المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة : الوريد والوليد



محمد عبد المجيد الصاوي
18-04-2013, 10:54 PM
الوريد والوليد
محمد غبد المجيد الصاوي ـ غزة
هو هناك يداعب شعرات لحيته المبيضة ، كما تلاعب أوجاع عمره قلبه العصفوري .

لا يدري .. منذ ثمانية وعشرين يوما وهو على هذه الهيئة ، خمس ساعات متواصلات يقضيهن ، ما بين فنجان قهوة وكأس شاي ، وشراب مختلف ألوانه ، وأعقاب سجائر تمتلئ بها المنفضة ، وأنفاس أرقيلة تروح وتغدو .

ما أثقله من شاطئ ، ذلك الذي يمتد على اتساع نظراته التي لا تزال تمتلك حدتها ، يا لرتابة هذه الأمواج التي تبعث فيه روح الحياة التي طالما كره فيها ، انبعاثه الأحمق ، يلهث وراء لقيمات المال الفاخرة .

ينعم نظره بالمارة ، والمقيمين والمحلين والمرتحلين ، هي وجوه محببة ، متقاطعة في ملامحها واستدارات وجوهها . فيها بعض من ماضيه وبقايا من أحلامه الضائعة ..

أشيلك، يا ولدي ، فوق ظهري

كمئذنة كسرت قطعتين..

وشعرك حقل من القمح تحت المطر..

ورأسك في راحتي وردة دمشقية .. وبقايا قمر

أواجه موتك وحدي..

وأجمع كل ثيابك وحدي

وألثم قمصانك العاطرات..

ورسمك فوق جواز السفر

وأصرخ مثل المجانين وحدي

وكل الوجوه أمامي نحاس

وكل العيون أمامي حجر

فكيف أقاوم سيف الزمان؟

وسيفي انكسر..

تلك السهام النزارية ، مازالت تقتله تارة وأخرى تحييه .

فحسن : قد رحل في السابعة والعشرين ، كما تغادر الدموع المقل .. كما ينادي الفجر عشاقه .. حان للنور أن يتجلى بكم وعليكم .

هو جرح العمر الأكبر ، هو الربيع الذي لم تلده شتاء ، هو السماء التي بزرقتها الحانية تمتد حوله ، هو الشريان الذي سلم للقضاء والقدر أن يغادره ، بعد أن غادره الوتين .

ليغدو بقايا أزمان لا روح ولا ريحان فيها .

آه يا خالد ، ما كان منك .. أن تذرني وكؤوسَ اللعنة تلاحقني ، لتلحق أنت في ركب حسناء ...

**********

يعود من تجليات حزنه ، لواقعه الذي يخرج له لسانا ، فيبتسم له :
لماذا اليوم اشتريت شريحة جوال ؟

وأخرجت أحدث موبايلاتك ..

ولمَ كنت سعيدا بلحظات الخوف والقلق .. وأن تبحث عن نوتة الأرقام ؟

ما سر تلك اللهفة التي تملكتك عندما عثرت عليها ؟

وما الداعي لنشوة غمرتك ، وأنت تمر بناظريك على الأرقام ؟

منال ابنتي/ غزة ، أحمد أخي / غزة ..

***************

منذ شهر وأنت هنا في هذه البقعة ، ولم تُشعِر أحدا بقدومك ، وضعت لنفسك قفصا أبيت أن تحطم أغلاله المخملية ..

تستيقظ قبل صلاة الفجر بساعة ، لتتلوَ آيات القرآن ، ثم صلاة الفجر في المسجد المقابل للفندق الذي تنزل فيه ..

بعدها تتناول وجبة إفطارك الدسمة ، لتجوب بعد انتهائها ، شاطئ غزة مع ساعات الصباح الأولى ..

ثم فترة نوم تستمر قبيل الظهر ، وبعد ذلك تبدأ رحلة لذيذة مع الغزالي في إحيائه . وساعة من نوم أخرى .

ثم تقيم كعادتك على الشاطئ ..

بعدها تهيم شوقا وتعود شوقا في شوارعك الغزية ، لتأوي إلى نوم يحطم ما تبقى من لحظات لهوك العابث .

لمْ يرَك أحد من أولئك الخمسين الذين يحفظون ملامحك ولا يتيهون أبدا عن سحنتك التي لا تفارقها ابتسامتك البلهاء ، خلال ذلك الشهر ..

أمعقول ؟؟

*********
هاهي يده ترتعش يخرج الرقم من الذاكرة ..

_ السلام عليكم .. بنيتي
_ بابا ..
_ دموع تقرع أذنه ..
_ ينتقل الجوال إلى يد أخرى ..
_ أبي أنا خالد .. أين أنت منذ شهر ونحن يقتلنا البحث عنك .

***********
.. هناك : وقد كان القدر يخبئ بعضا من خير جم غفير ..
كانت للفرحة باللقاء معانٍ كاد يكدر صوفها بكاء ..

.. هناك بكى على غير عادته وأبكى ..

ضم خالد إليه .. دفنه في الصدر .. بعد أن أعلنت العينان استراحة مقاتل من افتراس محياه الغض الرطيب .

منال تلك الدمشقية الغزية ، والتي فيها كل جمال الشام الأولى .. زوجته التي رحلت منذ خمسة عشر عاما ..

قد أخذها بكل طفولتها وحزنها على زوجها الذي لاقى ربه في اليوم الذي وطئت به قدماه هذه البقعة .. بعدما أيقظته لتجده قد لفظ أنفاسا أخيرة ..

أحمد .. ذلك الشقيق الذي بترت قدميه في عدوان آثم لعين .. وما هزئت به الأيام ولم تقوَ على ذلك .. ها هو يبادله حبا ولد معهما .. وظنَّ .. عليٌّ أنه مضى مع ريح الغربة .

حينها ..

أدرك أن الوليد ..

قد رأى النور .

وأن الوريد لم يقطع ..

د عثمان قدري مكانسي
19-04-2013, 01:13 AM
إنها مؤثرة
والحياة ابتلاء
وقد يتحمل المرء ويصبر ، وقد يضعف فيفقد بوصلته
شكر الله لك

محمد عبد المجيد الصاوي
19-04-2013, 01:23 AM
شكرا لك أخي الشاعر : د. عثمان قدري مكانسي
وسرر بتقبلك لعملي ..
وبمرورك الكريم

مصطفى حمزة
19-04-2013, 04:31 PM
أخي الأكرم محمد عبد المجيد
أسعد الله أوقاتك
نصٌّ من أدب الغربة . أمتعتنا به بتقنياته المتعددة : السرد وحديث النفس والاقتباس ( من قصيدة السيف الدمشقي لنزار في رثاء ابنه توفيق )
الذي نوّع في الأسلوب لكنه أضعف البناء الفني للقصّة .
وجاءت الخاتمة كومضة تقريرية للعنوان ، ولكنها أضعفت إثارتها حين جاءت أيضاً تفسيريّة ..
- بُترت قدميه = بُترت قدماه
تحياتي

ناديه محمد الجابي
19-04-2013, 06:12 PM
كم هى مؤثرة المشاعر الحقيقية
وللقاء بعد طول غياب فرحة
وكأن الحلم قد أصبح حقيقة
وتعود الروح للجسد, ويعود الأحساس بالحياة
وتنقشع الكآبة ونولد من جديد .
تحياتي.

محمد عبد المجيد الصاوي
19-04-2013, 08:08 PM
أخي الكريم أ. مصطفى حمزة ..
أشرت للأبيات بأنها ( سهام نزارية ) ..
أما أن اقتباس سطور شعرية لا تزيد عن السبعة فهي ليست مضعفة للنص ولا لبنائه
( كما درسنا في الفن القصصي والمسرحي على يدي أ. د. كمال غنيم في ماجستير اللغة العربية في الجامعة الاسلامية بغزة )
إلا إذا كنت أنت برؤيتك تراه كذلك ضعيفا ..
تفسيرية الخاتمة كانت ضرورة .. للربط والمزج ..
ولم يكن غائبا عني أن أدعها بدون تفسير ..
لكن تعمدت ذلك ..
بتر قدماه ، وليس بترت قدميه : نعم هو خطأ لا يغيب عني ..
وشكرا لنقدك ومرورك ..

وليد عارف الرشيد
20-04-2013, 12:46 AM
نص جميل ماتع مؤثر تفوق فيه السرد العالي الذي يشد من حميمية مشاعر ومال النص في بعض مقاطعه للشاعرية لتوظفها في اللعب على وتر الشجن والحنين
قلت لك مرة ومازلت أقول لديك نفس روائي مدهش وجذاب
سوى ذلك فإن الموضوع بحد ذاته نبيل وقيم وأوافق أخي الأستاذ مصطفى في الخاتمة التي تمنيتها أبعد عن التقريرية وأكثر مفاجأة
فشكرا لك مبدعنا وإن كان لي عتب عليك صديقي وأخي الحبيب ومثلك لا يرد بهذه الحدة على الأستاذ مصطفى وقد امتدح النص وتوقف عند نقطتين فقط اعتبر أن فيهما ما يقال وهي وجهة نظر لأديب كبير نعتز به
وبك أيضًا أعتز أديبنا المبدع الجميل محمد الصاوي ولك التحايا العطرات وكل التقدير

محمد عبد المجيد الصاوي
21-04-2013, 11:26 PM
شكرا خالصا أخي الحبيب د. وليد عارف الرشيد ( أبا عمر )
شاعرنا الشامي النبيل ..
ليس حدة ..
بل هي ردود ..
لربما برزت فيها ما يخيل بالحدة ..
ولي كل الاعتزاز بالأستاذ مصطفى حمزة ..
وبك أخي الحبيب وبرأيكما ..
لكن النص القصصي وكدارس متعمق بأصوله وجذوره النقدية والفنية
وتبعا للمدرسة التي أنتمى لها وننتمي غالبيتنا هنا في الواحة إليها
يفرض علي نوعا من التفسيرية الذي لا يفقد النص قيمته
ولا يدخله في التقريرية والمباشرة ..
هذا رأيي أخواي الكريم ..
ولا أنقص من رأييكما ..

كاملة بدارنه
01-05-2013, 05:13 PM
نسجت خيوط الذّكرى بمونولوجها نصّا أشبعته العاطفة واللّغة التي انسابت سلسة
قصّة مؤثّرة
بوركت
تقديري وتحيّتي

عبدالله عيسى
01-05-2013, 05:56 PM
الشاعر الجميل ، صاحب اللغة الجميلة
سرعان ، ودائما ماتؤثر اللغة في المشاعر بتاثير دافئ ، وأيضا تؤكد للعقل وجود
مــوهبة ؛ لابيع لها ولاشراء ولاتعلم .. على غير المبنى ، وثمنها قليل من الوقت .

غالبا مانحتاج لأمثال ، الأديب النبيل / مصطفي حمزة ، كي ينهض بنا فيما يكمل
حــــلاوة الأدب . ولكن الذي أراه أنا على حسب رؤيتي البسيطة ، أن نتخذ اليمين
موضعا للسرد . دمت جميلا استاذي الشاعر / محمد ، ومتتبعا لأعمالي ، ومعلما

محمد عبد المجيد الصاوي
01-05-2013, 06:02 PM
الأخ :
عبد الله عيسى ..
في النقد الأدبي الذي أتقن كثيرا منه
بحكم دراستي الأكاديمية في ماجستير اللغة العربية ..
يكون هناك الحجاج ..
أو ما يعرف بنقد النقد ..
..
بكل يقين نفيد ونتعلم وننهل من الكبار ..
ومنهم وعلى رأسهم أ. مصطفى حمزة ..

أحمد عيسى
01-05-2013, 06:07 PM
أستاذ محمد عبد المجيد الصاوي

لعلها أول مرة أقرأ لك
ولكني أعدك باذن الله
أنها لن تكون الأخيرة
نصٌ قوي رائع ، وتنوع سردي مذهل
أحييك

ربيحة الرفاعي
23-05-2013, 01:44 AM
سرد متنوع جميل وقصة حملت عظة وتسكينا للقلوب المفجوعة وبثا للأمل أظنه خير ما يقدمه القلم اليوم والموت حولنا حيثما التفتنا

أؤيد رأي الرائع مصطفى فيما يتعلق بالاقتباس النص لبض سطور قصيدة مؤثرة اتفقت وروح النص لكنها تبقى غريبة عنه ولم تزده بسطورها ولا أغنته
ولا يخفى على مثلك أديبنا أن القصة القصيرة تقوم على التكثيف التام ...

ولي رأي بتنسيقها لو أذنت لي، فالقصة تكتب فيما نعرف بأسلوب الفقرة وباستخدام علامات الترقيم


يبقى أنه كان نصا ماتعا وبالغ التأثير

دمت بألق

تحاياي

محمد عبد المجيد الصاوي
23-05-2013, 02:36 AM
سرد متنوع جميل وقصة حملت عظة وتسكينا للقلوب المفجوعة وبثا للأمل أظنه خير ما يقدمه القلم اليوم والموت حولنا حيثما التفتنا

أؤيد رأي الرائع مصطفى فيما يتعلق بالاقتباس النص لبض سطور قصيدة مؤثرة اتفقت وروح النص لكنها تبقى غريبة عنه ولم تزده بسطورها ولا أغنته
ولا يخفى على مثلك أديبنا أن القصة القصيرة تقوم على التكثيف التام ...

ولي رأي بتنسيقها لو أذنت لي، فالقصة تكتب فيما نعرف بأسلوب الفقرة وباستخدام علامات الترقيم


يبقى أنه كان نصا ماتعا وبالغ التأثير

دمت بألق

تحاياي

أختنا الرائدة أ. ربيحة الرفاعي
القصة مكتوبة وفق أسلوب الفقرة ، وعلامات الترقيم
لكن يبدو أن عرضها عبر التوسيط جعل الأمر غير واضح
هذا رابط آخر قصة نشرتها هنا :
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=65670
يتضح فيها أسلوب الفقرة ، وتوظف علامات الترقيم توظيفا يخدم القص
أما الاقتباس من نص شعري .. وتوظيفه
فهو ما وجدتني كقاص ساعة تسجيل النص ، مندفعا إليه ، وقد نشرت القصة على صفحاتي في الفيس بوك وفي أكثر من منتدى أدبي قبل أن ألحق في ركب واحتنا ، ولم يشر أحد إلا إضعاف الاقتباس للقصة !!!!

محمد ذيب سليمان
23-05-2013, 12:15 PM
شكرا على نص مؤثر جميل استعملت كل تقنيات الفن القصصي لتوصل فكرتك
مودتي

محمد عبد المجيد الصاوي
23-05-2013, 11:56 PM
شكرا على نص مؤثر جميل استعملت كل تقنيات الفن القصصي لتوصل فكرتك
مودتي

أستاذي الشاعر القدير أ. محمد ذيب سليمان ..
بوركت ناقدا ومتذوقا ..
دوما لك مودتي وتقديري

آمال المصري
26-05-2013, 07:05 AM
نص قصصي إنساني جميل الحرف نقل إلينا واحدة من صور الغربة والحنين ودفء اللقاء بأسلوب أكرمه ولغة أنيقة
شكرا لك شاعرنا الفاضل .. وشكرا لكل من ترك بصمة مفيدة
تحاياي

محمد عبد المجيد الصاوي
26-05-2013, 11:36 PM
نص قصصي إنساني جميل الحرف نقل إلينا واحدة من صور الغربة والحنين ودفء اللقاء بأسلوب أكرمه ولغة أنيقة
شكرا لك شاعرنا الفاضل .. وشكرا لكل من ترك بصمة مفيدة
تحاياي

شكرا لك أختنا الرائدة الوفية المعطاءة أ. آمال المصري
ونسأل المولى أن يسخرنا لخدمة قضايانا وواقعنا عبر أقلامنا

نداء غريب صبري
02-02-2014, 04:24 PM
قصة جميلة مؤثرة
وسرد مشوق

أمتعتني قراءتها

شكرا لك أخي

بوركت