مشاهدة النسخة كاملة : مع طرفة العبد في تمرّده
د عثمان قدري مكانسي
30-01-2013, 04:34 AM
مع طرفة العبد في تمرّده:
الدكتور عثمان قدري مكانسي
يصرُخ طرفة بن العبد بوجه من يقف أمام رغباته وينكر عليه أن يمارس ما يريد دون رقيب أوزاجر:
ألا أيها الزاجري أحضُرَ الوغى وأن أشهد اللذات : هل أنت مُخلِدي؟!
فإن كنتَ لا تسطيعُ دفعَ منيّتي فدعني أبادرْها بما ملكت يدي
وأسمع تحديه يملأ الصحراء ، وأراه متوتر الأعصاب يرفع قبضته في وجه ناصحه متحدياً ، ولعله يراه – من وجهة نظره – رجلاً يفرض وصايته عليه ويحد من تعطشه لممارسة حريته في اختيار طريقة حياته ، ولعلنا نتذكر أن طرفة قـُتِل في ربيع الشباب ، ولمّا يتجاوز السادسة والعشرين من عمره ، شأنه شأن الشباب الذين يرون في أنفسهم القدرة الخلاّقة والرأي السديد.
يعتقد أن الموت حق، وأن ماله بداية له نهاية ، وهومثلنا في نظرته لهذه النهاية غير المرئية :
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
إلا أنه يستبق الموت بسبب من عقيدته المادية بطريقة انتهاب اللذات والعبّ منها دون هوادة ، ولعله يذكرني برجل ستينيّ يدخل على صديقي الطبيب النفسي يخبره أنه حين رأى نفسه يجتاز عتبة الشيخوخة ولمّا يشبع نهمه من لذات الحياة خاض (بحر النساء) يرشف كل ليلة رحيق وردة منهنّ ويتنشّق عبيرها ويغوص في أمواجها إلى أن غرق في دوّامتهنّ وأصابه أمراض الاتصال غير الموزون وأدرانها ، هذا الستيني يعيش في جاهلية القرن الحادي والعشرين ، فلا عتب ولا عجب ان نرى طرفة بن العبد قبل ستة عشر قرناً يقع في بحر اللذات نفسه ، فهما يضربان في مستنقع واحد ، بيد أن طرفة لا ينسى حبه للقتال وشرف مقارعة الأبطال، فللوغى لذة لا تعدلها لذة ، ولا يموت المرء إلا في أجله المحتد ، ألم يعلنها سيف الله على الملإ حين قال قولته المشهورة ( لقد خضت زهاء ثمانين معركة وما في جسمي شبرإلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وها أنا اليوم أموت على فراشي كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء) حقاً فلا نامت أعين الجبناء.
إلاأن الفرق بين عقيدة خالد ومن على دربه وعقيدة طرفة ومن على شاكلته كبير كبير، فخالد يقاتل لمبدأ عظيم يجد في الدفاع عنه لذة آنيّة تدفعه لبذل روحه في سبيله وثواباً عظيماً يناله حين يلقى ربه شهيداً في سبيله ، أما طرفة فهو يسابق الموت قبل أن تفنى اللذات فيفقدها بانتهاء الأجل ، وشتان ما بين الهدفين .
وعلى الرغم مما اكتنف طرفةَ بن العبد من مفاهيم دنيوية آنيّة أجده حرّ النفس كريمها ، يكره العيش في الزوايا المنسية ، ويأبى أن يكون رقماً مهملاً في حياة تتجنب المغامرة لتحفظ على حياة صاحبها أماناً موصوماً بما تأباه النفس الحرة.
حين يعلم المرء أن الحذر لا ينجي من القدر ويتخذ من ( المنية ولا الدنية ) شعاراً يعمل من خلاله يجد الحياة الحقة في ظلال السيوف . ويرى الجهاد سبيله إلى العزة والكرامة في الدارين ..
مصطفى حمزة
30-01-2013, 06:34 PM
مع طرفة العبد في تمرّده:
الدكتور عثمان قدري مكانسي
يصرُخ طرفة بن العبد بوجه من يقف أمام رغباته وينكر عليه أن يمارس ما يريد دون رقيب أوزاجر:
ألا أيها الزاجري أحضُرَ الوغى وأن أشهد اللذات : هل أنت مُخلِدي؟!
فإن كنتَ لا تسطيعُ دفعَ منيّتي فدعني أبادرْها بما ملكت يدي
وأسمع تحديه يملأ الصحراء ، وأراه متوتر الأعصاب يرفع قبضته في وجه ناصحه متحدياً ، ولعله يراه – من وجهة نظره – رجلاً يفرض وصايته عليه ويحد من تعطشه لممارسة حريته في اختيار طريقة حياته ، ولعلنا نتذكر أن طرفة قـُتِل في ربيع الشباب ، ولمّا يتجاوز السادسة والعشرين من عمره ، شأنه شأن الشباب الذين يرون في أنفسهم القدرة الخلاّقة والرأي السديد.
يعتقد أن الموت حق، وأن ماله بداية له نهاية ، وهومثلنا في نظرته لهذه النهاية غير المرئية :
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
إلا أنه يستبق الموت بسبب من عقيدته المادية بطريقة انتهاب اللذات والعبّ منها دون هوادة ، ولعله يذكرني برجل ستينيّ يدخل على صديقي الطبيب النفسي يخبره أنه حين رأى نفسه يجتاز عتبة الشيخوخة ولمّا يشبع نهمه من لذات الحياة خاض (بحر النساء) يرشف كل ليلة رحيق وردة منهنّ ويتنشّق عبيرها ويغوص في أمواجها إلى أن غرق في دوّامتهنّ وأصابه أمراض الاتصال غير الموزون وأدرانها ، هذا الستيني يعيش في جاهلية القرن الحادي والعشرين ، فلا عتب ولا عجب ان نرى طرفة بن العبد قبل ستة عشر قرناً يقع في بحر اللذات نفسه ، فهما يضربان في مستنقع واحد ، بيد أن طرفة لا ينسى حبه للقتال وشرف مقارعة الأبطال، فللوغى لذة لا تعدلها لذة ، ولا يموت المرء إلا في أجله المحتد ، ألم يعلنها سيف الله على الملإ حين قال قولته المشهورة ( لقد خضت زهاء ثمانين معركة وما في جسمي شبرإلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وها أنا اليوم أموت على فراشي كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء) حقاً فلا نامت أعين الجبناء.
إلاأن الفرق بين عقيدة خالد ومن على دربه وعقيدة طرفة ومن على شاكلته كبير كبير، فخالد يقاتل لمبدأ عظيم يجد في الدفاع عنه لذة آنيّة تدفعه لبذل روحه في سبيله وثواباً عظيماً يناله حين يلقى ربه شهيداً في سبيله ، أما طرفة فهو يسابق الموت قبل أن تفنى اللذات فيفقدها بانتهاء الأجل ، وشتان ما بين الهدفين .
وعلى الرغم مما اكتنف طرفةَ بن العبد من مفاهيم دنيوية آنيّة أجده حرّ النفس كريمها ، يكره العيش في الزوايا المنسية ، ويأبى أن يكون رقماً مهملاً في حياة تتجنب المغامرة لتحفظ على حياة صاحبها أماناً موصوماً بما تأباه النفس الحرة.
حين يعلم المرء أن الحذر لا ينجي من القدر ويتخذ من ( المنية ولا الدنية ) شعاراً يعمل من خلاله يجد الحياة الحقة في ظلال السيوف . ويرى الجهاد سبيله إلى العزة والكرامة في الدارين ..
أخي الأكرم الدكتور عثمان
أسعد الله اوقاتك
خاطرة أدبيّة طريفة جعلت من التضمين الثقافي ( سيرة طرفة بن العبد الجاهليّة ) خيوطاً من نسيجها وحبكتها في تقديم الفكرة .
أرى أنّ مكان النص في قسم ( النثر الأدبيّ ) وكنت أودّ لو أن في الواحة قسماً خاصّاً بالخاطرة كنوع أدبيّ خاصّ ، تنضوي تحته
الخواطر بكلّ مواضيعها : الأدبيّة ، والعلميّة ، والتاريخيّة ... الخ ...
- ألا أيها الزاجري أحضُرَ الوغى = ألا أيهذا الزاجري أحضُرَ الوغى
تحياتي وتقديري
محمد الصالح منصوري
30-01-2013, 08:16 PM
هكذا هم الشباب الذين أخذوا على حين غرة في عزّ حيويتهم تسابقوا مع الموت فبصموا حياتهم القصيرة وسطروا نفائس حكمهم وأشعارهم
كصاحبنا طرفة وكالشابي
شكرا دكتور على أن تفسحت بنا هنا
تقديري واحترامي
لانا عبد الستار
21-02-2013, 04:03 PM
خاطرة طلبت زادها من أعماق التاريخ والأدب
فجأءت بروعة طرفة بن العبد وقوته
أشكرك
سامية الحربي
22-02-2013, 01:49 AM
إذا كان طرفة بن العبد رغم نظرته وعقيدته المادية و شبابه الوارف يخوض بحر اللذات لكنه يأبى إلا أن يختم نهاياته و آثاره بما يخلده فما عذر من شاب مفرقه و قد ولد على الفطرة والوحدانية لكنه لا يتوانى عن تدنيس محطاته الأخيرة ؟! الدكتور الفاضل عثمان مكانسي بوركت و رسائلك التربوية النيرة.تحيتي وتقديري.
كاملة بدارنه
23-02-2013, 01:39 AM
حين يعلم المرء أن الحذر لا ينجي من القدر ويتخذ من ( المنية ولا الدنية ) شعاراً يعمل من خلاله يجد الحياة الحقة في ظلال السيوف . ويرى الجهاد سبيله إلى العزة والكرامة في الدارين ..
رأي سديد ...
شكرا على ما تفضّلت به دكتور عثمان
بوركت
تقديري وتحيّتي
زهراء المقدسية
23-02-2013, 05:45 AM
وشتان بين غلام قتيل غرق في لذته وبين عجوز أهلكته لذته
حرف خيّر يسوق العبرة لمن أراد أن يعتبر
جزاك الله خيرا دكتور عثمان
فاطمه عبد القادر
23-02-2013, 10:31 AM
وعلى الرغم مما اكتنف طرفةَ بن العبد من مفاهيم دنيوية آنيّة أجده حرّ النفس كريمها ، يكره العيش في الزوايا المنسية ، ويأبى أن يكون رقماً مهملاً في حياة تتجنب المغامرة لتحفظ على حياة صاحبها أماناً موصوماً بما تأباه النفس الحرة
السلام عليكم
ما أحلى أن يعيش الإنسان حياته مناضلا من أجل مبدأ يؤمن به
وما أحلى أن يكون هذا المبدأ مبنيا على المحبة في الله ولله
فأن الورع في الجهاد المستمر ,وليس في العيش أمنا في الزوايا المنسية
والجهاد ليس في ساحات الوغى والحرب كما سنفهم فقط ,لكنه في كل مجالات الحياة,, كالعلم مثلا
ولكن ,خير للمرئ أن يكون رقما منسيا ,,من أن يقلد الجهاد تقليدا, دون مبدأ يؤمن به, فيتسبب بالأذى لغيره
شكرا لك أخي
جميل هذا النص ورائع
ماسة
ربيحة الرفاعي
01-04-2013, 12:52 AM
نموذج منتقى بنهارة عارف لشاب من قرن كان الإباء شيمتهم والشمم ديدنهم
ومثل طرفة بظني - والله أعلم به- لو أدرك الاسلام لما مات على غيره
خاطرة رائعة وطرح بعيد المرامي
دمت بألق أديبنا
تحاياي
د عثمان قدري مكانسي
01-04-2013, 01:11 PM
يسرني - إخوتي الاكارم - ان وقفتم على صورة من حياة الجاهلية القديمة ، تتبعها صورة من الجاهلية الحديثة .....
