تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عُصفور



محمد إسماعيل سلامه
03-03-2013, 07:11 AM
أراقبهُ كل صباح ، يتهادى إليها ، وتتهادى إليه ، فيطوفان في دوائر صغيرة ، حول أسلاك الكهرباء ، دوائرٌ تحمل في داخلها أبلغ معاني الأُلفه ، والأُنس .. والحُب ، دوائر صغيرة حول سلك ، كذا الموتور ، وكأن هذا العصفور .. يشحن طاقة الأمل ، طاقة الحرية ، طاقة الإبداع ، ويملؤ قلبه بعبق الصباح الباكر ، وتغريد رفيقته .. لينطلق بعدها .. يسابق الريح .. مُغرّدا ، فرِحاً ، يُلملمُ رزقَه ، ذاك الذي بحجم كف اليد .. لكنه غلب دنيا البشر وما فيها .. وغلب ذلك الآدمي المهزوم ، ضعيف البصر ، الذي يراقبه كل صباح .. وفي يده فنجان القهوه ربما العشرين .. وسيجارة من أردأ أنواع السجائر .. بعد ليلة طويلة لم يغض له فيها جفن ، فلم يستطع أن يكمل ولو دائرة واحدة في حياته .. فقط .. إستطاع أن يعوج ظهره في عمر الثلاثين .. شائبا قبل المشيب .. ويكتب شعرا ً لا يقرؤه أحد .. ويقرأ كتبا باللغة العربية التي لما يحترمها أصحابها اليوم ! ويغترب في كل مكان سنوات وسنوات ليعود أسوأ مما كان .. يرتشف سُمّه ، ودخانه .. وهمومه .. ويراقب .. هه !

عصفور .. نعم .. بحجم كف اليد .. لكنه لم يَحْتَجْ إلى سَتْر عَورته كالبشر .. لأنها لا تتدلّى منه .. ولا يَمُدّها إلى الشَّر أو الحَرَام ، أو لها يعيش .. عصفور .. بيتُهُ .. كومَة قشٍّ على عامود نور صَدِء .. قد يذهب مع دلو ماء ٍقذر ترميه إحداهن من شرفتها .. أو يشعله " عقب سيجارة " يرميه أحدهم من شباكه ! أو يرمي به عامل الصيانة عند توصيله لأحد الكابلات .. كان له نصيب من كل ذلك في السابق .. وكنت أراقبه ورفيقته .. كلما هُدم لهما عشا ً ، دارا في دوائر .. وصنعا غيره من جديد .. بلا كلل أو ملل .. فقط .. يغدوا كلا منهما ويروح وفي منقاره عود صغير من القش .. يتحدى به كل المصاعب .. معلنا به أنه سيظل .. يأبى إلا أن يعيش .. ويملؤ صدَره بعبق الحياة .. ويملؤ صَمتَها تغريدُه .

عصفور .. يؤكد الفيزيائيون " الغلابة " أنه لا تصعقه الكهرباء التي يقف على أسلاكها ، لأنه لا يلمس الأرض ! ولا تكتمل الدائرة الكهربائية إلا إذا لمس الأرض .. لم يفهموا الواقع أبدا ً .. لم يفهموا أن ذلك المخلوق الذي يقف على أي شيء دون أن يتأذى أو يموت .. إنما هو كذلك ، لا بسبب جسمه الصغير الذي لا يلمس الأرض .. وإنما بسبب روحه .. روحه التي هي ليست أرضية .. ولا تمت لأهل الأرض .. وشهواتهم .. وشرورهم .. بأي صلة !

عصفور .. هو أكثر الكائنات سفادا ً .. وغزلا ً لرفيقته .. وأقصرها عمرا ً.. لكنه يعيش عمرَه كله ، بسعادة .. يغني وقتما شاء .. وأينما شاء .. لا يحتاج إلى ورقه تثبت أنه حيّ ، أو أخرى تثبت بها رفيقته أنه ميت ! ، لا يحتاج إلى ورقة ليعمل ، أو يسافر ، أو ليظهر بمظهر الحكيم العارف ، لا يحتاج إلى فتاوى ، ولا إلى شيوخ يحرمون ما أحل الله ، ويحددون له السماء والأرض ، أين يذهب ، وكم متر يطير .. ولا يستقي معرفته بالوجود من شاشات ولا مربعات تصور له كل شيء على غير حقيقته ، وتؤكد له أن السماء اليوم مغلقه ، وأن الطريق مسدود ، وأن الفضاء يضيق ، والخطر يداهمه ورفيقته .. لا يحتاج إلى الخوف .. ليسكن ، او إلى الإندفاع والتهور ليسعى .. لا ينتمي إلى حزب ، أو جماعه ، أو فصيل ، أو مجموعة من الطيور تحسب نفسها من ذات الريش الملون ، والمميز عن البقية ! فيحق لها وحدها أن تحلق وأن تقود السِّرب وأن تجني الرزق وتقسمه على هواها .. وأن تختار أولا .. أجمل الرفيقات !

عصفور .. فقط .. يعيش .. ويموت .. بسعادة ..

محمد إسماعيل سلامه
الأحد 3 مارس 2013

عبد السلام دغمش
03-03-2013, 08:47 AM
الأستاذ محمد اسماعيل سلامة
جميلٌ أن نأخذ العبر مما حولنا..وقد حفلت آيات القرآن بالحديث عن النمل و النحل ..والغراب..
السرد النثري الجميل تناول عامل البساطة والتخلي عن التعقيدات الذي يمكن للمرء ان يتحلى به كي يعيش الحياة السعيدة ببساطتها ..
كان ذلك في مقابل شاب في عنفوانه..يكتفي بالتأمل وهو يحتسي فنجانه العشرين وقد ارهق نفسه بتعقيدات الحياة ثم بغربة الفكر..
نصّ يدعو للتامل اكثر فاكثر

كلما هدم لهم عشٌّ

آمال المصري
03-03-2013, 09:52 AM
لأن الإنسان بطبعه يؤوس سريع القنوط فلو تعلم من العصفور الإصرار وتكرار المحاولة وتحدي الصعاب لما تمضمض في عينيه الكرى وما ركن لأكواب القهوة تباعا
لو اعتبر البشر من أضعف المخلوقات وأصغرها لأتم الدورة التي يريد مهما كانت مصاعب العيش
نص جميل بمضمونه وسلاسة السرد وبساطة الحرف
يملأ
دام ألقك تحاياي

ناديه محمد الجابي
03-03-2013, 10:20 AM
( إنما هو كذلك ، لا بسبب جسمه الصغير الذي لا يلمس الأرض .. وإنما بسبب روحه ..
روحه التي هي ليست أرضية .. ولا تمت لأهل الأرض .. وشهواتهم .. وشرورهم .. بأي صلة ! )
رائعة أيها الشاعر / محمد اسماعيل ـ وإن كانت أقرب إلي الخاطرة منها إلي القصة
ولكنها أمتعتني بلغتها السهلة الأنيقة , وبتلك النظرة الفلسفية إلي الأمور
وإن كنت شممت فيها ريح اليأس والقنوت
( لكنه غلب دنيا البشر وما فيها .. وغلب ذلك الآدمي المهزوم ، ضعيف البصر ، الذي يراقبه كل صباح .. وفي يده فنجان القهوه ربما العشرين .. وسيجارة من أردأ أنواع السجائر .. بعد ليلة طويلة لم يغض له فيها جفن ، فلم يستطع أن يكمل ولو دائرة واحدة في حياته .. فقط .. إستطاع أن يعوج ظهره في عمر الثلاثين .. شائبا قبل المشيب .. ويكتب شعرا ً لا يقرؤه أحد .. ويقرأ كتبا باللغة العربية التي لما يحترمها أصحابها اليوم ! ويغترب في كل مكان سنوات وسنوات ليعود أسوأ مما كان .. يرتشف سُمّه ، ودخانه .. وهمومه .. ويراقب .. هه ! )
بالصبر والأيمان والمثابرة نستطيع أن نكمل كل دوائر حياتنا .. ونسعد كذلك العصفور
تحياتي .

كاملة بدارنه
03-03-2013, 10:45 AM
نثريّة جميلة برمزيّتها وطريقة عرضها، وتدعونا للتّأمّل ...
الطّيور عالم جميل... ولو تأمّل الإنسان المخلوقات غيره لأخذ منها العبر واستقى الحكم
تمنّيت لو حظي النّصّ بالاهتمام باللّغة قبل النّشر
بوركت
تقديري وتحيّتي
(تنقل لقسم النّثر)
(دوائرَ (ممنوع من الصّرف) ويملأ - يغمض - عمود - صدئ - هدم عشٌّ - يغدو - كلٌّ - كم مترا وكذلك الشّدّة والهمزة )

سامية الحربي
03-03-2013, 03:47 PM
هل يا ترى أن العصافير أكثر الكائنات سعادة رغم قصر عمرها ؟ نص بديع حلق بنا لعالم ذلك الرمز للحرية وربما أيضا للسعادة. تحيتي وتقديري.

محمد إسماعيل سلامه
03-03-2013, 07:59 PM
أستاذه كاملة ، أنا لا أكتب كثيرا في الأبواب الأخرى غير الشعر
فالنص مرتجل ..

تحيتي وتقديري للجميع

فاطمه عبد القادر
04-03-2013, 12:25 AM
كلما هُدم لهما عشا ً ، دارا في دوائر .. وصنعا غيره من جديد .. بلا كلل أو ملل .. فقط .. يغدوا كلا منهما ويروح وفي منقاره عود صغير من القش .. يتحدى به كل المصاعب .. معلنا به أنه سيظل .. يأبى إلا أن يعيش .. ويملؤ صدَره بعبق الحياة .. ويملؤ صَمتَها تغريدُه .

