تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : // دوماً..كان لي موعد مع الألم //



أحمدعبدالمجيدالرفاعي
27-02-2013, 02:42 PM
سألتُ أحدهم ذاتَ يوم : خَلْفَ ماذا تجري في هذه الحياة ؟
أجابني , بنبرةِ مَنْ عَرَفَ أكثرَ مما كانَ ينبغي له أنْ يعرف : خَلْفَ راحةِ البالْ .

ضحكتُ يومها مِنْ إجابةٍ , حسبتُها كانتْ على قَدَرٍ مِنَ السخافة , لمْ أملكْ أمامها , سوى ابتسامة تهكمْ . وما كنتُ أدري وقتها , أننّي بابتسامتي تِـلـكْ , ما كنتُ أتهكمُ على أحدٍ سواي.

لذا ; في لحظةٍ ما .. وبقَصْدِ الوصولِ إلى "ضالتي" , اعتزلتُ الطعامَ والكلامَ والآثامْ .. تماماً , كما اعتزلتْ ماجدة الرومي " الغرام " في أغنيتها الشهيرة تِلكْ .. وما استرحتْ.
لا زالتْ تنقصني راحةُ القلب المهمومِ دوماً بقضايا عربية " تَسمُّ البدن " .
أنا الذي ما استطعتُ يوماً شيئاً ضدَّ جيناتي , عِشتُ وفيّاً دوماً لقناعاتي , ولقيمٍ أرادها لي أبي , مذ أورثني أحلامه القومية .

ليلة الأمس , كنتُ قد قررتُ الخروج مِنْ تلك العزلة التي فرضتها على نفسي مُنْذُ زمنْ .. تجنباً لما كنتُ أحْسِبُه " مدعاة للألم ".
ولأنَّ بي حماقةٌ ما استطعتُ معها شيئاً مُنْذُ الأزلْ , كنتُ قد جلستُ , فَـوْرَ خروجي مِنْ عزلتي تِلكْ , إلى احدى شاشات الاخبار العربية .
ندمتْ .. يا الهي كم نَدِمْتُ على فِعلتي تلكْ .
هو سؤالٌ واحد فقط , صفعني فيه التأملْ :
كمْ مِنَ الأهوالِ على هذا الشعب أنْ يعيش , قبلَ أنْ يجتازَ بحارَ الخيبة , ويصلُ إلى شواطئ الديمقراطية المعطوبة , التي ما زال يسبح في دمه مجدفاً للوصول إليها ؟!!..

كلمتين اثنتين , هما من دعتا التأمل , ليلطمني بذلك السؤال.
كلمتين اثنتين ما كانتا سوى : " التغريبة السورية ".

يا ألطافَ السماء .. هل باتَ للسوريّ أيضاً " تغريبةً " يشيبُ لها الوِلْدَانُ هولا .

السوري .. هذا المشردُ داخلَ الوطنِ وخارجه .. وعلى البواباتِ الحدودية , يستجدي صدقةً مِنْ بلادٍ كانتْ ذاتَ عهدْ , تستجيرُ به ملاذاً مِنْ هولِ ما يُعانون .. فيفتح وَتينَ القلب لهم ورموش العين , قبلَ أنْ يشرعَ إلى فتح أبواب البيت .
اليوم ; قَلَبَ الزمن عَهْدَ الحياة .. أصبحَ السوريُّ هو مَنْ يَطلبُ الملاذْ , وأصبحتْ تِلكَ البلاد , هي مَنْ بيدها مَفاتيحُ الإنسانية .
ولأنهم كعهدهم .. عنه لا يختلفون , وضعوا السوريَّ في مخيماتٍ , ليسَ بها سوى الذلّ الذي ليسَ كمثله ذل .. والهوان الذي ما كانَ لخيوطِ العنكبوت من قبل.

الخروج مِنْ تلكَ المخيمات .. لا يكون إلا بإذن مسبق .
والإختلاط بأشقائه مِنْ أهلِ البلد " الذي تكرّم عليه بما تكرّمْ " ..مكروهٌ محضورٌ ممنوعْ.
الدفء .. ترفٌ لا يليق بلاجئ.
والموتُ برداً , هو زُهْدٌ به يكون صكُّ الدخول إلى الجنة.

إنَّه كرمٌ مِنَ الضيافة العربية المستحدثة , التي لمْ يَسمعْ بها " شاعركم " مِنْ قبلْ . ذلكَ أنه لو سَمِعَ بها فعلاً , لما تساءلْ :

أنا يا صديقة متعبٌ بعروبتي ** فهل العروبة لعنةٌ وعقابُ ؟

هوذا يا نزارْ .. هوذا .
العروبةُ بلاءٌ وداءْ , فتنٌ ومِحَنْ , خَونةٌ وأعداءْ .. وفُرقاءُ يُساومونَ على دمِ الفقراءِ الذي سيسيلْ .. وأوصياءٌ مُكلَّفونَ بتخصيبِ الموت , بذريعة الدفاع عن الحياة.

اندثرتْ تلكَ المفاهيم الساذجة , عَنْ صِلةِ الدم والقربى .. واقتُلعتْ أشجارُ العائلةِ لتنمو مكانها نباتات وحشية ، جرى تلقيحها في مختبرات " ناسا ". ولمْ يعد يجلس عند رأس الميّتِ أحدْ , سوى غربان يحلو لها ذلك , رغم مرارة المشهد .
اليوم ، وليس يومئذ ، صارَ المرءُ يهربُ مِنْ أخيه ، ومِنْ بنيه ، ومِنْ جامعةِ الدول العربية التي تأويه . صارَ الوطنُ كقطعةِ حشيشٍ يُخفيها الناس في أدراج خزائنهم , تحتَ كومةٍ ثقيلةٍ مِنَ التهرب والتنصل واللاهتمام.
لــعَمْري , إنَّه عُمْرٌ رديء ؛ قضينا أغلبه في محاولة إثباتِ براءتنا مِنْ .. وتراجعنا عَنْ .. وخيبتنا في .. وشكوكنا حول ... وأخلينا الذهن تماماً مِنْ كل شيء , عدا تلك المفردات التي رحنا نشتمُ بها أوطاننا , ونهتف فيها لغزاةِ عروبتنا , بأنْ هلُّموا إلينا , لِـتُـطـيـحـوا ببقية ما تبّقى لدينا مِنْ كرامة الأنبياء .

فلا تغضبْ أيها السوري .. لا تغضبْ ولا تعتبْ على عروبةٍ خَذَلتْكَ شِعاراتُها . ذلكَ أنَّ القومية التي باهيتَ بها الدنيا يوماً , أضحتْ اليومَ مِنْ خردوات الماضي ، ومُريدوها تحولوا إلى كائناتٍ عجيبةٍ يُفضلُّ تحاشيها.. حالها , تماماً كحالِ الوطنية , هيَ سمعةٌ سيئةٌ لصاحبها.

فلا تغالي كثيراً أيها السوري في غضبكْ .. وإنْ كانْ لكَ مِنْ ذلكَ بُدٌّ , فحريٌّ بكَ أنْ تُلقي بسخطك , كلُّ سخطكَ , على أولائي المتشدقين بثورتكم .. أولئك الذينَ سَمّوا أنفسهم " وطنيون .. وثوارٌ وأحرار " , وهم خارج الوطن , وبعيداً عن ميادين الثورة والحرية .
أولئكَ الذين يخرجون علينا كل يوم , بجعجعاتهم التي لا تقي من برد , ولا تروي من عطش , ولا تُسمن من جوع .. ولا تردّ الذل عن الجموع . ذلك أنّ أقصى ما استطاعتْ أنْ تفعله تلكَ الجعجعات , هو أنْ زادتْ مِنْ رُعْبِ السوري رُعباً أكبرْ .. ومِنْ خوفه خوفاً أكثرْ .. ومِنْ توتره توتراً أخطرْ .
وبامكانهم اليوم , كما كل يوم , أنْ يضيفوا إلى سجل انجازاتهم انجازاً أخرْ , بعدما استطاعوا أنْ يجعلوا مِنْ تلكَ " التغريبة " التي يعيشها السوري , الحدثَ الأبرزَ والأسخنَ في العالم .. وبذا تتحقق نبوءة ذلك المتفاخر , الذي قال يوماً : " أنا سوري آه يا نيالي " .

لا تتأوه كثيراً يا فتى , خذلتك سوريتك , وخذلكَ تاريخُكْ .. تاريخُكَ الذي تقولُ عنه حقائق الزمن , أنه يعود إلى ثمانية الآلآف عام.
واعلمْ .. أنْ ليسَ هناكَ فخرٌ يعلو على فخر الضمير . وضميرنا الإنساني ماتْ , مُذْ سمحنا لأنفسنا , نحن أبناء عمومتكَ , أنْ نضعَ أبناء جِلْدتكَ , في مخيمات الذل والبؤس .

ولا تحزنْ .. لا تحزنْ يا ابن عمي , اجلالاً لكَ فقطْ , سنقيمُ ذاتَ يوم ,عزاءاً كبيراً للضمير العربي . عزاءٌ يليقُ بمقامه الذي يستحق.
حزيناً أقولها ..

