تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ضغط النهار



عماد بكّر الحضرمي
09-02-2013, 05:43 PM
وضعت رأسها بجانبه فأخذ يتحدث إليها عن يومه الطويل وهو يقلّب قنوات التلفاز ظهرا لبطن ، وعندما أحال النظر إليها كانت تغطُّ في نوم عميق . ابتسم في حنان وطبع قبلة حانية بين عينيها ،واستدار بجسده عنها لتستقر عيناه على الجزيرة الإخبارية . بعد ساعة أطفأ التلفاز وعبثا بحث عن سنة من النوم في مخدته فلم يجد شيئا . تمتم بآيات القرآن الكريم.. الكرسي والمعوذات .مضطجعا ثم مستلقيا دون جدوى فجلس مهللاً.. وسبح.. واستغفر وبعد كل ذكرٍ يأتيه الفاصل الإعلاني المزعج حساب البقالة- قسط الدراجة النارية - قسط ماكينة الكهرباء وفاتورة الكهرباء. !في الشهر الماضي اضطر ليأخذ سلفة بسبب مرض والدته وفي الشهر الذي قبله استدان ليقضي ديناً قديما .يا الله يحتاج إلى نصف عام لا يشرب ولا يأكل فيه هو وعائلته لسداد ديونه. أطلق تنهداته الطويلة وأخيرا أسلم جبهته للسجود لله رافعا شكواه في بكاءٍ إلى الغني الكريم. لا يدري بعدها متى أسعفه النوم! وفي الصباح جلس لتناول فطوره البسيط ،كوب من الشاي وكسرة خبز طرية حامية من التنور ، يلتهم الخبز ويستسيغه برشفات الشاي الحار على صوت أمه التي تقول : لا تنس نحتاج للخضار اليوم ، والسمك ، أنبوبة الغاز تكاد تنفذ ربما لا تستطيع زوجتك إكمال الغداء ! ينصت إليها وهو مشغول الفكر في كم الطلبات التي لا يمكنه تأجيلها أو تقديم بعضها على بعض ، استمرت أمه تلقي عليه قائمة الطلبات : سراج المطبخ يحتاج للتبديل ،وهاك فاتورة الكهرباء ، ثم أردفت هل سددت فاتورة الماء؟ .لاحظت أمه أخيرا أنه لم يرد بكلمة :مالك لا تتحدث ؟ قال : لا تهتمي أمي سأفعل كل شيء لا تهتمي . هل تريدين شيئا آخر ؟ لا...... تسلمْ بني كان الله معك!.. نعم تذكر عمتك ستتغدى عندنا اليوم!
خرج يسابق قدميه وأخرج دراجته من جراشها ووضع إحدى عينيه بداخل خزان الوقود .. هناك القليل .. لابأس ، وصل إلى العمل ، يغرق نفسه في الملفات وفجأة يدخل محمد مبتسما مسلّما ، بعد تبادل التحية قال لمحمد في خجل : بالنسبة للمبلغ.. ولكنّ محمدا قاطعه : لم آت لهذا كنت قريبا فقلت أسلم عليك ! والله زعلت منك نحن إخوة ولا تهتم خذ ما تشاء من الوقت!! . فردّ في امتنان :جزاك الله خيرا . ثم رنّ هاتفه الجوال فحمله وهو يودع صديقه :
- نعم أمي ما الخطب ؟
-الثلاجة بني توقفت ! توقفت تماما ؟؟ رد ّ متعجبا : توقفت ؟
-نعم توقفت فجأة ! فقال : طيب سأحاول العودة قبل الظهر .
بعد مضي عدة ساعات في العمل خرج مستأذنا .وتوجه بدراجته إلى محل صديقه خالد، لكن الزبائن يملؤون المحل بعد عودتين متقاربتين جلس متوترا أمام صديقه تتردد الكلمات في خروجها من فمه .يداه تلمعان بالعرق، صديقه يحاول قراءة ملامح وجهه : تفضل هل من خدمة ؟ أخيرا تتدافع كلماته فوق الطاولة ويده اليمنى تعزف في الهواء بحركات غريبة يسحقه الإحراج سحقا : الثلاجة تعطلت وعلينا حفظ أدوية الوالدة جيدا والحر يشتد يوما بعد يوم ..... كان صديقه يستمع إليه باهتمام بالغ لم يقاطعه حتى قال: هل يمكنك تسليفي عشرة آلاف ريال ؟ على الفور فتح الرجل درج مكتبه وأخرج منه مبلغا ودفعه إليه وهو يقول: هل تريد أكثر قال : لا شكرا . خرج من دكان صديقه متجها إلى مهندس الثلاجات وقال وهو يدفع خمسة ألف ريال للمهندس المشغول جدا: الثلاجة توقفت كما توقعت لها سأحضرها بعد العصر و هذه دفعة أرجوك أسرع في إصلاحها ولكنني لن أكذب عليك سيكون عليك الصبر علي في المبلغ المتبقي بضعة أسابيع ، قال الرجل وهو يحاول إخفاء تضجره من الكلام : إن شاء الله .
توجه إلى صاحب البقالة تحمل قدميه ثقة ملحوظة فقد أنذره قبل يومين بإيقاف تمويله بما يريد لارتفاع مبلغ دينه أكثر مما ينبغي ! نظر في عيني صاحب البقالة بطريقة مباشرة وقال : خذ هذه ثلاثة آلاف ريال ضعها في حسابي وأرجوك إن طلب الأهل شيئا اليوم فلا تمنعهم إياه لأن عندنا ضيوف والراتب بعد يومين إن شاء الله .
قالت زوجته وهو يعطيها الحاجيات هل يمكنك إحضار الزنجبيل أو الشاي الأخضر وأردفت وهي تلاحظ امتعاضه: واحد منهما يفي بالغرض ! قال بدون تردد خذوا ما تريدون من البقالة . قالت :ولكن صاحب البقالة ...... لم يستمع إلى حديثها فقد أغلق باب البيت وخرج مسرعا .
عاد إلى عمله بعد أداء صلاة الظهر وعند الواحدة والنصف وقبل دخوله إلى البيت رسم ابتسامة مصطنعة على شفتيه ودخل وهو يقول أمي ... عمتي.. فاستقبلته العمة في الردهة تعلو محياها فرحة واستبشار ...!

ناديه محمد الجابي
09-02-2013, 07:18 PM
بحث عن النوم فلم يجد شيئا ..
وكيف له أن ينام , ور أسه مثقل بطلبات لا نهائية , وكلها أساسية
ويده قاصرة ـ عاجزة وقد أثقلته الديون .
قصة تحكى حال الغالبية العظمى من الناس فى كل مكان من الوطن العربى
مطالب الحياة اللانهائية وقصر اليد , وشعور الرجل المقهور بقلة اليد .

نص جاذب بلغة شيقة , وواقعية بسيطة ,وقدرة هائلة فى السرد..
ولكن القصة كلها تسير فى أفق واحد .. توقعت مثلا أن تكون هناك قفلة
غير متوقعة تحدث توتر أو انفعال ـ أو تبعث على التأمل والتساؤل أو تفتح
أفاق التأويل ..
لك قلم ينبئ عن موهبة .. وسيأتى لنا بالأجمل والأكمل إن شاء الله ..
تحياتى وتقديرى .

عبد السلام دغمش
09-02-2013, 09:10 PM
أخي عماد
قصة تصوّر الكدح و حسبنا أننا سنلاقيه إذا كان لله!
أسلوبك في سرد الأحداث متمكن ولكن أتمنى أن تعطي مساحة للوصف والتعابير حيث أن أنفاس القارئ كانت متلاحقة وهو يتابع المسيرة اليومية لبطل القصة
اثني على ما ذكرته الأخت نادية من غياب عنصر المفاجأة وإلا فالنص هو جزء من ًً"يوميات"
تحياتي وتقبل ملاحظاتي أديبنا المبدع

براءة الجودي
10-02-2013, 12:16 AM
متطلبات الحياة لن تنتهي ستبقى تلاحقنا حتى الممات وأكثر من يغرقون في همومها ن يعاني الفقر وقلة الحيلة , لكن عينا أن نؤمن أن الله سيسهل على الإنسان دام أنه يسعى ويبذل جهده
أسلوبك سهل وجميل
تحياتي

بهجت عبدالغني
10-02-2013, 12:33 AM
هذه القصة الثانية التي أقرؤها لك أخي عماد
تمتلك لغة رشيقة جذابة ، ودخول مميز في درابين نفسية الشخصية
لكن النص هنا افتقر إلى لحظة المفاجأة .. العقدة .. القفلة ..
فالسرد طغي على النص بوتيرة واحدة إلى النهاية

ولا بد للقصة أن تطرب وتخلق الانفعال وتحرك ..

ومستمتع بالقراءة لك أخي المبدع


محبتي وتحاياي ..

عماد بكّر الحضرمي
10-02-2013, 06:59 PM
أحبتي جميعا أشكر كل واحد منكم كل شخص باسمه وصفته أشكركم على تفضلكم بقراءة محاولتي الثانية التي أنشرها في هذا الملتقى الجميل ، وكم سعدت بتعليقاتكم وملاحظاتكم وقد ظننت أن عقدة القصة هي صراع البطل مع ديونه الثقيلة المعسرة ... وتركت العقدة بدون حل لأنها حقا لم تحل بعد وهي كما اتفقتم جميعا مشكلة الملايين من أبناء وطننا العربي من المحيط للخليج .أما عن ملاحظاتكم الأخرى فهي بلاشك ستحتل حيزها اللائق بها عندما أكتب في القادم إن شاء الله. وبارك الله فيكم جميعا.وكم أسعدني استمتاعكم بما أكتب .:sm:

كاملة بدارنه
10-03-2013, 10:37 AM
وصف موسّع وتفاصيل دقيقة لما عاشه البطل من مشاعر تحت وطأة الدّيون
قصّة هادفة
تقديري وتحيّتي

آمال المصري
12-03-2013, 12:06 PM
عاد إلى عمله بعد أداء صلاة الظهر وعند الواحدة والنصف وقبل دخوله إلى البيت رسم ابتسامة مصطنعة على شفتيه ودخل وهو يقول أمي ... عمتي.. فاستقبلته العمة في الردهة تعلو محياها فرحة واستبشار ...!

كما أنه مطالب أيضا بعد معاناة وتفكير وتمحيص لتوفير متطلبات الحياة الضرورية ورتق أموره في استجلابها أن تعلو وجهه ابتسامة وأن يُدخل البهجة والسرور على أهل بيته دون أن يشعروا بما يعاني
مثل حال الكثير كانت تلك الحكاية من وراء الأبواب المغلقة بأسلوبها الشائق السلس
بوركت واليراع شاعرنا الفاضل
ولك مطر من التحايا

ربيحة الرفاعي
09-04-2013, 01:17 AM
نفس سرديّ مريح ومهارة في ربط الأحداث الصغيرة بتتابع مقنع جعل غياب الحدث المحوري يمر على القارئ بهدوء بالكاد يشعر معه بانتهاء القصة أن اليوم مرّ عاديا إذا ولا جديد
كأني بها صفحة من يوميات إنسان ... عادي

سأحرص على متابعة هذا القلم بما يحمل من وعد
وبانتظار جديدك

تحاياي

نداء غريب صبري
04-07-2013, 08:15 PM
لغة جميلة وسرد ممتع
وقصة أحببتها

شكرا لك أخي

بوركت

لانا عبد الستار
30-07-2013, 07:56 PM
قصة الفقر والحرمان
وهي جزء من واقع النسبة الأكبر من الأمة
الأسلوب مشوق وسهل وممتع
والغلة جميلة
أشكرك

د. سمير العمري
05-10-2013, 08:30 PM
نص تقليدي يحدث عن كفاح إنسان فقير الجيب غني القلب والإيمان يلجأ إلى الله فلا يخيبه وييسر أمره.
نص جميل عموما وفيه من المشاعر الإيمانية ما يبعث على الدفء واليقين!

تقديري