وصورة لرجالنا الذين عرفواالمعنى الحقيقي للحياة ، فأناروا جنباتها بنور الحق والإيمان ............
لكم خالص تحياتي القلبية ... مع طاقة عبقة من ورد الأنوار المعرفية
نداء غريب صبري
04-07-2013, 03:16 PM
مقالة جميلة وضعتنا في مقارنة بين جاهلية ما قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهلية اليوم
شكرا لك اخي
بوركت
د عثمان قدري مكانسي
04-07-2013, 10:15 PM
سلمت أختي الأستاذة نداء
نرى الجاهلية الحديثة أشد لؤماً وأكثر سقوطاً
خليل حلاوجي
04-07-2013, 10:59 PM
أستاذنا الفاضل ... موضوع شائق يستفز الذهنية العربية لتناول معضلة فكرية طالما أرقت مضجعي :
هل اللغة تصنع الفكر ؟ أم العكس ؟
هذا الشاعر نطق بما استدعته لحظته التي عاشها ضمن محيط اجتماعي محدد يؤطر ثقافته آنذاك ..
ما الذي يتغير ؟ اللغة أم الثقافة ؟
بالغ تقديري .
د عثمان قدري مكانسي
05-07-2013, 07:53 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي الفاضل الأستاذ خليل
ذكرتني بقولهم : هل البيضة أصل الدجاجة أو الدجاجة أصل البيضة ؟
اللغة وعاء الفكر ، فكلاهما وجدا معاً ، وإن كان الفكر ابتداء موجوداً بوجود الإنسان ،ويجود الفكر بقدر ما تستطيع التعبير عنه
ولغتنا العربية التي نزل بها القرآن الكريم وصلت النضج قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بمئات السنين ، والشعر العربي شاهد بذلك .
ترى طرفة في معلقته نيّر الفكر قوي بنيان اللغة منسّق المعاني ،قادراً على بسط الفكرة بأسلوب يدل على عميق ثقافته.
وترى المعلقات وغيرها كذلك ، كما ترى جمال الفكرة وروعة البيان في مفضليات الضبّي وأصمعيات عبد الملك
حتى إن الفاروق رضي الله عنه قال : الشعر ديوان العرب ( تاريخهم وادبهم وحضارتهم)
واستطاعت اللغة العربية احتواء القرآن الكريم معانيَ وأفكاراً .
لا أستطيع أن أفرق - في الهدف والتفكير والمشاعر - بين طرفة وشاب في القرن الواحد والعشرين فكلاهما الإنسان في الإحساس والفكر والمشاعر.
لك حبي وخالص تحياتي
فاتن دراوشة
01-08-2013, 07:44 AM
ما أحوجنا لشباب حرّ ناهض العزيمة والهمم
يأبى الخنوع والخضوع ولا يقبل في الله لومة لائم
ما بين طرفة وخالد كان هنا للحرف وقفة عزّ وشموخ
تستنهض الهمم في قلوب شبابنا ونفوسهم
فليتها تؤدّي ما كتبت لأجله
بورك حرفك السّامي مبدعنا
مودّتي
د عثمان قدري مكانسي
10-08-2013, 08:47 PM
حتى العربي الأصيل صار عملة نادرة يا أخت فاتن
وأقصد به غير المسلم ممن يملك حس العروبة الأصيلة كالمطعم بن عدي
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir