المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا زال الثور الأبيض يؤكل



عبد الغفور مغوار
16-03-2013, 07:34 PM
لم يكن الأستاذ كمال لديه بد من النوم المبكر. كونه يدرس في ناحية قروية نائية، جعل الرتابة تكون موجزا لحياته، بل عنوانه الشخصي وهويته. اِلْـتَحف بلحاف تنبعث منه رائحة الموت، فكم عانق هذا اللحاف في ليالي بائسة رغم المرح الذي كان يصطنعه مع زملائه لمراوغة عقارب الساعة. هذه الليلة اضطر للبقاء بمفرده في مسكنه هذا، وهو عبارة عن جحر ضيق، وقد مل القراءة و سماع المذياع الذي لا يذيع شيئا جديدا مفيدا أو مسليا.
حاول أن يغمض عينيه ويستسلم لبساط الريح يأتيه النوم في صفته عسى أن يأخذه في رحلة شيقة ممتعة. تظاهر بالنعاس وابتكر الأحلام وشرائط حيوات كان يفضل لو كانت حياته واحدة منها.
لم تدم نشوته الخيالية مدة طويلة إذ فجأة أحس بحركة في مسكنه الترابي. أطرق سمعه لعله يدرك ما يقع بجواره. الحركة لم تهمد فتمكن منه الخوف. وما زاد رعبه تأججا بزوغ ضوء ضعيف تسلل منه شعاع تحت اللحاف الذي كان يغطي رأسه.
أُُزيح عنه اللحاف أخيرا وأ ُرغـِـم على الجلوس وإذا به يرى ثلاثة أشخاص قد التفوا حوله، الأول تمثل أسدا، الثاني ثورا أسود والثالث ثورا أحمر. خيل إليه أنه هو الثور الأبيض الذي أ ُكـِل سابقا. حاول أن يستغل جمود الأسد لإقناع الآخرين أن مصيرهما لن يخالف مصيره إذ لم يتحدا معه. صرف الأسْوَد نظره هازئا و كأن الأمر قد ﻘُطِﻊ، فلا بديل عن تطبيق ما جاؤوا من أجله. تودد للأحمر أن يصغي إليه فصرف هو الآخر عنه وجهه إلى جهة الأسد الذي كان يصمم على إبقاء عينيه مغمضتين. فصنع مثله الأستاذ كمال وأبقى على عينيه مغمضتين. كان حينها يبرهن لنفسه أنه لا زال نائما وأنَّ ما يراه الآن مجرد حلم وأنه قد أثرت عليه تلك المسافة التي قطعها في نزهة حول الدواوير تلك النزهة التي رأى فيها قطعانا منتشرة من الأبقار ترعى وقد راقه منظرها. اعترف أنه كان مخطئا حينها لما سمح لفكرة تنط بذهنه مفادها أن الأبقار أسعد منه.
مد الثور الأحمر رجله فركله ولم يصرخ كمال ولم يحاول أن يفتح عينيه وقال: لا أنا في حلم وعلى عيني أن تبقيا مغمضتين مهما كان.
توالت الركلات منهما معا، الأسود والأحمر، واستغرب الأستاذ كمال للثورين لم يخورا إلى حد الآن، فخار بدلا منهما كأنه يستغيث بهما ويوقظ فيهما الهمم والشهامة وهنا استيقظ السبع ولم يزأر بل خار مثل خوره وكأنه يلمزه. شرع الثلاثة يقهقهون بصوت متحشرج مريب زاد كمالا روعا على روعه. ثم اختفى الضوء أخيرا وعاد اللحاف إلى جسم كمال الذي أرغم على التمدد ليلفه اللحاف حد الاختناق، فأحس أنه يحمل على محمل وأن لا مفر من موت هو فيه. حاول تحريك سبابته للتشهد فاستعصى عليه الأمر وأيقن أنه قد مات وأن لحمه سينهش وعادت إليه صورة البقرات التي كانت ترعى مطمئنة البال وقال في نفسه: أجل إن الأبقار أفضل مني حظا، و الخرفان و الماعز أيضا.
ظل يردد هذه العبارة وجسمه يُنْهَشُ حتى النخاع في حفرة هاوية جدا.
ما كان لكمال أن يعود للفصل في الصباح الموالي إلا شبحا حتى إن تلاميذه لم يكونوا يحسون بوجوده رغم زعقه وتوبيخه وسخطه ووعيده، بل كانوا طوال الوقت في هرج ومرج لا يبالون بشيء، وتمنى لو يأتي زائر يعيد الوضع إلى إطاره الطبيعي، يأتي ولا يأتي.
غير أن في الساحة المترامية الأطراف للمدرسة، بالغت شياه هي الأخرى في الثغاء وهي لا تكف عن الحركة الثورية، محتفلة بيومها العالمي، فاليوم كان الخامس من تشرين الأول.
فاس في 27 أكتوبر 2011
• اليوم الخامس من تشرين الأول عيد الأستاذ ببلادنا.

براءة الجودي
16-03-2013, 11:49 PM
أسلوبك جميل ولاشك إا أني لم أدرك المغزى
تقديري

عبد السلام دغمش
17-03-2013, 11:47 AM
الأخ عبد الغفور..
....؟

وكأنك تريد أن ترسم معاناة المعلم بأسلوبك الساخر..
لكنني أحسب أن المعلم لا زال فينا أكرم وأنبل..
تحياتي

كاملة بدارنه
17-03-2013, 08:25 PM
غير أن في الساحة المترامية الأطراف للمدرسة، بالغت شياه هي الأخرى في الثغاء وهي لا تكف عن الحركة الثورية، محتفلة بيومها العالمي، فاليوم كان الخامس من تشرين الأول.
أليس في هذا ظلم إضافيّ للمعلّم؟
هناك تناقض بين الثّغاء والثّورة... فكيف يكون الثّغاء صوتا ثوريّا؟
تقديري وتحيّتي

عبد السلام هلالي
17-03-2013, 10:32 PM
أهلا بك أخي عبد الغفور،
نص بني على نوع من الغرائبية و المزاوجة بين الأحلام و الهواجس، حاول التطرق لوضعية المعلمين، خصوصا العاملين بالجبال و القرى، لتفرقهم و انقسامهم صفهم مما جعل حقوقهم تهضم و كرامتهم تداس غير ما مرة.
لكن أعتقد و الله أعلم أن الخيوط التي اخترتها للنسيج ، تقاطعت في ذهنك و تشابكت مما سبب نوعا من الإرتياك للقارئ و صعب عليه تتبع مسار السرد. فضلا عن عدم ملاءمة بعض الرموز التي اخترتها للإشتغال مع فكرة النص.
هذا رأي قارئ هاو و ليس ناقد متمرس.
تقبل مروري مع التحية.

عبد الغفور مغوار
21-04-2013, 11:19 PM
نعم أخي عبد السلام
جعلت الخيوط كذلك لأني أصور حلما غريبا لأنه في الأصل كان حلما مزعجا
لم يكن حلما سريريا إذا صح التعبير وإنما حلم يقظ يقظة تنقصها الحياة
أنت مغربي و على علم بتردي أوضاع التعليم عامة بما في ذلك وضعية المدرسين و مناهج التدرسي ورؤية النظام اتجاه المدرسة العمومية
وما آل الوضع إليه هو التشردم النقابي
ملاحظاتك قيمة و أشكر لك المرور أيها الفاضل

عبد الغفور مغوار
21-04-2013, 11:22 PM
شكرا يا بدرانة على المرور و التذوق
إضافة لا بد منها كي يكتمل المعنى اليوم الخامس من تشرين الأول هو اليوم الوطني للمدرس ببلادنا
وما الحركة الثورية إلا حركة نقابية متشردمة فكل ينفخ في كيره و جمر
تحياتي القلبية

عبد الغفور مغوار
21-04-2013, 11:28 PM
أخي الفاضل عبد السلام دغمش
لك كل ودي أيها الفاضل
جزاك الله خيرا على حسن تقديرك للمعلم
ملحوظة:
في بلادنا أصبح المعلم سخرية وهذا بفعل فاعل
سياسة النظام تعتمد تشويه رجل التعليم حتى تفقد الناس الثقة به و بالمدرسة العمومية التي باتت تثقل كاهل الحكومات
إنها فعلا مهزلة

عبد الغفور مغوار
21-04-2013, 11:30 PM
يا أختي براءة مع شيء من التركيز ستنجلي الغشاوة ومع هاته التوضيحات سوف تدركين المغزى
اشكر لك المرور و الاهتمام
لك خالص مودتي و تقديري

ربيحة الرفاعي
11-05-2013, 09:52 PM
للتعليم قداسته، وللمعلم وإن قصر في حقه المعنيون قدره ومكانته
ولعل استياء كاتبنا من الواقع بلغ حد جلد الضحية ربما اعتراضا على تقبلها له

تهت مع تداخلات السرد قليلا
غير أن إطار الفكرة حفظني في جو النص ورسالة القاص

دمت أيها الكريم بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
04-06-2013, 09:22 AM
قصة جميلة وغايتها كريمة وسامية

شكرا لك أخي

بوركت

عبد الغفور مغوار
26-06-2013, 12:59 PM
ودمت انت أيضا بألف ود
نعم قصة كتبت في ظروف صعبة وجو مشحون و مكهرب
فكان فيه ما كان من غموض
اعتمدت الترميز بعض الشيء لكي لا يكون سردا تقريريا
لك أزكى التحايا أيتها الكريمة

لانا عبد الستار
22-07-2013, 01:35 AM
المعلمون هم النسور التي ترفع الجميع ولا يهتم بها أحد
قصة مؤثرة
وعنوان مميز