأشياء، فلو طُلِب منه هدي في الحج أو أضحية استسمنه واستحسنه وأتى به على أحسن وأنفس وأغلى ما يجد ، هذا من تعظيم شعائر الله. وكان إشعار الهدي وهو تعليمه بعلامة حتى لا يؤخذ أو إذا ضاع يُعرف هذا ما يفعله الحاج من السنة.
6- يتحرون العدل ويحكمون به { ولا يجرمنّكم شنآن قوم ٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} .الآية أساساً في المشركين والمشركون يبُكرَهون ويبغضُون لأجل شرك والكفر ومع ذلك أمرنا أن نعدل فيهم. وعلي بن أبي طالب لما اختصم مع يهودي ، حكم عليه القاضي لما لم يأتِ ببينة، وسُلّمت الدرع لليهودي، فاندهش اليهودي كيف يُحكم له على أمير المؤمنين، و الدرع كان لعلي رضي الله عنه ولم تكن له بيّنة، قال شهودي الحسن والحسين، قال لا تجوز شهادة الأبناء للأب، قال سيّدا شباب أهل الجنة، قال هذا في الجنّة..، فمن دهشة اليهودي مما رأى قاليا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، الدرع درعك ، سقطت منك وأنت خارج إلى صفّين ، فاختلستها. إذاً إذا رأى الكفار عدل المسلمين يمكن أن يسلموا.
7- المتقين يتبعون سبيل الأنبياء والصادقين والمصلحين يكونون معهم، { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، فأهل الصدق هم أصحاب المتقين وإخوانهم ورفقاءهم وأهل جلوسهم وروّاد منتدياتهم.
8- يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس لأجل حديث (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )) ، تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك أحياناً ما ترى بعض الحلال خشية أن تكون حراماً، النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى تمرة فيريد أن يأكلها فيتركها لأنه يخشى أن تكون سقطت من تمر الصدقة . والورع يجب أن يكون ورعاً صحيحاً ، فبعض الناس يفعلون الكبائر ثم يتورعون عن الأشياء اليسيرة..!." عجبتُ لكم يا أهل العراق تقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تسألون عن دم البعوض"..!!!، فلذلك ينبغي أن يكون الورع على أساس، امرئ ترك المحرمات ثم هو آخذ في الإعراض عن المشتبهات، ولذلك لما سُئِل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل يشتري البقل ويشترط الخوصة أنه يخشى أن تكون هذه التي تربط بها حزمة البقل غير داخلة في البيع فيشترط على البائع ذلك..،قال : ما هذه المسائل..؟!!!، قالوا :فلان يفعل ذلك..إبراهيم بن أبي نعيم..قال: هذا نعما..هذا رجل يليق بحاله .. رجل متقي جداً. وهو الذي سُئِل رحمه الله عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها فقال : (( إن كان برّ أمه في كل شيء حتى لم يبقَ إلا طلاق زوجته؛ يفعل، ولكن إن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم إلى أمه بعد ذلك فيضربها فلا يفعل..!)).

عبدالله
10-12-2004, 10:20 PM
ثمرات وفوائد التقوى
1- أنها المخرج من كل ضيق ومصدر للرزق من حيث لا يحتسب المتقي، لأن الله وعد و وعد الله لا يتخلف فقال تعالى : { ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}. وهذه مهمة جداً في شحّ الوظائف. وحتى يأتيك البديل المباح بعد تركك للعمل المحرّم ينبغي أن تتقي الله في جميع أمورك.
2- تسهيل الأمور، وأن ييسر الله له الأسباب {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}.
3- ومن أهم ما يُكافأ به المتقي أنه يُعطى العلم النافع من جرّاء التقوى { واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم}، فيعلمكم الحلال والحرام ومصالحكم وحفظ أموالكم وما أمركم وما نهاكم عنه ويعلمكم كل ما تحتاجون إليه ، ومن أسباب نقصان العلم و نقص الحفظ وذهاب المسائل وعدم انفتاح النفس للعلم وعدم الحماسة للعلم؛ المعاصي فهي تصد النفس عن العلم. ومن أسباب تحصيل العلم وانفتاح الذهن والقلب والحماس له؛ التقوى.
4- البصيرة من أعظم ما يرزق به المتقي، فتكون له بصيرة و فرقان يفرّق به بين الحق والباطل وأن يكون له نور من ربّه يضيء دربه فيحذر الشر ويرجو الخير ويوفَّق { إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا}، الفرقان في اللغة الذي يفرّق بين الليل والنهار، كالصبح يفرق بين الحق والباطل.
