المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البخيت والشيخ والتومة بت حاج الأمين



يحيى البحاري
17-01-2013, 07:25 PM
جلس عبدالفضيل الرجل الخمسيني .. وسط خيمته المصنوعة من القش ، وسعف النخيل ، الذي يغطيه خليط من الأتربة ، ومياه الأمطار .. التي أحالت لونها الى لون الطين الداكن .. بفعل السنوات الطوال التي مرّت عليها وهي منصوبة على طرف القرية الغربي .. كان عبدالفضيل متربعاً على سجادته المصنوعة من السعف التي يعرفها أهل القرية بــ ( التبروقة ) ممسكاً بسبحته المصنوعة من ثمرة ( اللالوب ) مداعباً بأطراف أنامله لحيته البيضاء ، جاء الى القرية قبل عشرين عاماً .. قال عن نفسه إنه شيخ تقي ورع يفهم في أمور الجان ، وله المقدرة على مداواة كل عاقر ، كان حضوره عند الغروب وعرف هذا الوقت عند أهل القرية بــمواعيد شيخنا ، وكانوا يقولون وقت جاء شيخنا .. لم يصدق ( البخيت ) وقتذاك عندما سمع قوله مداواة كل عاقر ، فأوى الى فراشه مبكراً ، ولم يغمض له جفن طوال تلك الليلة ، كان كل مايتمناه ولد او بنت تحمل اسمه من بعده ، نظر الى زوجته وقال محدثاً نفسه الآن قد جاء الفرج . ظل يتقلب في فراشه يحاول أن ينام ، لكنه لم يعرف للنوم طريق وفي صبيحة اليوم التالي مسح على عينيه وجرجر نعليه وأسرع لمقابلة الشيخ عبدالفضيل .. رغم الصباح الباكر وجده مع مجموعة من الأطفال وسط الزراعة المطرية ، حافية أقدامهم ، رثة ثيابهم ، زجرهم البخيت عنه وكانوا كلما اقتربوا زجرهم وانحنى مقبلاً يد الشيخ عبدالفضيل قائلاً : انا من شُفتك قلت عليك الشيخ الفيه البركة لأهل القرية ثم التفت الى الأطفال يلا العبوا بعيد جاتكم الــ ....
- قال له الشيخ عبدالفضيل كل عقدة وليها حلّ إلا إنت اسمك منو يا المبروك ؟
- اسمي البخيت ، اسمي البخيت ، انا مشكلتي ياشيخنا عاوز لي ولد !
- كل شيء في وقته يا البخيت إلا هسه انا عاوز أعمل لي خيمة هنا
- إلا الأرض دي ياشيخنا حقتْ التومة بت حاج الأمين
- إنت يا البخيت ماعاوز حلّ لمشكلتك ؟؟
- عاوز ياشيخنا
- خلاص هسه امش كلم الناس قول ليهم بركات الشيخ حلّت في أرض التومة ، وبعدين تعال نحل ليك مشكلتك
انطلق البخيت فرحاً ، ومن خلفه الأطفال يرددون معه بركات الشيخ في أرض التومة بت حاج الأمين ، بركات الشيخ في أرض التومة طاف بالقرية ودار بشوارعها والأطفال فرحين بهذا الطواف ، وترديدهم معه بركات الشيخ في أرض التومة .. لم يمض وقت طويل حتى تبادل أهل القرية الخبر .. المرأة الوحيدة التي أحزنها مجئ الشيخ الى القرية هي التومة بت حاج الأمين التي لم يلتفت إليها أحد .. اسرعوا في جمع فروع الأشجار اليابسة ، والقش وسعف النخيل ، لتشييد خيمة الشيخ .. وفي وقت الغروب تفرّق الجمع ورجعوا الى منازلهم .. والبخيت يحدوه الأمل بنت او ولد يقولوا عليه ده ولد البخيت .. غطى القرية ظلام كثيف وسكون مألوف لسكانها .. وتعالت أصوات حميرها وكلابها ، فهذه الليلة كسابقتها لم يعرف البخيت فيها طعماً للنوم ، ظلّ ساهراً حتى سماعه صياح ديك معروف لأهل القرية ، إذا سمعه شاب من أهلها بعد مرور عشرون عاماً من زمان حضور الشيخ عبدالفضيل لأطلق عليه ( ديك جمعية القرية ) ذهب إليه البخيت وجده متربعاً على سجادته ، ممسكاً بسبحته ( اللالوبية ) انحنى البخيت مقبلاً يد الشيخ الذي أشار اليه بالجلوس .. جلس البخيت على الأرض في خضوع تام .
- قال الشيخ : إنت مشكلتك شنو ؟
-انا ياشيخنا محتاج لي ولد !
-ابتسم عبدالفضيل وقال مطمئناً بسيطة دي مشكلة بسيطة
- قال البخيت موضحاً انا عرّست بت عمي قبل عشرة سنين
- سأله الشيخ وبت عمك عيبها شنو ؟
- رد البخيت : لا ، لا العيب مني انا .. الحكيم قال مني انا
- قال الشيخ وهو يحاول إثبات ثقته وقدرته على العلاج : كلو بسيط يا البخيت إلا زي حالتك دي بركات الشيخ مابتنفع في علاج الرجال ..
