المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موح



يحيى أوهيبة
05-04-2013, 10:38 AM
منذ الأزل وهذا البحر يرتطم بجبهة قريته الصغيرة من دون كلل أو ملل, بحر ليس كباقي البحار, تجاوز مفاهيم الجغرافيا, وتجاوز المعاني الشكلية للأشياء, أمواج مثلما تخفق في أعماقه, ومثلما تخفق فوق اليابس, تخفق في أزقة القرية, وفي غرف البيوت, وتخفق أمام عتبة القلوب التي تعلقت به, قلوب لا يحلو لها الصباح دون أن تسلم عليه وأجفان لا يحلو لها النوم قبل أن تودعه في المساء. موح, ومنذ نعومة أظافره اعتاد أن يداعب أنامل أمواجه لحظة لمسها لحبات الرمل, واعتاد أن يتحدث إليه ويغطس بين كفيه يتحسس إن كان فعلا يبادله مشاعر الحب, يقف هذه المرة وقفة مختلفة, يدخل عتبته ليبوح له بسر آن أن يفلته:
- حانت لحظة الرحيل يا صديقي, سأمتطي ظهرك هذه المرة لأرحل عن هذه الضفة الى ضفة أخرى أتوسم أن يكون بها بشر مختلفون.
يعاود موح كما اعتاد كل يوم إتمام ما بدأه من أشغال إصلاح وتجهيز قاربه للرحلة, يعمل ويحدث نفسه بهيجان هذا البحر فجأة, وكأنه غاضب على ما أفلت من بوح, تتطاير عليه قطرات من أمواجه المرتطمة, يستحضر معها دموع الوالدة وملامحها الحزينة وهي تترجاه أن يعدل عن قرار الرحيل:
- آه يا صديقي, آه يا أماه, أين تريداني أن أبقى, في ضفة سفكت دم البراءة أمطارا, في ضفة بلغت أوزار جرمها الوديان والأنهار, في ضفة أغلقت في وجهي كل أبوابها, كلما بكيت لها وتوسلت استغشت ثيابها واستدبرت واستكبرت استكبارا, راحل يا صديقي, راحل يا أماه......يا رب لا تذر من المجرمين على هذه الضفة ديارا.
حل المساء, لملم زاده وأحلامه ومشاريعه على قاربه, استدرجه هدوء الليل الى رحلة العمر, بغضب وبعجل أدار المحرك ليشق ثلمه على أديم البحر, ثلم لا زرع فيه ولا ثمر, مضت به الساعات الى كبد الحيرة والوحدة, تلبدت السماء, احترقت وجنتاه من الخوف وخفق قلبه مع هزيم الرعد, وشد الرياح الممطرة, تعالت على جنبيه الأمواج, استحضر خاطره صورة الأم, ونطقت الأنفاس ببكائها ورجائها, أراد عناقها باكيا, لكن الموج حال بينهما فكانت الرحلة الى أعماق صديق العمر وقد علقت بأنامله الأحلام الوردية. طلعت على العالم شمس يوم جديد, أقلعت فيه السماء, وغيض الماء, وهدأت الرياح, أفلته البحر بأنامل حزينة, واستوت جثته من حيث أفلت سره.
--------------------------------------------------------
نص القصة على مدونتي دفاتر ثقافية

مصطفى حمزة
05-04-2013, 12:59 PM
منذ الأزل وهذا البحر يرتطم بجبهة قريته الصغيرة من دون كلل أو ملل, بحر ليس كباقي البحار, تجاوز مفاهيم الجغرافيا, وتجاوز المعاني الشكلية للأشياء, أمواج مثلما تخفق في أعماقه, ومثلما تخفق فوق اليابس, تخفق في أزقة القرية, وفي غرف البيوت, وتخفق أمام عتبة القلوب التي تعلقت به, قلوب لا يحلو لها الصباح دون أن تسلم عليه وأجفان لا يحلو لها النوم قبل أن تودعه في المساء. موح, ومنذ نعومة أظافره اعتاد أن يداعب أنامل أمواجه لحظة لمسها لحبات الرمل, واعتاد أن يتحدث إليه ويغطس بين كفيه يتحسس إن كان فعلا يبادله مشاعر الحب, يقف هذه المرة وقفة مختلفة, يدخل عتبته ليبوح له بسر آن أن يفلته:
- حانت لحظة الرحيل يا صديقي, سأمتطي ظهرك هذه المرة لأرحل عن هذه الضفة الى ضفة أخرى أتوسم أن يكون بها بشر مختلفون.
يعاود موح كما اعتاد كل يوم إتمام ما بدأه من أشغال إصلاح وتجهيز قاربه للرحلة, يعمل ويحدث نفسه بهيجان هذا البحر فجأة, وكأنه غاضب على ما أفلت من بوح, تتطاير عليه قطرات من أمواجه المرتطمة, يستحضر معها دموع الوالدة وملامحها الحزينة وهي تترجاه أن يعدل عن قرار الرحيل:
- آه يا صديقي, آه يا أماه, أين تريداني أن أبقى, في ضفة سفكت دم البراءة أمطارا, في ضفة بلغت أوزار جرمها الوديان والأنهار, في ضفة أغلقت في وجهي كل أبوابها, كلما بكيت لها وتوسلت استغشت ثيابها واستدبرت واستكبرت استكبارا, راحل يا صديقي, راحل يا أماه......يا رب لا تذر من المجرمين على هذه الضفة ديارا.
حل المساء, لملم زاده وأحلامه ومشاريعه على قاربه, استدرجه هدوء الليل الى رحلة العمر, بغضب وبعجل أدار المحرك ليشق ثلمه على أديم البحر, ثلم لا زرع فيه ولا ثمر, مضت به الساعات الى كبد الحيرة والوحدة, تلبدت السماء, احترقت وجنتاه من الخوف وخفق قلبه مع هزيم الرعد, وشد الرياح الممطرة, تعالت على جنبيه الأمواج, استحضر خاطره صورة الأم, ونطقت الأنفاس ببكائها ورجائها, أراد عناقها باكيا, لكن الموج حال بينهما فكانت الرحلة الى أعماق صديق العمر وقد علقت بأنامله الأحلام الوردية. طلعت على العالم شمس يوم جديد, أقلعت فيه السماء, وغيض الماء, وهدأت الرياح, أفلته البحر بأنامل حزينة, واستوت جثته من حيث أفلت سره.
--------------------------------------------------------
نص القصة على مدونتي دفاتر ثقافية
أخي الأكرم ، الأستاذ يحيى
أسعد الله أوقاتك
يُسعدني أن أكون أول من مرّ على أولى مشاركاتك هنا . وكانت مفاجأة بديعة وممتعة ..
قصّة قصيرة حملت كلّ أسباب الإبداع القصصي وأوصلت إليه .
الفكرة إنسانيّة : الهجرة من أرضٍ هو فيها وهي فيه ، لكنه غريبٌ بين ( بشر ) عليها !
رائعة هذه المناجاة مع البحر التي جعلتنا نشعر بالاتحاد الوجداني معه ، حتى حين اشتدت عليه العاصفة وأغرقته فيه هوى إلى ( أعماق صديق العمر ) !
سردٌ سلس وواعٍ ، تخلله الحوار الداخلي بمهارة ، واللغة بليغة فاخرة . وكانت النهاية مأساويّة مؤثّرة .
أمتعتَنا بأولى المشاركات ، وأهديتنا لحظاتٍ إنسانيّة أغنت حيواتنا ، فإيهٍ ونحن بالانتظار
دمتَ بألف خير ، وأهلاً بك ومرحباً في واحدة الحق والجمال

آمال المصري
05-04-2013, 01:06 PM
نص ماتع حقا شائق بفكرته ولغته الشاعريه وقوة بيانه وبنياته وصوره المتلاحقة وخاتمة مباغتة رغم الإيلام
استمتعت بالقراءة هنا أديبنا الرائع
مرور للترحيب بك في واحة الجمال وأتمنى أن تطيب مقاما معنا
وننتظر جديدك بشوق
تحاياي

محمد ذيب سليمان
05-04-2013, 04:34 PM
لله
ما اقسى الأيام حين تحوال بين المرء واحلامه
وتزداد قسوتها حين يكون هو ذاته الثمن
نص جميل يغري بالمتابعة بلغة جميلة موجعة
مودتي

يحيى أوهيبة
06-04-2013, 12:50 PM
أشكرك جزيل الشكر أستاذي مصطفى حمزة على هذا الترحيب الكريم, وانما يدل على طيبيتكم وتواضعكم وحسن خلقكم, وفعلا تفجأت بمرورك وتعليقك ومرور كل المبدعين هنا في منتداكم الرائع ولم أكن أتوقع أن تنال قصتي المتواضعة كل هذا الاعجاب, شكرا على الترحيب والتشجيع وحتما لي عودة ان شاء الله

يحيى أوهيبة
06-04-2013, 12:58 PM
المبدعة آمال المصري, احمرت وجنتاي أمام ترحيبك الكريم, وكلماتك الجميلة, وسعيد لأن النص أمتعك

يحيى أوهيبة
06-04-2013, 01:02 PM
أستاذي سليمان
هي القسوة والألم عندما يختارهما الانسان كحل لمشاكله...شكرا على المرور

اماني مهدية الرغاي
09-04-2013, 05:15 PM
اخي المبدع يحيى اوهيبة
قصتك التي نحن بصددها قد يراها القاريء المتصفح عادية ومعاشة وتعودنا بفعل تكرار مثل هاته المآسي على التعاطي معها كانها من مسلمات هذا العصر العصيب وقد يجد البعض ان التيمة مجترة ومستهلكة..لكنك وإن اخترت لها لها طرحا بسيطا من حيث اللغة والتراكيب فقد جعلت حمولتها زاخرة بالألم والغبن اللذان يتآكلان شبابا حاول أن يهرب من واقع مرير وفشل ذريع لجل منظوماتنا..عاد أو لم يعد أصار وجبة آدمية لاسماك المحيط ام مضغة في فم الاغتراب والاستلاب ..فالمآسي لا تتشابه ولو كان الموضوع مكررا ولا يخف وقعها بل تحبل وتناسل مآس اخرى..فمن بقي أجهض حلمه ومن قضي أخده وهمه وغطس معه في دأماء البحر ومن يفتقدهم يعيش الحرمان والثكل واليتم...وتستمر حياة العطالة والبطالة وعدم تكافؤ الفرص في حصد حيوات شباب وطننا..وتعود التيمة تلك وتعود لتجعل الحبر ينزف ..وينزف ..
العديد من الكتاب لايجدون ضيرا ولا حرجا من التطرق الى "تيمات " مستهلكة لاسيما إذا ما تناولت بطريقة فنية راقية كما هو الشأن في هذه الاقصوصة الأدبية بامتياز والتي تطرقت الى معضلة العطالة واختزلت أحلام شبان وشابات ملئوا جراب عطالتهم بسهام الوهم .الحلم شيئ جميل ان تحقق يكون أجمل
والوهم يتخيل ويشبه.. وهو مجرد سراب وبينهما يتيه الواقع وتتشظى الذوات مثل احلام الغرباء في أوطانهم باغتراب يخفف وطأة الغربة المستفحلة في النفوس
كمن يتداوى من المر بالمرار..هو الحلم / الوهم الذي استبد بالذوات وحولها إلى فراغ تعبث به الرياح , تلقي بها أنى شاءت حـتى إذا استفاقت كانت شتاتا يحيى ضياعا يهيم في أرض لم تعد تتسع لنا كلنا ولم تعد تضمن عيشا كريما لمن يؤثثوا فضاءها... يقال أن أحلامنا تتقارب ومرة تسبقنا وتقطع انفاسنا وأوهامنا تختلف تسلينا وتربكنا وتجعلنا ننفصل عن ذواتنا ..والخط الرفيع الذي نتلاقى عنده هو الواقع الّذي يفرض نفسه علينا أبينا أم أحببنا...والواقع صعب لكن جميل متعب ومريح في آن ,ظاهر وبين ولا رتوشات تموه عليه ..يغري ذوي العزائم بالتحدي لا بالفرار والتردي ..
مناجاة بطل القص لأمه اضفت على السرد لمسة نوستالجيا مستبقة وربما هي أيضا مناجاة للأرض الأم التي سيتركها وينطلق محملا بالخيبة منها فهي لم تحمه ولم تؤمن له عيشا كريما يغنيه عن الرحيل أرض موات بائر و عاقر لا تلد خيرا لفظته لكن عقله ووجدانه سيظلان هناك يراوحان ولا يبارحان ..كما ذكراه في قلوب من أحبوه.

أرجو أن أكون لامست بعضا من زوايا قصتك الرائعة ..على عجالة ...
وشكرا على الإبداع والإمتاع
اختك اماني

يحيى أوهيبة
13-04-2013, 12:48 PM
صحيح تتكرر المآسي مثلما تتكرر الحروف والكلمات من فعل النسخ واللصق, ولكن لا تتكرر معها المشاعر والظروف, وان كانت كثير من القصص تتقاطع في مواضيع تبدو للقارئ أو الناقد أنها مستهلكة, لكن وجب قراءة ما بين السطور ففيها ما هو مختلف بحق. نعم لامست بعض الجوانب الحسية في القصة, وهناك جوانب أخرى تنتظر أن يسلط عليها القارئ بعض الضوء, ولا أجد الكلمات لأشكرك على هذا التعقيب الجميل, وكل هذه الكلمات والسطور التي أبحرت بها مع موح في بحر قصته المؤلمة.

كاملة بدارنه
13-04-2013, 05:12 PM
أهلا بك أستاذ يحيى في الواحة وبرائعتك الأولى
نهاية حزينة لأحداث جاذبة بقوّة سردها ولغتها
جميل ما قرأت
بوركت
تقديري وتحيّتي

يحيى أوهيبة
18-04-2013, 08:05 PM
الأستاذة المبدعة كاملة بدارنة شكرا على هذا الترحيب الحار, وأتمنى أن أكون عند حسن ظنكم ان شاء الله

ربيحة الرفاعي
08-05-2013, 01:44 AM
بتمكن قصيّ حملت عتبة النص زخما تصويريا نقل للمتلقي ذلك الانطباع الذي أراد الكاتب توصيله إليه مقدمة للقصة عن التواصل العميق بين الانسان ومعطيات بيئته، وبمهارة نقل لنا السرد الشائق بشاعرية الصور وعمق المونولوج الداخلي وأحداثه الجانبية الصغيرة تفاصيل المشهد لنعيش حسره الحدث الرئيس، فننطلق بالخيال خلف مشاهد مشابهة لشباب دفعهم مرار الواقع للإقلاع نحو شواطئ الأحلام، تتكشف عن كوابيس لا يعرف كيف يهرب منها، أو تنأى عن إمكانات سفينه فيلتقطه البحر أو ..
التناص مع النص القرآني جاء جميلا وملفتا ، واللغة جاءت سلسة وقويّة فأمتعت

بديعا كان هطولك الأول في واحة الخير فأهلا بك ومرحبا
وبانتظار جديدك

دمت بألق

تحاياي

يحيى أوهيبة
10-05-2013, 08:30 PM
الأستاذة المبدعة ربيحة الرفاعي أشكرك على هذه القراءة المميزة والعميقة لأحداث القصة, ولك من أخلص عبارات الشكر على عبارات الترحيب, وباذن الله سيكون هناك جديد.

نداء غريب صبري
30-05-2013, 11:15 PM
قصة إنسانية رائعة عن جنون الهجرة الذي يجعل أبناءنا واخوتنا يتخيلون الحياة وراء البحر نعيما، ويخوضون ليصلوها الموت ويلوعوننا
السرد جميل ومشوق والقصة ممتعة

شكرا ل اخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
28-03-2014, 06:45 PM
قصة رائعة ومؤثرة وجميلة السرد بديعة الحرف
قص شاعري التعبير ـ في مشهدها جمال وتشويق
طريقة تناول الفكرة أكثر من رائع ـ وأداؤك القصي متمكن وعميق
أحي فيك هذا الألق ـ ودام بهاء حرفك.

ناديه محمد الجابي
28-03-2014, 06:46 PM
قصة رائعة ومؤثرة وجميلة السرد بديعة الحرف
قص شاعري التعبير ـ في مشهدها جمال وتشويق
طريقة تناول الفكرة أكثر من رائع ـ وأداؤك القصي متمكن وعميق
أحي فيك هذا الألق ـ ودام بهاء حرفك.

خلود محمد جمعة
02-04-2014, 08:35 AM
مناجاة مع البحر و مع الذات بلغة مائزة و سرد سلس و أسلوب مشوق ببداية شفيفة ونهاية مؤثرة وما تخلله من تفاعلات داخلية
اسجل اعجابي
واهلا بك في واحة الأدب
دمت بخير
مودتي وتقديري