المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لن أتركك تركب القطار وحيدا



حارس كامل
09-02-2013, 04:42 AM
أوراق من قريتي البائسة
الورقة الأولي
لن أتركك تركب القطار وحيدا
أراد أن لا يحيا وحيدا ؛ فقرر ركوب القطار.
صخب المنزل المنزوي في نهاية القرية بالفرحة الكبرى ، ولأن الفرحة لا تكتمل إلا بفرحة صديقه فكان الفرح فرحين .
جلسا سويا لساعات طويلة ينسقان ملفيهما بعناية واهتمام حتى تكون كلية الطب نصيبهما معا وفي جامعة واحدة .
صخبت القرية فرحا فسيصبح لها بدل الطبيب طبيبين بعد أن ضنت عليهم الجامعات طويلا .
*****
ركبا قطار السابعة مساء مسافرين إلي كلية الطب بالقصر العيني .
قررا أن لا يفترقا فجمعتهما مدينة جامعية واحدة وحجرة واحدة . تشاركا السهر والعذاب والآلام والتفوق والنجاح .
كبرت أحلاهما فاتفقا علي أن يختار كل منهما قسما مختلفا ليخدمان قريتهما كل في قسمه .
تعانقت سعادتهما ولم يفترقا طيلة خمس سنوات ، فكانت تحسدهما أعين الناس وتجمعهما فرحة الأهلين .
*****
يقولون :" تنبت النيران من مستصغر الشرر "، ويقولون أيضا :"يفعلها الصغار ويقع فيها الكبار ". هكذا بدأت الشرارة بطفلين يركلان الكرة فيتشاجران ، وكلمة من هنا وكلمة من هناك ، وشيطان ينتظر ويوسوس ، ويتحول الشجار إلي معركة عنيفة بين عائلتين يسقط فيها القتيل مضرجا بدمائه عملا بالأعراف والتقاليد .
هرب القاتل وأولاده وتركوا القرية ملفحة بالسواد والأحزان وغربان تنعق بالخراب وتبحث عن مقتول.
ولولت الزوجة وصرخت علي زوجها ، وهنيهات لملمت أحزانها وجمعت أولادها دون طبيب المستقبل ، ونظرت إليهم في حدة مقررة :
- الغالي ثمنه غال .
التزم الأبناء الصمت ، فأضافت :
- سنأخذ ثأره من أفضل ما فيهم .
اكتسي المنزل بالظلام ،وفغرت أفواه الأبناء حيرة ، وتابعت الأم محذرة :
- إياكم أن تخبروا أخاكم .
ونادت الأم طبيب المستقبل ، وقالت له مهددة :
- إما أنا أو صديقك .
دهش الطبيب ، فحاول إقناعها بأنه جزء منه ، وأنه مجرد ابن عم من درجة بعيدة للقاتل ، فقاطعته الأم و أحدت له نظرها ، وقالت بلهجة قاطعة :
- انتهي الكلام.
شعر طبيب المستقبل بطعنة تنغرس في قلبه، وأن ثمة أمر ما يحاك خلف ظهره ، فسأل إخوته فأجابوه بإجابات غامضة .
سافر طبيب المستقبل ونيران تشتعل في صدره، وقلق مجهول تجاه صديقه .
وبلا إرادة و تحت إلحاح الأم وخشية غضبها ابتعد عن صديقه وأحزان الفراق تلفه وتقتله.

*****
جاء الخبر من عين مراقبة قبل تحرك القطار :
- انتظروه عند الثامنة مساء .
أطلق القطار صافرته تأهبا لمغادرة رصيف محطة مصر .ركب الصديق ولحق به صديقه ،فنظر إليه مليا وسأله مندهشا :
- لماذا جئت ؟!
فأجابه بحب جارف :
- لن أتركك تركب القطار وحيدا .
عاتبه قائلا :
- ولكنك تركتني وحيدا .
نظر إلي أديم عربة القطار خجلا ، وقال معتذرا :
- إنها أمي .
زادت حيرته ، وسأله ثانية :
- وماذا فعلت لأمك ؟!
فأدمعت عيناه ، وقال :
- أمي ضحية لعادات رثة وتقاليد بالية ،وسأطلب منها العفو والغفران فهي تحبك كما تعلم.
ساد الصمت بينهما قليلا ، ثم تعانقا طويلا ، وذرفت دموعهما فامتزجت بآهات الراكبين.
جلسا وتبادلا الذكريات الجميلة حتى أطلق القطار صافرته إيذانا بالوصول .
*****
تسلل ذئب في الظلام ، واختبئ خلف أستار من الأشجار ، وراقب ضحيته باهتمام بالغ وبلا قلب أو عقل أو ضمير .كان الطريق المؤدي إلي القرية مظلما سوي من لمبة واحدة تقف علي عمود إنارة ، وترسل أنوارها الخافتة علي استحياء .
انتظر الذئب نزول الضحية وأطلق رصاصاته الوحشية بلا وعي .تهادي إليها سقوط الشبح مكفنا في بنطاله وقميصه ، غير أن الشبح كان شبحين ، فأطلق الذئب عواء مذعورا.
اختلطت الدماء الطاهرة بالدماء الطاهرة ، وبعين زائغة نظر الصديق إلي صديقه المسجي جواره ، وبحب جارف أطلق أنته الأخيرة :
- ألم اقل لك لن أتركك تركب القطار وحيدا !!!


تحياتي
حارس كامل يوسف الصغير

حارس كامل
09-02-2013, 04:42 AM
النص معدلا
بناء على رغبة الكاتب
كنت قد طرحت النص هنا سابقا بصياغة أخري، ونظرا لأني قمت بإعادة صياغتة، ولعدم وجود إمكانية التعديل، قمت بطرحه بصياغته الجديدة.


لن أتركك تركب القطار وحيدا(صياغة معدلة)===============
لم تكن مجرد رسالة تحوي كلمات قليلة. كانت رسالة بحجم بحر يحوي بين ضفتيه أحلام قرية. كانت رسالة بعدد كلمات كتب مكتبته التي ظل سنوات يقرأها، وعشق كل كلمة فيها، ثم أودعها في عقلي الشابين. رسالة أعادت له الحياة والثقة في نفسه بعد أن فقدها، بعد أن رماه اليأس بعيدا كقذيفة، وجعله يترنح حتى الموت. رسالة جعلت حلمه الكبير ينبض قلبه من جديد.. حلم في أن يرى هذه القرية الكالح وجهها، الموشوم بالكآبة والحرمان والغضب والقهر كوجه امرأة فقدت كل ابنائها وزوجها في لحظة واحدة، إلى وجه آخر ترتسم ملامحه بالسعادة والفرح.
كاد كل ما بناه وشيده طيلة أعوام بعمر هذين الشابين أن يضيع. أعادت له تلك الرسالة الأمل مرة أخرى.
جاءته الرسالة مباغتة كومضة حلم. لم يصدقها. عاود قراءتها مرة ومرات على جهازه المحمول:
- "انتظرنا في ذات المكان عند الساعة الثامنة مساء".
لم ينتظر.. ذهب إلى هناك، وجلس قبل الميعاد بأربع ساعات، في ذات المكانوانتظرهما، فوق الأريكة، تحت الشجرة الوارفة الظلال عند أول القرية ناحية محطة القطار.. ذاك المكان الشاهد على كل شيء بناه معهما، على كلمة زرعها في رأسيهما.. جلس،ولكنه لم يجلس.. بل حلق عاليا في سماء زرقاء صافية.. حلق بأحلامه بعيدا إلى حيث كانا كزهرتين نبتتا وترعرعتا أمام عينيه، وسط صحراء قاحلة. سقاهما بماء حبه، وغذاهما بكل كلمة قرأها وحواها رأسه، وحرص عليهما ليل نهار حتى أصبحا شابين يافعين.
إبراهيم وعلي.
ولداه اللذان لم ينجبهما،
كبرا لحظة بعد لحظة، وفي كل لحظة كان حاضرا معهما.. في فرحهما.. في حزنهما.. في آلامهما.. في كل شيء .لا يخطوان خطوة واحدة إلا ويأتيان إليه، وسعادة تطل من عينيهما ليستشيراه:
- ما رأيك يا أبا الأحباب.
هكذا لقبوه في القرية: أبو الأحباب.
اعترافا منهم بحبه للقرية وكل مافيها، يعشق كل ذرة من ترابها، يود لو أن يراها كأعظم مدينة في العالم.
وأحيانا أخرى كانوا ينادونه بأبي المعارف.
قال أحدهم عليه ذات يوم: يضع كل كتب مكتبته في رأسه.
وكم كانت فرحته بهما كبيرة باتساع بحر، حينما جاءاه بالخبر:
- نجحنا ..لم يلتفت أو يبتسم إلا بعد أن قالا:
- وبمجموع كلية الطب!
- ياه.. أخيرا!
شهق بها، نطقها قلبه، قبل أن تضع حروفها على لسانه. ذرفت من عينيّه الدموع بغزارة.. لم يستطع إيقاف جريانها.. تركها؛ لتروي جفاف هذه القرية البائسة، التي طالما بخلت بأكثر من الشهادة الثانوية الصناعية أو الزراعية.
أخذهما في حضنه. طار معهما في الأحلام والأمنيات السعيدة. حلقوا عاليا وطافوا عبر الأزمنة والأمكنة.
انتشى بفرحة كفرحة أم عاد إليها وحيدها بعد فقد الأمل في عودته. فرحة كفرحة قرية تزينت، وتبهرجت، ودوت في أجواء سمائها طلقات النيران إحتفاء .فرحة عرفها في كل الوجوه المتعبة، التي كان يقابلها في الحقول الذابلة، العطشى لمثل هذه الفرحة.
سهر معهما لليلتين، لينسقوا الملفين بعناية واهتمام رجاء في أن تكون الكلية واحدة.
كأن أبواب السماء كانت مفتوحة لدعوته بعد صلاة الفجر. جاء الخبر بالتحاقهما بكلية طب القصر العيني.قال منتشيا:
- هل يمكن أن تأتي هكذا الأفراح تباعا؟!
هل باتت تتدفق علي كتدفق ماء نهر عذب؟!
رغم ذلك، كان يراوده قلق مبهم يطرده بسرعة حتى لا يستقر قي قلبه وعقله! وهو يردد مع نفسه:
- لم لا؟ وهل أصبحت الفرحة عزيزة علينا في هذه القرية؟
كان يوم سفرهما بمثابة خروج الروح من جسده.قال لهما:
- أشعر بأن روحي ستسافر معكما.
لمعت الدموع في عيونهما،وقالا:
- فراقك صعب يا أبا الأحباب!
رد عليهما:
- فراقكما أصعب! ولكن عزائي أن تبقيا معا، لا يفرقكما شيء، ولا يباعد بينكما أي سبب.
ضحكا، وقال علي:
- لن يفرقنا إلا الموت.
أوصاهما:
- حافظا على تفوقكما، ولا تغرقا في بحور أضواء العاصمة المتلألئة.
سافرا، وأرسلا رسالة له فور وصولهما:
- "سكنا في حجرة واحدة بالمدينة الجامعية."
لم يفترقا كما عاهداه، ظلا معا في كل مكان وزمان.
كان مدد أخبارهما لا ينقطع عنه للحظة واحدة، يظل يحادثهما لأكثر من ساعة يوميا، وقلبه ينز ألما لبعدهما عنه.
مضت ست سنوات كلحظة خاطفة، ونجاحهما ينمو ويكبر مع كبر أحلامهما.
كان كل شيء في القرية يمضي هادئا هدوءا غير معتاد، كهدوء يسبق العاصفة.كغيمة صيف بيضاء في سماء صافية، سرعان ما يدكن لونها، ويعقبها برق ورعد يخشوه في القرية كخشية الموت.
أتاه الخبر بشجار طفلين من عائلتي علي وإبراهيم، أعقبه معركة دامية سقط فيها أبو علي مضرجا في دمائه.
أصبح كل شيء بعدها كبحر هائج، يتلاعب بسفينة، ويأبى أن لا يترك طوق نجاة لأحد فيها.
ولولت أم علي، وانتحبت طويلا.
ارتدت ثيابها السود، ثم جمعت أولادها دون علي. قالت بلهجة آمرة بعد هروب القاتل:
- أبوكم ثمنه غال.
نظروا إليها بقلق، وعيون مرتجفة.. بحزم قررت:
- سنأخذ أفضل من في عائلتهم.
رحلت العصافير بعيدا، وحلقت بدلا منها غربان أخذت تنعق وتنعق.
شعر علي بثمة أمر يحاك خلف الأبواب المغلقة. أخبر أبا الأحباب بالهمسات التي تدور من وراء ظهره.
استدرج أحد إخوته، فأخبره بقرار أمه. سقط عليه كسقوط كتلة لهب.
أسرع وارتمى في حضن أمه، وحاول إثناءها.. توسل إليها. كانت كفورة بركان في قمة جبل.نهرته وحذرته.خيرته بين أمرين كلاهما يذبحه:
- إما أنا أو هو.
وإياك أن تخبر أحد.. حتى أبي الأحباب، وإلا خسرتني حتى الموت!
أصبح بعدها كطائر ذبيح يتقلب من الألم .قال له أبو الأحباب:
- أشعر بأنك لأول مرة في حياتك تخفي عني شيئا.
لم يجبه. سافر، وافترق عن إبراهيم دون إبداء أية أسباب. حاول معه إبراهيم دون فائدة.
هاتف إبراهيم أبا الأحباب، وقال:
- لا أعرف لما فارقني.
شعر أبو الأحباب بالحزن يتدافع إلى قلبه كموج بحر، جعله كالرهينة بين يديه يتلاعب به كيفما يشاء. حرك كل رواكد عقله، وهاتف يهمس في أذنه: " هل سقط علي في الشرك؟ وهدّ في لحظة واحدة كل ما بنيته معهما. هدّ أحلام قرية جديدة كنا ننتظرها.
تأكد بأن علي يخفي في صدره أمر ما، وقال لإبراهيم:
- أهدأ، واتركه حتى تنسيه الأيام، ففراق أبوه صعب.. سيعود إليك.. أبدا لن يستطيع فراقك.
مضت الأيام بعد ذلك علي أبي الأحباب مر طعم دورانها، ترزح كسنون رماح فوق صدره.. تدميه، وتتركه يبكي، ثم يلهج بعدها بالدعاء ليفرج كربهما، وكرب قرية بأكملها، ملت الشقاء والبكاء.
هاتفه إبراهيم ثانية، وأخبره بعودته، وقال له بحزن:
- لأول مرة منذ سفرنا سأعود وحيدا!
ركب القطار، وجلس في مقعده. أخذ يرنو إلى أديم القطار بألم ووجع.تلفت يمينا، فلم يجد جواره علي.
زاد ألمه ووجعه، ولاحت في عينيه دمعات .أغمض عينيه، وحاول أن ينام. بوغت بلمس أصابع فوق كتفه. ارتعد جسده، وفتح عينيه بهلع.تفاجأ بصديقه علي، فصرخ بصوت عال لفت انتباه كل ركاب العربة:
- علي!
أضاف:
- ما الذي جاء بك؟!
ارتمى علي في حضنه، وقال له بصوت يختلط بالبكاء:
- لن أتركك تركب القطار وحيدا!
قال إبراهيم:
- ولكنك تركتني وحيدا.
دفن علي رأسه في صدر إبراهيم، وقال معتذرا:
- سامحني!
دام عناقهما طويلا، ثم جلسا بعدها وتحدثا .لحظتها كان صراع عنيف يدور في عقل علي يدفعه إلى الجنون، تهمس أعماقه:
- "أخبره" " لا أخبره".
استقر أخيرا، وقص عليه كل ماجرى.
فغر فاه إبراهيم مندهشا، لايصدق ما سمع، قال صارخا:
- ما ذنبي أنا في قتل والدك! هو بمثابة أبي كما تعلم.
ظل السؤال عالقا بلا إجابة.
اتفق معه علي في أن يأخذه معه إلى أمه. قال له:
- هي تحبك كما تعلم، وتعتبرك مثلي تماما.. لا بد أن قلبها سيلين عندما تراك.
لم ينتظرا. بلهفة أرسلا رسالة إلى أبي الأحباب.قرأها أبو الأحباب، وهو غير مصدق لنفسه.
- "انتظرنا في ذات المكان عند الساعة الثامنة مساء ".
رقص قلبه من الفرحة. مضت الساعات عليه ببطيء شديد، وكأنها عقاربها تخشى الدوران. مضت الساعات حتى لاح له وجه القطار، وسمع صفارته.
تأهب بفرحة لاستقبالهما؛ لاستقبال الحلم الذي ولد من جديد
.لم يكن وحده في استقبالهما، كان هناك آخر ينتظر باهتمام. كان أخو علي.. ينتظر نزول إبراهيم.
تسلل كذئب في الظلام،و اختبأ بين الأشجار. انتظر نزوله بعيون مترقبة مفتوحة عن آخرهما. كانت المسافة قريبة، غير أن ضوء اللمبة المتهالك، أعاق الرؤية بوضوح. انتظر نزوله، ثم أطلق رصاصته بلا هوادة ودون انتظار بمجرد رؤية شبح جسده.
تراءى له سقوط مكفنا في قميصه وبنطاله. غير أن الشبح كان شبحين؛ فأطلق عواء مذعورا. لحظتها وقف أبو الأحباب مكانه، تسمر جسده، وعجز عن الحركة كتمثال. كانت عيناه علي قدر اتساعهما تنظران إلى الجسدين المسجيين أمامه وقد اختلطت دماؤهما. رأى علي يرنو إلى إبراهيم نظرة الوداع. سمعه ينطق كلماته الأخيرة، التي كانت يقينا في رأس أبي الأحباب الجامد قد هدمت كل الأحلام والأمنيات؛ لتبقي القرية ترفل في سوادها إلي أبعد نهاية. سمعه وقد أطلق أنته الأخيرة لصديقه:
- ألم أقل لك لن أتركك تركب القطار وحيدا!

ناديه محمد الجابي
09-02-2013, 05:31 AM
بالسرد الحكائى صور لنا الكاتب حياة القرية , أو صورة من صورها
تعكسها مرآة الفن فى قصة مؤثرة .. حيث ينبثق التخلف الحضارى من
بين السطور ليبرز عادات رثة , وتقاليد بالية فى مشكلة أزلية ( الثأر )

أبدعت ( حارس كامل ) فى نقلنا إلى عمق الحدث بلغة سهلةوبسرد دقيق .
أعجابى العميق .

عبد السلام هلالي
09-02-2013, 06:30 AM
قصة جميلة و مؤثرة عن صديقين جمعهما حب الطفولة و و فاء الكبار فدفعا حياتهما ثمن تقاليد و عادات دموية ما زالت رغم تراجعها تحصد الأرواح
.انسيابية في السرد و ترابط بين الأحداث ، بصمات السارد بدت واضحة في بعض المقاطع مما نتج عن بعض التقريرية و المباشرة :
|| يقولون :" تنبت النيران من مستصغر الشرر "، ويقولون أيضا :"يفعلها الصغار ويقع فيها الكبار ". هكذا بدأت الشرارة بطفلين يركلان الكرة فيتشاجران ، وكلمة من هنا وكلمة من هناك ، وشيطان ينتظر ويوسوس ، ويتحول الشجار إلي معركة عنيفة بين عائلتين يسقط فيها القتيل مضرجا بدمائه عملا بالأعراف والتقاليد .||
|| تسلل ذئب في الظلام ، انتظر الذئب نزول الضحية وأطلق رصاصاته الوحشية بلا وعي ||
ربما كان من الأنسب تفادي تكرار بعض الكلمات و تعويضها بأخرى تؤدي نفس المعنى : طبيب المستقبل - الذئب - الصديق
سقط النص في بعض الهنات اللغوية : ليخدمان = ليخدما - ما فيهم = من فيهم
أتمنى أن تتقبل مروري أخي حارس و مزيدا من الابداع إن شاء الله.

عبد السلام دغمش
09-02-2013, 11:57 AM
أخي حارس كامل
قصة جميلة مع أن خاتمتها كانت موجعة ..هي قصة صديقين جمعتهما الحياة حتى آخر لحظة و في نظري هذا محور القصة وليس الثأر
أعجبتني فاتحة القصة والتي أخذتنا مباشرة لجو القصة
تسلسل الأحداث و الأسلوب السلس يشدّ القارئ لنهاية الحدث
أثني على ما ذكره أخي عبد السلام هلالي في ما يخص الملاحظات اللغوية
تحياتي

حارس كامل
09-02-2013, 08:25 PM
بالسرد الحكائى صور لنا الكاتب حياة القرية , أو صورة من صورها
تعكسها مرآة الفن فى قصة مؤثرة .. حيث ينبثق التخلف الحضارى من
بين السطور ليبرز عادات رثة , وتقاليد بالية فى مشكلة أزلية ( الثأر )

أبدعت ( حارس كامل ) فى نقلنا إلى عمق الحدث بلغة سهلةوبسرد دقيق .
أعجابى العميق .

تحياتي اختي نادية محمد الجابي
وأشكر مرورك الكريم

حارس كامل
10-02-2013, 12:32 AM
أخي حارس كامل
قصة جميلة مع أن خاتمتها كانت موجعة ..هي قصة صديقين جمعتهما الحياة حتى آخر لحظة و في نظري هذا محور القصة وليس الثأر
أعجبتني فاتحة القصة والتي أخذتنا مباشرة لجو القصة
تسلسل الأحداث و الأسلوب السلس يشدّ القارئ لنهاية الحدث
أثني على ما ذكره أخي عبد السلام هلالي في ما يخص الملاحظات اللغوية
تحياتي

اشكر مرورك اخي الكريم
واشكر علي الثناء
تحياتي اخي عبدالسلام دغمش

حارس كامل
10-02-2013, 02:48 AM
قصة جميلة و مؤثرة عن صديقين جمعهما حب الطفولة و و فاء الكبار فدفعا حياتهما ثمن تقاليد و عادات دموية ما زالت رغم تراجعها تحصد الأرواح
.انسيابية في السرد و ترابط بين الأحداث ، بصمات السارد بدت واضحة في بعض المقاطع مما نتج عن بعض التقريرية و المباشرة :
|| يقولون :" تنبت النيران من مستصغر الشرر "، ويقولون أيضا :"يفعلها الصغار ويقع فيها الكبار ". هكذا بدأت الشرارة بطفلين يركلان الكرة فيتشاجران ، وكلمة من هنا وكلمة من هناك ، وشيطان ينتظر ويوسوس ، ويتحول الشجار إلي معركة عنيفة بين عائلتين يسقط فيها القتيل مضرجا بدمائه عملا بالأعراف والتقاليد .||
|| تسلل ذئب في الظلام ، انتظر الذئب نزول الضحية وأطلق رصاصاته الوحشية بلا وعي ||
ربما كان من الأنسب تفادي تكرار بعض الكلمات و تعويضها بأخرى تؤدي نفس المعنى : طبيب المستقبل - الذئب - الصديق
سقط النص في بعض الهنات اللغوية : ليخدمان = ليخدما - ما فيهم = من فيهم
أتمنى أن تتقبل مروري أخي حارس و مزيدا من الابداع إن شاء الله.

سررت بمرورك اخي عبدالسلام هلالي
اؤكد لك اخي اني حين اكتب يظل متملكا عقلي لأيام طوال ، واقوم فيه بالحذف والأضافة والأعتناء بأختيار الكلمات التي تكثف من النص ،وتتفادي الحشو ، وفي النهاية اجدني قد كتبت النص في اكثر من خمس عشرة محاولة ، حتي عندما اراجعه اراجعه بعقلي وليس بعيني ، حتي اني اسقط في هنات لغتحياتيوية بسيطة ،واقول لو راجعت النص عشرات المرات لن اكتشفها .
بالنسبة لجزء التقريرية حرصت قبل الرد ان اراجع قصصا للرائد يوسف ادريس ، وهو مااحرص علي الاقتداء بكتابته ،فوجدت انه استعان بكثير من الاقوال المأثورة التي يبني عليها تحليله للحدث دون ان يتدخل ويفرض رأيه علي القارئ ...فأنا من انصار أن النص ملك للقارئ وليس للكاتب ،وللقارئ ان يراه ويحلله ويقرأه كيفما يشاء.
شكرا علي عينك التي ارشدتني لما غاب عني ،وانتظر منك ومن الاخوة دوما نقدا يثري .

آمال المصري
11-03-2013, 05:40 PM
الأخذ بالثأر من العادات والتقاليد البالية التي مازال يتمسك بها بعض الفئات من صعيد مصر فيختارون أزكى الدماء لإراقتها مقابل فقيدهم
لايعترفون بالقضاء ولا يتقبلون العزاء حتى يتم الثأر
نص جميل بسردية مرفقة وحرف مكين
تمتلك أديبنا الرائع أدوات القص كاملة أنيقة
اختبأ - مراعاة الياء والألف اللينة
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

سمر أحمد محمد
11-03-2013, 06:09 PM
دفع حياتة ثمن للوفاء وحب الصديق

سلمت يمنيك سيدي

دمت بخير وسعادة

حارس كامل
11-03-2013, 08:10 PM
الأخذ بالثأر من العادات والتقاليد البالية التي مازال يتمسك بها بعض الفئات من صعيد مصر فيختارون أزكى الدماء لإراقتها مقابل فقيدهم
لايعترفون بالقضاء ولا يتقبلون العزاء حتى يتم الثأر
نص جميل بسردية مرفقة وحرف مكين
تمتلك أديبنا الرائع أدوات القص كاملة أنيقة
اختبأ - مراعاة الياء والألف اللينة
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

تسعدني كلماتك
الثأر ماأبشعه!
لا يمر يوم إلا وتدق أذني خبرا لهذه الأفة اللعينة.
أشكر ولوجك المحفز
تقبلي تحياتي

حارس كامل
12-03-2013, 10:43 AM
دفع حياتة ثمن للوفاء وحب الصديق

سلمت يمنيك سيدي

دمت بخير وسعادة

شكرا لمرورك اختي سمر

ربيحة الرفاعي
09-04-2013, 01:07 AM
فكرة لن تفقد ثقلها مهما عالجتها النصوص ما لم يتحرر الواقع من حضورها فيه، ونص كشف عن قدرات قصية ومهارة سردية واعدة بالكثير
أرى أن التكثيف يقودنا لعتبة غير تلك التي اختارها الكاتب لنص أزعم أنه حمل بدايتين، ولو بدأت عند قولك "ركبا قطار السابعة مساء مسافرين إلي كلية الطب بالقصر العيني" لما فقدت القصة شيئا، فكل ما تقدم مطروح ضمنا فيما يليهذه العتبة.

ولو تخففت من تقريرية الراوي في مقطع الشجار الذي أسقط القتيل مشعلا فتيل الثأر
ثم إن بين تسلل ذئب و تسلل كالذئب فارق إعلان رؤية القاص وموقفه من الحدث المحوري وسترهما ليصلا للمتلقي تلميحا لا تصريحا

قص جميل ونص ماتع هادف برسالة توعوية ما تزال بعض مجتمعاتنا في حاجة لتكرارها عليها طويلا

دمت أديبنا بألق

تحاياي

فاتن دراوشة
09-04-2013, 07:40 AM
قتلته أمّه بحقدها وبأفكارها البالية الهمجيّة التي لم ترث غيرها من خصال أهلها

أتعجّب كيف تتقدّم بنا الأيّام ويتطوّر كلّ ما في الأرض عدا عقول البشر

طرح رائع أخي

مودّتي

حارس كامل
09-04-2013, 08:45 PM
فكرة لن تفقد ثقلها مهما عالجتها النصوص ما لم يتحرر الواقع من حضورها فيه، ونص كشف عن قدرات قصية ومهارة سردية واعدة بالكثير
أرى أن التكثيف يقودنا لعتبة غير تلك التي اختارها الكاتب لنص أزعم أنه حمل بدايتين، ولو بدأت عند قولك "ركبا قطار السابعة مساء مسافرين إلي كلية الطب بالقصر العيني" لما فقدت القصة شيئا، فكل ما تقدم مطروح ضمنا فيما يليهذه العتبة.

ولو تخففت من تقريرية الراوي في مقطع الشجار الذي أسقط القتيل مشعلا فتيل الثأر
ثم إن بين تسلل ذئب و تسلل كالذئب فارق إعلان رؤية القاص وموقفه من الحدث المحوري وسترهما ليصلا للمتلقي تلميحا لا تصريحا

قص جميل ونص ماتع هادف برسالة توعوية ما تزال بعض مجتمعاتنا في حاجة لتكرارها عليها طويلا

دمت أديبنا بألق

تحاياي

اشكر مرورك استاذتنا ربيحة
بالنسبة للافتتاحية الاولي فأردت بها الجهل الذي يطغي علينا حتي اننا نقتل اجمل ما فينا حتي لو كانوا ليس لهم نظير.
اما بالنسبة للتقريرية في جزء الشجار فقمت بالرد عليه في مداخلة اخي عبدالسلام
اتفق معك في نقطة الذئب فالتلميح اوقع
يثريني النقد البناء الهادف
انتظر دوما مرورك ونقدك
تقبلي تحيتي
دمت بخير

حارس كامل
09-04-2013, 08:47 PM
قتلته أمّه بحقدها وبأفكارها البالية الهمجيّة التي لم ترث غيرها من خصال أهلها

أتعجّب كيف تتقدّم بنا الأيّام ويتطوّر كلّ ما في الأرض عدا عقول البشر

طرح رائع أخي

مودّتي

انه الجهل ياأختي..الجهل حتي لو كنا في اعلي الدرجات العلمية..
دمت بخير اختي
تقبلي تحيتي

نداء غريب صبري
29-04-2013, 02:38 AM
كنا نعترض على التأر الذي يجعل العائلات تتصارع
اليوم أصبح الثأر سنع حروبا أهلية

قصة رائعة أخي

شكرا لك

بوركت

كاملة بدارنه
29-04-2013, 07:06 PM
أحزنتني نهايتها جدّا...
سرد جاذب ونهاية مفاجئة
بوركت
تقديري وتحيّتي
( أحلامهما - لي - ليخدما - من فيهم - أمرا - واختبأ )

حارس كامل
07-06-2013, 08:03 PM
كنا نعترض على التأر الذي يجعل العائلات تتصارع
اليوم أصبح الثأر سنع حروبا أهلية

قصة رائعة أخي

شكرا لك

بوركت

الأستاذة القديرة نداء
الثأر هي المصيبة الكبري التي لا تبق و لاتذر
تحيتي وتقديري

حارس كامل
07-06-2013, 08:04 PM
أحزنتني نهايتها جدّا...
سرد جاذب ونهاية مفاجئة
بوركت
تقديري وتحيّتي
( أحلامهما - لي - ليخدما - من فيهم - أمرا - واختبأ )

الأستاذة القديرة كاملة
أشكرك علي قراءتك وتصويبك للنص
تحيتي وتقديري

لانا عبد الستار
02-08-2013, 02:23 AM
قصة رائعة ومؤثرة جدا
أشكرك

حارس كامل
18-10-2013, 12:35 AM
كنت قد طرحت النص هنا سابقا بصياغة أخري، ونظرا لأني قمت بإعادة صياغتة، ولعدم وجود إمكانية التعديل، قمت بطرحه بصياغته الجديدة.


لن أتركك تركب القطار وحيدا(صياغة معدلة)===============
لم تكن مجرد رسالة تحوي كلمات قليلة. كانت رسالة بحجم بحر يحوي بين ضفتيه أحلام قرية. كانت رسالة بعدد كلمات كتب مكتبته التي ظل سنوات يقرأها، وعشق كل كلمة فيها، ثم أودعها في عقلي الشابين. رسالة أعادت له الحياة والثقة في نفسه بعد أن فقدها، بعد أن رماه اليأس بعيدا كقذيفة، وجعله يترنح حتى الموت. رسالة جعلت حلمه الكبير ينبض قلبه من جديد.. حلم في أن يرى هذه القرية الكالح وجهها، الموشوم بالكآبة والحرمان والغضب والقهر كوجه امرأة فقدت كل ابنائها وزوجها في لحظة واحدة، إلى وجه آخر ترتسم ملامحه بالسعادة والفرح.
كاد كل ما بناه وشيده طيلة أعوام بعمر هذين الشابين أن يضيع. أعادت له تلك الرسالة الأمل مرة أخرى.
جاءته الرسالة مباغتة كومضة حلم. لم يصدقها. عاود قراءتها مرة ومرات على جهازه المحمول:
- "انتظرنا في ذات المكان عند الساعة الثامنة مساء".
لم ينتظر.. ذهب إلى هناك، وجلس قبل الميعاد بأربع ساعات، في ذات المكانوانتظرهما، فوق الأريكة، تحت الشجرة الوارفة الظلال عند أول القرية ناحية محطة القطار.. ذاك المكان الشاهد على كل شيء بناه معهما، على كلمة زرعها في رأسيهما.. جلس،ولكنه لم يجلس.. بل حلق عاليا في سماء زرقاء صافية.. حلق بأحلامه بعيدا إلى حيث كانا كزهرتين نبتتا وترعرعتا أمام عينيه، وسط صحراء قاحلة. سقاهما بماء حبه، وغذاهما بكل كلمة قرأها وحواها رأسه، وحرص عليهما ليل نهار حتى أصبحا شابين يافعين.
إبراهيم وعلي.
ولداه اللذان لم ينجبهما،
كبرا لحظة بعد لحظة، وفي كل لحظة كان حاضرا معهما.. في فرحهما.. في حزنهما.. في آلامهما.. في كل شيء .لا يخطوان خطوة واحدة إلا ويأتيان إليه، وسعادة تطل من عينيهما ليستشيراه:
- ما رأيك يا أبا الأحباب.
هكذا لقبوه في القرية: أبو الأحباب.
اعترافا منهم بحبه للقرية وكل مافيها، يعشق كل ذرة من ترابها، يود لو أن يراها كأعظم مدينة في العالم.
وأحيانا أخرى كانوا ينادونه بأبي المعارف.
قال أحدهم عليه ذات يوم: يضع كل كتب مكتبته في رأسه.
وكم كانت فرحته بهما كبيرة باتساع بحر، حينما جاءاه بالخبر:
- نجحنا ..لم يلتفت أو يبتسم إلا بعد أن قالا:
- وبمجموع كلية الطب!
- ياه.. أخيرا!
شهق بها، نطقها قلبه، قبل أن تضع حروفها على لسانه. ذرفت من عينيّه الدموع بغزارة.. لم يستطع إيقاف جريانها.. تركها؛ لتروي جفاف هذه القرية البائسة، التي طالما بخلت بأكثر من الشهادة الثانوية الصناعية أو الزراعية.
أخذهما في حضنه. طار معهما في الأحلام والأمنيات السعيدة. حلقوا عاليا وطافوا عبر الأزمنة والأمكنة.
انتشى بفرحة كفرحة أم عاد إليها وحيدها بعد فقد الأمل في عودته. فرحة كفرحة قرية تزينت، وتبهرجت، ودوت في أجواء سمائها طلقات النيران إحتفاء .فرحة عرفها في كل الوجوه المتعبة، التي كان يقابلها في الحقول الذابلة، العطشى لمثل هذه الفرحة.
سهر معهما لليلتين، لينسقوا الملفين بعناية واهتمام رجاء في أن تكون الكلية واحدة.
كأن أبواب السماء كانت مفتوحة لدعوته بعد صلاة الفجر. جاء الخبر بالتحاقهما بكلية طب القصر العيني.قال منتشيا:
- هل يمكن أن تأتي هكذا الأفراح تباعا؟!
هل باتت تتدفق علي كتدفق ماء نهر عذب؟!
رغم ذلك، كان يراوده قلق مبهم يطرده بسرعة حتى لا يستقر قي قلبه وعقله! وهو يردد مع نفسه:
- لم لا؟ وهل أصبحت الفرحة عزيزة علينا في هذه القرية؟
كان يوم سفرهما بمثابة خروج الروح من جسده.قال لهما:
- أشعر بأن روحي ستسافر معكما.
لمعت الدموع في عيونهما،وقالا:
- فراقك صعب يا أبا الأحباب!
رد عليهما:
- فراقكما أصعب! ولكن عزائي أن تبقيا معا، لا يفرقكما شيء، ولا يباعد بينكما أي سبب.
ضحكا، وقال علي:
- لن يفرقنا إلا الموت.
أوصاهما:
- حافظا على تفوقكما، ولا تغرقا في بحور أضواء العاصمة المتلألئة.
سافرا، وأرسلا رسالة له فور وصولهما:
- "سكنا في حجرة واحدة بالمدينة الجامعية."
لم يفترقا كما عاهداه، ظلا معا في كل مكان وزمان.
كان مدد أخبارهما لا ينقطع عنه للحظة واحدة، يظل يحادثهما لأكثر من ساعة يوميا، وقلبه ينز ألما لبعدهما عنه.
مضت ست سنوات كلحظة خاطفة، ونجاحهما ينمو ويكبر مع كبر أحلامهما.
كان كل شيء في القرية يمضي هادئا هدوءا غير معتاد، كهدوء يسبق العاصفة.كغيمة صيف بيضاء في سماء صافية، سرعان ما يدكن لونها، ويعقبها برق ورعد يخشوه في القرية كخشية الموت.
أتاه الخبر بشجار طفلين من عائلتي علي وإبراهيم، أعقبه معركة دامية سقط فيها أبو علي مضرجا في دمائه.
أصبح كل شيء بعدها كبحر هائج، يتلاعب بسفينة، ويأبى أن لا يترك طوق نجاة لأحد فيها.
ولولت أم علي، وانتحبت طويلا.
ارتدت ثيابها السود، ثم جمعت أولادها دون علي. قالت بلهجة آمرة بعد هروب القاتل:
- أبوكم ثمنه غال.
نظروا إليها بقلق، وعيون مرتجفة.. بحزم قررت:
- سنأخذ أفضل من في عائلتهم.
رحلت العصافير بعيدا، وحلقت بدلا منها غربان أخذت تنعق وتنعق.
شعر علي بثمة أمر يحاك خلف الأبواب المغلقة. أخبر أبا الأحباب بالهمسات التي تدور من وراء ظهره.
استدرج أحد إخوته، فأخبره بقرار أمه. سقط عليه كسقوط كتلة لهب.
أسرع وارتمى في حضن أمه، وحاول إثناءها.. توسل إليها. كانت كفورة بركان في قمة جبل.نهرته وحذرته.خيرته بين أمرين كلاهما يذبحه:
- إما أنا أو هو.
وإياك أن تخبر أحد.. حتى أبي الأحباب، وإلا خسرتني حتى الموت!
أصبح بعدها كطائر ذبيح يتقلب من الألم .قال له أبو الأحباب:
- أشعر بأنك لأول مرة في حياتك تخفي عني شيئا.
لم يجبه. سافر، وافترق عن إبراهيم دون إبداء أية أسباب. حاول معه إبراهيم دون فائدة.
هاتف إبراهيم أبا الأحباب، وقال:
- لا أعرف لما فارقني.
شعر أبو الأحباب بالحزن يتدافع إلى قلبه كموج بحر، جعله كالرهينة بين يديه يتلاعب به كيفما يشاء. حرك كل رواكد عقله، وهاتف يهمس في أذنه: " هل سقط علي في الشرك؟ وهدّ في لحظة واحدة كل ما بنيته معهما. هدّ أحلام قرية جديدة كنا ننتظرها.
تأكد بأن علي يخفي في صدره أمر ما، وقال لإبراهيم:
- أهدأ، واتركه حتى تنسيه الأيام، ففراق أبوه صعب.. سيعود إليك.. أبدا لن يستطيع فراقك.
مضت الأيام بعد ذلك علي أبي الأحباب مر طعم دورانها، ترزح كسنون رماح فوق صدره.. تدميه، وتتركه يبكي، ثم يلهج بعدها بالدعاء ليفرج كربهما، وكرب قرية بأكملها، ملت الشقاء والبكاء.
هاتفه إبراهيم ثانية، وأخبره بعودته، وقال له بحزن:
- لأول مرة منذ سفرنا سأعود وحيدا!
ركب القطار، وجلس في مقعده. أخذ يرنو إلى أديم القطار بألم ووجع.تلفت يمينا، فلم يجد جواره علي.
زاد ألمه ووجعه، ولاحت في عينيه دمعات .أغمض عينيه، وحاول أن ينام. بوغت بلمس أصابع فوق كتفه. ارتعد جسده، وفتح عينيه بهلع.تفاجأ بصديقه علي، فصرخ بصوت عال لفت انتباه كل ركاب العربة:
- علي!
أضاف:
- ما الذي جاء بك؟!
ارتمى علي في حضنه، وقال له بصوت يختلط بالبكاء:
- لن أتركك تركب القطار وحيدا!
قال إبراهيم:
- ولكنك تركتني وحيدا.
دفن علي رأسه في صدر إبراهيم، وقال معتذرا:
- سامحني!
دام عناقهما طويلا، ثم جلسا بعدها وتحدثا .لحظتها كان صراع عنيف يدور في عقل علي يدفعه إلى الجنون، تهمس أعماقه:
- "أخبره" " لا أخبره".
استقر أخيرا، وقص عليه كل ماجرى.
فغر فاه إبراهيم مندهشا، لايصدق ما سمع، قال صارخا:
- ما ذنبي أنا في قتل والدك! هو بمثابة أبي كما تعلم.
ظل السؤال عالقا بلا إجابة.
اتفق معه علي في أن يأخذه معه إلى أمه. قال له:
- هي تحبك كما تعلم، وتعتبرك مثلي تماما.. لا بد أن قلبها سيلين عندما تراك.
لم ينتظرا. بلهفة أرسلا رسالة إلى أبي الأحباب.قرأها أبو الأحباب، وهو غير مصدق لنفسه.
- "انتظرنا في ذات المكان عند الساعة الثامنة مساء ".
رقص قلبه من الفرحة. مضت الساعات عليه ببطيء شديد، وكأنها عقاربها تخشى الدوران. مضت الساعات حتى لاح له وجه القطار، وسمع صفارته.
تأهب بفرحة لاستقبالهما؛ لاستقبال الحلم الذي ولد من جديد
.لم يكن وحده في استقبالهما، كان هناك آخر ينتظر باهتمام. كان أخو علي.. ينتظر نزول إبراهيم.
تسلل كذئب في الظلام،و اختبأ بين الأشجار. انتظر نزوله بعيون مترقبة مفتوحة عن آخرهما. كانت المسافة قريبة، غير أن ضوء اللمبة المتهالك، أعاق الرؤية بوضوح. انتظر نزوله، ثم أطلق رصاصته بلا هوادة ودون انتظار بمجرد رؤية شبح جسده.
تراءى له سقوط مكفنا في قميصه وبنطاله. غير أن الشبح كان شبحين؛ فأطلق عواء مذعورا. لحظتها وقف أبو الأحباب مكانه، تسمر جسده، وعجز عن الحركة كتمثال. كانت عيناه علي قدر اتساعهما تنظران إلى الجسدين المسجيين أمامه وقد اختلطت دماؤهما. رأى علي يرنو إلى إبراهيم نظرة الوداع. سمعه ينطق كلماته الأخيرة، التي كانت يقينا في رأس أبي الأحباب الجامد قد هدمت كل الأحلام والأمنيات؛ لتبقي القرية ترفل في سوادها إلي أبعد نهاية. سمعه وقد أطلق أنته الأخيرة لصديقه:
- ألم أقل لك لن أتركك تركب القطار وحيدا!

د. محمد حسن السمان
18-10-2013, 02:49 AM
الأخ الفاضل الأديب القاص حارس كامل
قرأت لك قبل قليل نصا قصيا جميلا , جعلني أبحث عن عمل آخر لك , ووجدتني أمام هذا العمل القصي الموفق " لن أتركك تركب القطار وحيدا " , الذي يعالج مسالة اجتماعية مؤرقة , وهي قضية الثأر في المجتمعات الريفية , وأشعر بأن النص , استطاع أن يرسم الملامح المأساوية , من خلال تصوير خلجات العلاقات الانسانية والأخوية الحلوة , يقابلها حرقة الموروث المجتمعي البغيض , بحدية أخذ الثأر , والعمل موفق أدبيا , ويقدم رسالة ايجابية , ونصك يستحق الفراءة والإشادة .
تقبل تقديري وإعجابي

د. محمد حسن السمان

آمال المصري
19-10-2013, 02:52 AM
كان العمل هنا أكثر تكثيفا منه قبل التعديل
سرد ماتع ووصف موفق ونص يجبر المتلقي على المتابعة باهتمام
تناولت من خلاله قضية اجتماعية مازالت على الساحة في بعض المجتمعات التي لاتأخذ العزاء إلا بعد الأخذ بالثأر والتي لها أعرافها المتبعة وقوانينها المشرعة الخاصة
ماخلا النص من علاقات انسانية محببة وصراع بين الخير والشر وحمل القيم والمبادئ بأسلوب جميل
بوركا واليراع أديبنا الفاضل
تحاياي

حارس كامل
20-10-2013, 09:29 PM
الأخ الفاضل الأديب القاص حارس كامل
قرأت لك قبل قليل نصا قصيا جميلا , جعلني أبحث عن عمل آخر لك , ووجدتني أمام هذا العمل القصي الموفق " لن أتركك تركب القطار وحيدا " , الذي يعالج مسالة اجتماعية مؤرقة , وهي قضية الثأر في المجتمعات الريفية , وأشعر بأن النص , استطاع أن يرسم الملامح المأساوية , من خلال تصوير خلجات العلاقات الانسانية والأخوية الحلوة , يقابلها حرقة الموروث المجتمعي البغيض , بحدية أخذ الثأر , والعمل موفق أدبيا , ويقدم رسالة ايجابية , ونصك يستحق الفراءة والإشادة .
تقبل تقديري وإعجابي

د. محمد حسن السمان

أخي القدير د.محمد حسن السمان
ممتن جدا لقراءتك، ونقدك
أثريت نصي، وأثريتني بطيب ما كتبت..
ويسعدني دوما أن أراك بين نصوصي
تحيتي وتقديري

حارس كامل
22-10-2013, 11:27 PM
كان العمل هنا أكثر تكثيفا منه قبل التعديل
سرد ماتع ووصف موفق ونص يجبر المتلقي على المتابعة باهتمام
تناولت من خلاله قضية اجتماعية مازالت على الساحة في بعض المجتمعات التي لاتأخذ العزاء إلا بعد الأخذ بالثأر والتي لها أعرافها المتبعة وقوانينها المشرعة الخاصة
ماخلا النص من علاقات انسانية محببة وصراع بين الخير والشر وحمل القيم والمبادئ بأسلوب جميل
بوركا واليراع أديبنا الفاضل
تحاياي

القديرة/آمال المصري
أشكر علي قراءتك
ودائما تثرين نصوصي بها
تحيتي وتقديري

ربيحة الرفاعي
14-11-2013, 12:22 AM
تم من بعد إذنك دمج النصين وفقا للضوابط المعتمدة
وعمل نسخة من النص المعدل تالية مباشرة للنص الأول

دمت بخير

تحاياي

حارس كامل
14-11-2013, 04:49 PM
القديرة /ربيحة
أشكرك
هكذا أفضل
تحيتي وتقديري

خلود محمد جمعة
18-11-2013, 09:21 PM
قبل وبعد التعديل جميلة
ما أروع الوفاء
ما أروع الصداقة الحقيقية التي لا ينهي وجودها الا الموت
وما أصعب العادات البالية الهادمة
نص وسرد جميل
دمت بخير
مودتي وتقديري

حارس كامل
31-12-2013, 08:40 PM
قبل وبعد التعديل جميلة
ما أروع الوفاء
ما أروع الصداقة الحقيقية التي لا ينهي وجودها الا الموت
وما أصعب العادات البالية الهادمة
نص وسرد جميل
دمت بخير
مودتي وتقديري

القديرة/خلود
أشكرك
العادات البالية الهدامة ماأكثرها في هذه الأيام
تحيتي وتقديري