عندما سمع البخيت منه هذا الكلام وقف منتفضاً كأن حية لدغته ، وأمسك بعصاه الغليظة ، ودموعه تملأ عينيه المحمرّتين ، كان مشدوهاً من كلام الشيخ اليه وفقدانه للأمل ، وعيناه مصوبتان نحو الشيخ لا تتحركان من عليه وعصاه بيمينه والعرق يتصبب على جبينه ، بينما الشيخ يحاول تهدئته مجدداً رجع البخيت الى الوراء مرتعشاً .. عاد الى بيته وأشتد عليه ضيق صدره ، والجمته الحمى عن الكلام لثلاثة أيام متواليات لم يحادث فيها أحد من أهل القرية الذين حيّرهم ما أصابه من مرض ، وزوجته جالسة بجواره تحاول فهم همهماته ومساعدته على إخراج الكلام من جوفه .. ولكن دون جدوى لقد أصبح البخيت أخرساً و أصماً غير قادر على الكلام والسمع هكذا بين عشية وضحاها .. بينما كان الشيخ داخل خيمته محدثاً نفسه كأنه وجد فكرة تخرجه من مثل هذا المأزق في المستقبل ، رمى سبحته على الأرض وراح في نوم عميق .. وفي الصباح جلس كـعادته على ( تبروقته ) كأن شيئاً لم يحدث بالأمس .. دخلت عليه ( مريم الوداعية ) ، انحنت وقبلت يديه كبقية الزوار وقالت : دستور ـ دستور كانت ترتدي ثوباً أقرب الى اللون الرمادي ، وفي معصمها الأيمن سبحة خضراء ذات حبيبات صغيرة ، وعلى صدرها تدلت قلادة حديدية قديمة ، وتزين أصابعها خواتم كبيرة ، زهيدة الثمن ..
- بادرها الشيخ قائلاً : شوفي لي حظي ياوداعية
- تمتمت وغمغمت وقالت: لكن ده بجوز ياشيخنا ما إنت شيخنا وسيد العارفين
- خاطبها بصوت أكثر جدية قلت ليك شوفي لي حظي
نظرت إليه بطرف عينيها وبدأت في حلّ عقدة منديل أصفر اللون وأخرجت ودعاتها ولجلجتها وقالت : لكن ده بجوز يا شيخنا ، ثم طرحتها أرضاً والشيخ عبدالفضيل مترقباً لها نظرت إليه وجمعت ودعاتها ثم طرحتها مرة أخرى وقالت ده الأول وده الوسطاني وحاتك ياشيخنا الخير موجود والجود موفور والكرم منك معروف ، فقهقه ضاحكاً ومنحها مبلغاً كبيراً من المال ليكون بمثابة عهد للتعاون بينهما وضحكت هي الأخرى بصوتها الغائر وجمعت ودعاتها وعصمتها في منديلها الأصفر ثم سألها عن سبب زيارتها ، لم تجد جواباً إلا أنه فهم سر زيارتها وفهمت مايريده منها ، وقفت على باب الخيمة وتلفتت يمنة ويسرى ثم أسرعت في مشيها نحو القرية ، أثناء عودتها رأت البخيت وهو يطرق على باب التومة بت حاج الأمين لحظات قليلة وكان وسط حوش التومة التي وهن عظمها وتملكها الحزن الدفين كان صدره يعلو أنينه مغمغماً لها بكلمات غير مفهومة كأنه يريد أن يخبرها عن سبب خرسه او كأنه يقول لها معتذراً أنه ساهم في ضياع أرضها .. في هذه اللحظات كانت مريم الوداعية تقف على عتبة الباب .. باب منزل ( فطومة ) ذات الخمسة وثلاثين عاماً ، بقوامها الفارع ، وجسمها البض . همساً تحادثتا وتواعدتا على أن تذهبا ( ســرّاً ) عند وقت الغروب لمقابلة الشيخ ، الذي كثر زواره ومريديه ، و عرف كيف يجمع المال منهم ، كان يصف لهم كيلو من العسل ليشربوا منه على الريق ،كانوا لفقرهم وغلاء سعره وبعد أماكن بيعه عنهم يقولون له اللبن مابنفع ياشيخنا ؟ والبخيت يرقب زوجته وهي تعد له وجبة الإفطار اذا بها تمسك برأسها ويجتاحها شعور مفاجئ بالفتور مماجعلها غير قادرة على تمالك نفسها حتى أغمي عليها وبدأ الجنين يتحرّك في أحشائها .ولم ينم البخيت ليلته تلك .. نصحه حكيم القرية بأن يقلها الى المشفى العام ، رغم معاناته التي يحسّها من وعورة الطريق الترابي ، وهو داخل ( البص ) في رحلته الإسبوعية مابين القرية والمدينة ، إلا أنها كانت تمثل له متعته الخاصة ، المتعة التي استمرت معه حتى بعد أن رُزق بـ ( الصافي ودالبخيت ) الذي شب عن الطوّر ، كان طفلاً حاد الذكاء متوقد الذهن ، غير أن جسده كان يبدو أكبر حجماً من أقرانه ،الذين يلقبونه بـ ( ود الأطرش ) كان شديد الغضب عندما يتندرون عليه بقولهم ..بأن أمه ظلت ترضعه لمدة قاربت الأربع سنوات ومن شدة حبها له كانت غير راغبة في فطامه ، أصبح ( الصافي ) من زينة فتيان القرية ، التي تغيرت معالمها وملامح بيوتاتها ( الطينية ) وحوائطها القصيرة ، لم يعد أهلها يسمعون صياح الديك كما اعتادوا ! فصار الأطفال لايلتفون حول الشيخ عبدالفضيل ، كانوا ينشغلون عنه بــ (العاب الكمبيوتر ) حينها قرر الرحيل الى قرية أخرى لايعرف أطفالها معنى الشبكة العنكبوتية واليوسي ماس .

يحيى البحاري

* التبروقة : من الصناعات اليدوية تستخدم للصلاة
* مصطلح يوسي ماس U.c Mas: برنامج لتنمية المهارات يسمى "المفهوم العالمي لنظام الحساب الذهني" إنه برنامج تنمية عقل بأكمله و هو معد خصيصاً لإحتياجات الأطفال ما بين 4 و 12 عام . يهدف الى إن الذكاء هو القدرة الإنسانية الأكثرقيمة ، و يعد برنامج يوسى ماس أداة تدريبية فعالة غنية تساعد على إكتشاف و تنمية وزيادة ذكاء الأطفال منذ مرحلة مبكرة .

يحيى البحاري
18-01-2013, 08:49 PM
قال تعالى في محكم تنزيله : انما أمره اذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون
صدق الله العظيم

مصطفى حمزة
19-01-2013, 05:15 AM
أخي الأكرم يحيى ، أسعد الله أوقاتك بكل الخير
من ( إنت مشكلتك شنو ؟ ) أفصحتْ عن نفسها بأنها حكاية سودانيّة .. لكنها في الواقع حكاية نقرؤها في كل ركن عربي جاهل ، يسرح ويمرح فيه الدجّالون والدجّالات ، ويرتعون على أرزاق الجهلة الغارقين في الغيب المنحرف ، البعيدين عن المدنيّة وكأنهم في كوكب آخر غير كوكب الناس !
نصّ ممتع كحكاية ، وتشهد عباراته المحكيّة لكاتبه بأنه قاص شعبي ممتاز وابن الشعب .. لكنّ هذه العبارات غير الفصيحة أضعفت لغة النصّ كقصّة فنية وساعدها على ذلك بعض الأخطاء النحويّة ... لم تكره المفعول به أخي يحيى ؟ ههه لم لاتعطيه حقه من النصب ؟!
أضف إلى ذلك أن الالتفات إلى ( الصافي ) في آخر النص أذهب ريح الحكاية وقفلتها !!
تحياتي وتقديري

يحيى البحاري
20-01-2013, 04:14 AM
أخي الأكرم يحيى ، أسعد الله أوقاتك بكل الخير
من ( إنت مشكلتك شنو ؟ ) أفصحتْ عن نفسها بأنها حكاية سودانيّة .. لكنها في الواقع حكاية نقرؤها في كل ركن عربي جاهل ، يسرح ويمرح فيه الدجّالون والدجّالات ، ويرتعون على أرزاق الجهلة الغارقين في الغيب المنحرف ، البعيدين عن المدنيّة وكأنهم في كوكب آخر غير كوكب الناس !
نصّ ممتع كحكاية ، وتشهد عباراته المحكيّة لكاتبه بأنه قاص شعبي ممتاز وابن الشعب .. لكنّ هذه العبارات غير الفصيحة أضعفت لغة النصّ كقصّة فنية وساعدها على ذلك بعض الأخطاء النحويّة ... لم تكره المفعول به أخي يحيى ؟ ههه لم لاتعطيه حقه من النصب ؟!
أضف إلى ذلك أن الالتفات إلى ( الصافي ) في آخر النص أذهب ريح الحكاية وقفلتها !!
تحياتي وتقديري


أشكرك أخي مصطفى على هذا الحضور الزاهي
نعم العبارات تنم عن هوية القصة .. وفي هذا حاولت اختيار المفردة البسيطة
لهجة أهلنا في وسط السودان.. ربما أكون قد أخفقت حسب وجهة نظرك .. ولكني دائماً مع " المحاولة والتجريب "
ومتى ما وجدت مايخدم الجانب الفني وما يطور النص لن أتردد في " التعديل "
وآمل في التجويد .. ولهذا ستجدني دائماً في انتظار ملاحظاتك النيرة
تحياتي

يحيى البحاري
26-01-2013, 08:16 PM
* النسخة الأخيرة . للبخيت والشيخ والتومة بت حاج الأمين

جلس عبدالفضيل الرجل الخمسيني .. وسط خيمته المصنوعة من القش ، وسعف النخيل ، الذي يغطيه خليط من الأتربة ، ومياه الأمطار .. التي أحالت لونها الى لون الطين الداكن .. بفعل السنوات الطوال التي مرّت عليها وهي منصوبة على طرف القرية الغربي .. كان عبدالفضيل متربعاً على سجادته المصنوعة من السعف التي يعرفها أهل القرية بــ ( التبروقة ) ممسكاً بسبحته المصنوعة من ثمرة ( اللالوب ) مداعباً بأطراف أنامله لحيته البيضاء ، جاء الى القرية قبل عشرين عاماً .. قال عن نفسه إنه شيخ تقي ورع يفهم في أمور الجان ، وله المقدرة على مداواة كل عاقر ، كان حضوره عند الغروب وعرف هذا الوقت عند أهل القرية بــمواعيد شيخنا ، وكانوا يقولون وقت جاء شيخنا .. لم يصدق ( البخيت ) وقتذاك عندما سمع قوله مداواة كل عاقر ، فأوى الى فراشه مبكراً ، ولم يغمض له جفن طوال تلك الليلة ، كان كل مايتمناه ولد او بنت تحمل اسمه من بعده ، نظر الى زوجته وقال محدثاً نفسه الآن قد جاء الفرج . ظل يتقلب في فراشه يحاول أن ينام ، لكنه لم يعرف للنوم طريق وفي صبيحة اليوم التالي مسح على عينيه وجرجر نعليه وأسرع لمقابلة الشيخ عبدالفضيل .. رغم الصباح الباكر وجده مع مجموعة من الأطفال وسط الزراعة المطرية ، حافية أقدامهم ، رثة ثيابهم ، زجرهم البخيت عنه وكانوا كلما اقتربوا زجرهم وانحنى مقبلاً يد الشيخ عبدالفضيل قائلاً : انا من شُفتك قلت عليك الشيخ الفيه البركة لأهل القرية ثم التفت الى الأطفال يلا العبوا بعيد جاتكم الــ ....
- قال له الشيخ عبدالفضيل كل عقدة وليها حلّ إلا إنت اسمك منو يا المبروك ؟
- اسمي البخيت ، اسمي البخيت ، انا مشكلتي ياشيخنا عاوز لي ولد !
- كل شيء في وقته يا البخيت إلا هسه انا عاوز أعمل لي خيمة هنا
- إلا الأرض دي ياشيخنا حقتْ التومة بت حاج الأمين
- إنت يا البخيت ماعاوز حلّ لمشكلتك ؟؟
- عاوز ياشيخنا
- خلاص هسه امش كلم الناس قول ليهم بركات الشيخ حلّت في أرض التومة ، وبعدين تعال نحل ليك مشكلتك
انطلق البخيت فرحاً ، ومن خلفه الأطفال يرددون معه بركات الشيخ في أرض التومة بت حاج الأمين ، بركات الشيخ في أرض التومة طاف بالقرية ودار بشوارعها والأطفال فرحين بهذا الطواف ، وترديدهم معه بركات الشيخ في أرض التومة .. لم يمض وقت طويل حتى تبادل أهل القرية الخبر .. المرأة الوحيدة التي أحزنها مجئ الشيخ الى القرية هي التومة بت حاج الأمين التي لم يلتفت إليها أحد .. اسرعوا في جمع فروع الأشجار اليابسة ، والقش وسعف النخيل ، لتشييد خيمة الشيخ .. وفي وقت الغروب تفرّق الجمع ورجعوا الى منازلهم .. والبخيت يحدوه الأمل بنت او ولد يقولوا عليه ده ولد البخيت .. غطى القرية ظلام كثيف وسكون مألوف لسكانها .. وتعالت أصوات حميرها وكلابها ، فهذه الليلة كسابقتها لم يعرف البخيت فيها طعماً للنوم ، ظلّ ساهراً حتى سماعه صياح ديك معروف لأهل القرية ، إذا سمعه شاب من أهلها بعد مرور عشرون عاماً من زمان حضور الشيخ عبدالفضيل لأطلق عليه ( ديك جمعية القرية ) ذهب إليه البخيت وجده متربعاً على سجادته ، ممسكاً بسبحته ( اللالوبية ) انحنى البخيت مقبلاً يد الشيخ الذي أشار اليه بالجلوس .. جلس البخيت على الأرض في خضوع تام .
- قال الشيخ : إنت مشكلتك شنو ؟
-انا ياشيخنا محتاج لي ولد !
-ابتسم عبدالفضيل وقال مطمئناً بسيطة دي مشكلة بسيطة
- قال البخيت موضحاً انا عرّست بت عمي قبل عشرة سنين
- سأله الشيخ وبت عمك عيبها شنو ؟
- رد البخيت : لا ، لا العيب مني انا .. الحكيم قال مني انا
- قال الشيخ وهو يحاول إثبات ثقته وقدرته على العلاج : كلو بسيط يا البخيت إلا زي حالتك دي بركات الشيخ مابتنفع في علاج الرجال ..
عندما سمع البخيت منه هذا الكلام وقف منتفضاً كأن حية لدغته ، وأمسك بعصاه الغليظة ، ودموعه تملأ عينيه المحمرّتين ، كان مشدوهاً من كلام الشيخ اليه وفقدانه للأمل ، وعينيه مصوبتان نحو الشيخ لا تتحركان من عليه وعصاه بيمينه والعرق يتصبب على جبينه ، بينما الشيخ يحاول تهدئته مجدداً رجع البخيت الى الوراء مرتعشاً .. عاد الى بيته وأشتد عليه ضيق صدره ، والجمته الحمى عن الكلام لثلاثة أيام متواليات لم يحادث فيها أحد من أهل القرية الذين حيّرهم ما أصابه من مرض ، وزوجته جالسة بجواره تحاول فهم همهماته ومساعدته على إخراج الكلام من جوفه .. ولكن دون جدوى لقد أصبح البخيت أخرساً و أصماً غير قادر على الكلام والسمع هكذا بين عشية وضحاها .. بينما كان الشيخ داخل خيمته يحدث نفسه كأنه وجد فكرة تخرجه من مثل هذا المأزق في المستقبل ، رمى سبحته على الأرض وراح في نوم عميق .. وفي الصباح جلس كـعادته على ( تبروقته ) كأن شيئاً لم يحدث بالأمس .. دخلت عليه ( مريم الوداعية ) ، انحنت وقبلت يديه كبقية الزوار وقالت : دستور ـ دستور كانت ترتدي ثوباً أقرب الى اللون الرمادي ، وفي معصمها الأيمن سبحة خضراء ذات حبيبات صغيرة ، وعلى صدرها تدلت قلادة حديدية قديمة ، وتزين أصابعها خواتم كبيرة ، زهيدة الثمن ..
- بادرها الشيخ قائلاً : شوفي لي حظي ياوداعية
- تمتمت وغمغمت وقالت: لكن ده بجوز ياشيخنا ما إنت شيخنا وسيد العارفين
- خاطبها بصوت أكثر جدية قلت ليك شوفي لي حظي
نظرت إليه بطرف عينيها وبدأت في حلّ عقدة منديل أصفر اللون وأخرجت ودعاتها ولجلجتها وقالت : لكن ده بجوز يا شيخنا ، ثم طرحتها أرضاً والشيخ عبدالفضيل مترقب لها نظرت إليه وجمعت ودعاتها ثم طرحتها مرة أخرى وقالت ده الأول وده الوسطاني وحاتك ياشيخنا الخير موجود والجود موفور والكرم منك معروف ، فقهقه ضاحكاً ومنحها مبلغاً كبيراً من المال ليكون بمثابة عهد للتعاون بينهما وضحكت هي الأخرى بصوتها الغائر وجمعت ودعاتها وعصمتها في منديلها الأصفر ثم سألها عن سبب زيارتها ، لم تجد جواباً إلا أنه فهم سر زيارتها وفهمت مايريده منها ، وقفت على باب الخيمة وتلفتت يمنة ويسرة ثم أسرعت في مشيها نحو القرية ، أثناء عودتها رأت البخيت وهو يطرق على باب التومة بت حاج الأمين لحظات قليلة وكان وسط حوش التومة التي وهن عظمها وتملكها الحزن الدفين كان صدره يعلو أنينه مغمغماً لها بكلمات غير مفهومة كأنه يريد أن يخبرها عن سبب خرسه او كأنه يقول لها معتذراً أنه ساهم في ضياع أرضها .. في هذه اللحظات كانت مريم الوداعية تقف على عتبة الباب .. باب منزل ( فطومة ) ذات الخمسة والثلاثين عاماً ، بقوامها الفارع ، وجسمها البض . همساً تحادثتا وتواعدتا على أن تذهبا ( ســرّاً ) عند وقت الغروب لمقابلة الشيخ ، الذي كثر زواره ومريديه ، و عرف كيف يجمع المال منهم ، كان يصف لهم كيلو من العسل ليشربوا منه على الريق ،كانوا لفقرهم وغلاء سعره وبعد أماكن بيعه عنهم يقولون له اللبن مابنفع ياشيخنا ؟ والبخيت يرقب زوجته وهي تعد له وجبة الإفطار اذا بها تمسك برأسها ويجتاحها شعور مفاجئ بالفتور مماجعلها غير قادرة على تمالك نفسها حتى أغمي عليها وبدأ الجنين يتحرّك في أحشائها .ولم ينم البخيت ليلته تلك .. نصحه حكيم القرية بأن يقلها الى المشفى العام ، رغم معاناته التي يحسّها من وعورة الطريق الترابي ، وهو داخل ( البص ) في رحلته الإسبوعية مابين القرية والمدينة ، إلا أنها كانت تمثل له متعته الخاصة ، المتعة التي استمرت معه حتى بعد أن رُزق بـ ( الصافي ودالبخيت ) الذي شب عن الطوّر ، كان طفلاً حاد الذكاء متوقد الذهن ، غير أن جسده كان يبدو أكبر حجماً من أقرانه ،الذين يلقبونه بـ ( ود الأطرش ) كان شديد الغضب عندما يتندرون عليه بقولهم ..بأن أمه ظلت ترضعه لمدة قاربت الأربع سنوات ومن شدة حبها له كانت غير راغبة في فطامه ، أصبح ( الصافي ) من زينة فتيان القرية ، التي تغيرت معالمها وملامح بيوتاتها ( الطينية ) وحوائطها القصيرة ، لم يعد أهلها يسمعون صياح الديك كما اعتادوا ! فصار الأطفال لايلتفون حول الشيخ عبدالفضيل ، كانوا ينشغلون عنه بــ (العاب الكمبيوتر ) حينها قرر الرحيل الى قرية أخرى لايعرف أطفالها معنى الشبكة العنكبوتية واليوسي ماس .

يحيى البحاري


* التبروقة : من الصناعات اليدوية تستخدم للصلاة
* مصطلح يوسي ماس U.c Mas: برنامج لتنمية المهارات يسمى "المفهوم العالمي لنظام الحساب الذهني" إنه برنامج تنمية عقل بأكمله و هو معد خصيصاً لإحتياجات الأطفال ما بين 4 و 12 عام . يهدف الى إن الذكاء هو القدرة الإنسانية الأكثرقيمة ، و يعد برنامج يوسى ماس أداة تدريبية فعالة غنية تساعد على إكتشاف و تنمية وزيادة ذكاء الأطفال منذ مرحلة مبكرة .

محمد الشرادي
07-02-2013, 10:51 PM
أهلا أخي يحيى

الشعوذة و خرافة البركات المزعومة لبعض الناس تنتشر بشكل واسع في اوساط الجهل و الأمية و الفقر حيث يضعف إيمان الفرد بالعلم و بالله و يعلق المرء ببشر مثله طالبا منه أن يحل له مشكلاته، و هل يستطيع ذلك؟ بالطبع لن يستطيع ذلك. لأن ذلك من تدبير الخالق.
ربما كان مغزى النص في قفلته هو التأكيد علىأن الخرافة لا تتعايش مع العلم.
تحياتي

براءة الجودي
08-02-2013, 12:46 AM
قصة جميلة وقد تحدث في كثير من القرى وربماالمدن فالجهلة فوتصديق أمثال هؤلاءفي كل مكان
ربما لو اكتفيت ببعض الكلمات العامية افضل من أن تكون هي الغالبة << مجرد رأي
دمتَ

يحيى البحاري
08-02-2013, 02:33 AM
أهلا أخي يحيى

الشعوذة و خرافة البركات المزعومة لبعض الناس تنتشر بشكل واسع في اوساط الجهل و الأمية و الفقر حيث يضعف إيمان الفرد بالعلم و بالله و يعلق المرء ببشر مثله طالبا منه أن يحل له مشكلاته، و هل يستطيع ذلك؟ بالطبع لن يستطيع ذلك. لأن ذلك من تدبير الخالق.
ربما كان مغزى النص في قفلته هو التأكيد علىأن الخرافة لا تتعايش مع العلم.
تحياتي

أخي محمد
ما أعجبني في مداخلتك الزاهية
أنك أول من أشار الى النهاية كما أردت من مغزاها
كن بخير

يحيى البحاري
08-02-2013, 02:36 AM
قصة جميلة وقد تحدث في كثير من القرى وربماالمدن فالجهلة فوتصديق أمثال هؤلاءفي كل مكان
ربما لو اكتفيت ببعض الكلمات العامية افضل من أن تكون هي الغالبة << مجرد رأي
دمتَ

أهلا بك أختي العزيزة براءة
لايكتمل الجمال إلا من خلال عيون الآخرين
اتمناك دائما ناقدة لمحاولاتي القصصية
احترامي

ربيحة الرفاعي
21-04-2013, 01:49 AM
بين استسلام الجهلة للخرافة وتسليمهم للأكاذيب ومزاعم الدجالين وبين رسالة الكاتب التوجيهية محمولة على دفة النص القصي الشعبي بامتياز كانت لي قراءة طيبة في بناء سردي شائق وددت لو انحاز فيه كاتبنا للفصحى لأنها لغة الأدب الحقيقي أولا وتسهيلا على القارئ ثانيا

دمت بخير أيها الكريم

تحاياي

يحيى البحاري
21-04-2013, 08:07 AM
بين استسلام الجهلة للخرافة وتسليمهم للأكاذيب ومزاعم الدجالين وبين رسالة الكاتب التوجيهية محمولة على دفة النص القصي الشعبي بامتياز كانت لي قراءة طيبة في بناء سردي شائق وددت لو انحاز فيه كاتبنا للفصحى لأنها لغة الأدب الحقيقي أولا وتسهيلا على القارئ ثانيا

دمت بخير أيها الكريم

تحاياي

أهلاً أختي أستاذة ربيحة
دائما قراءاتك تترك أثراً طيباً في نفسي
بعض الشخصيات القصصية أحاورها فيما بيني وبينها لفترة من الزمن
ولاتتحدث إلا باللغة التي تريد أن تحاورني بها !!
القصة عندي تجريب ومحاولة و أريد أن تكون أكثر واقعية
سأهتم بملاحظتك في محاولاتي القصصية القادمة
تحياتي

آمال المصري
26-04-2013, 11:46 PM
في هذه اللحظات كانت مريم الوداعية تقف على عتبة الباب .. باب منزل ( فطومة ) ذات الخمسة والثلاثين عاماً ، بقوامها الفارع ، وجسمها البض . همساً تحادثتا وتواعدتا على أن تذهبا ( ســرّاً ) عند وقت الغروب لمقابلة الشيخ ، الذي كثر زواره ومريديه ،


وكهذا كان الحل وهو متبع لدى المشعوذين والدجال ولا يتبعهم إلا الجهال ضعاف الإيمان والنفوس
كانت النهاية رائعة أوصلت الفكرة المرجوة منها بمغادرة المشعوذ لمكان يجد فيه ضالته ليحط بالرزائل على أرض خصبة لها
شكرا لك أديبنا كان نصك ماتعا
تحاياي

يحيى البحاري
28-04-2013, 04:55 PM
وكهذا كان الحل وهو متبع لدى المشعوذين والدجال ولا يتبعهم إلا الجهال ضعاف الإيمان والنفوس
كانت النهاية رائعة أوصلت الفكرة المرجوة منها بمغادرة المشعوذ لمكان يجد فيه ضالته ليحط بالرزائل على أرض خصبة لها
شكرا لك أديبنا كان نصك ماتعا
تحاياي

أهلا ، أهلاااااااا أختي العزيزة آمال
إشادتك بالنهاية دفعت بالسرور إلى قلبي لأنها كانت مسار جدل لبعض الزملاء
أثلجت صدري .
تحياتي

نداء غريب صبري
02-06-2013, 02:22 AM
الجهل والفقر والحرمان وبئيئات شعبية معذبة
قصة شعبية جميلة وسرد ممتع أحببته

شكرا لك اخي

بوركت

يحيى البحاري
02-06-2013, 01:34 PM
الجهل والفقر والحرمان وبئيئات شعبية معذبة
قصة شعبية جميلة وسرد ممتع أحببته

شكرا لك اخي

بوركت

أهلا بك أختي نداء
دائما تسعديني بدعمك الوافر لي
ممنون لك
تحياتي

نداء غريب صبري
14-05-2014, 06:09 PM
سردك مشوّق وأسلوبك ممتع
والفكرة جميلة

استخدام اللهجة العامية أتعبني في محاولة فهم ما تقول
لكن القصة أمتعتني

شكرا لك أخي

بوركت

وفاء عرب
14-05-2014, 11:27 PM
كأنني اقرأ للروائي السوداني الطيب صالح
دائما جميل الإحساس والسرد
أطيب تحية

سعاد محمود الامين
15-05-2014, 09:34 PM
الأديب يحيي
مررت على نصك الرائع مرة ومرة
أعجبتني الفكرة والأسلوب
شكرا لقلمك المائز

يحيى البحاري
20-05-2014, 05:41 PM
سردك مشوّق وأسلوبك ممتع
والفكرة جميلة

استخدام اللهجة العامية أتعبني في محاولة فهم ما تقول
لكن القصة أمتعتني

شكرا لك أخي

بوركت

مرحبا أستاذة نداء
شكرا لقراءتك

يحيى البحاري
20-05-2014, 05:44 PM
كأنني اقرأ للروائي السوداني الطيب صالح
دائما جميل الإحساس والسرد
أطيب تحية

أهلا ومرحبا بالأديبة وفاء
ممنون لهذه الكلمات الطيبة
تحياتي

يحيى البحاري
20-05-2014, 05:47 PM
الأديب يحيي
مررت على نصك الرائع مرة ومرة
أعجبتني الفكرة والأسلوب
شكرا لقلمك المائز

أهلاااااااااا الأديبة الراقية سعاد
نورت بمرورك
كوني بخير

خلود محمد جمعة
13-03-2015, 06:43 PM
للبخيت بخت عند الجاهلين في كل زمان ومكان
قصة برسالة نبيلة وسرد ماتع ولغة غلبتها العامية
بوركت

يحيى البحاري
15-03-2015, 09:52 AM
للبخيت بخت عند الجاهلين في كل زمان ومكان
قصة برسالة نبيلة وسرد ماتع ولغة غلبتها العامية
بوركت
شكرا أستاذة خلود لهذا الكرم الفياض
تحياتي