تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عباس الأبيض



محمد مشعل الكَريشي
27-03-2013, 04:28 AM
عباس الأبيض
(قصة قصيرة)


الليل والنجوم تصحبه حيث حل وارتحل ، يجوب الأرض المقفرة بفرسه لوحده لا يصطحب أحد معه لأنه لا يثق بالسراق !
خارطة حياته السوداء جثم على وجهها كل أعمال الشر فلم يترك موبقة إلا وعملها ، تجاوز الأربعين بخمسة أعوام، اشتدت فيها شكيمته وبات معروفا بين أهل القرى والمدن باسم عباس الأسود الكل يحذر منه ويهابه؛ سارق محترف ، يصفونه بأنه (يسرق الكحل من العين).
الناظر في وجهه يرى أنها تسمية على غير مسمى ؛ قليل من السمرة خالطت وجهه فصبغت بشرته بلون الحنطة ، لم يتفرق الشيب في مفرقيه سوى طلائع تناثرت كحبات رز على الخوان، زادته وسامة وجمال.
لم يخطب في حياته سوى امرأة واحدة لولا أنها تزوجت بغصب الأهل لها لكان معها الآن ولربما تغيرت حياته إلى الأحسن..
لم يفكر بعدها بامرأة و ذهبت سدى كل محاولات أمه وأبناء عمومته، لتثنيه عما هو عليه وترغيبه في البيت والزوجة والأولاد.
في إحدى الليالي وهو عائد من سطو لم يأتي بشيء معه قاصدا مضارب الأهل ، أمسك بندقيته المعلقة بسرج حصانه تفقد ذخيرتها وهو يقترب من سوادة لاحت لناظره من بعيد وهو الخابر بما تحمله ليال الصحراء من مفاجأت.

تسير فرسه ببطء وحذر يمسك مصراعها بيد وبالأخرى يحمل بندقيته (البرنو) يسند رقبتها على كتفه وهو على الأهبة والاستعداد لأي حدث يمكن أن يداهمه.
اقترب من تلك السوادة ، تحقق منها جيدا فتيقن أنها لإنسان وليس لحيوان كما ظن بادئا.
توقف وأسقط صوت الصمت بحشرجة متارس بندقيته قائلا معها بصوت يرهب سامعه: مَنْ هناك ؟
الصوت يعود إليه ناعما .. صديق يا أبن الحلال.
صوت امرأة وسط الليل في هذه الأرض المقفرة الواسعة !
ترجل واقترب منها والحزم والشدة لا يتخلى عنهما؛ الفارس لا يطمئن لأي أحد ، هكذا كان يقول في خلده ويحذر نفسه من نفسه.
- من أنتِ وماذا تفعلين هنا والليل قد انقضى نصفه ؟
- لا أستطيع عبور النهر وأخشى أن أغرق فيه.
نظر خلفها فميز نهرا قريبا تقدم نحوه فأيقن صدق مقولتها.

اقترب منها أكثر، أمسك البندقية وزمام الفرس بيد ومد الأخرى في جيبه أستخرج زناده اقتدحه وقربه من وجهها ؛ فقلة قمر ، عينان واسعتان وخد ندي بلغت بجمالها الثلاثين عام أو اكثر بقليل.
أردفها خلفه وعبر النهر.
أنزلها وفي نفسه يلح عليه السؤال مالذي يدفها للسير وسط هذه الارض البور في هذا الليل ؟
سألها فقالت:
- الليلة تزوج عليَّ زوجي وقد أغاضني بفعلته وليس فيَّ مايعيب فقد قمت بخدمته طوال حياتنا معا ، غدر ربي أدخلها في بيتي وبدون علمي ، فلم أتمالك نفسي خرجت حين دخل معها الحجرة ، بلا شعور قاصدة بيت أهلي وقد تهت في الطريق إليهم والنهر أوقفني كما رأيت.

لا أظتها إلا مختلطة أو ربما تكذب لتخفي عني أمرا أشد خطورة مما ذكرته لي ، هكذاحدث نفسه، ثم كسر طوق تكهناته وسألها:
- والآن إلى أين ستذهبين ؟
- سأنتظر هنا حتى يبزغ الفجر فأرى وجهتي وأهتدي الطريق إلى أهلي.
- اليل لا يأمن فيه أحد ، سأبقى معك.
أجلسها قرب فرسه وراح يلملم لها من حشائش الأرض وأعوادها كومة حطب أشعل فيها النار.
جلسا حولها وقد تلالأ وجهها أمامه بدرا ، تشبثت نظراته بوجهها ، يكبت في داخله وحشا هائجا يوقظ غرائزه ، يسوقه الشيطان بسوط من نار ، يتسلل إليه يسقط لحظته على تاريخه يركم أفعاله بعضها فوق بعض ويقول له: البعير لاينوخ من منخل الدقيق ، لقد فعلت أكبر منها ولا يُضيرك إن فعلتها ، فالجمع لايحصيه أحد وواحدة أخرى يتيه معها العدد. لن تقو على معارضتك والفرصة مؤاتية .
ينقطع الصوت في داخله ليبزغ صوت غيره، يوبخ فعلته ويهدده بالعقاب، يحاكي عقله يقارن له الفعل لو فُعل معه ؛ هل ترضى لاختك ذلك ؟!!
تصارع الإثنان في قلبه فأدله الغرور ومناه العُجب بنفسه فرد على حديث العقل ، ليس لي أخت وهذه غنيمة اغتنمتها وسط الصحراء.

خسر نفسه واستسلم للشيطان وغوايته.
أريد مضاجعك ، قال لها ذلك بحزم وقوة أدخلا الرعب لقلبها والإضطراب لحالها فجعلتها بلا شعور تزحف إلى خلفها تتكئ على راحتي يديها.

اكتفت بالصمت قليلا ثم قالت: أنا موافقه..
استغرب فهي لم تقاومه أو تظهر الإمتناع ، داخله السرور، ولكنها قطعت سروره ، فأعقبت كلامها: ولكن لي طلبين أثنين حقق لي أحدهما وأنا تحت أمرك أفعل ماتشاء.
أما أن تفعل فعلتك ومن ثم تحكم بندقيتك في قلبي وتتركني وتذهب، وسنلتقي عند ملك عادل لا يظلم عنده أحد وهو الشاهد الذي لاتخفى عليه خافية.

أو أن تتخذني لك أختا والأخت تحفظ.
أوصدت الأبواب بوجه الوحش الكاسر وأخمدت النار في عقبه ، وغلقت دون نفسه منافذ الشيطان، وهو في دهشة من كلامها فلا يبدو أنها مختلطة أو بها مس من الجنون .

ألفت كلماتها مواطن قلبه وأيقظت الخير في نفسه ، صعقته كلماتها وكأنه لم يسمع بمثلها يوما، استغفر الله وقال لها أنا اخوك والأخ أولى بحفظ أخته ، لم يبق في داخلي مما طلبته منك شئ فقد تبدد كماء في صحراء ، لك الأمان يابنت الحلال.
نام على مسافة منها بعد أن افترش لها وقاء الفرس وغطاها بعباءته ، وقد أغلق كل المنافذ الأمارة بالسوء نحوه والقم الشيطان حجرا بقوته وصلابته وعزة نفسه.
عند الفجر تفقد المكان فكان بقرب مزرعة للرقي، اقتطع ثمرة كبيرة .

حين أشرقت الشمس أيقضها وأخرج خنجره وفلقها نصفين ودعاها للأكل.
بينما هما يأكلان انقض عليهما صاحب الأرض وهما معا..
رفع رأسه ، رفعت رأساها..
قامت من فورها احتضنت الرجل وبكت.
كانا ينامان على أرض أهلها ويأكلان منها.

أخي هذا الرجل هو من ساعدني وقد كان لي نعم الأخ بيض الله وجهه.

دعاه إلى ضيافته بعد أن شكره وثمن فعلته الكريمة ونخوته الأصيلة ، لكنه رفض وودعهم ، نادته : ياوجه الخير هل أخبرت أختك باسمك؟

بندقيته بيده والزمام بالأخرى ، تبسم وهو على ظهر جواده وقال لو خيرتك بين لقبين يتبعان أسمي (الأسود أو الأبيض) فماذا ستختارين لي ؟

- الأخت تتزين إذا تزين أخوها والأبيض يليق بك.

لكد خاصرة الفرس برجليه وهو يلوح لها بيده بعد أن أعاد البندقية الى مكانها متدلية على السرج قال لها: كانوا ينادونني عباس الأسود ، وقد ولدت لي أخت فسمتني عباس الأبيض.












محمد مشعل الكَريشي / 25-3-2013

براءة الجودي
27-03-2013, 08:55 AM
قصة رائعةحقا ولها معاني جميلة ..
لن أعقب على سردك ووصفك فأنت مبدع ماهر فيه كالعادة ,استوقفني هنا الكثير
فالإنسان قد يستسل لعواطفه وغرائزه وقد يدخل عليه الشيطان مداخلا لكن من الرائع وسداد الراي والحكمة أن يحدث صراعا داخله بين الخير والشر أن يهذبه دينه ويتذكر الحرام والحلال فيضط نفسه
وإن يتمادى في فعل السوء وإن همَّ بالخطيئة اجتهد ونأى عنها
لله درك أخي الفاضل محمد
اسأل الله لك السعادة والتوفيق في الدارين

محمد مشعل الكَريشي
27-03-2013, 12:00 PM
قصة رائعةحقا ولها معاني جميلة ..
لن أعقب على سردك ووصفك فأنت مبدع ماهر فيه كالعادة ,استوقفني هنا الكثير
فالإنسان قد يستسل لعواطفه وغرائزه وقد يدخل عليه الشيطان مداخلا لكن من الرائع وسداد الراي والحكمة أن يحدث صراعا داخله بين الخير والشر أن يهذبه دينه ويتذكر الحرام والحلال فيضط نفسه
وإن يتمادى في فعل السوء وإن همَّ بالخطيئة اجتهد ونأى عنها
لله درك أخي الفاضل محمد
اسأل الله لك السعادة والتوفيق في الدارين

أهلا بهذه الاطلالة الكريمة شاعرنا الغالية براءة الجودي ومرحبا
زاد الله في ايمانكم أخيتي ومتعنا بحضوركم الدائم ..
شكرا لك أيتها الرائعة ...مودتي:0014:

ناديه محمد الجابي
27-03-2013, 07:20 PM
كل إنسان يحمل بداخله الأبيض ـ والأسود .. فإذا ما نهى النفس عن الهوى
وتغلب على شيطان نفسه, تلك النفس الأمارة بالسوء ـ إذا ما استطاع أن
يتحكم فيها .. تغلب الأبيض على الأسود.
أما إذا ما اتخذ إله هواه فإن الأسود يتغلب على الأبيض.

قصة من أروع ما قرأت لك فكرة ومضمونا..
في كل مرة تتفوق على نفسك, وقد بلغت في هذه القصة الذروة
من حيث البناء الدرامي ـ وقد سبكت القصة بجمال السردوالوصف والحوار.
بوركت من مبدع.
:nj::hat::os:

محمد مشعل الكَريشي
28-03-2013, 04:44 AM
كل إنسان يحمل بداخله الأبيض ـ والأسود .. فإذا ما نهى النفس عن الهوى
وتغلب على شيطان نفسه, تلك النفس الأمارة بالسوء ـ إذا ما استطاع أن
يتحكم فيها .. تغلب الأبيض على الأسود.
أما إذا ما اتخذ إله هواه فإن الأسود يتغلب على الأبيض.

قصة من أروع ما قرأت لك فكرة ومضمونا..
في كل مرة تتفوق على نفسك, وقد بلغت في هذه القصة الذروة
من حيث البناء الدرامي ـ وقد سبكت القصة بجمال السردوالوصف والحوار.
بوركت من مبدع.
:nj::hat::os:
شهادة أعتز بها تحفزي للسير الى الامام ، سرتني اطلالتكم الكريمة اديبتنا الغالية نادية محمد الجابي ..
الخير والشر بلباسهما التقليدي الابيض والاسود وحبلة الصراع انفسنا والحكم هو العقل ...
شكرا لك على هذا الرد الجميل والاضافة الطيبة ..
تحياتي دائما أخيتي العزيزة..محبتي:0014:

آمال المصري
24-04-2013, 02:16 AM
كان الصراع عنيفا بين الخير والشر
ولكن بداخل كل نفس خيرة ينتصر الخير
كان السرد رائعا واللغة جميلة وخاتمة موفقة
وفي المجمل كأني أمام شريط " سينمائي " برعت في تصويره بحرفك الماتع
من أروع ماقرأت لك أديبنا الرائع
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

أحمد الأستاذ
24-04-2013, 03:14 AM
الله الله ما أروعك

قصة جميلة جدا جدا

أعجبني أسلوب المرأة, وحكمتها بكلماتها القليلة التي ردّت الغواية عنه
ودلّته إلى طريق الرشد

هكذا هي الحياة طريقان طويلان, بينهما ثأر لا يهدأ , طريق الخير, وطريق الشر (الضلالة والهدى)
فطيبا لـ من تلاشت عنه الضلالة,ليقبع في نهر الهدى.

أديبنا الجميل/ محمد
كتبتَ وأمتَعت
دمت والجمال أخي الكَريم
سأكون دائما بانتظار روائع قلمك

تحيتي والياسمين

محمد مشعل الكَريشي
24-04-2013, 07:25 AM
كان الصراع عنيفا بين الخير والشر
ولكن بداخل كل نفس خيرة ينتصر الخير
كان السرد رائعا واللغة جميلة وخاتمة موفقة
وفي المجمل كأني أمام شريط " سينمائي " برعت في تصويره بحرفك الماتع
من أروع ماقرأت لك أديبنا الرائع
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

أهلا بالغالية الاديبة آمال المصري ومرحبا
يداخلني السرور بمداخلاتك وردودك القيمة وتعقيباتك النافعة
اشكرك لك اهتمامك ومتابعتك
وادعوا لك بكل خير
اعتزازي ومودتي دائما :0014:

محمد مشعل الكَريشي
24-04-2013, 07:27 AM
الله الله ما أروعك

قصة جميلة جدا جدا

أعجبني أسلوب المرأة, وحكمتها بكلماتها القليلة التي ردّت الغواية عنه
ودلّته إلى طريق الرشد

هكذا هي الحياة طريقان طويلان, بينهما ثأر لا يهدأ , طريق الخير, وطريق الشر (الضلالة والهدى)
فطيبا لـ من تلاشت عنه الضلالة,ليقبع في نهر الهدى.

أديبنا الجميل/ محمد
كتبتَ وأمتَعت
دمت والجمال أخي الكَريم
سأكون دائما بانتظار روائع قلمك

تحيتي والياسمين
أهلا بالاستاذ أحمد الأستاذ ومرحبا
شكرا لك عزيزي على هذه الأطلالة الانيقة وهذا الحرف الرقيق ..
دمت بخير ياصديقي وفقك الله واتم نعمه عليك
اشكرك كثيرا واعتز بك .. مودتي:0014:

ربيحة الرفاعي
09-08-2013, 12:27 AM
نص قصّي ملفت بشائق سرده وسمو غرضه وجمال عرضه لذلك الصراع بين الخير والشر في بناء درامي مترابط وأداء قوي

جميل ما قرأت هنا أديبنا

تحاياي

محمد مشعل الكَريشي
17-08-2013, 09:00 AM
تحيتي اديبتنا الغالية ربيحة الرفاعي
شكرا لك على الحضور والمتابعة
مودتي ...

كاملة بدارنه
19-08-2013, 10:07 PM
قصّة ذكّرتني بالحكايات العربيّة القديمة
رائعة السّرد والحبكة وجميل أنّ النّزوة الشّيطانيّة كانت الخاسرة
تمنّيت الاعتناء باللّغة أكثر لتفادي الأخطاء
بوركت
تقديري وتحيّتي

محمد مشعل الكَريشي
31-08-2013, 07:10 AM
تحياتي لك اديبتنا الرائعة كاملة بدرانة وشكري الكبير لحضورك المتميز دائما ...مودتي

نداء غريب صبري
21-09-2013, 04:44 PM
صراع بين الخير والشر في نفس البطل
القصة سردها جميل ومشوّق والأسلوب ممتع جدا

شكرا لك

بوركت