تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : داء السلطة



عبد الرحيم صادقي
14-04-2013, 12:36 AM
حب السلطة داءٌ ما له دواء. لا يَسلم منه عظيم ولا حقير، ولا حاكم ولا محكوم. ولا ميْز سوى أن لكل إنسان سلطة على قدره، وهو في مملكته الآمر الناهي، أو هكذا يريد أن يوهِم نفسَه والآخرين. وكل صاحب مملكة يعمل على شاكلته.
أذْكر حين توجهت ذات صباح إلى مكان عملي الجديد إصرارَ حارس الأمن الواقف عند بوابة المؤسسة على مرافقتي إلى مكتب المدير. ما كان فعله دليلَ حب ولا لأنه خدوم، وإنما ليُشعِر نفسه أنه مهمّ، ولم أشأ أن أنغّص عليه نشوته فتركته يعيش الوهم. قدّمني إلى المدير ثم انصرف. وذات يوم بئيس رافقت شخصا إلى المستعجلات وهو بين الحياة والموت، وكان حارس الأمن الكلّ في الكلّ، ومع تهرب العاملين من مسؤولياتهم وغش ظاهر وتقاعس بائن، تركوا للحارس الحبل على الغارب. حتى إني وجدت عنده أرقام هواتف الأطباء كلهم، وقال لي مبديا رغبته في المساعدة: "لو احتجت رقم هاتف أي طبيب في أي اختصاص فلا تتردّد في مخاطبتي!". ليس غريبا أن تتوجه إلى إدارة عمومية أو غير عمومية فيكون عليك أن تتفاهم أولا مع "الشاوش"، تفاهما ماديا أو معنويا. وفي القضاء مثلا ليس هناك غير التفاهمات المادية، و"الشواش" سُعاتُها المحنّكون.
السلطة لا تستلزم مؤسسات وزرابي مبثوثة وأرائك مصفوفة، ومواكب وحُراسا وكرسيا فخما يدور ذات اليمين وذات الشمال. أعرف شخصا مدمنا على المقهى، حين يتراءى له ماسح الأحذية يسارع إلى مناداته، ثم تَراه منشرح الصدر والماسحُ عند قدَمه قد عكف على مسح الحذاء. هو الآن شخص مهم لأن إنسانا مثله، لا يقلّ عنه إنسانية، أجبرته صروف الدهر أن يجلس عند أقدام المرضى النفسيين و"المعقَّدين". وحين ينهي ارتشاف قهوته يَنقُد النادلَ قائلا: احتفظ بالباقي! تعظُّما لا سخاء.
ولا يعجز من لا يجد سلطة بين يديه أن يختلقها اختلاقا، ثم يُرضيه بعد ذلك أن يستلذ شيئا من الوهم المعنوي. قد تصادف شخصا يُغالي في مدح من يحسبهم عظماء، وربما حرص أن يُظهر أنّ له بهم صلة. فلا يكون مدحهم إلا مدحا لنفسه، وليُقنعك أنّ من يعرف "العظماء" لا جرَم عظيم. هكذا تحلّ سلطة وهمية محلّ سلطة واقعية، وإن كان كلاهما وهْما.
هي السلطة التي يعشقها الناس كبيرهم وصغيرهم، هي الروح التي تسري فلا تكاد ترى لها أثرا، والمرض الذي يقرف عيشتك في الجامعة والمسجد والشارع والحافلة والمقهى والمدرسة والشابكة والسوق والبيت ومكان العمل والوزارات والإدارات والأحزاب والنقابات...
هي الوظائف والواجبات عند العقلاء، والمغانم والفرص عند الحمقى!

فاطمه عبد القادر
14-04-2013, 01:23 AM
هي السلطة التي يعشقها الناس كبيرهم وصغيرهم، هي الروح التي تسري فلا تكاد ترى لها أثرا، والمرض الذي يقرف عيشتك في الجامعة والمسجد والشارع والحافلة والمقهى والمدرسة والشابكة والسوق والبيت ومكان العمل والوزارات والإدارات والأحزاب والنقابات...
هي الوظائف والواجبات عند العقلاء، والمغانم والفرص عند الحمقى!


السلام عليكم
شكرا لك أخي عبد الرحيم,, فالنص جدا قيّم .
كلما كانت النفس أحقر ,والعقل أصغر ,والمروءة أقل ,كلما يتيه صاحب السلطة بمركزه ,
ولو كان لديه ذرة واحدة من شرف وشهامة, لاعتبرها عمله المقدس الذي يجب عليه أن يؤديه بأمانة, ليخدم به الآخرين والمجتمع والوطن والإنسانية .
ولكن للأسف نرى العكس .
فما أن يستوي المرؤ على كرسي أي سلطة, حتى تسول له نفسه بسحق الآخرين تحت نعال كبره,
والمؤسف أننا نرى من يبجله ويقدسه ويهتف له, ولا يريد أن يسحب عنقه من تحت النعال ,
لماذا ؟؟؟
لا ندري !!
نص رائع
ماسة

عبد الرحيم صادقي
27-04-2013, 12:57 AM
السلام عليكم
والمؤسف أننا نرى من يبجله ويقدسه ويهتف له, ولا يريد أن يسحب عنقه من تحت النعال ,
[/I]

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أختي فاطمة
كثيرا ما يصنع الناس طواغيتهم
ولا يرتفع صوت الباطل إلا إذا غفل أهل الحق.
شكر الله لك.

فاتن دراوشة
27-04-2013, 08:29 AM
طرح رائع لوباء اجتماعيّ نعاني منه

تلك الزّلفى والتقرّب واتّباع مبدأ " من جاور السّعيد يسعد"

والمشكلة أنّ المجتمع يتيح لهذه الطّفيليّات أن تمارس هواياتها كما يحلو لها

دام حرفك معين صدق أخي

مودّتي

خليل حلاوجي
27-04-2013, 11:18 AM
السلطة التي يعشقها الناس كبيرهم وصغيرهم، هي الروح التي تسري فلا تكاد ترى لها أثرا

هي الوظائف والواجبات عند العقلاء، والمغانم والفرص عند الحمقى!




وهي اليوم من تحرّك مصائر المستقبل في بلادنا المظلومة ...

زهراء المقدسية
27-04-2013, 05:58 PM
داء السلطة رغبة إلى الخلود وكلّ من عليها فان
ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
....لكن كان الإنسان نسيّا

وكل داء له دواء
ودواء أصحاب السلطة الثورة
ولا شئ غير الثورة


نص أكثر من رائع

تقديري الكبير

عبد الرحيم صادقي
28-04-2013, 03:29 PM
تلك الزّلفى والتقرّب واتّباع مبدأ " من جاور السّعيد يسعد"


لكنها سرعان ما تتحول إلى "من جاور الشقي يشقى"، فليست سعادتهم إلا شقاء على الحقيقة.
تحياتي يا فاتن.

عبد الرحيم صادقي
28-04-2013, 03:58 PM
وهي اليوم من تحرّك مصائر المستقبل في بلادنا المظلومة ...

كان الله للمظلومين
بوركت أخي خليل

عبد الرحيم صادقي
03-05-2013, 01:35 AM
وكل داء له دواء
ودواء أصحاب السلطة الثورة
ولا شئ غير الثورة


هو ذاك أيتها الزهراء
ليس غير الثورة
في مقابل كل تسلط ثورة.
كوني بخير.

ربيحة الرفاعي
21-05-2013, 12:13 AM
أعرف شخصا مدمنا على المقهى، حين يتراءى له ماسح الأحذية يسارع إلى مناداته، ثم تَراه منشرح الصدر والماسحُ عند قدَمه قد عكف على مسح الحذاء. هو الآن شخص مهم لأن إنسانا مثله، لا يقلّ عنه إنسانية، أجبرته صروف الدهر أن يجلس عند أقدام المرضى النفسيين و"المعقَّدين". وحين ينهي ارتشاف قهوته يَنقُد النادلَ قائلا: احتفظ بالباقي! تعظُّما لا سخاء.

