المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أريده على شكل امرأة...



محمد الشرادي
28-01-2013, 08:02 PM
أريده على شكل امرأة أو بندقية



كانت طلائع الظلام تزحف على ما تبقى من فلول ضوء النهار، فبدت كتنين عملاق يبتلع بيضة عظيمة، و كنت جالسا في جوف بيتي القصديري السقف، بيتي الذي يجاور الخواء، و يطل من خلال نوافذه على صمت سميك. كل الأصوات التي تجرؤ على اختراقه تتناهى إلى سمعي عواء ذئاب ساغبة تتأهب لملاحقة طريدة شريدة.في إحدى الزوايا المسكونة بالألم...و الكآبة ، تنتصب شمعة تحاول عبثا محو العتمة التي تتساقط داخل البيت كسفا داجية تشذر ضوءها الباهت إلى بقع متنائية، فيتحول الليل إلى ضيف ثقيل، و وحش مرعب يقتات على وجع قلبي... يلتهم ما تبقى فيه من أقراص نور، ثم يبصقها نقطا سوداء في كل أعماقي. من السقف تتدلى عناكب سوداء في استعراض بهلواني مستفز، بينما أخرى تتراكض على الجدران...تمعن النظر في وجهي المتعب...تتهامس فيما بينها كأنها تدبر مكيدة ما. في الخارج جدجد يثقب طبلة أذني بصوته الحاد، المتواصل. و خفاش يرتطم بزجاج النافذة مصرا على أن يلفت انتباهي إلى وجهه الذميم.
كنت جالسا أتأملني،و عيون الليل الداجي تراقبني، و مستنقع الصمت يغمرني كليا، و من ثنايا الظلام تتناسل أحزاني موجا قاتما يجرف آخر جزر السعادة في قلبي.
كم أنا ضئيل و تافه في عمق هذا الخواء السحيق، الذي يقذفني في أحراش عزلة لامتناهية؟ وكم هو بارد،موحش،و مُعَادٍ هذا البيت اللعين. أأحرقه و أصعد الثلة.. أتفرج عليه و أقرأ أشعار هوميروس في إحراق طروادة؟

يا إلهي الرحيم..
أنا عبدك الضعيف الذي طوحت به،فتلقفه هذا الخواء.
افرغ علي صبرا أستعين به على آلام وحدتي.
و امنحني إقداما يحررني من هذا الخوف الذي يسكن دواخلي.
و اجعل لي آية أهتدي بها في وحشة هذا التيه.

بعد هذا الابتهال، غمرني شعور بالراحة. لكنه لم يكن سوى إحساس مؤقت، فالمتوحد يعيش الصراع الأبدي بين ذاته،و نفسه. كلما أطفأ نار الحرب بينهما أشعلت فتيلها الذات. كلما صب الماء على جذوة الجدال العنيف أطلقت شرارته النفس. من أعماقي المغمورة بالصمت، و الظلام، يأتيني صوت جارح كالسهام:

- لن تنفعك ابتهالاتك مهما عظمت.العزلة مسخ من كائن اجتماعي إلى جرد لا يتقن إلا العيش في السراديب و الأنفاق. و حبائلها ستخنقك، و تشل فيك كل وظائف الحياة،فتصير كتلة لحم نخرة.اقرأ ما شئت من هذه الكتب،الملعونة منها،أو المباركة، التي يرضى عنها أسيادك من سدنة الفكر، أو التي لا يرضون عنها. كل هذا لن يجديك نفعا، حتى مذياعك هذا الذي لم تشغله لأسابيع، لن يشعرك بالأنس أبدا.

هبت علي نسائمها. زارني طيفها. آه لو كانت معي! لتألقت بسمتها المشبعة بالبياض، و فتحت لي بابا مضيئة في جدار الظلام السميك، و أنقذت رغبتي في الضحك من الانقراض. لداعب صوتها المخملي أوتار قلبي...لضمتني إلى صدرها و دفأت جسدي المقرور...لملأت علي الدنيا و بددت وحشتي. لا أمان إلا عند شواطئها الدافئة. كيف السبيل إلى سواحلها المضمخة بعطر جسدها، و بحار من الصمت،و السواد تمنع وصالنا؟
ترددت في استعمال المذياع خوفا من أن يزيدني عذابا على عذاباتي المزمنة.و مع ذلك لم أستطع أن أقاوم الفكرة.فجاءني صوت المذيعة ثقيلا كالرصاص:
- إسرائيل تقصف غزة بكل أسلحة الموت، و القادة العرب يختلفون عن تاريخ و مكان القمة لـ ...؟
خبر ولد في أعماقي شعورا، هو خليط من الرغبة في الضحك الممزوج بالعويل، و طرح الأسئلة:
- كيف لهؤلاء الأقزام الذين تحركهم أياد معروفة من الخلف كعرائس بئيسة، كيف لهم أن يفيدوا الشعب...؟بعضهم قادته الصدف إلى سدة الحكم، و بعضهم ورثة بائسون لكيانات منهوكة، و مرهونة لغير شعوبها...ورثوا معها جنون نيرون، و سيف الحجاج... يستوزرون وزراء يتبارون في رفع أسوار المعتقلات... يتفانون في نصب المقاصل.
حاصرتني أجواء البيت الكئيبة...ضغطت على أعصابي بشدة بالغة..لم أعد أتحمل الجلوس في جوفه الدامس، في انتظار نهار مل بياضه و تدثر بالسواد، ليتنكر لسنة التعاقب...ترجلت...وقفت بالباب...رفعت عيني إلى السماء.كان القمر هناك في كبدها متعبا...أمعنت فيه النظر...همست:
- أنا لا أحبه هكذا مكورا...أريده على شكل امرأة أو بندقية.