السلام عليكم
تبا لزمن يحسد فيها هذا الإنسان المتميز بعقله وتطور حياته, تلك المخلوقات البدائية التي لم تتطور أبدا
هل وصل شعبنا العربي هذا المستوى من اليأس ؟؟
فكل مل يدور حولنا لا يبشر بخير البتة
نص جميل حساس
مليء بعذابات التناقضات الغريبة التي نعيشها اليوم
مراجعة النص ضرورية أخي العزيز,,,ثم أنها من باب احترام القارىء
شكرا لك
ماسة

محمد إسماعيل سلامه
04-03-2013, 04:14 AM
اعتذرت بكونه مرتجلا ً ، ولا املك غير ذلك ، إذ لا يسمح المنتدى تقنيا ، بمراجعة اي نصوص يتم نشرها
وانا أكثر رغبة في ذلك ، فلو لم يكن النص مرتجلا ً ، اتراني اكون سعيدا كشاعر يكتب المبني للمجهول ( عش ) منصوبا !!
وأذكر اني مع بعض الإخوة طالبنا إدارة المنتدى بإتاحة زر التعديل على المشاركات ، فتمت الإجابة بأن النص يكون ملكا للقاريء
بعد نشره ، ويجب احترام القاريء ، أيضا !

تحيتي لك ِ في الأخير استاذة فاطمة

فاتن دراوشة
04-03-2013, 09:34 PM
هي مخلوقات تستمدّ سعادتها من قناعتها بما حباها الله به

ليتنا نرث منها بعض تلك القناعة لنهنأ مثلها

مودّتي

فاتن

محمد إسماعيل سلامه
05-03-2013, 03:45 AM
الأساتذة

عبد السلام دغمش
آمال المصري
نادية محمد الجابي
كاملة بدرانه
غصن الحربي
فاطمة عبد القادر
فاتن دراوشة

خالص التحية والتقدير

لانا عبد الستار
05-04-2013, 11:09 PM
نثر جميل وترميز ذكي وموفق
لو تعلم الإنسان تواضعهم لجعل الحياة أجمل
أشكرك

محمد إسماعيل سلامه
12-04-2013, 10:24 AM
شرُفت بمرورك أستاذة لانا

تحيتي

ناديه محمد الجابي
12-04-2013, 01:04 PM
ياترى هل تسمح لي بمرور ثاني على موضوعك..
فلنتأمل معا العصفور , هل تعلم لما هو سعيد؟؟
لأنه أحسن التوكل على الله..
فلو فوض الإنسان أمره إلى الله وأحسن التوكل عليه
لسكن قلبه, واطمأنت نفسه, ولذ عيشه .. فإن حقيقة
التوكل هى تفويض الأمور كلها إلى الله سبحانه والإيمان التام
بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه.
وجاء عن النبي r قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً».

كريمة سعيد
12-04-2013, 03:36 PM
نص هادف حمل قيما إنسانية سامية من خلال مقارنة ذكية تسمو على الواقع المعيش ومتطلباته المادية
بورك النبض

محمد إسماعيل سلامه
13-04-2013, 06:11 PM
ياترى هل تسمح لي بمرور ثاني على موضوعك..
فلنتأمل معا العصفور , هل تعلم لما هو سعيد؟؟
لأنه أحسن التوكل على الله..
فلو فوض الإنسان أمره إلى الله وأحسن التوكل عليه
لسكن قلبه, واطمأنت نفسه, ولذ عيشه .. فإن حقيقة
التوكل هى تفويض الأمور كلها إلى الله سبحانه والإيمان التام
بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه.
وجاء عن النبي r قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير, تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً».




جمال العصفور في بساطة عيشة .. وسعيه الذي ضُرب به المثل في القرآن والسنه بمثل ما ذكرتِ اختى
وأما سعادته .. فأنا احسده عليها .. لكني لا أعرف لها طريقا ً كإنسان ، أما التوكل فأنا لست متدينا للأسف

اتشرف بمرورك دائما وفي أي وقت .. أستاذة نادية

محمد إسماعيل سلامه
13-04-2013, 06:13 PM
نص هادف حمل قيما إنسانية سامية من خلال مقارنة ذكية تسمو على الواقع المعيش ومتطلباته المادية
بورك النبض


وبورك مرورك أستاذة كريمه ..
تماما ما أردت قوله ..
حياة الإنسان مشغوله بالصغائر والماديات رغم أنه أكثر المخلوقات تقدما

تحيتي

نداء غريب صبري
08-08-2013, 12:42 PM
ما أجمل نثريتك أخي
وما أجمل اختيارك لرمزها وموضوعها

عيدك مبارك وطاعاتك مقبولة إن شاء الله
بوركت

محمد إسماعيل سلامه
09-08-2013, 03:23 AM
ما أجمل نثريتك أخي
وما أجمل اختيارك لرمزها وموضوعها

عيدك مبارك وطاعاتك مقبولة إن شاء الله
بوركت



أشكرك شكرا جزيلا لرقيق تواصلك أستاذه نداء ..
خالص تحيتي لك ولمرورك الطيب .