5- محبة الله والملائكة للعبد، ومحبة الناس لهذا العبد، { بلى من اوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}، وإذا أحبه نادى جبريل أن يحبه، ويحبه أهل السماء ثم يحبه أهل الأرض،{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} أي مودة منه ومن الملائكة وفي قلوب العباد.
6- نصرة الله للمتقي وتأييده له وتسديده { واتقوا الله إن الله مع المتقين}، والمعيّة هذه معية نصرة وتأييد وتسديد، وهو سبحانه وتعالى أعطاها للأنبياء المتقين فقال لموسى وهارون { لا تخافا إني معكما أسمع وأرى}، {قال كلا إن معي ربي سيهدين} فهو معه فلا يخاف.
7- يرزق بركات من السموات والأرض، والبركة تكثير القليل ، الكثرة، الزيادة، الخير ، العافية، {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}، وهذا معناه أنه وسّع عليهم في الخير ويسّره لهم بسبب التقوى {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً }، وكذلك إذا لم تحصل التقوى ؛ يظهر الفساد في الأرض{ظهر الفساد في البر والبحر} ويحصل التلوث والأمراض والسرطانات { ليذيقهم بعض الذي عملوا جزاءً ونكالا}، وتُنزع البركة بالمعصية.
8- البشرى ..سواء كانت ثناء من الخلق، أو رؤيا صالحة، من الملائكة عند الموت، {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون أولئك لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، فإن أثنى الناس عليه لعمل ما قصد إظهاره فإن هذا من عاجل بشرى المؤمن.
9- الحفظ من كيد الأعداء ، فإن الإنسان لا يخلو من عدو حاسد { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً}فيدفع الله عنه شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال التقوى.
10- { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً}، فأرشد الله الآباء الذين يخشون ترك ذرية ضعاف بالتقوى في سائر شؤونهم لكي يحفظ أبناءهم، ويغاثون بالرعاية الإلهية بل يحفظ فروع الفروع..!، { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} ولكن هناك أمر مهم وهو {وكان أبوهما صالحا} فحفظ الله الأبناء بصلاح ذلك الأب..، يقول محمد بن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد و لده وقريته التي هو فيها والدويرات التي حولها فما يزالون في حفظ الله وستره ..، قال ابن المسيب: يا بني إني لأزيد في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفَظ فيك وتلا الآية {وكان أبوهما صالحا}،طبعاً هو يصلي لله، وابن المسيب افقه من أن يرجو على عمله فقط ثواباً دنيوياً ولكنه يرجو تبعاً للثواب الأخروي أمراً في الدنيا والله تعالى كريم يعطي أموراً في الدنيا والآخرة على العبادات.
11- التقوى سبب قبول العمل وهذا من أعظم الأشياء { إنما يتقبل الله من المتقين} أجاب بها الأخ الصالح أخاه الفاجر الذي قتله. وكان بعض السلف يقول: لو أعلم أن الله تقبّل مني سجدة واحدة لتمنّيت الموت لأن الله يقول { إنما يتقبل الله من المتقين}.
12- التقوى سبب للنجاة من عذاب الدنيا { ونجّينا الذين آمنوا وكانوا يتّقون}.
13- التقوى يُجعل للإنسان بها حلاوة وشرف وهيبة بين الخلق لأن الإنسان يحب أن تكون له مكانة بين الناس
ألا إنما التقوى هي العز والكــــــــــــــرم
وحبك للدنيا هو الذل والسقــــــــــــــم
وليس على عبدٍ تقي نقيصـــــــــــــــــــــ ـة
إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
14- التقوى توصل إلى مرضاة الرب عز وجل وتكفير السيئات والنجاة من النار والفوز بالجنة وهذا هو قمة المطلوب وأعلى مراد المسلم أن الله عزوجل يدخله الجنة{ ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم }{ ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}، والنجاة من النار{ ثم ننجي الذين اتقوا}، والعز والفوقية فوق الخلق يوم القيامة غير عز الدنيا { زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة}، فيورثون الجنة بالتقوى كما قال الله عز وجل : { وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً}، وهؤلاء المتقين لا يذهبون إلى الجنة مشياً وإنما يذهبون ركباناً موقرين مكرمين لأن الله قال: {وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد}وقال: { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً}، والوفد يكرم يذهب بهم إلى ملك الملوك سبحانه وتعالى ، فيدخلهم جنته{ إن للمتقين مفازا}، يدخلهم الأنهار{ إن المتقين في جنات ونهر}.
والدار الآخرة للمتقين يوم القيامة، ويجمع الإنسان بأحبابه إذا اتقى ربه { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}، وهؤلاء على سرر متقابلين كما قال الله { إن المتقين في جنات وعيون، ادخلوها بسلام آمنين ،ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سرر متقابلين} فيأتون إلى الجنة زمراً زمراً، مجموعات ووفود إلى الله تعالى مكرمين{ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا}.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل التقوى,والنهاية لا بد أن تأتي بمفارقة هذه الحياة..
عش ما بدى لك سالماً في ظل شاهقة القصـــور
يُسعى عليك بما اشتهيت لدى الرواح وفي البكــور
فإذا النفوس تقعقعت في ضيق حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقناً ماكنت إلا في غــــــــــــــــرور
فالاشتغال في تحصيل التقوى وفعل ما أوجب الله وترك ما حرم الله هو المكسب في هذه الحياة في الحقيقة وإلا فإن كل ما فيها لهو ولعب ، والدنيا ملعونة فنسأ ل الله أن يكفينا شرها، وأن يجعلنا من المشتغلين بتقواه وأن يؤتي نفوسنا تقواها إنه خير من زكّاها.

عبدالله
10-12-2004, 10:20 PM
أسئلة من درس التقوى
سؤال: هل قوله تعالى: { اتقوا الله حق تقاته}منسوخ بقوله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم}..؟
جواب:غير المقدور عليه هو المنسوخ، وأما المقدور عليه يجب أن تتقي الله حق تقاته، فإذا أمكن الجمع لا يُلجأ إلى النّسخ.
__________________________________________________ ________________________________
سؤال:الصغائر مثل ماذا؟وما الموقف منها؟
جواب: مثل النظرة، والكلمة القبيحة أحياناً، والموقف منها التوبة وعدم الإصرار عليها.
__________________________________________________ ________________________________
سؤال: أشعر بالخوف عندما تفوتني إحدى الصلوات فهل هذا خوف مندوب إليه أو وسواس وكذلك عند السفر والنوم؟
جواب: أما عند فعل معصية أو تقصير فالخوف هذا الطبيعي من المؤمن أن يحدث ، وإذا لم يحدث فهو مشكلة كبيرة، وأما الخوف الذي يدفع إلى ترك مصالح في الدنيا والآخرة فهو خوف مذموم، فالإنسان أحياناً من الخوف قد لا يفعل شيئاً في مصلحته أن يفعله مثل من لا يعمل عملية مهمة جداً له ، إذا لم يعملها قد يهلك، وقد يكون التخوف سليم إذا كانت نسبة المخاطرة فيها كبيرة.
__________________________________________________ ________________________________
سؤال: إذا تورّع صاحب الكبيرة عن الدقائق من المعاصي؟
جواب:هذا طيب، ولكن يجب أن يفكر كيف يحل المشكلة الأكبر، ولا شك أن الذي يفعل كبيرة وصغيرة أفضل من الذي يفعل صغيرة فقط أو كبيرة فقط.
__________________________________________________ ________________________________
سؤال: أنا أحادث امرأة على الشات (الماسنجر)وهي تعرف عن الإسلام الكثير بسبب أن أخيها مسلم هل أستمر؟
جواب:لا أرى أن تستمر لأن عندها أخ ينصحها، فلماذا أنت تكلمها وهذا باب فتنة ويمكن أن يوصل إلى أشياء سيئة جداً، وهذا باب دخل فيه أناس فضلّوا وانحرفوا وزاغوا .
__________________________________________________ ________________________________
سؤال: الامتناع عن الزواج لمن لا يهتم بالشهوة ولا يسأل عنها؟
جواب:أن لا يكون له شهوة أبداً هذه حالة مرضية، ولكن لو كان هذا فعلاً حاصل عند شخص ما بحيث لا يلتفت إلى النساء إطلاقاً ويخشى إذا تزوج بنت الناس أن يظلمها فإذاً ترك الزواج في حالته هذه شيء وجيه.
__________________________________________________ ________________________________
سؤال: من اشترى شيئاً لشخص ورفع عليه السعر؟
جواب: إذا وكّلك بالشراء فلا يجوز أن تربح عليه إطلاقاً لأن الوكيل مؤتمن فيجب أن تخبره بالثمن الذي اشتريت به حقيقة ولو قلت له إنني أبيعك ولست وكيلاً لك تشتري مني فيجوز أن تربح ، لأنك بائع، فإذا الوكيل لا يربح،والبائع يربح، فإذا وكّلك يجب أن تصدق وتكون أميناً في الإخبار، وإذا قال أن أشتري منك، زد في السعر لتربح كما يربح التجّار.