براءة الجودي
28-01-2013, 10:55 PM
هو أن يكون إمَّا على شكل امرأة تريحك وتخفف عنك ماتعاني وتساندك أو على شكل بندقية ليكون لك الزاد الثاني مع تدفق إيمانك لمحاربة المغتصبين

كانت طلائع الظلام تزحف على ما تبقى من فلول ضوء النهار، فبدت كتنين عملاق يبتلع بيضة عظيمة،
أعجبني هذا الوصف الجميل جدا , حيث أنك شبهت أول ظهور الليل بطليعة الجيش الذي يزحف للقضاء على ماتبقى من بقايا النور
وأوردت تشبيها ثاني لهذا الظلام حيث جعلته كتنين يلتهم البيضة وهي النور جمعت تشبيهين في واحد والتشبيه الثاني بالذات أراه مبتكرا


كنت جالسا أتأملني،و عيون الليل الداجي تراقبني، و مستنقع الصمت يغمرني كليا، و من ثنايا الظلام تتناسل أحزاني موجا قاتما يجرف آخر جزر السعادة في قلبي.
كم أنا ضئيل و تافه في عمق هذا الخواء السحيق، الذي يقذفني في أحراش عزلة لامتناهية؟ وكم هو بارد،موحش،و مُعَادٍ هذا البيت اللعين. أأحرقه و أصعد الثلة.. أتفرج عليه و أقرأ أشعار هوميروس في إحراق طروادة؟
أغوص في قراءة ماتقتنصه من ألفاظ أنيقة وتعبر بها بوصفٍ حالم هادئ شاعريّ , كقولك هنا ( وعيون الليل الداجي تراقبني ) لديك حسٌّ موسيقي وذوقٌ رفيع
بعضهم قد يصفُ جيدا لكن إحساسه في الوصف يحتاج إلى تضاعف , لكنك تكتب وتصف بإحساسٍ مكثف وهذا ماأفضله

الأستاذ محمد ..
لستُ بحاجة لأن أطيل الثناء على ماتكتب لأنَّك مدرسةٌ للإبداع
تقديري

كاملة بدارنه
29-01-2013, 12:03 AM
- أنا لا أحبه هكذا مكورا...أريده على شكل امرأة أو بندقية.
اللّطافة والقوّة ( الحركة) تغلّبا على الجمال السّاكن والوحدة
نهاية لصالح اجتماعيّة الإنسان، وليس الاعتزال والوحدة
قصّة حوت الكثير من الجمال والأوصاف الرّائعة لعرض الصّراع الدّائر في خلد الفرد والمجموع
بوركت
تقديري وتحيّتي

محمد الشرادي
29-01-2013, 03:33 AM
هو أن يكون إمَّا على شكل امرأة تريحك وتخفف عنك ماتعاني وتساندك أو على شكل بندقية ليكون لك الزاد الثاني مع تدفق إيمانك لمحاربة المغتصبين

أعجبني هذا الوصف الجميل جدا , حيث أنك شبهت أول ظهور الليل بطليعة الجيش الذي يزحف للقضاء على ماتبقى من بقايا النور
وأوردت تشبيها ثاني لهذا الظلام حيث جعلته كتنين يلتهم البيضة وهي النور جمعت تشبيهين في واحد والتشبيه الثاني بالذات أراه مبتكرا


أغوص في قراءة ماتقتنصه من ألفاظ أنيقة وتعبر بها بوصفٍ حالم هادئ شاعريّ , كقولك هنا ( وعيون الليل الداجي تراقبني ) لديك حسٌّ موسيقي وذوقٌ رفيع
بعضهم قد يصفُ جيدا لكن إحساسه في الوصف يحتاج إلى تضاعف , لكنك تكتب وتصف بإحساسٍ مكثف وهذا ماأفضله

الأستاذ محمد ..
لستُ بحاجة لأن أطيل الثناء على ماتكتب لأنَّك مدرسةٌ للإبداع
تقديري

أخت براءة

حق لهذه القصيصة ان تسعد بهذا المرور العبق بطيب الكلم الجميل.
أسعد دائما بمرورك المحفز.
ابقي بالقرب أختي براءة

عبد السلام دغمش
29-01-2013, 04:06 AM
أخي محمد الشرادي
هي تناقضات يعيشها ولكنه لا يحتملها..يقرر في النهاية أن ينفصل عن واقعه الأليم ليرى أن ما يتمناه بعيد المنال فكيف للقمر أن يكون امرأة أو بندقية؟
قصتك حوت صوراً و تعابير جميلة..لكن ما هو "الجدجد" الذي يثقب طبلة الاذن؟
لك مني وافر التحية أديبنا الكبير

ناديه محمد الجابي
29-01-2013, 04:29 AM
ياآلهى .. ما هذا الجمال .. وما هذة الروعة
وما هذة التعبيرات , وهذة التراكيب اللغوية
وصورها البيانية الجميلة ..
أدهشتنى قصتك .. أدهشتنى موسيقاها العذبة
ومفرادتها الغنية بنسق شعرى, وبالوصف الدقيق
المرسوم بمهارة وحرفية .
تحية لك بحجم روعة قلمك .

محمد الشرادي
29-01-2013, 05:50 AM
اللّطافة والقوّة ( الحركة) تغلّبا على الجمال السّاكن والوحدة
نهاية لصالح اجتماعيّة الإنسان، وليس الاعتزال والوحدة
قصّة حوت الكثير من الجمال والأوصاف الرّائعة لعرض الصّراع الدّائر في خلد الفرد والمجموع
بوركت
تقديري وتحيّتي

أهلا أختي

أشكرك على هذا المرور الذي أضاء النص.
تحياتي

حارس كامل
29-01-2013, 05:55 AM
اخي محمد الشرادي
يعجبني اسلوبك الشعري ...تذكرت قصة قصيرة جميلة ل محمد الفخراني "دموع علي جدران القلب ".
هل وصل مصطلح الفلول الي المغرب
دمت متألقا مبدعا ساحر الكلمات

محمد الشرادي
29-01-2013, 05:56 AM
أخي محمد الشرادي
هي تناقضات يعيشها ولكنه لا يحتملها..يقرر في النهاية أن ينفصل عن واقعه الأليم ليرى أن ما يتمناه بعيد المنال فكيف للقمر أن يكون امرأة أو بندقية؟
قصتك حوت صوراً و تعابير جميلة..لكن ما هو "الجدجد" الذي يثقب طبلة الاذن؟
لك مني وافر التحية أديبنا الكبير

أخ دغمش

الجدجد هو حشرة صغيرة تنشط ليلا و تحدث صريرا حادا و تسمى أيضا صرار الليل.
تحياتي

محمد الشرادي
30-01-2013, 10:29 PM
ياآلهى .. ما هذا الجمال .. وما هذة الروعة
وما هذة التعبيرات , وهذة التراكيب اللغوية
وصورها البيانية الجميلة ..
أدهشتنى قصتك .. أدهشتنى موسيقاها العذبة
ومفرادتها الغنية بنسق شعرى, وبالوصف الدقيق
المرسوم بمهارة وحرفية .
تحية لك بحجم روعة قلمك .

أهلا اختي ناديه
و أنا احيك اختي من كل قلبي، و أشكرك على مرورك المستمر على ما اكتب.
تحياتي

محمد الشرادي
31-01-2013, 07:35 PM
اخي محمد الشرادي
يعجبني اسلوبك الشعري ...تذكرت قصة قصيرة جميلة ل محمد الفخراني "دموع علي جدران القلب ".
هل وصل مصطلح الفلول الي المغرب
دمت متألقا مبدعا ساحر الكلمات

أهلا أخي حارس

أشكرك اخي على مرورك الجميل
تحياتي

عبد السلام هلالي
31-01-2013, 11:21 PM
امرأة أو بندقية ،
وكلاهما سند في عمرة الوحشة و طغيان الليل.
من بين ميزات هذا النص الكثيرة استوقفتني لغته الأنيقة المختارة بعناية و الموظفة بذكاء لتؤسس في حد ذاتها فضاءا جماليا حتى بمعزل عن سيرورة القصة و بنائها. لغة مقتدرة كانت سندا في تقديم "مونولوغ"
يرحل بنا إلى تفاصيل اللحظة و أغوار الشخصية. و الصراع النفسي المحتدم داخل بطلنا خلق دينامية و حركية ملموسة .
تحيتي و تقديري لقلمك المبدع و فكرك الوارفأخي محمد.

سامية الحربي
01-02-2013, 03:26 PM
.كان القمر هناك في كبدها متعبا...أمعنت فيه النظر...همست:
- أنا لا أحبه هكذا مكورا...أريده على شكل امرأة أو بندقية.[/RIGHT]

توصيف رائع لساعة عزلة ربما ضاق بها صاحبها رغم منحها إياه القدرة على تحسس مكامن الحياة حتى في أكثر الأشياء مبعثُا للملل والضجر أو أن يحيل القمر لإمرأة رمزاً للحياة أو بندقية رمزاً للحرب . لغة ماتعة و سبك جميل . خالص تقديري.

محمد الشرادي
04-02-2013, 03:25 AM
امرأة أو بندقية ،
وكلاهما سند في عمرة الوحشة و طغيان الليل.
من بين ميزات هذا النص الكثيرة استوقفتني لغته الأنيقة المختارة بعناية و الموظفة بذكاء لتؤسس في حد ذاتها فضاءا جماليا حتى بمعزل عن سيرورة القصة و بنائها. لغة مقتدرة كانت سندا في تقديم "مونولوغ"
يرحل بنا إلى تفاصيل اللحظة و أغوار الشخصية. و الصراع النفسي المحتدم داخل بطلنا خلق دينامية و حركية ملموسة .
تحيتي و تقديري لقلمك المبدع و فكرك الوارفأخي محمد.

نعم أخي عبد السلام

المرأة للوحدة و البندقية لفلسطين.
شكرا لمرورك الجميل.
تحياتي

لانا عبد الستار
10-04-2013, 07:53 PM
هذا السرد القصصي الرائع جعلني أتقمص البطل وأعيش معاناته
وبهدوء دخل الحديث السياسي ليقول الكاتب أن كل مكونات الصورة حتى البعيدة جدا تحتاج تحطيما
رائع لا تكفي
أشكرك

محمد الشرادي
17-04-2013, 01:10 PM
توصيف رائع لساعة عزلة ربما ضاق بها صاحبها رغم منحها إياه القدرة على تحسس مكامن الحياة حتى في أكثر الأشياء مبعثُا للملل والضجر أو أن يحيل القمر لإمرأة رمزاً للحياة أو بندقية رمزاً للحرب . لغة ماتعة و سبك جميل . خالص تقديري.


أهلا اختي غصن

أشكرك على مرورك المحفز دائما.
العزلة قتل للإنسان.
تحياتي

ربيحة الرفاعي
07-05-2013, 10:22 PM
كيف لهؤلاء الأقزام الذين تحركهم أياد معروفة من الخلف كعرائس بئيسة، كيف لهم أن يفيدوا الشعب...؟بعضهم قادته الصدف إلى سدة الحكم، و بعضهم ورثة بائسون لكيانات منهوكة، و مرهونة لغير شعوبها...ورثوا معها جنون نيرون، و سيف الحجاج... يستوزرون وزراء يتبارون في رفع أسوار المعتقلات... يتفانون في نصب المقاصل.
كان القمر هناك في كبدها متعبا...أمعنت فيه النظر...همست: - أنا لا أحبه هكذا مكورا...أريده على شكل امرأة أو بندقية
أكتفي باقتباس التساؤل والحلم المناضل
وأصفق لقصة تألقت حروفها بشاعرية التعبير وروعة الوصف لتحمل القارئ إلى حيث أراد القاص بمهارة قصّة وسرد مشوق

دمت أديبنا بألق

تحاياي

نداء غريب صبري
30-05-2013, 11:43 PM
أنت قاص رائع أخي محمد الشرادي
وسردك مميز وممتع فيه الخيال وفيه الرمز وفيه الواقعية

قصة رائعة أعجبتني جدا

شكرا لك

بوركت

محمد الشرادي
06-06-2013, 11:38 PM
هذا السرد القصصي الرائع جعلني أتقمص البطل وأعيش معاناته
وبهدوء دخل الحديث السياسي ليقول الكاتب أن كل مكونات الصورة حتى البعيدة جدا تحتاج تحطيما
رائع لا تكفي
أشكرك

أهلا أختي لانا
العزلة بكل محيطها الجغرافي و البشري قاسية لا بد من كسر قيودها.
مودتي أختي

محمد الشرادي
06-06-2013, 11:39 PM
أكتفي باقتباس التساؤل والحلم المناضل
وأصفق لقصة تألقت حروفها بشاعرية التعبير وروعة الوصف لتحمل القارئ إلى حيث أراد القاص بمهارة قصّة وسرد مشوق

دمت أديبنا بألق

تحاياي

أهلا أختي ربيحة
أشكرك على مواكبة ما أكتب.
دمت بألف خير.