محمد الشرادي
06-02-2013, 05:57 AM
عندما يعبق الزقاق برائحة المسك، يدرك الجميع أن برسيفونيه عائدة من عملها،لتملأ المكان بهجة و بهاء.تجحظ أعين التجار في جوف دكاكينهم، و الصناع في رحم ورشاتهم، و رواد المقاهي الدين يحتلون قارعة الشيطان،تنتصب أعينهم على طول الطريق آلات تصوير ترصد تضاريس الجسم الندي لنجلاء في أدق تفاصيله، و تتماهى مع حركاته التي تقطر لذة و شهوة.ثم يرخون العنان لمخيلاتهم و لألسنتهم ... لينعتوها بأسماء كل ربات الجمال... و لأن الجبة التي تتناغم مع روعة أردافها، تكشف عن ساقين رشيقتين صافيتين كالملح،أجمع معظم – شيوخ النظر – على أنها بلقيس و هي تدخل صرح سليمان.
صابر زوج نجلاء، اشتهر لدى عامة الناس بالتواضع، و دماثة الأخلاق، حتى أن نجلاء لا تكف عن تذكيره بأنها تحبه حتى الموت، لكنها تهيم أكثر بروحه النقية الصافية.كلما عبر صابر الزقاق كانت عيناه تنظران إلى الأرض، كمن يبحث عن شيء مفقود، و لا يرفع رأسه إلا لأداء تحية، أو رد سلام. سكان الحي يحسون نحوه بشعور غامض، هو مزيج من التبجيل، و الحسد،لأنه الوحيد من بين كل الرجال في المدينة برمتها يستطيع أن يقول "أنا أتزوج امرأة حقيقية"
رغم الجمال الذي ينضح به جسم نجلاء. يبدو أن عطبا ما يسكن هذه الفتنة المتحركة. حين تمر أمامك تبدو مهزوزة الدواخل، و لا تتمتع بأي ثقة في النفس. و تعلو وجهها كآبة مزمنة. تتحاشى ما استطاعت نظرات الناس، و الاختلاط بهم حتى لا يجرح كبرياءها كلام طائش. تزعزع في قلبها الإيمان بأنوثتها. مرات عديدة وقفت أمام المرآة عارية، لترى نفسها خارج نفسها، و عندما تتيقن من بهائها، تتساءل: - كيف لهذا الجسد الذي يفيض جمالا، أن يكون عاجزا على أن يهب الحياة؟ تبادرها المرأة في المرآة قائلة:
- لست خجولة حين أصارحك بحقيقتك،أنت مجرد وهم... بيداء قاحلة، طاووس لا يليق إلا للزينة.أنت خيمة بدون أوتاد، سرعان ما ستطوح بك رياح الرغبة الدفينة في أعماق صابر. و في أحسن الأحوال ستكونين الخيمة الثانية،بعد خيمة جديدة تعرف كيف تصنع أوتادها. و زوجك لا يريد أيقونة من رخام أبيض،بل يريد أرضا خصبة يحرثها فتنبت الزرع.
تلفح خدودها المتوردة دموع مالحة حارة، لتجهش بعد ذلك ببكاء مر...ثم ما تلبث أن تستجمع قواها، و على المرآة تقبل عينيها المليحتين،سلاح الدمار الشامل في هذا الكيان الباهر.نظرة واحدة منهما في اتجاه صابر تجعله ينهار كليا، و يخر على ركبتيه أمامها،و يقبل يديها الناعمتين.
يعذبها تحمل صابر. يداري رغبته بلباقته المعهودة، ويتفانى في حبها حتى لا يشعرها بأي شيء. لكن هيهات أن تخفى على عينين باهرتين تلك المعاناة الخرساء. تربت في أعماقها عقدة ذنب اتجاهه. جعلتها مدمنة على العلاج ، لعل المعجزة تحدت ، و تسعد زوجها المثالي.
كل الأطباء الذين زارتهم نجلاء لعلها تجد لديهم ما يفرج كربتها، و بعد فحوصات عديدة، و بكل الآلات الحديثة،و في كل المستشفيات الراقية،لا يفتؤون يرددون على مسامعها الكلام نفسه:
- لن تستطيعي ذلك... الأمر مستحيل...حكمة الله في خلقه...عليك تقبل الأمر الواقع.
في كل مرة تقذف بنفسها خارج عياداتهم الموحشة،و هي تردد"كذب الأطباء ...."
ذات مساء ربيعي ، وهي في وكر من أوكار الشعوذة،تجلس أمام "شوافتها" المفضلة،التي شجعتها على التشبث بجذوة الأمل، مهما كانت باهتة... جعلتها تعتقد أن هذا الجسد الإلهي، لا يمكن أن يكون قفرا.إنه بركان نائم ليس إلا،عاجلا أو آجلا ستتحرك بأحشائه حمم عاطفة الأمومة، وتنفجر في فناء البيت ذرية.و لأن وصفاتها السحرية المليئة بالعقاقير العجيبة لا بد أن تؤتي أكلها،سيما و أن "الشوافة" جربتها- أو هكذا أوهمتها - مع نساء كثيرات، و أعطت نتائج مضمونة.
في ذلك اليوم الربيعي،و بعد أيام طويلة من العلاج، أمرتها لأول مرة أن تخلع ملابسها كاملة، و تتمدد على سرير البركة!!إنه يوم التشخيص النهائي، و إعلان النتائج. بعد همهمات، وغمغمات،و تراتيل غير مفهومة، و أبخرة غمرت الغرفة بروائحها، ودخانها،أطلقت زغرودة قوية.ربتت على كتف نجلاء...هنأتها بتحقق حلمها.لم تصدق ما سمعته...لبست ملابسها بسرعة...وانطلقت كالسهم في اتجاه منزلها...لم تشعر كيف عبرت الزقاق، و لا كيف أصبحت في فناء البيت، وجها لوجه مع صابر.بدون مقدمات أخبرته بالحدث الهام في حياتهما. انهار على الأريكة ...صبت عليه ماء باردا...استفاق من غيبوبته...عانقها عناقا قويا...لأول مرة تحس بدفء عناقه...و ضعت خدها على خده و انخرطا في بكاء طويل...امتزجت دموعهما حتى تبللت ثيابهما.
وقفت أمام صابر... ماذا تفعل؟ أترقص؟ أتغني؟ أتزغرد؟أتفتح النافذ و تصيح بأعلى صوتها لتخبر
العالم بحملها؟ لا تدري...أمعنت النظر في زوجها ثانية...انقضت عليه...ضمته إلى صدرها...لأول مرة تحس بحرارة جسده. كان دائما تجده مقرورا كجرم جفته الشمس و الحرارة.وضعت رأسها على كتفه:
- ياه يا صابر كنت أحس بك تداري دموعك! كم عذبتني بنظراتك الحزينة!
تمنيت مرات لو أن ميدوسا أعارتك عينيها،و حولتني إلى تمثال من صخر فأرتاح و تستريح.
يقبلها صابر من أرنبة أنفها الشامخة، و يهتف:
- ليتك يا نجلاء كنت قادرة على التحول إلى صابر حتى تقفي بنفسك على مقدار حبي لك. أطفال الدنيا الذين يعيشون الآن و الذين ماتوا و الذي سيخلقون على مر السنين لا يساوون عندي شعرة في مفرق رأسك. تكفيني قبلة من ثغرك الريان...تكفيني بسمة...نظرة... فأكون لك زوجا ...أخا...و عبدا طول العمر.
استبدت بصابر رغبة جامحة في الخروج. صار في الزقاق، رأسه مرفوع ينظر إلى وجوه، لأول مرة، يمعن النظر في قسماتها. يوزع التحيات، والابتسامات على الجميع بسخاء كبير.صبيان الحي كفراشات خرجت للتو من شرنقاتها تحف به...تهنئه، و يرمي لها بحبات الحلوى التي يخرجها من جيبه.
أرادت نجلاء أن تتفرج على زوجها و هو يتلقى التهاني.مدت يدها لتفتح النافذة...سقطت من سريرها...ارتطمت مع الأرض بقوة. أنعشت السقطة دماغها. تذكرت أن صابر مسافر إلى العاصمة منذ أسبوع لإحضار التحليلات،و الفحوصات الطبية التي أجرتها،و لم تكن لها الجرأة الكافية للذهاب في طلبها.أغلقت النافذة،و هي تردد:
- ليت صابرا يأتني بخبر يثلج صدري.
نعم أنا السارد أتمنى من كل قلبي أن يأتيها خبر يثلج صدرها، و يسعد صابر ذلك الرجل الصابر حقا.
صابر زوج نجلاء، اشتهر لدى عامة الناس بالتواضع، و دماثة الأخلاق، حتى أن نجلاء لا تكف عن تذكيره بأنها تحبه حتى الموت، لكنها تهيم أكثر بروحه النقية الصافية.كلما عبر صابر الزقاق كانت عيناه تنظران إلى الأرض، كمن يبحث عن شيء مفقود، و لا يرفع رأسه إلا لأداء تحية، أو رد سلام. سكان الحي يحسون نحوه بشعور غامض، هو مزيج من التبجيل، و الحسد،لأنه الوحيد من بين كل الرجال في المدينة برمتها يستطيع أن يقول "أنا أتزوج امرأة حقيقية"
رغم الجمال الذي ينضح به جسم نجلاء. يبدو أن عطبا ما يسكن هذه الفتنة المتحركة. حين تمر أمامك تبدو مهزوزة الدواخل، و لا تتمتع بأي ثقة في النفس. و تعلو وجهها كآبة مزمنة. تتحاشى ما استطاعت نظرات الناس، و الاختلاط بهم حتى لا يجرح كبرياءها كلام طائش. تزعزع في قلبها الإيمان بأنوثتها. مرات عديدة وقفت أمام المرآة عارية، لترى نفسها خارج نفسها، و عندما تتيقن من بهائها، تتساءل: - كيف لهذا الجسد الذي يفيض جمالا، أن يكون عاجزا على أن يهب الحياة؟ تبادرها المرأة في المرآة قائلة:
- لست خجولة حين أصارحك بحقيقتك،أنت مجرد وهم... بيداء قاحلة، طاووس لا يليق إلا للزينة.أنت خيمة بدون أوتاد، سرعان ما ستطوح بك رياح الرغبة الدفينة في أعماق صابر. و في أحسن الأحوال ستكونين الخيمة الثانية،بعد خيمة جديدة تعرف كيف تصنع أوتادها. و زوجك لا يريد أيقونة من رخام أبيض،بل يريد أرضا خصبة يحرثها فتنبت الزرع.
تلفح خدودها المتوردة دموع مالحة حارة، لتجهش بعد ذلك ببكاء مر...ثم ما تلبث أن تستجمع قواها، و على المرآة تقبل عينيها المليحتين،سلاح الدمار الشامل في هذا الكيان الباهر.نظرة واحدة منهما في اتجاه صابر تجعله ينهار كليا، و يخر على ركبتيه أمامها،و يقبل يديها الناعمتين.
يعذبها تحمل صابر. يداري رغبته بلباقته المعهودة، ويتفانى في حبها حتى لا يشعرها بأي شيء. لكن هيهات أن تخفى على عينين باهرتين تلك المعاناة الخرساء. تربت في أعماقها عقدة ذنب اتجاهه. جعلتها مدمنة على العلاج ، لعل المعجزة تحدت ، و تسعد زوجها المثالي.
كل الأطباء الذين زارتهم نجلاء لعلها تجد لديهم ما يفرج كربتها، و بعد فحوصات عديدة، و بكل الآلات الحديثة،و في كل المستشفيات الراقية،لا يفتؤون يرددون على مسامعها الكلام نفسه:
- لن تستطيعي ذلك... الأمر مستحيل...حكمة الله في خلقه...عليك تقبل الأمر الواقع.
في كل مرة تقذف بنفسها خارج عياداتهم الموحشة،و هي تردد"كذب الأطباء ...."
ذات مساء ربيعي ، وهي في وكر من أوكار الشعوذة،تجلس أمام "شوافتها" المفضلة،التي شجعتها على التشبث بجذوة الأمل، مهما كانت باهتة... جعلتها تعتقد أن هذا الجسد الإلهي، لا يمكن أن يكون قفرا.إنه بركان نائم ليس إلا،عاجلا أو آجلا ستتحرك بأحشائه حمم عاطفة الأمومة، وتنفجر في فناء البيت ذرية.و لأن وصفاتها السحرية المليئة بالعقاقير العجيبة لا بد أن تؤتي أكلها،سيما و أن "الشوافة" جربتها- أو هكذا أوهمتها - مع نساء كثيرات، و أعطت نتائج مضمونة.
في ذلك اليوم الربيعي،و بعد أيام طويلة من العلاج، أمرتها لأول مرة أن تخلع ملابسها كاملة، و تتمدد على سرير البركة!!إنه يوم التشخيص النهائي، و إعلان النتائج. بعد همهمات، وغمغمات،و تراتيل غير مفهومة، و أبخرة غمرت الغرفة بروائحها، ودخانها،أطلقت زغرودة قوية.ربتت على كتف نجلاء...هنأتها بتحقق حلمها.لم تصدق ما سمعته...لبست ملابسها بسرعة...وانطلقت كالسهم في اتجاه منزلها...لم تشعر كيف عبرت الزقاق، و لا كيف أصبحت في فناء البيت، وجها لوجه مع صابر.بدون مقدمات أخبرته بالحدث الهام في حياتهما. انهار على الأريكة ...صبت عليه ماء باردا...استفاق من غيبوبته...عانقها عناقا قويا...لأول مرة تحس بدفء عناقه...و ضعت خدها على خده و انخرطا في بكاء طويل...امتزجت دموعهما حتى تبللت ثيابهما.
وقفت أمام صابر... ماذا تفعل؟ أترقص؟ أتغني؟ أتزغرد؟أتفتح النافذ و تصيح بأعلى صوتها لتخبر
العالم بحملها؟ لا تدري...أمعنت النظر في زوجها ثانية...انقضت عليه...ضمته إلى صدرها...لأول مرة تحس بحرارة جسده. كان دائما تجده مقرورا كجرم جفته الشمس و الحرارة.وضعت رأسها على كتفه:
- ياه يا صابر كنت أحس بك تداري دموعك! كم عذبتني بنظراتك الحزينة!
تمنيت مرات لو أن ميدوسا أعارتك عينيها،و حولتني إلى تمثال من صخر فأرتاح و تستريح.
يقبلها صابر من أرنبة أنفها الشامخة، و يهتف:
- ليتك يا نجلاء كنت قادرة على التحول إلى صابر حتى تقفي بنفسك على مقدار حبي لك. أطفال الدنيا الذين يعيشون الآن و الذين ماتوا و الذي سيخلقون على مر السنين لا يساوون عندي شعرة في مفرق رأسك. تكفيني قبلة من ثغرك الريان...تكفيني بسمة...نظرة... فأكون لك زوجا ...أخا...و عبدا طول العمر.
استبدت بصابر رغبة جامحة في الخروج. صار في الزقاق، رأسه مرفوع ينظر إلى وجوه، لأول مرة، يمعن النظر في قسماتها. يوزع التحيات، والابتسامات على الجميع بسخاء كبير.صبيان الحي كفراشات خرجت للتو من شرنقاتها تحف به...تهنئه، و يرمي لها بحبات الحلوى التي يخرجها من جيبه.
أرادت نجلاء أن تتفرج على زوجها و هو يتلقى التهاني.مدت يدها لتفتح النافذة...سقطت من سريرها...ارتطمت مع الأرض بقوة. أنعشت السقطة دماغها. تذكرت أن صابر مسافر إلى العاصمة منذ أسبوع لإحضار التحليلات،و الفحوصات الطبية التي أجرتها،و لم تكن لها الجرأة الكافية للذهاب في طلبها.أغلقت النافذة،و هي تردد:
- ليت صابرا يأتني بخبر يثلج صدري.
نعم أنا السارد أتمنى من كل قلبي أن يأتيها خبر يثلج صدرها، و يسعد صابر ذلك الرجل الصابر حقا.