سامية الحربي
27-02-2013, 04:44 PM
لو وضعت خريطة العالم الإسلامي أمامك لوجدت جسداً مثخن في كل موضع جرح وطعنة, الإختلاف فقط في مكان الجرح و عمقه.
الجرح السوري عميق بمقاييس الدماء والخذلان وعظيم بمقاييس صقل أمة طال هوانها , ووراء كل هذا الخذلان والدماء أمة أسقطت تحت قدميها موازين القوى العالمية وجبروتها . أمة أوحى الله لها على يد صبية صغار ما كان أن يخوضها الكبار. سوريا مقبرة الأحزاب و أولها أحزاب الجاهلية القومية .ما ظنك بأرض تحفها الملائكة ؟
كنت استغرب لجهلي ولتسويق إعلام الدجل "أهذه البلد التي تواترت الأحاديث في فضلها بعد مكة والمدينة؟" واليوم أيقنت الحقيقة التي ترآت في شعاراتها وأسماء كتائبها وعملياتها و الوجوه الذاهبة إلى الله .
فلا تثريب على الشعب السوري اليوم والخزي والعار على المتلفعين بأستار العجز الكاذب و إن كان هناك من سيقيم عزاء للضمير "العربي" فأنا أول المشاركين. تحياتي لك ولقلمك البهي.

فاطمه عبد القادر
28-02-2013, 01:37 AM
يا ألطافَ السماء .. هل باتَ للسوريّ أيضاً " تغريبةً " يشيبُ لها الوِلْدَانُ هولا .

السلام عليكم
في الحقيقة ,,الشعب العربي كله يعيش التغريبة حتى تحت سماء بلاده.
غرباء في الوطن وخارجه ,لم نكن يوما من أهل البيت أو المواطنين.
وهذة نقمة كبرى,والحديث يطول جدا عن أسبابها ونتائجها .
كل ما نستطيع قوله أن أدمغة شيطانية كبيرة ونافذة المفعول, تخطط لهذا وتدبر له ليل نهار .
ونحن شعوب سريعي الإشتعال ,نشتعل ونحترق ثم نسأل ملتاعين لماذا حصل هذا يا ترى ؟؟
وسبب هذا الاشتعال السريع الذي يدب بنا دون سابق تفكير, هو الاضطهاد والجور الذي نعانيه على مدى أجيال وأجيال .
ندور في حلقة مفرغة ,ثم نشغل أنفسنا بقصص قديمة جدا لنتسلى ونرفه عن نفوسنا المتعبة ,ولكن للأسف,, نعود ونقتتل من أجل تلك القصص القديمة .
وأمة حُكم عليها الفقر وهي غنية,,وحُكم عليها الضعف وهي قوية ,لا بد أن تقتتل لأسباب فارغة جدا .
شكرا لك أخي
كان النص جميلا جدا
ماسة

نداء غريب صبري
03-04-2013, 12:47 AM
لو وضعت خريطة العالم الإسلامي أمامك لوجدت جسداً مثخن في كل موضع جرح وطعنة, الإختلاف فقط في مكان الجرح و عمقه.
الجرح السوري عميق بمقاييس الدماء والخذلان وعظيم بمقاييس صقل أمة طال هوانها , ووراء كل هذا الخذلان والدماء أمة أسقطت تحت قدميها موازين القوى العالمية وجبروتها . أمة أوحى الله لها على يد صبية صغار ما كان أن يخوضها الكبار. سوريا مقبرة الأحزاب و أولها أحزاب الجاهلية القومية .ما ظنك بأرض تحفها الملائكة ؟
كنت استغرب لجهلي ولتسويق إعلام الدجل "أهذه البلد التي تواترت الأحاديث في فضلها بعد مكة والمدينة؟" واليوم أيقنت الحقيقة التي ترآت في شعاراتها وأسماء كتائبها وعملياتها و الوجوه الذاهبة إلى الله .
فلا تثريب على الشعب السوري اليوم والخزي والعار على المتلفعين بأستار العجز الكاذب و إن كان هناك من سيقيم عزاء للضمير "العربي" فأنا أول المشاركين. تحياتي لك ولقلمك البهي.

يكفيني رد أختي الرائعة غصن الحرب يالذي أبكاني

شكرا لأخي كاتب المقال
وشكرا لأختي الحبيبة غصن

بوركتما

فاتن دراوشة
03-04-2013, 04:18 AM
طرح رائع لنزف أمّتنا العربيّة في شتّى بقاع الأرض

اغتراب في الدّاخل واغتراب في الخارج

دماء وصرخات وعويل وجوع وفقر ومهانة

ربّما هو قدر العربيّ أن يجترّ الألم والخوف

دام حرفك صرخة غضب تعرّي الواقع وترشّ الجرح بالملح لينتفض

مودّتي

براءة الجودي
03-04-2013, 08:20 PM
المسلم العربي عاش الغربة بأنواعها : غربةُ الوطنِ وغربة الروح , والضمير العربي ياأخي مات منذ زمن لن تجده حيًّا إلا في ثلة قليلة مهما حاولت وتحدثت وأنجدت حاصرها الرؤساء ومنعوها أو زجوها في السجون لكونه متمردا لأنه أراد مساندة إخوانة والوقوف مع الحق ..
السوري وغيره من المسلمينسيبقون بعزة وإيمان اسخ وقلب قوي كالحديد أينما كانوا في حال استقرار أو خوف في قصر أو خيمة , إن خذلنا البشر فهناك رب السماوات والأرض لن يخذل من يلوذ إليه ويبلل الثرى بمدامعه ويشكيه ويلح في الدعاء فالفرج قريب وعلى أيدي المجاهدين المسلمين في سوريا وفي غزة وفي غيرهما إن شاءالله ستثفتح أبواب الخير ويعود لنا المجد
لكم أذهلني ذاك الرجل الذي أجابك : إني ابحث عن راحة البال , فهو لاك خبير بالحياة , جرب وعانى وكانت نظرته سديدة ورأيه رشيدا

أخي الفاضل / أحمد
أسلوبك في السرد ممتع وجذَّاب ولغتك قوية وعذبة تسرُّ القارئ وتُشبعه بفلسفتها وثقافتها
تقديري لك

ربيحة الرفاعي
26-04-2013, 09:27 PM
مقالة أرهق حرفها واقع الوطن الجريح والأمة المثخنة بجراح بطش الطواغيت وغدر الأذيال وطمع المتسلقين
بتوصيف متين صادق وأداء تعبيري واضح ومؤثر

ننتظر حضورك في واحتك أيها الكريم

دمت بخير

تحاياي

محمد عبد المجيد الصاوي
05-08-2013, 04:08 AM
دمشق .. سوريا .. الغوطة .. الأموي الكبير .. الشام

مفردات عشق .. تزدان بها لغة الجمال ..
لكن ويح من حاولو تشويه الجمال في زمن تجلى فيه القبح سيدا وإماما ..

ستنبت التغريبات وطنا وحلما ودفئا وأملا

لك خالص الود ولقلمك عابق التقدير

لانا عبد الستار
13-07-2014, 03:01 AM
نعم هي مقالة ولو قيض لها أن نعيش لما بعد زماننا لكانت وصمة عار في جبيننا أمامهم
لكنه الصدق وما أصعب أن يكون الصدق مخزيا !

أشكرك

خلود محمد جمعة
15-07-2014, 12:44 PM
الجرح قديم جديد ومتجدد
الخارطة العربية تلونت بالدم والنزف متعدد الأماكن
بورك الحرف الصادق
الفاتحة على الضمير العربي
لعمق الجرح الصمت أبلغ
ولا حول ولا قوة الا بالله
كل التقدير

كاملة بدارنه
26-07-2014, 02:59 PM
لا تغضبْ ولا تعتبْ على عروبةٍ خَذَلتْكَ شِعاراتُها
سنقيمُ ذاتَ يوم ,عزاءاً كبيراً للضمير العربي . عزاءٌ يليقُ بمقامه الذي يستحق.
حزيناً أقولها ..
إلى متى سيستمرّ الخذلان، وتفتح بيوت العزاء لتقبّل التّعازي بوفاة الضّمير العربيّ؟!
نصّ مؤثّر ومشكّل بأنواع الوجع الذي ازدادت ألوانه
بورك الحرف
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
31-03-2016, 05:43 PM
تجاوز عدد السوريين الذين تم اقتلاعهم من وطنهم ورميهم خارج الحدود ونثرهم في أربع رياح الأرض السبعة ملايين ـ علينا أن نتوجه بكل ردود أفعالنا على كل هذا الذي يحصل إلى المجرم الحقيقي الذي أجبر هؤلاء الأشقاء على اللجوء إلى البلاد المجاورة وعلى إلقاء أنفسهم وأطفالهم في بحور الظلمات.. المجرم الحقيقي هو الذي جاء بطائراته وجنوده وصواريخه وقنابله العنقودية من روسيا بحجة القضاء على «داعش» لكنه بعدما احتل سوريا احتلالاً عسكرياً سافراً ترك هذا التنظيم الإرهابي بل تحالف معه وباشر بذبح الشعب السوري ودفعه بالقوة للاتجاه إلى حدود الدول المجاورة رئيسٍ ظالم لم يخجل من أن يستعين بالغرباء للتمادي كثيراً في قمع شعب من المفترض أنه شعبه .
وصدق صاحبك حين قال : إنه لا يجري إلا وراء راحة البال، ومن شابه كل البلاد العربية فما ظلم.
أشعلت مقالتك في قلوبنا حرائق ألم
كل التقدير لحرفك ـ ودام يراعك. :001: