تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أوراق خريف العمر( ورقة رابعة)



سعاد محمود الامين
07-05-2013, 04:56 AM
أوراق خريف العمر (الورقة الرابعة)
طرق ابوخالد الباب على استحياء، قد هاله ما حدث بين أبيه وزوجته التى غادرت المنزل غاضبة، تتحسس موضع اللطمة القوية التى سددها الجَدّ على وجهها، وتزرف الدمع مدرار، تاركة زوجها فى الخيار الصعب، بينه وبين أبيه الذى يكدر صفو حياتهما، مشيرة له أن دار المسنيين أولى به، ليعيشوا حياة سعيدة قد كان مطيعا لها حين أرسل أمه لتعيش فى بلدتها وجعل أبيه يعانى فراقها.
فَتح الباب، رمقه الجدّ بنظرة أيقظت الطفل الصغير فى دواخله، تتدفق الخوف القديم من صرامته، نظرأبو خالد إلى الأرض، لم يستطع النظر إلى عينيى أبيه التى تقدح الشرر. هل هذا أبى المسن حقا؟ من أين له هذه النظرة المخيفة، لابد أن زوجتى قد أجرمت جرما كبيرا هكذا حدث نفسه، بحث عن صوته ليتحدث فلم تساعده حباله الصوتيه فصار يتمتم..أبى..أ بى...أنا..
ــ ماذا تريد؟
ــ أريد الاعتذار لك عما حدث..
قاطعه بنبرة حادةـ لا اريد اعتذارك.. إلا مشروطا و..
قال بانكسار فاق تصور الأب ـ اشترط كما تشاء تجدنى مطيعا انفذ لك ماتريد لقد أخطأت بحقك..
ــ أنا صاحب هذا المنزل بنيته بعرق جبينى.. اريد إغلاق هذا السجن الإنفرادى وأعود إلى حجرتى.. لقد صبرت على جحودك.. وطردك لأمك ابتغاء مرضاة زوجتك، وجعلتنى وحيدا بعيدا عن التى شاركتنى حياتى لتعيش أنت وزوجتك على حطام حياتنا، لا لا وألف لا ... لابد أن تأتى أمك لتكمل رحلة الحياة معى.
أومأ الأبن مؤيدا مايقوله ، ثم رفع الأب يده عاليا متوعدا ــ هذه اللعينة... لا أريدها هنا... اذهب وعش معها حيث تريد. فقط لاتحرمنى من حفيدى ..هذه شروطى لن اتنازل عنها.
خرج الابن مشدوها كماأتى لايصدق مايجرى حوله.
استعاد الجَدّ حجرته داخل المنزل حين عادت زوجته، وصارا يجترا نهارات الذكريات و ذاب جليد الشيخوخة. عادت الحياة للمنزل وجاء الأصدقاء القدامى لزيارته، وصار يخرج معهم وتحرر من سجن العمر الإختيارى بذهابه إلى النهر وممارسة الصيد كما كان قديما. وجد الحاج عبد القادر الذى يكبره بعشرات السنيين مازال يبحر بقاربه شمالا وجنوبا، قوى العضلات سليم البنية، لم يخرج من الحياة ليتركها لأبنائه، عادت بينهما علاقة الصداقة القديمة.
كان القارب يشق عباب النهر، الأشجار تمر متسارعة على الشاطئ المكسوة بخضرة ممتدة على مدى البصر، والنسائم تداعب ماتبقى من شعيرات بيضاء على جانبى رأسه. وطيور الماء تداعب باجنحتها الخفاقة السطح فتتطاير ذرات المياه وتسقط على جسده، فتسرى قشعريرة لذيذة تذكره بأنه مازال على قيدالحياة. انتشى متسائلا لما ذا أدرت ظهرى للحياة؟ لدى هذا الإحساس بها واستسلمت لسجن العمر.. لكزه الحاج عبد القادر مداعباــ فيما تفكر أيها العجوز؟
صمت الجدّ ثم قال: فى تلك السنين التى عشتها خلف القضبان...
دهش الحاج : هل كنت مسجونا.. حقيقة لم أرك منذ سنيين خلت...
ضحك الجد : لقد ادخلنى ابنى سجن العمر لينعم بما خلفته له من النعم...
هزّ الحاج رأسه مستنكرا وتمتم ــ من ابنائكم عدوا لكم فاحذروهم ـ... الحمد لله لم اترك لهم حياتى فقد جعلتهم يكدحون كما أنا ليعرفوا قيمة العمل لم اخلع جلدى طوال عمرى ولم أسلم أمرى لغيرى سأعيش حياتى ما دمت على قيد الحياة...
قال الجَدّ:إن الحياة لا تتركنا بفعل العمر.. والشيخوخة لا تأتى بالموت... نحن الذين نتركها ويلفنا النسيان أحياء كالأموات..
الحاج عبد القادر استمع موافقا على ما قال الجد وردد مداعبا: تجربتك جعلتك فيلسوفا كما عهدناك...
قال الجَدّ مسترسلا: فى حياتنا دائما يوم غد آخر حتى نموت... لكن لماذا نجعله يقطعنا ونحن رقود فى حجرات سجن العمر...آه.. لقد اضعت سنوات غالية من عمرى.. لن تعود
قال حاج عبد القادر مواسيا: انسى ما مضى.. ولنعش اليوم... وننتظر الغد بمايأتى لنا....
ران صمت بينهما، تخلله صعود وهبوط القارب مدفوعا بفعل الموج التى تكسرت على سطحه اشعة الشمس الغاربة فلونتها بلون الذهب. ترجل الرجلان من على القارب. كان الحاج عبد القادر يشد الحبل لربط القارب بساعديه القويين. حينها نظر إليه الجَدّ بإعجاب رجل يكبره ويمتلك كل هذه القوة وحب الحياة.
إنحنى الجد وغرف بيديه ماءا من النهر غسل وجهه، ثم شهق مستنشقا عبير االشاطئ، متحررا من سجن العمر، ونثر الماء بعيدا فتطايرت ذرات الماء كالبلور تلألأت وتلونت بألوان قوس قزح همس الجَدّ سراـ ما أحلاها الحياة. ومضيا على أمل اللقاء.

آمال المصري
09-05-2013, 04:27 AM
هناك الكثير كم الأبناء ينظرون لآبائهم نظرة الذي اكتفى من الحياة ونال منها ما يزيد عن استحقاقه وعليه أن يسلم عهدته لمن خلفه
وربما كلما ازداد ثراء كان الحجر عليه أكثر
حقا أن الله تعالى لم يدع أمرا إلا وذكره في كتابه العزيز حبنما قال " إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ "
نص من صميم الواقع بلغة طيعة وسرد محكم أديبتنا الرائعة
بوركت واليراع الجميلة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

سعاد محمود الامين
09-05-2013, 05:27 PM
مشكورة الأديبة آمال على تعليقك الجميل وابتعاث الحياة لهذا النص اسعدنى مرورك دمت بألف خير

نداء غريب صبري
30-05-2013, 11:24 PM
الأبناء الذين يجحدون أمر الله ببر والديهم ويفرضون عليهم الموت أحياء بحجة تقدمهم ف يالعمر
هم مادة دسمة للقصة والنثر والشعر

قصة جميلة ومؤثرة أختي الرائعة سعاد محمود الأمين

شكرا لك

بوركت

كاملة بدارنه
06-06-2013, 12:24 PM
قال الجَدّ مسترسلا: فى حياتنا دائما يوم غد آخر حتى نموت... لكن لماذا نجعله يقطعنا ونحن رقود فى حجرات سجن العمر...آه.. لقد اضعت سنوات غالية من عمرى.. لن تعود
دعوة جميلة لاستغلال الوقت والحياة
قصّة سامية الهدف والفكرة
بوركت
تقديري وتحيتي
(حبذا الانتباه للّغة أكثر)

ناديه محمد الجابي
06-06-2013, 07:14 PM
لا أعرف كيف لم أعثر على الورقة الثانية والثالثة من قصتك الرائعة هذه
(أوراق خريف العمر) .. التي استطعت أن تملكي زمام القص فيها ببراعة
في الصياغة , وقد حملت إلى جانب الحبكة والوصف المتقن للحدث الكثير
من الدلالاات التي يمكن إسقاطها على الكثير من الأحوال والأشخاص.
قلمك نفسه طويل واعدا بكتابة الرواية عن قريب إن شاء الله.
تحياتي وودي التي تعرفين.

ربيحة الرفاعي
24-06-2013, 10:46 PM
ليس الرحيل الفعلي هو نهاية الحياة، فهي تنتهي عندما نقف على رصيفها بانتظاره، وما أكثر الذين يفعلون استجابة لفكر جمعي يتصور أصحابه أن من الواجب تسليم دفة الأمور بما فيها أمور حياتنا للأبناء متى كبروا
فهم خاطئ تترتب عليه نتائج لا تنتهي عند ما أرهق صفحات الأدب من قصص العقوق وجحود فضل الوالدين

تتمتعين بقدرة على السرد بديعة ومهارة قصّية تجعل لنصوصك حظوة عند القارئ أيا كانت مواضيعها

دمت أديبتنا بألق

تحاياي

براءة الجودي
25-06-2013, 09:32 AM
كان عقوقا لكن نهايته اعجبتني في قوة الاب وندم الابن واعتذاره خير ممن يستمر في الجحود ويستقوي على أبيه في حال الضعف , وهنا لربما اقول أن على كل اب وام مهما أحبوا ابناءهم وبنوا لهم متقبلا مشرقا إلا أنهم لابد من أن يحفظوا لأنفسهما شيئا يكون ملكا لهما ويهددون به الابن غن تمرد في حال ضعفهما فيظلون في عزة حتى وإن هن العظم منهما
وكما ذكرت الأستاذة آمال الآية ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم )
تقديري

سعاد محمود الامين
25-06-2013, 04:54 PM
الأخت الأديبة نداء
شكرا على مرورك الجميل هذا حال الدنيا لولم يعمل الأنسان لخريف عمره ينتهى به المطاف مقيدا ومكبلا بقرارات الآخرين

سعاد محمود الامين
25-06-2013, 04:56 PM
الأديبة الرائعة كاملة
سعدت بتعليقك وتثمينك لأهداف القصة.. ياليتنى أستطيع الانتباه للغة لقد فشلت تماما فالمعذرة ودمت بخير

سعاد محمود الامين
25-06-2013, 04:59 PM
الأخت الأدييبة نادية
شكرا شكرا لاهتمامك القصص موجودة فى متصفح مواضيعى123 تشجيعك يدفع بى قدما روايتى تحت الطبع وقد صدرت لى مجموعة قصصية ظل سور المسجد الكبير عنوانك بالبريد لأرسل لك نسختك مودتى

سعاد محمود الامين
25-06-2013, 05:03 PM
الاستاذة الأديبة ربيحة
لقد سبر تعليقك غور الحقيقة الوعى الجمعى يحتم على الكبار تسليم الراية وهم على قيد الحياة وتمام الصحة علما بإن الموت لا يأتى مع الشيخوخة بل بفعل النسيان لان الحياة لا تتركنا نتركها نحن حين نفقد المتعة بمباهجها شكرا لك

سعاد محمود الامين
25-06-2013, 05:06 PM
الأخت الأديبة براءة
تحية طيبة
سعدت بمرورك قصدت بهذا النص القوة والا نترك الحياة للآخرين بحجة تقدم العمر فلكل مرحلة جمالها ..شكرا لك ودمت بخير

خلود محمد جمعة
09-12-2014, 10:43 AM
كم نعلق حياتنا على جدار الانتظار عندما نحيطها بإطار الوهم الذي يسمى الوقت الذي يقطعنا بدلا أن نعبره
ونبقى أسرى عدد السنين الا ان تهرم الروح ويشيخ الأمل
كل يوم جديد هو أمل وبداية
لن نتوقف الا بصمت النبض
رسالة عميقة ودعوة أنيقة لنعيش حياتنا
كم يلزمنا من الوقت لنحب أنفسنا كما يجب ؟!
رائعة دوما صديقتي
كل التقدير ومودتي

سعاد محمود الامين
09-12-2014, 06:00 PM
الصديقة الجميلة خلود
شكرا لغوصك الموفق
وابتعاث هذا الجزء من القص عن المسنين
لكم رافقتهم زمنا وعرفت عذاباتهم..ي
نتظرون الرحيل ويعيشون عشرات السنين ولايأتي
متى تتغير رؤية المجتمع للمسن
متى يعلم المسن ان الشيخوخة ليست مرض
تقديرى لك