المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حديث مع نفسي



محمد مشعل الكَريشي
15-03-2013, 07:06 PM
حديث مع نفسي

(قصة قصيرة)

كنت ساهرا انتظر رنة الجرس وكل شيء فيّ متحفز مستنفر لتك اللحظة .. كم غيرتْ في سلوكياتي منحتني طاقة في التحمل ، يوما بعد يوم أرى الحياة بشكل اكبر وأكثر معرفة من ذي قبل...
ولكني حين اطلع إلى داخلي أراني غريبا عن نفسي ، فمن أنا ومن أكون ..؟!
تبا لهذا الإنسان يستطيع أن يتعلم من هذا العالم معارف جمة ، يسافر إلى البلدان ، ويشاهد ما فيها مطلعا على ما يدور حوله ، ولكنه لا يفكر لحظة في الاطلاع على نفسه والتقرب منها، ليراها عن قرب ويعرف أي إنسان هو ؛ ففي ميدانه تتصارع قوى مختلفة ، قد يربح إن كانت نفسه قوية مؤمنة فاضلة ، أو يخسر فتصبح نفسه أعدى أعداءه التي بين جنبيه..!
ليس الأمر سهلا كما نتصور فمن الصعب جدا أن نتعرف على نفوسنا في وقت صرنا اقرب إلى القشور من اللباب ؛ هجرناها وبان البون شاسع بيننا ، غدونا ونحن نحمل في دواخلنا أناس آخرين يعيشون معنا لا تجمعنا معهم سوى رقعة هذا الجسد الثقيل ..
خِيل لي أن الجرس يرن تحققت من الصوت.. ولكنه كان وهما جديدا من تلك الأوهام التي تزورني كلما أفلتُّ منها باحثا في دواخلي عني ، علني أرى شعوري بوضوح ، وأصل يوما إلى قرار مشاعري ، ولكن دون جدوى ..
الساعة الواحدة بعد منصف الليل ولا شيء منها يصلني ، لا صوت خطوات تقترب مني ، ولا طرقات خفيفة على باب وحدتي ، ولا رسالة عبر هاتفي تجدد للمودة صورتها البائسة في نظري ..!
آه يا(زينب).. الآن رأيت ما في نفسي وعلمت أنك لم تكوني سوى وهم كسائر أوهامي ..! أرجو أن أكون مخطئا..
قمت أمشط الليل حولي أبدد سكونه بخطواتي التي تنقر على بلاط منزلي .. دلفت إلى المطبخ تحيط بي ذكرياتي وتصحبني اليها ، حين تسللتُ خلفها ، هي تشعر بخطواتي ولا تلتفت إلى الخلف ، ذلك الدلال يزيد في عشقي لها.. قبلتها في عنقها ، فجفلت .. ثم نظرت إلي وعلى شفتيها الزاويتين ابتسامة حملت كل معاني الجمال ، تلك الابتسامة هي ريشة رسام ترسم على وجهي ابتسامتي وتغني حياتي بكل أنواع الفرح ، انسحب عنها واجلس على كرسي بقربها استمتع بوجودها ، وروائح الطعام تتهافت ممزوجة برنين الملاعق والصحون...
هززت رأسي أنفض عنه صور الذكريات ، تناولت قداحة على الرف ؛ أشعلت عين الطباخ لأعد لنفسي كوب شاي يمدني ببعض دقائق الأمل في ليلة غاب عنها القمر، ساعات تمر وتنخرط يوما بعد يوم وليلة بعدة ليلة بانتظارها ، ولا من معين على تحمل فراقها سوى كوب شاي ساخن وقرص أسبرين أدمنت رفقته في الليل والنهار ...
أعود إلى السرير أضطجع وعيناي تنظران إلى ساعة علقت على الجدار ، مضى من الوقت نصف ساعة أخرى..
تناولت كتابا ادفن فيه ولهي ، اقرأ بعض الوريقات كعادتي وأنام ...
أين أيام زمان ، كنا معا لا نفترق ، ولماذا تاه طريق العودة بنا لبعضنا ؟
رددت السؤال على نفسي مرارا فلم تجبني ولم أحض برد قاطع وقد تضاربت في الجواب هواجسي..
قيل لي عن تلك الهواجس أنها ذاتك التي تكلمك وتكمل شخصيتك ، وهي تنطق بما احتوى عليه فكرك من صور تنسجها مخيلتك ، أو حقيقة خزنتها الأيام في فكرك فأنت تستعين بها حين تحتاجها برغبتك أو بدون شعور منك ..
لعل ما قاله لي الأصدقاء وبعض علماء النفس فيه حقيقة كانت غائبة عني ؛ فأن ما يدور من صراع داخل الإنسان يساهم في تنمية قدراته ويجعل له ثيمة خاصة به ، يكفيني أنها تعجب حبيبتي ، اذكر مرة قالت لي انك تتمتع بشخصية نافذة وقوية ..

قيل لي : لعل اجتهادك في بناء نفسك هو الذي أعجبها بك وسحرها بشخصيتك وبادلتك الإعجاب ثم دنا بك الطريق حتى انغمست في حبها ...
نعم لقد أحببتها لأنها امرأة ذات جمال ومتفوقة في دراستها وتمتلك ثقافة عالية ، وهي محط أنظار القريبين منها ومحسودة على تفوقها في مجالات حياتها ..
وقيل لي مرة : انك تبحث عن الجميلات في الوجوه والأجساد .. ضحكت في وقتها على من قال لي ذلك لأنه لا يوجد رجل لا يبحث عن ذلك الجمال..، وهذا ليس بالعيب ، ولكنني مع ذلك كنت ابحث عن الرحمة في قلب من أحب ، والطمأنينة في عينيها ، وبراءة الأطفال في سلوكها ، فلو لم أجد ذلك فيها لما أحببتها ...
ولكنها كبرت ونقص وزنها وبدت شاحبة كليمونة خضراء جفت على شجرتها هكذا كانوا يقولون لي ..
فقلت هي في نظري تفاحة نظرة عطرها يفوح منها ، وعلى وجنتيها بريق الشباب ونظارة فتاة في العشرين ...
جرس الباب يدق ..
اختفت كل كلماتي مع نفسي ومع أصدقائي المستوطنين وحدتي يتقافزون كلما فتحت كتابا لأقرأ فيه نفسي ، وضعت الكتاب جانبا وتوجهت صوب الباب والساعة قد تجاوز ميلها الثانية ليلا ...
- تأخرت عليك يا حبيبي متأسفة..
مالك لا ترد هل أنت زعلان مني ؟ سأصالحك يا حبيبي ... هل تريد أن اعد لك العشاء ؟
لا ترد بأي كلمة سأحضر لك العشاء، ونتصالح يا عمري ..
تأوهتُ فنظرت إلي بعينيها الحالمتين وقالت: اعلم انك انتظرت طويلا وأمضيت أياما في انتظاري...
- لا أنا لا أريد لقد تعشيت كلي أنت .. قلت لها وكأنها غريبة عني فلم يقتدح الحب في قلبي زناده ، ولا حرارة للقاء المرتقب ، ولم تتلقفها ذراعي ويشملها حضني كعادتنا عند اللقاء ..!
سحبتني خطواتي صوب غرفتي ..أخذت الكتاب وتوجهت إلى المكتب لأكمل أفكاري ، جلست على كرسي متأرجح ، عبر السكون اسمع بكاؤها لكنني ظللت في مكاني وقد حلت فيَّ نفس جديدة لجلاد أو حاكم ظالم باتت تردف لي أفكارها وتكرهني فيها ولم تكمل نفس الجلاد حديثها حتى قاطعتها النفس الأمارة بالسوء بهجرها والابتعاد عنها ومن بين الاثنين قالت نفسي اللوامة ولماذا تكرهها ؟ أنت سبب بعدها عنك حين سلكت بها وبنفسك دروب التيه ...
صمت الجميع حين رفعت نفسي المطمئنة نقابها لتلقي دلوها بين الدلاء..
لاشيء يشبه بقية الأشياء ، وهذا الذي زارك لم يكن (زينب) بل كان طيفها.





محمد المشعل الكَريشي / 14-3-2013

براءة الجودي
16-03-2013, 12:50 AM
رائعة القصة , أعجبني الصراع والحوار الداخلي في نفس البطل , وكانت الفائدة في نهاية القصة أن القلب لن يتحرك فيه الحب إلا حين لقاء من يحبه بحق لذا ليس من الغريب أن لايتحرك قلبه بعد ان عرفنا أنه مجرد طيف زاره وهو وهم ديد من أحد أوهامه مرة أخرى
شكرا لعبقرية حرفك

محمد مشعل الكَريشي
16-03-2013, 04:53 AM
رائعة القصة , أعجبني الصراع والحوار الداخلي في نفس البطل , وكانت الفائدة في نهاية القصة أن القلب لن يتحرك فيه الحب إلا حين لقاء من يحبه بحق لذا ليس من الغريب أن لايتحرك قلبه بعد ان عرفنا أنه مجرد طيف زاره وهو وهم ديد من أحد أوهامه مرة أخرى
شكرا لعبقرية حرفك

صباحات ندية شاعرتنا العزيزة براءة الجودي
أشكرك اطلالتك وتعليقك بعد القراءة ..
اعتز بك وبهذا التحليل الجميل ...
مودتي .. واحترامي :0014:

ناديه محمد الجابي
16-03-2013, 01:03 PM
ولكنه كان وهما جديدا من تلك الأوهام التي تزورني كلما أفلتُّ منها باحثا في دواخلي عني
، علني أرى شعوري بوضوح ، وأصل يوما إلى قرار مشاعري ، ولكن دون جدوى ..

لقد جعلتنا نتوه معك في أغوار ذلك البطل الذي تتصارع داخله قوى مختلفة
نفس الجلاد,والنفس الأمارة بالسوء, والنفس اللوامة, لتنهى هذة المعركة النفس
المطمئنة , لتقول له: إطمئن .. إنها ليست هي وإنما هو طيف من أوهامك .
أتمنى أن أكون قد لا مست شئ ما حقيقي في قصتك الرائعة
عمل راقى ورؤية عميقة أهنئك عليها
وأحييك على هذا العمل المميز
تحياتي وودي .

محمد مشعل الكَريشي
16-03-2013, 03:12 PM
ولكنه كان وهما جديدا من تلك الأوهام التي تزورني كلما أفلتُّ منها باحثا في دواخلي عني
، علني أرى شعوري بوضوح ، وأصل يوما إلى قرار مشاعري ، ولكن دون جدوى ..

لقد جعلتنا نتوه معك في أغوار ذلك البطل الذي تتصارع داخله قوى مختلفة
نفس الجلاد,والنفس الأمارة بالسوء, والنفس اللوامة, لتنهى هذة المعركة النفس
المطمئنة , لتقول له: إطمئن .. إنها ليست ههي وإنما هو طيف من أوهامك .
أتمنى أن أكون قد لا مست شئ ما حقيقي فيقصتك الرائعة
عمل راقى ورؤية عميقة أهنئك عليها
وأحييك على هذا العمل المميز
تحياتي وودي .
أهلا أديبتنا العزيزة نادية محمد الجابي ومرحبا
تنور الحرف بمرورك على متصفحي وقد سعدت بك اخيتي وسررت ..
أشكر لك هذه القراءة الفريدة والرؤية الثاقبة ..
مودتي واحترامي ..:pr:

آمال المصري
02-06-2013, 05:40 AM
حديث مع نفس أنهكها الوحدة وطبع على روحها مرارة الانتظار حتى خالَ طيفها زائرًا يفضي عليه وحدته ويحاول أن يفضّ من حوله جنود أفكاره
نص أنيق بليغ الحرف كما تعودناك أديبنا الفاضل
لم أحظ
اسمع بكاءها
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ربيحة الرفاعي
13-08-2013, 01:35 AM
تحيلنا الوحدة لضحايا وهم نبحث فيها عن أخلاء أرواحنا
ببراعة صورت هذه الحقيقة عبر صراع داخلي يعيشه بطلك في تصاعد درامي ماتع وسرد شائق

دمت مبدعنا بألق

تحاياي

محمد مشعل الكَريشي
17-08-2013, 08:59 AM
شكرا لهذه الاطلالة المباركة منكما صديقتي العزيزتين
أمال المصري
ربيحة الرفاعي

مودتي واحترامي ..

نداء غريب صبري
04-09-2013, 05:07 PM
طيف جديد ووهم يعيش معه كل مرة
وحديث نفس في قصة ممتعة

أمتعتني قراءتها

شكرا لك اخي

بوركت

كاملة بدارنه
07-09-2013, 10:27 PM
سرد جاذب حتّى القفلة الطّيفيّة المفاجئة من خلال الحديث مع النّفس بأنواعها
بوركت
تقديري وتحيّتي