رؤية فلسفية ناضجة في عنصر رئيس من عناصر الأنا يزداد بروزا باستفحال سيطرتها وتمكنها من المرء
غير أن ساغرد خارج السرب في ما يتعلق بالجزء الذي اقتبست من نصك البديع، فما أدرانا بالباعث الحقيقي وارء فعلتي هذا المدمن على المقهى، وفيم ننفي دافع الخير عن سلوك لو حرضنا كل ممارس له على الامتناع بدعوى اتهامه بالتعظّم لآذينا اثنين من المحرومين في رزقهما ...

في فكرك سمو وفي نثرك جمال وفي حرفك ألق
لا حرمك البهاء أديبنا

تحاياي

عبد الرحيم صادقي
25-05-2013, 12:48 AM
غير أن ساغرد خارج السرب في ما يتعلق بالجزء الذي اقتبست من نصك البديع، فما أدرانا بالباعث الحقيقي وارء فعلتي هذا المدمن على المقهى، وفيم ننفي دافع الخير عن سلوك لو حرضنا كل ممارس له على الامتناع بدعوى اتهامه بالتعظّم لآذينا اثنين من المحرومين في رزقهما ...


ولتعرفنهم في لحن القول.
ثم إن الأدب يكفيه أن يكون الحدث ممكنا.
بوركت أيتها الربيحة
وشكر الله لك

د. سمير العمري
16-03-2014, 07:07 PM
هو ما قلت أيها الأديب ، فداء السلطة وحب الظهور هو من شهوات النفس ولا يكاد يسلم منها إلا قليل ، وليس من عيب أن يكبر المرء وأن يمارس السلطة متى كان لها أهلا ، ولكن الخطل والعيب أن يمارس المرء التكبر أو أن يغتر بأمره ويزعم بما لا يملكه ولا يستطيعه.

نص جميل ومعبر وذو لغة راقية فلا فض فوك!

تقديري

خلود محمد جمعة
19-03-2014, 09:57 AM
للسلطة بريق كالذهب قد تعمي البصيرة
والسلطة قد تكون مرض نفسي مستتر ما ان يتهيأ لها المناخ المناسب فتطفوا بقوة على السطح
وما السلطة الا تكليف وليست تشريف لما لها من مسؤولية وواجبات
اما من يصاب بداء السلطة المرضي فكان الله في عونه لأنها مرض عضال
دمت بخير
مودتي وتقديري

نداء غريب صبري
23-05-2014, 06:52 PM
طرح جميل ومعالجة رائعة لوباء اجتماعي يزداد استفحالا يوما بعد يوم

شكرا لك

بوركت

ناديه محمد الجابي
30-01-2018, 05:34 PM
داء السلطة وحب الرياسه
من الجبلات الراسخة في الإنسان، كما يقول ابن خلدون، وإن لم يتم السيطرة على هذا الشعور وتهذيبه وتربيته ودفعه نحو التشكل في قوالب إيجابية، فإنه يماثل في سطوته ونفوذه أثر المخدر الذي يرسل الضمير والمعايير والقيم في رحلة لا عودة منها،


وقد بيَّن النبـي صلى الله عليه وسلم عواقب الرئاسة ومراحلها الثلاث في حديثه حيث قال :" إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة و ما هي ؟ أولها ملامة ، و ثانيها ندامة ، و ثالثها عذاب يوم القيامة ، إلا من عدل ، فكيف يعدل مع أقربيه ؟ "(السلسلة الصحيحة)
حرف تألق فكره وزهى في نثرية جميلة طيبة الأداء نطقت بصدق البيان
سلم الفكر والقلب والقلم.
:002::011:



:004:

:006:



:002: