المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لم أقل شيئاً لأبي ..



الفرحان بوعزة
12-04-2013, 11:57 AM
احتوى الليل بعباءته كل شيء ..؟ وسبحت القرية في ظلام دامس، ليل حالك يذرع الغرفة بخطى ثـقيلة، خوف نادر ينهش صدره .. عيناه تلتقطان دبيب القلق، وهو يراقب خوفاً مدمراً يتسلل كلص عبر شقوق الباب الخشبي ..
دفـس أحمد وجهه في صدر أمه ، اجتاحته سعادة عارمة ، فتخيل أن لبنها سوف يتقطر في فمه كطفل رضيع ، وينسكب في حلقه مذاقاً لذيذاً ..
ــــ كل ثلاثاء يأتي أبي من هناك إلى السوق ، أليس كذلك يا أمّي ..؟
ــــ بلى يا ولدي أحمد ..
ـــ مرت أيام طوال ، ولم يُرسل لنا شيئـاً كعادته ،غداً سأذهب إلى السوق بعد الفترة الصباحية للمدرسة ..
تكوّمت على الحصير من جديد . والوحدة تعتصر قـلبها .. لم تعقب على كلام ولدها لأنها متيقـنة أن الرد سيكون مغتصباً .. أيقظ عدة تساؤلات في ذهنها، كانت تخفيها عنه، منذ أن غادر زوجها القرية للبحث عن العمل ..
سرحت الأم حميدة بفكرها مدة من الزمن ، تثقـب السقف بنظراتها، ضوء قمر رقراق يتسلل عبر شقوق النافـذة .. فتنسكب خيوطه على جنبات البيت .. اهتزّ جسدها، بردت أطرافها ، تحولت روحها إلى أشلاء مُبعثرة ، فعجزت عن البكاء ..
أفكار سوداء تستفزها .. تصوّرات غامضة عكرت عليها صفو نومها، تحدث نفسها في هسهسة ميتة : " ترى أين أنت ياولد البهلولي ..؟ وماذا حل بك..؟ كيف تغـيب عنا هذه المدة ..؟ هل تزوجت هناك بامرأة أخرى..؟ لا..لا.. ولد البهلولي لا يعملها .. من يدري ..؟ فقد يجمع مالا كثيراً وتزيغ عيناه .. بنات المدينة أفاعي يخطفن الرجال من زوجاتهم بسهولة .. لا زلت أتذكر جيداً حين قال لي مرة :
ـــ صاحب المزرعة يثـق فيه ، لأنه خبير بأمور الفلاحة ، فزاد في أجرته..؟ لما جاء في المرة الأخيرة، أحسـست أنه تغير في سلوكه، بدأ ينتقي لغته ويهتم بهندامه .. يحلق وجهه كل صباح ، ويلطم خديه بعطر يدسه في جيبه .. وساوس مدمرة تنهشها بقوة كلما تذكرت كلامه ..
طردت كل الأفكار السيئة من دماغها . استجمعت شتات أفكارها ، وساد صمت قاتل مدّة من الزمن ، تململت في فراشها ، واستدارت نحو ولدها محاولة تمديد الحديث ، قالت :
ـــ والحصة المسائية من المدرسة ..؟ ماذا تقول للمعلم ..؟
ـــ أقول له أي شيء..؟ كنت مريضاً..؟ كنت أتعهد أختي الصغيرة لأنها مريضة ..
فجأة رمى بالغطاء وانتصب قائماً ، بدأ يفكر ملياً ويحك رأسه ، سأقول له : إني ذهبت إلي السوق للقاء أبي .. إننا نحتاج إلى.. وإلى ...
ـــ نـمْ الآن ، واقرأ الفاتحة قبل أن تغمض جفنيك ..
داخل الفصل ، كان المعلم يلقي درسه بحرارة ، والأطفال ينغرسون في الطاولات . لم يشارك أحمد في الدرس كعادته .. في بعض الأحيان يختـلس المعلم نظراته الثاقبة إليه فتنكسر عيناه على الطاولة .. فتخيل أن المعلم يقرأ أسراره من الداخل ، ويغوص في أعماقه .. ظن أن الزمن قد توقـف .. والحصة الصباحية للمدرسة قد امتدت أكثر من اللازم ، فصعب عليه أن يساير المعلم في شرحه للدرس .. فـتمنى من أعماق نفسه لو انكمشت عباءة الزمن بسرعة..
ودقت الساعة العاشرة .. عاد احمد مسرعاً إلى البيت ، من خلف الباب يصرخ بصوت عال :
ـــ أسرعي يا أمّـاه .. ناوليني القفة ..
انطلق أحمد يسابق الريح نحو سوق القرية رغم أنه لم يتجاوز عشر سنوات .. وأشعة الشمس تصفع وجهه ، غبار متآكل ينفرج بصعوبة ، فتنكسر فتحة عينه .. تعثر في كومة تراب ، فغزا داخله شعور بهزيمة ما .. كلاب تتجاوب في نباحها .. صوتها يزيد من دقات قلبه .. مشى وضاعف المشي في توجس .. صدمه ضجيج خانق من بعيد .. سوق مملوء بالناس ، أبواق تصدح بكل قواها ، أغان شعبية مبتذلة تأتي إلى أذنيه بدون نظام ، اختلط عليه الإيقاع .. رياح غربية تُـغـيّب الأنغام الضعيفة ، نغم واحد شعبي يسيطر على الفضاء كله :"كــولو لمّي .. كـــولو لبُويا ..؟"
ـــ ماذا أقول لأمّي إذا لم أجد أبي ..؟ وماذا أقول لأبي إذا وجدته ..؟ لا أعرف ..؟ ولا أدري ما يخبئه الزمان لي ..؟ يحدث نفسه وهو يخطو ويخطو .. سأقول له : إني أحتاج إلى حذاء أفضل من هذا ، مر عام عليه بعدما كان صغيراً ولامعاً، الآن يكسوه الغبار مع شق كبير في جانبه، يحتاج إلى غرز عديدة ، لم يستطع إسكافي الدوار بن حمو إصلاحه ، يدق المسمار فيعوج ، ثم ينتزعه بكماشته ، يتحسس الجلد بـإبهامه .. وأخيراً يفقد الأمل ، فينظر إليّ نظرة إشفاق ، ويرمى بالحذاء المنكوب في وجهي .. سوف أقول له ...؟ وأقول ..؟
برهة ، وجد نفسه أمام باب كبير.. فتوهم أن حارس الباب سوف يوقـفه، كأن السوق حكر على الكبار، وعلى الأطفال أن يكونوا مصحوبين بآبائهم .. قال في نفسه : ويلك .. كن رجلا .. أين شجاعتك ..؟
اندسّ مع جماعة إلى السوق في حيطة وحذر، سرح ببصره إلى الأفـق الممتد .. سلط سهام عينيه على رؤوس بشرية وهي تنغـل كالنمل .. لم يدر كيف تجمّعت هذه الخلائق ، ومتى جاءت إلى هنا ..؟ فضاء يئن تحت وطأة الأقدام المكـتظة .. خيام مصفوفة تـلفحها الرياح من كل جانب ، غـبار يتصاعد ميتاً بين الأجسام . يلامس الوجوه دون هسهسة .. سرعان ما يتشتت فوق الرؤوس كلما وجد انفراجاً .. أجراس السقائـين تتناوب في إيقاعاتها ونغماتها . نداءات الباعة تـلعـلع في الأبواق، تصدح بكل قواها معـلنة عن سلعهم المعروضة ، جلبة لا تنقطع تـثـقـب طبلة الأذن ..
وقـف أحمد مشدوهاً إلى طاولة حلوى، شم رائحتها من بعيد ، تلمظ كأنه تذوق شيئاً .. مرّر لسانه على شفـتيه بعنف ، وجد فمه فارغاً من اللعاب ، تمتم وقال:
ـــ ما جئت هنا للفـرجة ، جئت للقاء أبي ..؟
يسأل ويسأل ، يتيه السؤال بين الألسنة .. يموت بين كل الوجوه التي يعرفها .. كل الوجوه بدت تـتـشابه في مخيلته ، وجه أبيه لم يغب عن ذاكرته ، لا يعرف أين يتجه..؟ دروب السوق مغـلقة نهائياً بالأجسام البشرية ، يحدق في كل وجـه يصطدم بـه .. يصنف العمائم والجلابيب حسب ألوانها ، جلباب أبيه لا يخفى عليه ، يدقق في القسمات ، يهم أن يشد بجلباب أحد الرجال ، فما يكاد أن يستديــر الرجل بوجهه حتى يمسك يده ..
في كل مرة يحاول أن يندسّ بين الجموع ، صغر سنه يسمح له بتتبع الفجوات الفارغة ، لكنه يجد صعوبة في التطلع إلي الوجوه لقصر قامته ، سار في كل الاتجـاهات حتى وجد نفسه في جانب السوق شرقـاً حيث قـل الازدحام وتقـلـصت البضائع .. خطرت له فكرة غريـبة وهي أن يتسلق شجرة طويلة عسى أن يمتلك الفضاء كله ، لكنه أبعد هذه الفكرة من رأسه .. فبقي تائهاً بين خواطره ، فـتأكد أن الزمن اغتال لحظة اللقاء بأبيه ..
خفق قلبه خفوق الخيام الشاحبة .. لحظات تقـلصت من زمنه الهارب .. بسرعة طوى قـفته الفارغة بعنف .. واتجه نحو الباب الذي دخل منه كأن مارداً ألقى به خارج السوق لا يلوي على شيء .. عاد وهو يكرر خلسة في نفسه : ما قلت لأبي شيئاً ، فماذا أقول لأمي .. ؟

ناديه محمد الجابي
12-04-2013, 02:51 PM
الأخ الفاضل/ الفرحان بو عزة
ككل كتاباتك ـ قصة جميلة .. تمسك القلم باقتدار وتطوع اللغة فتطيعك
وتسوق النص بمهارة وحرفية في لغة انسيابية وأسلوب جميل متمكن
وسرد هادىء ومشوق فيطيعك القلم وترضخ لك الحروف .. ونهاية
مفتوحة يقف فيها بطلنا حائرا , ويجعلنا معه في حيرة..
أفضل كتاباتك عندما تكون واضحة بعيدة عن الرمزية التي ترهق تفكيري.
تحية لك بحجم روعة قلمك.

كريمة سعيد
12-04-2013, 04:15 PM
قصة رائعة جمعت بين الإمتاع بسردها العالي ولغتها الجميلة وبين استخلاص العبر من خلال رسالتها الإنسانية الراقية.....
راقني هذا الوصف الدقيق لعالم السوق والانزياحات التي يمكن يحدثها، وكذا التماثلات التي يتركها لدى المتلقي وكأن "الداخل فيه مفقود، والخارج منه مولود"
ولعل هذا الغر قد استفاد درسا جعله يتطور ويستوعب الحياة من خلال إعادة صياغة الأسئلة...
إن التفكيير التوقعي ليس صائبا في كل الحالات، فلكل مجال تدبيره، إذ قد نحتاج في مجالات الارتكاز على توقع الأمور
واستباق برمجة الحلول لها حسب المعطيات المتوفرة لدينا، ولكن في مجالات معينة نركز اهتمامنا على ما هو أولى
ونترك التخمين في بعض المسائل التي لا نمتلك حقائقها إلى حين حدوثها......

الأديب المتميز الفرحان بوعزة
شكرا على هذه القصة الماتعة
محبتي وتقديري

حارس كامل
12-04-2013, 04:50 PM
اخي الفاضل:الفرحان
كنت هنا لأسجل إعجابي..
جمل صغيرة تخطف الأنفاس..الحبكة والسرد بضفيان مذاقا أخر..
لاأضيف سوي أنه نص رائع..
لي ملاحظة واحدة بخصوص الأستهلال
"وسبحت القرية في ظلام دامس، ليل حالك يذرع الغرفة بخطى ثـقيلة، خوف نادر ينهش صدره .. عيناه تلتقطان دبيب القلق، وهو يراقب خوفاً مدمراً يتسلل كلص عبر شقوق الباب الخشبي "
أري بوجهة نظر المتواضعة لدواعي التكثيف أن تراجعها..
تقبل تحيتي
أخي المبدع الفرحان

فاتن دراوشة
12-04-2013, 09:00 PM
ذلك السّوق كم يشبه دنيانا التي نعيش بها

ذلك الاكتظاظ الذي يفقد المرء توازنه ويشعره بالغربة حتى عن نفسه

للقصّة أبعاد رائعة صقلت من ملامح الواقع لوحة مؤلمة

وسلّطت الضّوء على مدى البعثرة التي يعيشها المرء حين يشعر بكونه نقطة في بحر لا يعي أبعاده

سعيدة بمصافحة ثمار إبداعك أستاذنا

مودّتي

كاملة بدارنه
12-04-2013, 09:10 PM
وصف رائع لحالة الضّياع الدّاخلي والخارجي اللذين عاشهما البطل
قصّة اجتماعيّة تربويّة نسجتها يد قاصّ ماهر في السّرد والحبك
أحييك أخي الأستاذ الفرحان بو عزة
تقديري وتحيّتي
( أفاعٍٍ )

عبد السلام دغمش
12-04-2013, 11:37 PM
أخي الفرحان بو عزة
هي مشاهد من معاناة وقلق تسبق اليأس من عودة المحبوب ..
والنصّ يحمل في ثناياه قضيّة اجتماعية هي هجرة رب الأسرة في طلب الرزق ..ثم تصبح تلك الأسرة في طلبه..
وصف دقيق للأحداث شدّنا إلى النهاية
تحياتي

الفرحان بوعزة
13-04-2013, 01:14 AM
الأخ الفاضل/ الفرحان بو عزة
ككل كتاباتك ـ قصة جميلة .. تمسك القلم باقتدار وتطوع اللغة فتطيعك
وتسوق النص بمهارة وحرفية في لغة انسيابية وأسلوب جميل متمكن
وسرد هادىء ومشوق فيطيعك القلم وترضخ لك الحروف .. ونهاية
مفتوحة يقف فيها بطلنا حائرا , ويجعلنا معه في حيرة..
أفضل كتاباتك عندما تكون واضحة بعيدة عن الرمزية التي ترهق تفكيري.
تحية لك بحجم روعة قلمك.

شكراً لك أختي الفاضلة والمبدعة المتألقة .. نادية .. على قراءتك القيمة ..
فعلا أختي ،يعجبني هذا النوع من القصص الذي يجمع بين الشكل الفطري للحكاية العربية ، والشكل التقليدي المتجدد
من أجل استقصاء الظواهر الاجتماعية ، وتصوير الحياة بتعاستها وقيحها وجمالها وسعادتها . ومعالجتها دون فرض طريقة العلاج ..
شكراً على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

محمد الشرادي
13-04-2013, 11:22 AM
احتوى الليل بعباءته كل شيء ..؟ وسبحت القرية في ظلام دامس، ليل حالك يذرع الغرفة بخطى ثـقيلة، خوف نادر ينهش صدره .. عيناه تلتقطان دبيب القلق، وهو يراقب خوفاً مدمراً يتسلل كلص عبر شقوق الباب الخشبي ..
دفـس أحمد وجهه في صدر أمه ، اجتاحته سعادة عارمة ، فتخيل أن لبنها سوف يتقطر في فمه كطفل رضيع ، وينسكب في حلقه مذاقاً لذيذاً ..
ــــ كل ثلاثاء يأتي أبي من هناك إلى السوق ، أليس كذلك يا أمّي ..؟
ــــ بلى يا ولدي أحمد ..
ـــ مرت أيام طوال ، ولم يُرسل لنا شيئـاً كعادته ،غداً سأذهب إلى السوق بعد الفترة الصباحية للمدرسة ..
تكوّمت على الحصير من جديد . والوحدة تعتصر قـلبها .. لم تعقب على كلام ولدها لأنها متيقـنة أن الرد سيكون مغتصباً .. أيقظ عدة تساؤلات في ذهنها، كانت تخفيها عنه، منذ أن غادر زوجها القرية للبحث عن العمل ..
سرحت الأم حميدة بفكرها مدة من الزمن ، تثقـب السقف بنظراتها، ضوء قمر رقراق يتسلل عبر شقوق النافـذة .. فتنسكب خيوطه على جنبات البيت .. اهتزّ جسدها، بردت أطرافها ، تحولت روحها إلى أشلاء مُبعثرة ، فعجزت عن البكاء ..
أفكار سوداء تستفزها .. تصوّرات غامضة عكرت عليها صفو نومها، تحدث نفسها في هسهسة ميتة : " ترى أين أنت ياولد البهلولي ..؟ وماذا حل بك..؟ كيف تغـيب عنا هذه المدة ..؟ هل تزوجت هناك بامرأة أخرى..؟ لا..لا.. ولد البهلولي لا يعملها .. من يدري ..؟ فقد يجمع مالا كثيراً وتزيغ عيناه .. بنات المدينة أفاعي يخطفن الرجال من زوجاتهم بسهولة .. لا زلت أتذكر جيداً حين قال لي مرة :
ـــ صاحب المزرعة يثـق فيه ، لأنه خبير بأمور الفلاحة ، فزاد في أجرته..؟ لما جاء في المرة الأخيرة، أحسـست أنه تغير في سلوكه، بدأ ينتقي لغته ويهتم بهندامه .. يحلق وجهه كل صباح ، ويلطم خديه بعطر يدسه في جيبه .. وساوس مدمرة تنهشها بقوة كلما تذكرت كلامه ..
طردت كل الأفكار السيئة من دماغها . استجمعت شتات أفكارها ، وساد صمت قاتل مدّة من الزمن ، تململت في فراشها ، واستدارت نحو ولدها محاولة تمديد الحديث ، قالت :
ـــ والحصة المسائية من المدرسة ..؟ ماذا تقول للمعلم ..؟
ـــ أقول له أي شيء..؟ كنت مريضاً..؟ كنت أتعهد أختي الصغيرة لأنها مريضة ..
فجأة رمى بالغطاء وانتصب قائماً ، بدأ يفكر ملياً ويحك رأسه ، سأقول له : إني ذهبت إلي السوق للقاء أبي .. إننا نحتاج إلى.. وإلى ...
ـــ نـمْ الآن ، واقرأ الفاتحة قبل أن تغمض جفنيك ..
داخل الفصل ، كان المعلم يلقي درسه بحرارة ، والأطفال ينغرسون في الطاولات . لم يشارك أحمد في الدرس كعادته .. في بعض الأحيان يختـلس المعلم نظراته الثاقبة إليه فتنكسر عيناه على الطاولة .. فتخيل أن المعلم يقرأ أسراره من الداخل ، ويغوص في أعماقه .. ظن أن الزمن قد توقـف .. والحصة الصباحية للمدرسة قد امتدت أكثر من اللازم ، فصعب عليه أن يساير المعلم في شرحه للدرس .. فـتمنى من أعماق نفسه لو انكمشت عباءة الزمن بسرعة..
ودقت الساعة العاشرة .. عاد احمد مسرعاً إلى البيت ، من خلف الباب يصرخ بصوت عال :
ـــ أسرعي يا أمّـاه .. ناوليني القفة ..
انطلق أحمد يسابق الريح نحو سوق القرية رغم أنه لم يتجاوز عشر سنوات .. وأشعة الشمس تصفع وجهه ، غبار متآكل ينفرج بصعوبة ، فتنكسر فتحة عينه .. تعثر في كومة تراب ، فغزا داخله شعور بهزيمة ما .. كلاب تتجاوب في نباحها .. صوتها يزيد من دقات قلبه .. مشى وضاعف المشي في توجس .. صدمه ضجيج خانق من بعيد .. سوق مملوء بالناس ، أبواق تصدح بكل قواها ، أغان شعبية مبتذلة تأتي إلى أذنيه بدون نظام ، اختلط عليه الإيقاع .. رياح غربية تُـغـيّب الأنغام الضعيفة ، نغم واحد شعبي يسيطر على الفضاء كله :"كــولو لمّي .. كـــولو لبُويا ..؟"
ـــ ماذا أقول لأمّي إذا لم أجد أبي ..؟ وماذا أقول لأبي إذا وجدته ..؟ لا أعرف ..؟ ولا أدري ما يخبئه الزمان لي ..؟ يحدث نفسه وهو يخطو ويخطو .. سأقول له : إني أحتاج إلى حذاء أفضل من هذا ، مر عام عليه بعدما كان صغيراً ولامعاً، الآن يكسوه الغبار مع شق كبير في جانبه، يحتاج إلى غرز عديدة ، لم يستطع إسكافي الدوار بن حمو إصلاحه ، يدق المسمار فيعوج ، ثم ينتزعه بكماشته ، يتحسس الجلد بـإبهامه .. وأخيراً يفقد الأمل ، فينظر إليّ نظرة إشفاق ، ويرمى بالحذاء المنكوب في وجهي .. سوف أقول له ...؟ وأقول ..؟
برهة ، وجد نفسه أمام باب كبير.. فتوهم أن حارس الباب سوف يوقـفه، كأن السوق حكر على الكبار، وعلى الأطفال أن يكونوا مصحوبين بآبائهم .. قال في نفسه : ويلك .. كن رجلا .. أين شجاعتك ..؟
اندسّ مع جماعة إلى السوق في حيطة وحذر، سرح ببصره إلى الأفـق الممتد .. سلط سهام عينيه على رؤوس بشرية وهي تنغـل كالنمل .. لم يدر كيف تجمّعت هذه الخلائق ، ومتى جاءت إلى هنا ..؟ فضاء يئن تحت وطأة الأقدام المكـتظة .. خيام مصفوفة تـلفحها الرياح من كل جانب ، غـبار يتصاعد ميتاً بين الأجسام . يلامس الوجوه دون هسهسة .. سرعان ما يتشتت فوق الرؤوس كلما وجد انفراجاً .. أجراس السقائـين تتناوب في إيقاعاتها ونغماتها . نداءات الباعة تـلعـلع في الأبواق، تصدح بكل قواها معـلنة عن سلعهم المعروضة ، جلبة لا تنقطع تـثـقـب طبلة الأذن ..
وقـف أحمد مشدوهاً إلى طاولة حلوى، شم رائحتها من بعيد ، تلمظ كأنه تذوق شيئاً .. مرّر لسانه على شفـتيه بعنف ، وجد فمه فارغاً من اللعاب ، تمتم وقال:
ـــ ما جئت هنا للفـرجة ، جئت للقاء أبي ..؟
يسأل ويسأل ، يتيه السؤال بين الألسنة .. يموت بين كل الوجوه التي يعرفها .. كل الوجوه بدت تـتـشابه في مخيلته ، وجه أبيه لم يغب عن ذاكرته ، لا يعرف أين يتجه..؟ دروب السوق مغـلقة نهائياً بالأجسام البشرية ، يحدق في كل وجـه يصطدم بـه .. يصنف العمائم والجلابيب حسب ألوانها ، جلباب أبيه لا يخفى عليه ، يدقق في القسمات ، يهم أن يشد بجلباب أحد الرجال ، فما يكاد أن يستديــر الرجل بوجهه حتى يمسك يده ..
في كل مرة يحاول أن يندسّ بين الجموع ، صغر سنه يسمح له بتتبع الفجوات الفارغة ، لكنه يجد صعوبة في التطلع إلي الوجوه لقصر قامته ، سار في كل الاتجـاهات حتى وجد نفسه في جانب السوق شرقـاً حيث قـل الازدحام وتقـلـصت البضائع .. خطرت له فكرة غريـبة وهي أن يتسلق شجرة طويلة عسى أن يمتلك الفضاء كله ، لكنه أبعد هذه الفكرة من رأسه .. فبقي تائهاً بين خواطره ، فـتأكد أن الزمن اغتال لحظة اللقاء بأبيه ..
خفق قلبه خفوق الخيام الشاحبة .. لحظات تقـلصت من زمنه الهارب .. بسرعة طوى قـفته الفارغة بعنف .. واتجه نحو الباب الذي دخل منه كأن مارداً ألقى به خارج السوق لا يلوي على شيء .. عاد وهو يكرر خلسة في نفسه : ما قلت لأبي شيئاً ، فماذا أقول لأمي .. ؟


أهلا أخي بوعزة

أنا متيقن أنك لم تكتب هذا النص المائز بقلم، بل كتبته بكاميرا رصدت كل شيء و لم تغفل عن أي شيء. رصدت الشخصيات في مظهرها و سبرت أغوارها و حالتها النفسية و هي تتفاعل في فناء النص...رصدت المكان بكل تفاصيله و تأثيره على مشاهد النص...رصدت تطلعات امرأة تتنظر كودو...و أحلام طفل تبددت على أطراف السؤال...عاد إلى البيت بخفي حنين يجتر خيبته ة يتجرع مرارته.
دام الألق ليراعك أخي.

الفرحان بوعزة
16-04-2013, 11:00 AM
قصة رائعة جمعت بين الإمتاع بسردها العالي ولغتها الجميلة وبين استخلاص العبر من خلال رسالتها الإنسانية الراقية.....
راقني هذا الوصف الدقيق لعالم السوق والانزياحات التي يمكن يحدثها، وكذا التماثلات التي يتركها لدى المتلقي وكأن "الداخل فيه مفقود، والخارج منه مولود"
ولعل هذا الغر قد استفاد درسا جعله يتطور ويستوعب الحياة من خلال إعادة صياغة الأسئلة...
إن التفكيير التوقعي ليس صائبا في كل الحالات، فلكل مجال تدبيره، إذ قد نحتاج في مجالات الارتكاز على توقع الأمور
واستباق برمجة الحلول لها حسب المعطيات المتوفرة لدينا، ولكن في مجالات معينة نركز اهتمامنا على ما هو أولى
ونترك التخمين في بعض المسائل التي لا نمتلك حقائقها إلى حين حدوثها......
الأديب المتميز الفرحان بوعزة
شكرا على هذه القصة الماتعة
محبتي وتقديري

أعتز بقراءتك القيمة ، أختي المبدعة المتألقة . كريمة سعيد .. شكراًعلى اهتمامك وكلمتك الطيبة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

الفرحان بوعزة
16-04-2013, 11:12 AM
اخي الفاضل:الفرحان
كنت هنا لأسجل إعجابي..
جمل صغيرة تخطف الأنفاس..الحبكة والسرد بضفيان مذاقا أخر..
لاأضيف سوي أنه نص رائع..
لي ملاحظة واحدة بخصوص الأستهلال
"وسبحت القرية في ظلام دامس، ليل حالك يذرع الغرفة بخطى ثـقيلة، خوف نادر ينهش صدره .. عيناه تلتقطان دبيب القلق، وهو يراقب خوفاً مدمراً يتسلل كلص عبر شقوق الباب الخشبي "
أري بوجهة نظر المتواضعة لدواعي التكثيف أن تراجعها..
تقبل تحيتي
أخي المبدع الفرحان

اخي المبدع المتألق .. حارس كامل .. تحية طيبة ..
شكراً على قراءتك القيمة للنص ،اهتمام أعتز به ..
ملاحظة لها مكانتها الأدبية ، تعبر عن رؤية نقدية يمكن الأخذ بها ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

الفرحان بوعزة
16-04-2013, 11:18 AM
ذلك السّوق كم يشبه دنيانا التي نعيش بها
ذلك الاكتظاظ الذي يفقد المرء توازنه ويشعره بالغربة حتى عن نفسه
للقصّة أبعاد رائعة صقلت من ملامح الواقع لوحة مؤلمة
وسلّطت الضّوء على مدى البعثرة التي يعيشها المرء حين يشعر بكونه نقطة في بحر لا يعي أبعاده
سعيدة بمصافحة ثمار إبداعك أستاذنا
مودّتي

فعلا أختي المبدعة ..فاتن .. بعثرة متعددة الجوانب تضغط بظلها على مستوى الجانمب الاجتماعي والاقتصادي والنفسي ..
شكراً على اهتمامك وكلمتك الطيبة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

الفرحان بوعزة
16-04-2013, 11:27 AM
وصف رائع لحالة الضّياع الدّاخلي والخارجي اللذين عاشهما البطل
قصّة اجتماعيّة تربويّة نسجتها يد قاصّ ماهر في السّرد والحبك
أحييك أخي الأستاذ الفرحان بو عزة
تقديري وتحيّتي
( أفاعٍٍ )

شكراً لك أختي المبدعة المتميزة .. كاملة بدارنة .. على قراءتك القيمة للنص ..
قراءة أعتز بها .. فعلا ،هي حالة غربة تتأرجح بين الأمل المرتجى والأمل الضائع ، بين الرغبة والخيبة ..
مودتي الخالصة .. الفرحان بوعزة ..

الفرحان بوعزة
16-04-2013, 11:30 AM
أخي الفرحان بو عزة
هي مشاهد من معاناة وقلق تسبق اليأس من عودة المحبوب ..
والنصّ يحمل في ثناياه قضيّة اجتماعية هي هجرة رب الأسرة في طلب الرزق ..ثم تصبح تلك الأسرة في طلبه..
وصف دقيق للأحداث شدّنا إلى النهاية
تحياتي
الأخ المبدع ..عبد السلام دغمش .. تحية طيبة ..
شكراً على قراءتك القيمة .. قراءة أعتز بها ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

الفرحان بوعزة
16-04-2013, 11:34 AM
أهلا أخي بوعزة
أنا متيقن أنك لم تكتب هذا النص المائز بقلم، بل كتبته بكاميرا رصدت كل شيء و لم تغفل عن أي شيء. رصدت الشخصيات في مظهرها و سبرت أغوارها و حالتها النفسية و هي تتفاعل في فناء النص...رصدت المكان بكل تفاصيله و تأثيره على مشاهد النص...رصدت تطلعات امرأة تتنظر كودو...و أحلام طفل تبددت على أطراف السؤال...عاد إلى البيت بخفي حنين يجتر خيبته ة يتجرع مرارته.
دام الألق ليراعك أخي.

شكراً لك أخي محمد على قراءتك القيمة لهذا النص ، شكراً على تفاعلك واهتمامك النبيل ..
محبتي وتقديري ..
الفرحان بوعزة

آمال المصري
18-04-2013, 09:29 PM
نص مائز بسرديته وفكرته ولقطاته المتتالية ولم أقل جمله القصيرة حيث كان النص أشبه بمقطع مرئي نجح فيه أديبنا الرائع التصوير وكأننا مع الحدث وسط الصخب وضوضاء السوق وزحمة الأجساد
لم أقل شيئا لأبي ...
الفقد والحرمان من احتضان الأب وجمع من المشاعر التي جعلت القلوب تتقاطر وجعا
هنا لرفع قبعة الإعجاب فقط فالنص أكبر من التعليق
بوركت أديبنا الفاضل
تحاياي

الفرحان بوعزة
18-04-2013, 11:15 PM
نص مائز بسرديته وفكرته ولقطاته المتتالية ولم أقل جمله القصيرة حيث كان النص أشبه بمقطع مرئي نجح فيه أديبنا الرائع التصوير وكأننا مع الحدث وسط الصخب وضوضاء السوق وزحمة الأجساد
لم أقل شيئا لأبي ...
الفقد والحرمان من احتضان الأب وجمع من المشاعر التي جعلت القلوب تتقاطر وجعا
هنا لرفع قبعة الإعجاب فقط فالنص أكبر من التعليق
بوركت أديبنا الفاضل
تحاياي

سررت بهذه القراءة المتميزة من أديبة متألقة ،
شكراً على اهتمامك وكلمتك الطيبة ..أختي المبدعة المتميزة آمال المصري ..
شهادة أعتز بها .. حفظك الله ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

لانا عبد الستار
04-08-2013, 12:12 AM
سرد جميل ممتع ولغة تريح القارئ بصحتها وبساطتها ووضوحها وقصة فكرتها قوية وهادفة
ووصف للسوق يستدعي في الذهن دنيانا وواقعنا

أحسنت وصف حالة البطل وصراعه الداخلي ومعاناته مع حيطه
القصة رائعة ومشوقة والتصوير أكثر من رائع

الأستاذ الكبير الفرحان بوعزة
اشكرك

محمد عبد المجيد الصاوي
04-08-2013, 03:24 AM
أستاذية في السرد .. وعبقرية في الإيغال في أعماق طفل ..
يحكي مرارات عمرنا منذ فجر صراخنا عندما قابلنا هذه الدنيا ..

كل الوفاء لك أستاذنا الناقد الأديب الفرحان بوعزة

وكل الإجلال والود

الفرحان بوعزة
04-08-2013, 02:50 PM
سرد جميل ممتع ولغة تريح القارئ بصحتها وبساطتها ووضوحها وقصة فكرتها قوية وهادفة
ووصف للسوق يستدعي في الذهن دنيانا وواقعنا
أحسنت وصف حالة البطل وصراعه الداخلي ومعاناته مع حيطه
القصة رائعة ومشوقة والتصوير أكثر من رائع
الأستاذ الكبير الفرحان بوعزة
اشكرك

شكراً لك أختي الفاضلة والمبدعة المتألقة .. لانـــا .. على قراءتك القيمة للنص ،
شكراً على المتابعة وتواصلك الدائم .. اهتمام أهتز به ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

الفرحان بوعزة
04-08-2013, 02:54 PM
أستاذية في السرد .. وعبقرية في الإيغال في أعماق طفل ..
يحكي مرارات عمرنا منذ فجر صراخنا عندما قابلنا هذه الدنيا ..
كل الوفاء لك أستاذنا الناقد الأديب الفرحان بوعزة
وكل الإجلال والود

شكراً لك أخي الفاضل والمبدع المتألق .. عبد المجيد .. على قراءتك القيمة للنص ..
شكراً على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة .. كلمة أعتز بها ..
تقديري واحترامي .. الفرحان بوعزة ..

ربيحة الرفاعي
20-08-2013, 12:02 AM
كدائما للتفاصيل في نصك مساحة تجعل الغوص فيه رحلة متعة بلا إبهام
ولروعة السرد ومتابنة الحبكة ما يجعل النص يستولي على القارئ بتشويقه وإيجابية محموله

لغة متينة وأداء قصي بديع وفكرة رائعة

دمت ومائز حرفك أديبنا

تحاياي

الفرحان بوعزة
21-08-2013, 02:22 PM
كدائما للتفاصيل في نصك مساحة تجعل الغوص فيه رحلة متعة بلا إبهام
ولروعة السرد ومتابنة الحبكة ما يجعل النص يستولي على القارئ بتشويقه وإيجابية محموله
لغة متينة وأداء قصي بديع وفكرة رائعة
دمت ومائز حرفك أديبنا
تحاياي

أختي الكريمة .. ربيحة .. تحية طيبة ..
قبل نشر هذه القصة كان عنوانها / القفة الفارغة / والقصة كتبت منذ عهد بعيد .. أدخلت عليها بعض التعديلات البسيطة ،ولا أخفي عليك إن قلت :
إنها قصة جاءت صادقة في الإحساس والشعور على ما أعتقد .. وما أجمل أن نكتب في كبرنا عن ما وقع لنا ولغيرنا في صغرنا ..
سواء كانت الحوادث بسيطة أو لها أهمية .. المهم ،ما مدى تأثيرها في النفس والفكر ..
وكل إبداع يخلو من صدق التجربة يكون باهتاً ..
شكراً على إشادتك بالنص .. إشادة أعتز بها ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

نداء غريب صبري
14-09-2013, 12:02 AM
السوق مشهد مصغر من الحياة التي نعيشها
وأنت كتبته في القصة حياة حقيقية

شكرا لك اخي

بوركت

الفرحان بوعزة
15-09-2013, 09:24 PM
السوق مشهد مصغر من الحياة التي نعيشها
وأنت كتبته في القصة حياة حقيقية
شكرا لك اخي
بوركت

مشاهد السوق متنوعة ومتغيرة ، لا تستقر على وضعية معينة ، كل مشهد له حركة معينة ، فعلا أختي الكريمة .. نداء ..
من هنا كان كل مشهد هو حياة تلتقي مع حيوات تبدو مختلفة ولكنها متجانسة في العمق ..
شكراً على فتح هذه النافذة التي أضفت رؤية جديدة على النص ..
شكراً على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

د. سمير العمري
03-09-2014, 02:50 AM
قصة راقية وهادفة تتناول الجانب الإنساني والتربوي وتقدم وجية حكائية فيها التشويق وفيها السرد والسبك والحبكة المتقنة راقت لي كثيرا.

دام ألقك الزاهر أيها القاص المدهش!

تقديري

الفرحان بوعزة
03-09-2014, 09:39 PM
قصة راقية وهادفة تتناول الجانب الإنساني والتربوي وتقدم وجية حكائية فيها التشويق وفيها السرد والسبك والحبكة المتقنة راقت لي كثيرا.
دام ألقك الزاهر أيها القاص المدهش!
تقديري

شكراً لك أخي الفاضل والمبدع المتألق .. الدكتور سمير .. على قراءتك القيمة للنص ..
دائما تشرف نصوصي السردية المتواضعة بقراءتك المركزة والهادفة ..
شكراً على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة .. كلمة أعتز بها ..
تقديري واحترامي .. الفرحان بوعزة ..

خلود محمد جمعة
06-09-2014, 01:23 PM
تتناول القضايا الاجتماعية بحرفية حرفك مع جمال الصور وتشويق السرد وقوة الطرح
طرح لأكثر من معاناة في سطور حيكت بمهارة
الاغتراب وما يعانيه الاخر بتفاعلاته النفسية ، وتأثيره على الأطفال والمعاناة الداخلية والخارجية و الظروف القاسية التي تجبرنا على الاغتراب
دوامة الحياة وما يحدث من متوقع وغير متوقع
وتساؤلات نطرحها على أنفسنا إن حدث ما نتوقع و إن لم يحدث
متجدد في الروعة وتتحفنا دائما بالأجمل
دمت بخير
تقديري

الفرحان بوعزة
06-09-2014, 09:37 PM
تتناول القضايا الاجتماعية بحرفية حرفك مع جمال الصور وتشويق السرد وقوة الطرح
طرح لأكثر من معاناة في سطور حيكت بمهارة
الاغتراب وما يعانيه الاخر بتفاعلاته النفسية ، وتأثيره على الأطفال والمعاناة الداخلية والخارجية و الظروف القاسية التي تجبرنا على الاغتراب
دوامة الحياة وما يحدث من متوقع وغير متوقع
وتساؤلات نطرحها على أنفسنا إن حدث ما نتوقع و إن لم يحدث
متجدد في الروعة وتتحفنا دائما بالأجمل
دمت بخير
تقديري

الأخت المبدعة المتألقة .. خلود .. تحية طيبة ..
كعادتك تكون قراءتك لنصوصي السردية المتواضعة قيمة أدبية متميزة ..
شكراً على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة ..
تقديري واحترامي .. الفرحان بوعزة ..

رويدة القحطاني
22-09-2014, 02:11 AM
هذه ليسن قراءتي الأولى لك، وأعرف أنها لن تكون الأخيرة لأن هذا القلم يستهويني
تكتب بحرفية قاص صاحب فكر، يجول في قلب الواقع ويستخرج منه مواضيعه ويبثها للقراء قصصا من أجمل وأذكى ما تكون القصص
أنت حقا مبدع

الفرحان بوعزة
23-09-2014, 10:38 PM
هذه ليسن قراءتي الأولى لك، وأعرف أنها لن تكون الأخيرة لأن هذا القلم يستهويني
تكتب بحرفية قاص صاحب فكر، يجول في قلب الواقع ويستخرج منه مواضيعه ويبثها للقراء قصصا من أجمل وأذكى ما تكون القصص
أنت حقا مبدع

المبدعة المتألقة رويدة .. تحية كريمة ..
شكراً على اهتمامك النبيل وكلمتك الطيبة .. كلمة أعتز بها ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

هشام النجار
17-10-2014, 06:44 AM
نحن أمام نص فلسفى فى الأساس ، فهذا أديب يسطر الفلسفة وليست مجرد قصص وحكايات ، ومنذ احتياج البطل الصغير للدفء والأمان وارتعابه من الخوف والمجهول والوحدة وطغيان الظلمة والعتمة وبعدها دخول مهرجانات التيه والزحمة بلا نتيجة تذكر فى العثور على الهدف وتحقيق الغاية بعد كم الضجيج والصخب والحركات والأصوات والوجوه والتجمعات والخيام والبضائع والعمائم والجلابيب والملامح ونباح الكلاب – أى كلاب وكيف تنبح والامَ ترمز – والأغنيات المبتذلة وتداخل الأصوات والمطامع والمصالح وتشابه الوجوه والقلوب .. الخ ، وفى النهاية لا شئ هنالك ، فقد اغتال الزمن لحظته المرتقبة وعاد بقفته الفارغة وما قال لأبيه شيئاً وما التقاه .
وقبل الذهاب الى أى شئ أو التفكير فى الاجابة على اشكاليات القصة السردية ومسائلها الفنية والتجول عبر ايقاعاتها ومشاهدها المصورة المتلاحقة ، وقبل معايشة حالة الأم النفسية مع هواجسها الأنثوية المؤلمة والمقلقة وحالة البطل الصبى وتوتراته وذهنه المشتت وانقساماته النفسية بين الفقر والتعليم والمدرس والزملاء والحذاء الهزيل والحاجة المادية والحاجة للأب وحضوره واصطحابه وحنانه وحكاياته ، أو الذهاب الى الأب نفسه وأين هو وما قصة اختفائه .. الخ تأخذنا القراءة الكلية والفكرة العامة مباشرة الى الخلفية والأبعاد الفلسفية ؛ لأننى قرأت الكثير من قصص الأديب بوعزة وكدت أن أسميه فيلسوف القصة فى الواحة ، فأنا تصلنى منه الرؤية الفلسفية قبل متعة وادهاش الحبكة واللغة والسرد والتصوير الفنى .
تلك الرؤية العامة ذات الأبعاد الفلسفية العميقة والتى ضمنها القاص العنوان " لم أقل شيئاً لأبى " الذى كان هو أيضاً الخاتمة - فى اشارة الى ما بين البداية والنهاية من أحداث وأشكال وأشخاص وفنون ومتع وصراع ، فماذا أفاد منها الانسان وماذا خرج به فى النهاية من هذا المهرجان – شغلت سقراط كذلك .
وعلى حد علمى كان سقراط أول من أثارها واستخدم أيضاً فى اثارتها نموذج السوق ، فكان كلما مر بالسوق كرر جملته العميقة المغزى " يا الله كم هى الأغراض التى لست بحاجة اليها " ، وقد نذهب وراء فلسفة النص كل مذهب وقد نبنى عليها تصورات تقتحم قضايا الانسانية كلها وليست مجرد قضية صبى فى العاشرة من عمره فى قرية مجهولة يبحث عن أبيه ويقدم نفسه لأمه كبطل خارج لمهمة اعادته .
فما بالنا اذا كانت الرؤية تستهدف هذه الفوضى المادية الاستهلاكية وثقافة السوبرماركتات والمولات التى لم ترحم بقعة فى الأرض وطغت حتى على هدوء واستقرار ووداعة وأمان الريف والقرى ، التى كانت قبل عقود قليلة واحات للأمن والسكينة ونماذج لترابط الأسرة وتجمعها وتوحدها فى كل مكان ؛ فلا تترك الزوجة زوجها وهو فى حقله ولا يترك الابن أباه حتى وهو يرتدى الثياب الافرنجية عائداً من جامعته أو فى ثيابه العسكرية عائداً من الجيش ، يسارع الى الفأس ويسهم فى ضرب الأرض بقوة وعزم لتفور بالخيرات ، قبل أن تغزوها المدنية بثقافة السوق التى اصطحبت فى غزوها للقرية أخلاقاً وممارسات وطبائع ليست منها ولم تكن فيها يوماً ، وهذا ما قصده العقاد رحمه الله بقوله " حين تشترى ما لست بحاجة له ستبيع غداً ما أنت بحاجة اليه " .
وهواجس الزوجة وتساؤلاتها تصوير دقيق لهذه الحالة – ببعديها الفلسفى والانسانى معاً - ، فمنذ متى والفلاح فى الريف يلعب بديله ويركض وراء غراميات وألعاب رخيصة ؟ ، لم يحدث الا بعدما غزا السوق القرية وتطلع الفلاحون منبهرين بهذا الغزو الى الخارج تماماً كهجرة مثقفينا الى أوربا بعد الحملة الفرنسية ، وصار طموح الفلاح العودة الى بيته بمروحة وغسالة أتوماتيكية ومكنسة كهربائية ومكواة ملابس ، وهذا هو طموح المخلص منهم ، عدا الذى يذهب بلا رجعة الى أحضان الشخلعة والمياصة والنعومة التى تجتذب بعض المنبهرين فى دروب الغواية وأزقة البندر التى تبتلع الناس فلا يكاد بعدها يعثر لأحدهم على أثر .
فى مشاهد برع القاص هنا فى تصويرها ، كانت بالغة الصدق فى التعبير عن حالة الفقد والتيه والحيرة والتشتت ، وفى الختام كانت النهاية الصفرية من الانجاز الحقيقى فى الحياة ؛ فقفة أهل القرى والريف فارغة بعد أن ابتلعتهم الرأسمالية المدنية المتوحشة وغزتهم بأسواقها وفضائياتها وصخبها وغنائها المبتذل – عوضاً عن حكايات الجدة التراثية المدهشة بقيمها التاريخية والأخلاقية والذوقية العالية وعوضاً عن غناء القرية الشعبى الأصيل الجميل - وقيمها المادية الرخيصة . هو اذاً " لم يقل لأبيه شيئاً " فلا انجازات على مستوى المشاعر وتحقيق الأمان والاستقرار الاجتماعى والأسرى .
البعد الفلسفى والرمزية العامة طغت بشكل واضح على فنيات القصة وان لم تقلل من قيمة الأخيرة على الاطلاق ، فالسرد اعتمد على دفقات لغوية مركزة ومشاهد فنية مركبة مجمعة ، ابتدأت بتصوير البيت الريفى وما احتله من ظلام ووحشة ، وقد كان قبل ذلك التصوير المعتاد لهذا البيت يركز على الاحتفاء بالصباح واشراقات الشمس على الجدران الطينية من خلال أسقف مفتوحة على مساحات الفضاء الرحب ، برهاناً على تلك التحولات الخطيرة على واقع القرية وما دهمه من أخلاقيات وقيم أنتجت الوحشة والوحدة والحيرة والخوف والعزلة والظلمة .
ثم مشهد المدرسة وما تبعه من فلاش باك أمام الاسكافى وكلاهما نحت صورة البؤس والفقر والقلق التى يحياها البطل فى ذهن المتلقى .
وبعدها المشهد الأساسى الذى صور السوق بأبعاده وصراعات الدخول فيه ومحاولة معايشته والتأقلم مع ثم الخروج منه بلا شئ ، فقد احتكت القرية به وتحالفت معه بغية المصالح المتبادلة وتحقيق الازدهار فامتص دمها وثرواتها وخسرت مع ذلك أمانها واستقرارها وروعة ونضارة وجمال تراثها وفنونها .
وازدحم النص أيضاً بالصور الفنية الجزئية ومنها على سبيل المثال : " احتوى الليل بعباءته " ، " سبحت القرية " ، " ليل يذرع الغرفة بخطى وئيدة " ، " خوفاً يتسلل كلص " ، " انكمشت عباءة الزمن "، " الزمن اغتال لحظة اللقاء " ، " الخيام الشاحبة " .. فضلاً عن الجمل والعبارات والمشاهد التى وضعتنا فى أجواء القرية مثل " العباءة " ، " الحصير " ، " ولد البهلولى " ، " يحلق وجهه كل صباح ويلطم خديه بعطر يدسه فى جيبه " ، " القفة " ، " الجلابيب والعمائم " .. الخ .
ويبقى النص برؤاه الفلسفية العميقة تعبيراً دقيقاً وبارعاً عن حالة مجتمع طرأت عليه فى سنوات قليلة تحولات خطيرة ، وبات يبحث عن أمانه واستقراره وثرائه ورفاهيته ودفئه .. فلا يجد .

الفرحان بوعزة
18-10-2014, 10:05 PM
أخي المبدع المتألق والأديب المتميز ..هشام النجار .. تحية طيبة ..
سررت بهذه القراءة القيمة التي خلخلت دلالات النص ، قراءة تنم عن قدرات كبيرة لاستنطاق صمت النص ، وامتلاك آليات لإظهار المتحجب من المعاني وإضاءة اللامرئي واستدعاء المنسي ..قراءة ترتقي نحو معرفة تحليلية تقدر العمل الإبداعي وتثمن قيمته عن طريق تذوق جماله الباطني بفحص ثوابت بنيات النص ومتغيراتها ،
وبكل اعتزاز أجد هذه القراءة المتمكنة قد ضمنت حياة النص ،قراءة بنت نموذجا جماليا له أثره في متخيل القارئ وذخيرته الثقافية ،ومن تم أصبح هذا النص المتواضع ينطوي على أكثـر من موضوع جمالي ،بحيث غدا في كليته قائما للقراءة وللكتابة عنه من جديد ..
شكراً لك أخي على اهتمامك النبيل ، اهتمام أعتز به ..
محبتي وتقديري ..
الفرحان بوعزة ..