تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : يغضبون



كاملة بدارنه
07-04-2013, 01:39 PM
يغضبون...

لا يدرِي كم مرّ من الوقت، وهو يركض حتّى وصل أعلى التّلّة بعد أن شتمه أبوه ولعنه ونعته بالفاشل، بعدما ظهرت نتائج امتحانات إنهاء المرحلة الثّانويّة التي لا تؤهّله لدخول الجامعة، وتحقيق أمنيّة أبيه بأن يصبح محاميا، في حين حصل أخوه على التّفوّق في دراسة موضوع الطّب، وفاز بمنحة التّعليم على حساب الدّولة!.
جلس مسندا ظهره إلى جذع إحدى شجيرات السّنديان البريّة، يحرّك تراب وحجارة المكان برجليه اللّتين لم تتوقّفا عن المدّ والثّني، ، ويده ترمي بالحصى، وكأنّه يرجم ماضيه، وينبش بقدميه عمقا أفضل من سطح حياته...
لم تغادر صورُ طفولته مخيّلتَه، وهو يدخل إلى البيت حاملا نتائجه، بعد انتهاء كلّ فصل تعليميّ، ورجلاه اللّتان أعلنتا الآن التّمرّد والحرب، قد كانتا ترتجفان تحته، وأحيانا لم تقويا على حمله حين يتخيّل انعقاد حاجبيّ والده على الجبين النّحاسيّ الذي لفحته الشّمس لكثرة وقوفه ساعات طويلة؛ لتوفير الحياة الرّغيدة، وتحقيق الأمانيّ السّعيدة التي يرغب فيها أولاده...
كان يضع حقيبته في غرفة استراحة العائلة؛ لئلّا يُتّهم بإخفاء نتائج تحصيله، ويذهب إلى غرفة نومه مرتعد الفرائص خوفا من صراخ أبيه في وجهه، متذكّرا كلام زملائه بسخرية: اليوم يوم العصيّ فاستعدّ... وكان يغيظه أنّ والدته لم تكن تتعاطف معه كباقي الأمهّات، بل كانت تساند زوجها بطريقة غير مباشرة قائلة:
لو بذلت جهدا مثل أخيك لحصلت على علامات أفضل، ونجوت من الإهانة وحرمانك من الرّحلة الصّيفيّة. هداك الله يا بنيّ!.
ظلّ طويلا يلقي بنفسه في جبّ الذّكريات، ويخرجها منه أكثر تألّما وزيادة لمشاعر السّخط والحقد على أبيه، بل على جميع أفراد العائلة. فهو لم يجد في البيت سوى قطّته التي كانت تموء كلّما أحسّت بحزنه، واقتربت منه مصرّة على أن يلحق بها؛ لتخرجه إلى حديقة المنزل. عند تذكّرها استطاعت ذكراها شحنه بشعور بعَثَ فيه بعض فرح خفّف عنه ثقل أرطال الغضب التي أثقلت على صدره وكيانه.
شارفت الشّمس على المغيب، ولم يرغب بالعودة إلى البيت. وبالأحرى لا يجرؤ؛ لتأكّده بأنّ أباه ستزداد سورة غضبه، حيث لا يعقل أن يتغيّب ساعات طويلة دون إذن منه.
لم يراوح مكانه، وحجارة وتراب الحيرة اللذين نبشهما غضبُه، يتجاذبانه تارة بتشجيعه بملازمة المكان، وأخرى بإغرائه بالعودة إلى البيت. ففيه - على الأقلّ يجد طعامه وشرابه ومأواه- خاصّة وأنّ أمعاءه قد بدأ يعتصرها الجوع، وأعلنت قرقرتها احتجاجا ونداء لملئها.
وفيما الحيرة تنهش عقله وروحه، وإذ بصدى قهقهات يقترب رويدًا رويدًا...لتقف أمامه مجموعة من الشّبان، فاجأهم وجوده في المكان وحيدا، وقد مالت الشّمس للغروب. لم يعرهم اهتماما - مع أنّ أحد الوجوه بدا مألوفا له وتذكّر أنّهما كانا في المدرسة نفسها – وحاول أن يبدو طبيعيّا. لكن المساحة التّرابيّة تحت قدميه توحي أنّها شهدت معركة برجليه، وأنّ الأمر جلل، وحال الشّاب لا يسرّ!. فأشفقوا عليه.. ودعاه أحدهم- بعد أخذ موافقة (الشّلِّة) – إلى مرافقتهم. فَهُم قد جاءوا ليحتفلوا الليلة؛ فرحا بإنهاء المرحلة الثّانويّة، والتّخلّص من مآسي الامتحانات!.
أظهر بعض تردّد، ولكنّ إلحاحهم وتودّدهم شجّعاه على مرافقتهم.
ساروا بضع دقائق، وقد سطر الصّمت حروفه عليهم، وكأنّهم أرادوا إمتاع آذانهم بأصوات الطّيور التي تبحث هي الأخرى عن مبيت لها.
كُسر حاجز الصّمت لدى رؤية باب المغارة بإعلانهم عن الوصول حيث يريدون. انقبضت أسارير وجهه، وازداد خفقان قلبه حين تخيّل ظلمة المغارة. فهو يخاف من الأماكن المظلمة!.
انتبه أحدهم لتباطؤ مشيته، فاقترب منه داعيا إيّاه للدخول معا إلى البيت الجديد. أشعلوا الشّموع، وأخرجوا ما جلبوه لتحضير وليمة احتفاليّة... ثمّ همّوا بخلع ثيابهم، وارتداء ملابس خاصّة ظهرت عليها رسومات غريبة وعجيبة، زادت من خوفه لمّا تساقطت الأضواء عليها. ألقي عليه ثوب وطُلِب منه ارتداؤه، وخوفا من أن يتّهم بالجبن، أجبر نفسه على الرّضوخ لطلبهم.
تحلّقوا حول شموع الشّمعدان الذي نصبوه في وسط الأرضيّة، وبدأوا بالرّقص والدّوران مردّدين بعض الكلمات، في طقس أشبه بطقوس الجنّ التي شاهدها في بعض الأفلام المرعبة... ثمّ دعوه أثناء دورانهم ليدور معهم.
بدَوا منهكين بعدما تراموا على بعضهم كالسّكارى، ولكنّهم سرعان ما قاموا لتحضير وجبة العشاء.
بعد ملء بطونهم، استأذن أضخمهم؛ ليُحضر لهم الشّراب الذي ينعشهم. وأثناء نهوضه وضع كفّه مربّتا على كتف الضّيف، داعيا إيّاه لحديث جانبيّ قبل أن يتركهم لإحضار مشروبهم المفضّل.
كاد يصعق لهول ما سمع... أحسّ بثقل الطّعام في معدته التي ملأها بعد خواء... وها هو رأسه يكاد ينفجر، وعيناه تبحلقان، ويزيد من اتّساع حدقتيهما الضّوء الخافت.
شَعَرَ محدّثه بحاله، فسارع لاحتضانه قبل أن يقع أرضا، وأبعده قليلا عن مرأى العيون؛ مستفسرا عن سبب وجوده حيث صادفوه، فهو مكان خاصّ بالمجموعة، ونادرا ما يمرّ أحدّ من هذا المكان.
اضطر لإخباره بحقيقة الأمر، وما يعانيه من ظلم وقهر وتقييد لحرّيّته!...فتضاحك في سرّه وهمس له مُطَمْئِنا:
وصلتَ للعنوان الصّحيح. هنا الحريّة والتّخلّص من كلّ عبوديّة قد أوجدها بشر منذ الأزل... ابقَ معنا، وستنال ما تحبّ وتريد... نحن عائلتك الجديدة! وإذ انضممت إلينا، فلا مجال للابتعاد قبل الإدلاء بيمين القسم على حفظ السّرّ وصون العهد، وسيكون ذلك اللّيلة. وأمسك بيده ليعودا إلى الرّفاق.
تراءت أمامه صورة أبيه، وبركان غضبه ينفجر في وجهه بأقسى الكلام. تُرى ماذا سيصيبه لو رآني هنا؟! وتمنّى وفي أعماقه أن يعود للبيت قبل حدوث هذا.
جلس حيث أقعده مضيفه السّاقي، وقلبه يكاد يقفز من بين الضّلوع!
عاد السّاقي يحمل بإحدى يديه ديك دجاج أسود الرّيش، وبالأخرى سكّينا. ففرح الأصدقاء وهاجوا وماجوا ... الليلة سنقدّم أضحية احتفاء بالعضو الجديد. ذُبِح الدّيك أمام ناظريه، وقدّمت له كأس من الشّراب الأحمر، خمر الأضحية!.
شعر بالغثيان، ونهض من مكانه يريد أن يتقيّأ تقزّزا وقرفا ممّا رآه، لكنّهم أمسكوا به وطلبوا منه التّريّث، والبقاء ضيفا متّزنا؛ لأنّه سيغدو صديقا وعضوا جديدا في المجموعة، ولا بدّ من التّصبّر وإظهار القبول والرّضا.
طرق مسامعه صوت يقول: لا تجبروه على الشّرب، فغدًا سيطلب ذلك بنفسه. دعونا نكمل احتفالنا...
علا الصّخب، وأُخرجت بعض الأوراق التي مرّرت على الجميع لتقبيلها، وكأنّها وثيقة مقدّسة. وهتفوا بصوت واحد مردّدين كلمات فهمَ عددا يسيرا منها، تعكس مبادئ تنافي كلّ القوانين التي يسير حسبها البشر. ولم يخفَ عليه أنّهم كانوا حريصين على ألّا يفهم كلّ ما يهتفون به؛ كي لا يذهل ويزداد وضعه سوءا...
أوشك الحفل على الانتهاء، فدعي إلى الاقتراب من الدّيك المذبوح المعلّق، وطلب منه أن يقسم على حفظ السّرّ والولاء قبل مغادرة المغارة. وأخبروه أنّه لا يجوز له أن يخون هذا القسم مستقبلا، وإلّا سوف لا يعلم أحد باختفاء جثّته.
وقف وأعضاء جسده أكثر رجيفا ممّا كان أثناء وقفته أمام والده موبّخا وشاتما.
ازداد ارتعاد يده، واصطكت أسنانه حين وضعت يده فوق كأس الدّم ليقسم، وتلعثم لسانه أثناء تكرار ما ألقي على مسامعه، ولم يع معظم ما نطق به كالببغاء!. ووجد نفسه محاطا بالأعضاء يقبّلونه ويهنّئونه، ويقسمون على حمايته طالما التزم بقسمه.
حان موعد الرّجوع إلى البيوت، ففطن بحاله، وهاله سوء العاقبة الذي سيضحي به لرجوعه المتأخّر ... ولكن، في الطّريق استرجعت ذاكرته بعض كلمات القسم التي تقول:"أقسم أن أصون إخوتي الجدد، مثلما أصون دمي، وأحارب لأجل حرّيّتي..."
الحريّة! أجل سأصبح حرّا، ولن أخاف لدى دخولي البيت. وسأواجه أبي!
فتح الباب، ودخل متجهّم الوجه، تعتريه رغبة بأن يصرخ ويقول إنّه رجل، ولم يعد صغيرا. ومن الآن فصاعدا لن ينصاع لأحد! ويشعر أنّه ارتشف جرعة من الجرأة، وربّما الوقاحة للمواجهة، بعد ما مرّ به خلال السّاعات الماضية!.
انتهره والده لدى دخوله مستغربا تأخّره، فيما والدته تفرك بيديها، وتنظر إليه نظرات أحسّ – لأوّل مرّة – أنّها تنبض محبّة وقلقا... لكنّه استطاع تخليص نفسه من المأزق، حين قال إنّه كان في احتفال دعي إليه بمناسبة إنهاء المرحلة الثّانويّة؛ لتوجيه الطّلاب وإرشادهم في اختيار المواضيع للدّراسة الجامعيّة، ونسي إبلاغهم بذلك... انفرجت أسارير وجه الأب الغاضب؛ لإحساسه بأنّ ابنه قد بدأ يفكّر صوابا.
اتّفق أثناء عودته مع الرّفاق الجدد أن يشاركهم في اجتماعات النّهار فقط؛ كي لا يثير الشّكوك حوله، فوافقوا .
بدأ سلوكه يتغيّر. فقد لاحظ أفراد عائلته اعتكافه في غرفته التي غطّى جدرانها بملصقات صور مرعبة أقرب إلى الشّياطين منها إلى بني البشر. وإن غادر البيت، يكون ذلك في ساعات معيّنة، بحجّة أنّه يذهب إلى بعض أصحابه المتفوّقين؛ ليدرسوا لامتحان القبول في الجامعة، ويعود بعدها للاعتكاف.. وبدأ يهتم بسخافات في مظهره الخارجيّ، حيث بدت بعض أثار الجروح على معصمه، أخفاها بأساور جلديّة وصوفيّة وغيرها... وتقلّد سلسلة تتدلّى منها جمجمة .
لم يشعر الأب بالرّاحة لمثل هذا الأمر، وأحسّ أنّ هناك شيئا غامضا، فقرّر مراقبته. مشى خلفه عندما كان يغادر البيت. كان يدخل بيوتا لا تربطهم بهم أيّة صلة، ولم يكن أحد منهم زميلَ دراسة لابنه. فاستمرّ في المراقبة...
ليلة الأحد موعده مع الرّفاق للّقاء الشّهريّ في المغارة، ولا يقبل أيّ عذر . فكّر طويلا قبل المشاركة، لكنّه قرّر في النّهاية الذّهاب.. فقد أقنعوه بأنّهم سيعودون مبكرين.
دخلوا المغارة، وبدأوا بممارسة طقوسهم الشّيطانيّة، وشارك في الرّقص فقط. فجأة، أحسّ أنّه يريد الهرب. لقد رأى قطّا أسود بيد أحدهم، فظنّ أنّه سيذبح مثل الدّيك. تذكّر قطّته "ميسو" وصرخ يناديها.. وهمّ بالخروج، إلّا أنّه مُنِع من ذلك وأعيد مقبوضا على عنقه بشدّة، مذكّرين إيّاه بالقسم. أُجلس أمام النّار الموقدة؛ ليقيموا احتفالا للقطّ العظيم!... والقطّ رابض أمامه مصوّبا نظراته نحوه...
وفيما هُم في هرج ومرج، وإذ بصوت عال يدوّي، ويطلب منهم التّوقّف. نظروا فرأوا العضو الجديد يهبّ واقفا مسمّرا عينيه في الشّخص الذي يشبهه شكلا، فاقتربوا منه لتهدئة روعه وحمايته إن لزم الأمر.
اقترب منه، وكأنّه يبغى تسويته بالأرض، ثمّ وجم في مكانه حين خطف نظره ما رُسم على الجدران ممّا يدب الخوف والفزع في القلوب، وما تكوّم من أوعية معدنيّة في إحدى الزّوايا، والأدهى ذاك الكتاب بعنوان: (عَبَدة الشّيطان). فجنّ جنونه وصرخ في وجه ابنه:
الآن عرفت أيّها الفاشل الأحمق سبب فشلك!... وفي اللّحظة ذاتها – ورغم هول ما يرى – تذكّر أنّ ابنه لا يخرج في اللّيالي أبدا إلّا برفقة العائلة . ومع جحيم الفكر والشّعور هذا، سمع صراخا قطع عليه كلّ شيء:
أين كنت يا أبي ؟ أين أنت؟ لماذا تأخّرت؟! ...
فتنبّه أنّ شيطانيّة المكان جذبت إليه شيطانيّة الأفكار، وانطلق مستجيبا لاستغاثة ابنه...

مصطفى حمزة
07-04-2013, 03:42 PM
أختي الفاضلة ، الأستاذة كاملة
أسعد الله أوقاتك
قصّة اجماعيّة هادفة ، ربطت بين قسوة التربية البيتيّة ، وانحراف الأولاد .
التربية فن وعلم وعاطفة وخبرة أيضاً ، وكثيرٌ من الآباء يغيب عنهم ذلك ، ويُصرّون بقسوة أن يعيش ابنهم في ( جلبابهم )
ويُنفذ ما خططوه له ، ناسخين شخصيّته وكيانه .. وهنا يبحث الولد عن نفسه المسلوبة منه عند أول فرصة سانحة ..
القصّة مثيرة وشائقة بإدخال ( عبدة الشياطين ) وطقوسهم إلى النص ، وبتقديم الشخصيّات بالوصف والحوار والأفعال
والخاتمة الباهتة جعلت القارئ يُفكّر فيها ويؤلها ...
اللغة بليغة وسهلة وموحيى بمعانيها .
ثم إنّ عنوانها دخل في نسيج القصّة من حيثُ الغضب هو الدافع للحدث الأول في القصّة
تحياتي وتقديري








[/SIZE][/QUOTE]

ناديه محمد الجابي
07-04-2013, 06:20 PM
فرقة " عبدة الشيطان " من الفرق ، والجماعات الخطيرة ، والتي انتشرت مؤخراً في كثير من البلاد
, وهذه الجماعة تمثل أحد مظاهر الانتكاسة ، والبعد عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، إذ توجهت
جماعات ، وأقوام إلى عبادة الشيطان ، وتقديسه من دون الله .
وقد استطعت في قصتك هذه أن تسلطي الضوء على قضية هامة وهادفة .. وهى القسوة في معاملة الأولاد
وكيف إنها من الممكن أن تكون دافعا أساسيا في الفشل أولا ـ ثم في وقوع كوارث عندما يبحثوا عن البديل
للحب العائلي الذي يظنوا إنهم فقدوه ـ إن الرحمة عامل مهم في تكوين شخصية سوية لأولادنا.
قصة رائعة وهادفة .. سلمت يداك.

حارس كامل
07-04-2013, 10:41 PM
قضية اجتماعية خطيرة تنقض علي شبابنا البائس.
اجدتي اديبتنا بلغة ثرية ان تتوغلي فيها،وتكشفي المأساة الكبري لهذا الشباب الضائع الذي لايجد يدا تنتشله.
حرصت علي قراءتها اكثر من مرة.
تقبلي تحيتي
دمت بخير

ربيحة الرفاعي
07-04-2013, 11:12 PM
يغضبون...
عنوان أشار بإصبع اتهام للغضب كواحد من دروب الوقوع في مصائدهم
فأيهم الذي يغضب فينتهي تلك النهاية البشعة؟ الأب الذي يغضب لفشل ولد لوحت جبهته الشمس اجتهادا ليكفل له سبل العيش الكريم على دروب النجاح فدمرها بفشله، أم الولد الذي يغضبه استياء والده لفشله وكأنما عليه أن يكافئه لتقاعصه وتقصيره

ودخول لاهث ألهثنا معه في جو النص بمهارة استقطابية "لا يدرِي كم مرّ من الوقت، وهو يركض حتّى وصل أعلى التّلّة بعد أن شتمه أبوه ولعنه ونعته بالفاشل
وتسعفنا الكاتبة بتبرير لغضب الأب أكبر ، فالفشل ليس عارضا لظرف أو حال طارئ ليكون على الاب استيعابه واحتواء ولده إزاءه فهو قد اعتاد العودة يجر أذيال الخيبة "لم تغادر صورُ طفولته مخيّلتَه، وهو يدخل إلى البيت حاملا نتائجه، بعد انتهاء كلّ فصل تعليميّ"

ويعثر عبدة أهوائهم ونزواتهم على ضحية جديدة يلوثونها انتقاما من تلوثهم الذي اختلفت أسبابه باختلاف ظروفهم لكن كل منهم يسكنه حقد ما، فقد كان ضحية في وقت سبق لحاقد ما ألبسه هذا الثوب القذر وغزا به فكره وروحه

وعدو سريع على مدرج القصة يحملنا بتتابع الحدث نحو مشاهد قصيرة موجزة لطقوس جنون يوهم المضيّعون بها أنفسهم بأنهم أحرار لا يستعبدهم أحد، بينما يتحررون في الواقع من كل قيود القيم والأخلاق، ويسقطون عبيدا في أرخص وأحط أشكال العبودية، وعلى ارضية من هذه المشاهد تنقلنا الكاتبة للتخويف فالقسم الذي يقيدالفتى قبل أن تعود بالأب إلى مركز المشهد يمارس دوره الرقابي الذي غاب عنه في غضبه فضاع ولده أو كاد "لم يشعر الأب بالرّاحة لمثل هذا الأمر، وأحسّ أنّ هناك شيئا غامضا، فقرّر مراقبته. مشى خلفه عندما كان يغادر البيت"

وبحبكة للمشهد الختامي وظفت له الكاتبة فن التصوير وشيئا من علم النفس يرسم الصراع الداخلي لديهما معا في لحظة انتشال الوالد ولده من قعر الجحيم
" أين كنت يا أبي ؟ أين أنت؟ لماذا تأخّرت؟! ...
فتنبّه أنّ شيطانيّة المكان جذبت إليه شيطانيّة الأفكار، وانطلق مستجيبا لاستغاثة ابنه..."

موضوع لم يطرحه كتاب الأدب الجاد من قبل ، ولم يسلط عليه ضوء التوعية للآباء والمربين والشباب المستهدفين

مبدعة كدائما أديبتنا
لا حرمك البهاء

براءة الجودي
08-04-2013, 12:24 AM
مثل هذه القضايا نحتاجها في الأدب لتنبه الشباب من هذه الفرق وتحذرهم منها
أغلب المراهقين يحبون هذه الأمر خصوصا من لم يتلقوا تربية جيدة فيميلون لتلك الفرق من أجل لفت النظر ولكنالمسألة اخطر بكثير لأنها تتعلق بالعقيدة وهذه هي أحد سموم الغرب
نفع الله بك ستاذة كاملة

سعاد محمود الامين
08-04-2013, 08:32 AM
الانضمام لمثل هذه الجماعات لا علاقة له بالمتاعب الاسرية أو التربية..أحيانا توفر للمراهق كل الأجواء الصحية المنزلية فتفاجأ اسرته بجنوحه.. وعبدة الشيطان عصابة مؤثرة تتقلل بين طلبة الجامعات والمشاهير،وفى اعتقادى أن السبب فى انتشارهاالأعلام.. والغموض فى الممارسات والشذوذ فى الازياء الذى يجذب المراهق الذى يهوى ذلك والميل فى الانتماء للشلل الجماعات..استعداد نفسى.
الأديبة الرائعة كاملة قطعت انفاسى وأنا أهرول متابعة بشغف ماخطه قلمها البديع المتمكن.. صياغة ولفظا لقد اعجبنى النص شكر ا لك على هذا الإبداع الذى اشرت فيه لقضية فى غاية الاهمية تحتاج للعلاج الادبى والاجتماعى والأسرى بفضح ممارساتهم الدنيئة.

كاملة بدارنه
10-04-2013, 05:45 PM
أختي الفاضلة ، الأستاذة كاملة
أسعد الله أوقاتك
قصّة اجماعيّة هادفة ، ربطت بين قسوة التربية البيتيّة ، وانحراف الأولاد .
التربية فن وعلم وعاطفة وخبرة أيضاً ، وكثيرٌ من الآباء يغيب عنهم ذلك ، ويُصرّون بقسوة أن يعيش ابنهم في ( جلبابهم )
ويُنفذ ما خططوه له ، ناسخين شخصيّته وكيانه .. وهنا يبحث الولد عن نفسه المسلوبة منه عند أول فرصة سانحة ..
القصّة مثيرة وشائقة بإدخال ( عبدة الشياطين ) وطقوسهم إلى النص ، وبتقديم الشخصيّات بالوصف والحوار والأفعال
والخاتمة الباهتة جعلت القارئ يُفكّر فيها ويؤلها ...
اللغة بليغة وسهلة وموحيى بمعانيها .
ثم إنّ عنوانها دخل في نسيج القصّة من حيثُ الغضب هو الدافع للحدث الأول في القصّة
تحياتي وتقديري








[/SIZE][/QUOTE]

أهلا بك أخي الأستاذ مصطفى وأسعد الله أوقاتك بكلّ خير
شكري الجزيل لك على مرورك الكريم وبهائه
بوركت
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
13-04-2013, 05:39 PM
فرقة " عبدة الشيطان " من الفرق ، والجماعات الخطيرة ، والتي انتشرت مؤخراً في كثير من البلاد
, وهذه الجماعة تمثل أحد مظاهر الانتكاسة ، والبعد عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، إذ توجهت
جماعات ، وأقوام إلى عبادة الشيطان ، وتقديسه من دون الله .
وقد استطعت في قصتك هذه أن تسلطي الضوء على قضية هامة وهادفة .. وهى القسوة في معاملة الأولاد
وكيف إنها من الممكن أن تكون دافعا أساسيا في الفشل أولا ـ ثم في وقوع كوارث عندما يبحثوا عن البديل
للحب العائلي الذي يظنوا إنهم فقدوه ـ إن الرحمة عامل مهم في تكوين شخصية سوية لأولادنا.
قصة رائعة وهادفة .. سلمت يداك.


أهلا بك أخت نادية
شكرا لك على مداخلتك القيّمة
وسلّمك الله من كلّ أذى
بوركت
تقديري وتحيّتي

آمال المصري
15-04-2013, 08:21 AM
العنف الأسري والتفرقة بين الأبناء والتدليل الزائد وإنفصال الزوجين ...
كلها تؤدي لانحراف بعض الأبناء وإحادتهم عن الطريق القويم ووقوعهم في قبضات شيطانية تفتك بكيانهم
وكانت " عبدة الشيطان " هنا أحد تلك القبضات القاصمة لظهر الشباب
هي رسالة سامية للآباء قبل أن تقع الأبناء في المحظور
بوركت أديبتنا القديرة واليراع الهادفة والحرف النبيل
تحاياي

كريمة سعيد
15-04-2013, 03:31 PM
جميلة هذه المعالجة الفنية لظاهرة جرفت عددا من الشباب بأوطاننا
الغالية كاملة بدرانه
بوركت والفكر الراقي الذي تحملينه
مودتي وتقديري

فاطمه عبد القادر
15-04-2013, 08:36 PM
لا يدرِي كم مرّ من الوقت، وهو يركض حتّى وصل أعلى التّلّة بعد أن شتمه أبوه ولعنه ونعته بالفاشل، بعدما ظهرت نتائج امتحانات إنهاء المرحلة الثّانويّة التي لا تؤهّله لدخول الجامعة، وتحقيق أمنيّة أبيه بأن يصبح محاميا، في حين حصل أخوه على التّفوّق في دراسة موضوع الطّب، وفاز بمنحة التّعليم على حساب الدّولة!.

السلام عليكم
من حق كل الآباء أن يتمنوا الأفضل للأبناء ,ولكن ليس من حقهم أن يحددوا دراساتهم ومهنهم .
لو يعلم الآباء أن أي عمل يشعر به الإبن بالسعادة والطمأنينة, سوف ينجح ويستمر على خير ما يرام ,
وأية دراسة أو عمل لا يحبها الإبن سوف لن ينجح بها ولن يجد فيها الراحة والطمأنينة ,وسوف يظل يفتقر للإبداع طول حياته ,
أخطا الأب هنا خطأ فادحا ,
لم يستطع هو( أي الاب) تحقيق أمنيته الشخصية ,فأراد أن يحققها له ولده ,ونسي أن ولده شخص آخر ,
ثم لو أصبح كل الشباب أطباء ومهندسين ومحاميين ,واعتقد أن هذا ما يريده كل أب وأم للأولاد ,ماذا سيكون حال المجتمع الذي يحتاج لكل القدرات والخبرات ؟؟,
الشارع يبتلع كالبحر تماما وهذا ما يجب أن يدركه الجميع ,
أولاد الشياطين زمرة من الشباب المريض ,ومرضهم مخيف ,وأفعالهم مقززة ,والويل لمن يقع بأيديهم ,
في الحقيقة هذة المشكلة معقدة ,وهذا المرض غريب ,
قصة رائعة جدا صديقتي كاملة ,ومشكلة لا يحلها سوى الأخصائيين والباحثين ,وعلى الكتاب إثارتها والإضاءة بقوة عليها.
شكرا لك
ماسة

كاملة بدارنه
16-04-2013, 09:46 AM
قضية اجتماعية خطيرة تنقض علي شبابنا البائس.
اجدتي اديبتنا بلغة ثرية ان تتوغلي فيها،وتكشفي المأساة الكبري لهذا الشباب الضائع الذي لايجد يدا تنتشله.
حرصت علي قراءتها اكثر من مرة.
تقبلي تحيتي
دمت بخير
هي مأساة فعلا أن يضيع الشّباب بوقوعهم بين فكيّ ما يفترس حياتهم دون وعي منهم
شكرا لك على المرور الكريم
بوركت
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
05-05-2013, 11:54 PM
هل صحيح أستاذتي أن ظاهرة عبدة الشيطان بدأت تتفشى في مجتمعاتنا؟
وكيف نستطيع أن نواجهها إذا كان غضب المراهق سيجعله يقع فريسة في أيديهم والمراهقون يغضبون في كل يوم وكل ساعة؟

لن أقول شيئا جديدا عندما أقول قصة رائعة
فهكذا كل قصصك

شكرا لك استاذتي

بوركت

أحمد عيسى
06-05-2013, 09:07 AM
الأجمل في كل ما قرأت ، أنني دخلت ، فهالني طول القصة ، فقلت أؤجلها لقراءة أخرى ، ثم قرأت السطر الأول ، فما وجدت نفسي الا وقت التهمت السطور كلها
الأسلوب كان مشوقاً ، والسرد منساباً يجعلك لا تفارق القصة الا بعد قراءتها حتى ولو طالت أكثر وأكثر ..
أما الفكرة التي تتحدث عن عبدة الشيطان ، أو أي مجموعة شبابية أو انحراف أخلاقي يلجأ له الشباب بسبب سوء التربية ، وضعف الاهتمام بالأبناء ، حتى ولو كان الهدف كما يكون دائماً ، مصلحتهم ..
الفكرة جميلة وربطها بهذا الحدث كان رائعاً ، رغم بعض المبالغة ، فهؤلاء لهم طقوسهم السرية ولا يضمون أحداً بسهولة ، واحتمال الصدفة ليس وارداً دائماً ، لكن كل هذا لا يلغي انبهاري بهذه القصة

تقديري أديبتنا المميزة كاملة بدارنة

وأجمل باقات الورد

خلود محمد جمعة
22-09-2014, 12:06 PM
هناك فروقات شخصية بين كل فرد في المجتمع عامة وفي الأسرة خاصة
نصنع ضغوطات نفسية على عقول وقلوب الأبناء بجهل أو عن قصد بمقارنتهم بمن يحققون نجاحات أكثر أو يتقنون مهارت مختلفة متناسين أثر التراكمات وتفاعلاتها وتأثيرها في تكوين شخصية الفرد
يظهر جليا ضعف شخصية الأبن ما ساقه الى التأخر الدراسي والانسياق وراء عبدةة الشياطين مع رفضه لهم حتى في فراره منهم استعان بوالده
ولا يمكننا القاء اللوم على الوالد لكل المضاعفات الناتجة عن ضعف ابنه لكن لايمكن إخلاء طرفه من إيصال ابنه الى هذا الحد
ويبقى الأمر في الاعتدال في التربية و عدم مبالغة الابناء في ردود الفعل
طرح أكثر من قضية بقالب مشوق وسرد مائز وفكرة عميقة
بورك الحرف الذهبي
ودمت متجددة في العطاء
تقديري وكل المودة

رويدة القحطاني
16-12-2014, 02:07 AM
فكّرت عهد قراءتها أن القصة الاجتماعية الهادفة من أصعب القصص ليس من حيث اختيار الموضوع بل من حيث فرش النص بالتفاصيل المقنعة دون الوقوع في المباشرة أوالتسطيح
أنت كاتبة مميزة وغايات أدبك جادة وراقية

د. سمير العمري
19-03-2015, 08:26 PM
هذه قصة تربوية واضحة تقدمها المربية والمدرسة المميزة كاملة بدارنة بأسلوب قصصي متسلسل وأداء أدبي مميز وطرح فكري تربوي عال.

قرأتها ممعنا في جودة السرد وصولا للخاتمة المعبرة والمؤثرة فلا فض فوك أيتها المبدعة المتألقة دوما!

تقديري

علي الحسن
20-03-2015, 08:10 AM
القديرة كاملة بدرانة
أسعد الله صباحكم بالخيرات والمسرات

قصة اجتماعية جميلة وهادفة.. عندما لا نجد المسلك المناسب، والطريق الصحيح لخارطة أبناءنا، ونمارس الضغوطات عليهم لدرجة الاستبداد تكون ردة الفعل معاكسة وقد تجلب في بعض الأحيان المصائب والشروع بهم في الموبقات..

جمييل ما خطته أناملكم أختي الفاضة، وسيكون أجمل لو صنعنا أفعالا تشعر المتلقي بما يختلج في الصدور بدل التصريح المباشر بها كما هو مبين من خلال الجملتين المقتطفتين أدناه..

( لم يراوح مكانه، وحجارة وتراب الحيرة اللذين نبشهما غضبُه )

وأيضاً

( وفيما الحيرة تنهش عقله وروحه، وإذ بصدى قهقهات يقترب رويدًا رويدًا )

أقول هذا بالتأكيد دون التقليل من روعة وجمال النص

تحياتي