المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كانت لمسة - قصة قصيرة



عبير النحاس
16-05-2013, 07:57 AM
كانت لمسة

لمْ يكنْ اللقاء الأول الّذي جمعني بفراس _ في الصفِ الثاني الابتدائي _ مفرحاً لأيٍّ منا ,

مُدَرِّسة للرَسم , تَعني , دفترَ رسم, و علبة ألوانٍ, و التزام بإتمام الرسوم, و هو أمرٌ لا يكاد يطيقهُ الطالب المجتهدُ, فضلا عن طالب لا يبالي بالدراسة مثل فراس.

لمْ تكن تلك الندوبُ التي يحملها وجههُ تشجعكَ على التفاهمِ معه, و لم يكن صوتهُ القوي, و صراخهُ في وجهِ رفاقه, يأذن لك بالحديث الناصح المنمق, كانَ فراس أمامي كتلةً صماء.

سبب لي وجوده بين زملائه مشكلة حقيقية, فهو لا يتوانى عن رَكل هذا, و ضربِ ذاك, و العبثِ بأقلامِهم و رسوماتهم, و رَبما رميَها بعيدا, لأجد الصف في لحظات و كأنه مستشفى للمجانين.

و لم أملك حلا لضمان مسير الدرس, إلا أن أقف بفراس على طاولتي , و أقدم له بعض أوراقي, و أستعير له أقلام التلوين, ثم آمُرهُ بالرَسم مع تقطيب الجبين, و أحرص حينها على البحث عن مكان ما في لوحته, يحمل بصيص أمل, فأشجعه, و يبتسم هو بسرور.

و ما إن يلمح بصيص ابتسامتي, حتى ينطلق بحديثه الذي لا ينتهي, و كنت استمع بدهشة تارة, و أرغم نفسي على الاستماع تارة أخرى, في محاولة لجعله يفتح تلك الأبواب المغلقة بيننا.

شيئا فشيئا بدأت ملامح وجهي تتغير في مواجهة ذلك الوجه الصغير, و بدأت ألمح في زجاج عينيه ألوانا من البؤس, و من حديثه المتواصل أستشف الكثير من ألامه و معاناته, علمت أنه يتيم الأبِ منذ عامين و أن زوج والدته رجلٌ سكير, و رأيت بعضا من أثارِ غضبه على جسد الغلام الصغير.

أخبرني عن أولاد الحي و محاولاتهم المستمرة للشجار معه, و عن جوعه و إخوته الصغار ..

و لم أزد على تقديم قطعة سكر له, أو أكتفي بالاستماع دون تعليق؛ كنت أريده رجلا فقط.

دخلت الصف فوجدته قرب الطاولة, و دفتر رسم جديد ينتظرني, و ابتسامة, وعلبة تلوين, كنت أدرك جيدا أنه حرم نفسه من قطعة حلوى ليرضيني بما اشترى, وجدتني أشرح درس اليوم, و أسرع إليه, لأجده يرسم بتطور ملحوظ.

رفع رأسه نحوي مبتسما ينتظر كلمة مديح.

أحطت وجنتيه الصغيرتين بكلتا يديّ , ابتسمت , و قلت بفخر :

- أحسنت يا بطل

عاد يلون بسرعة, دون أن ينسى شروطي الصعبة, أقصد التي كانت يوما صعبة عليه.

- ألون باتجاه واحد و أملئ كامل الصفحة باللون ..

و كان نصيب اللوحة أن تعلق يومها في معرض المدرسة الدائم , وسط فرحة و بريق عيني الصغير.

في الصباح التالي دخلتُ المدرسة , و وجدته يقترب مني , رافعا يده مستعدا للمصافحة .

مددت يدي مبتسمة, فضرب بكفه على راحتي بقوة كما يفعل الأشداء, لاحظت شعرا مسرح, ووجها يشع نظافة و ابتسامة عذبة .

قال و هو يساير خطواتي :

- كيفَ حالكِ اليوم يا آنسة ؟



عبير النحاس.



من المجموعة القصصية تلميذة الرومان.

ولاء علي
16-05-2013, 04:24 PM
كانت لمسة وما أجملها
لها أثر عظيم في تغيير السلوكيات الخاطئة
وجميل أثرها في النفس

نص جميل يحوي الكثير من المشاعر
وأسلوب قصصي رائع ومشرق
دمتِ ولمساتك السحرية

د. سمير العمري
01-06-2013, 07:24 PM
كانت لمسة إنسانية راقية غيرت مسار تاريخ فرد بل أمة!

لو يعلم المربون آباء ومدرسين بأنهم من يرسم مستقبل النشء بل ومستقبل الأمة إذن يجتهدوا في إبراء ذمتهم والقيام بما هو مطلوب منهم من تبني المواهب ومراعاة المشاعر وجبر خاطر المطحونين.

قصة جميلة ومعبرة أشكرها ، وأرحب بعودتك أيتها الأديبة التي أسعدت الخاطر!


تقديري

براءة الجودي
01-06-2013, 11:07 PM
المعلم , الأب , الأم , وكل مربي له اثر ظيم ينعكس على من يربيه خصوصا إن كان صغيرا وعلى أساسها إما أن يكن الشخص إيجابيا أو سلبيا ونادرا أن نرى أن يتغلب الشخص على نفسه ويشجع ذاته حتى وغن لاقي تحبيطا ويحاول تغير نفسه بنفسه نادر جدا
كم يحتاج أطفالنا وشبابنا اليوم إلى هذه اللمسات الغنسانية التي لاتغدق الحنان ولا تقسو بل تتفهم الوضع وتساعد وتعين وتءسس وباقي الانطلاقة على القرد نفسه
رعاك الله ياأختي حفظ لنا هذا الفكر وهذ القلم العظيم
تقديري

ربيحة الرفاعي
12-08-2013, 11:59 PM
براعم تقف على عروق الحياة قيد انتعاش بريّ ورعاية لتصير ورودا تنعش القلوب أو ذبول بإغفال وتقصير لتصير والعروق التي تحملها معالم يأس وشواهد موت

نص قصّي ماتع الفكرة سلس السرد
شابته بعض هنّة أظنها كانت لسهو وسرعة

دمت بخير

تحاياي

نداء غريب صبري
31-08-2013, 03:16 PM
قصة مؤثرة للمسة إنسانية تغير حياة طفل
ليت كل المربين يعرفون مسؤوليتهم تجاه الأطفال

شكرا لك اختي

بوركت

ناديه محمد الجابي
31-08-2013, 07:03 PM
هذا ما يحتاجه اليتيم .. لمسة حنان , ابتسامة رضا
كلمة مدح جميلة, وحضن مشمول بالحب..
كل هذا يؤثر إيجابيا في نفسية الطفل
إلى كل من لديه قلب ينبض ـ حاول إسعاد قلب يتيم
نص جميل ـ بعيد النظرة ـ عميق الفكرة بالغة التأثير
حقا أشكرك على نص جميل
تحياتي وودي.

آمال المصري
05-02-2015, 05:46 PM
حالة من الحالات الاجتماعية التي تحتاج للمسة إنسانية تعيد لها الحياة وتنفض عنها غبار الظروف القاسية لتستعيد برقيها
نص تربوي أدبي رائع
شكرا لك أديبتنا الفاضلة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

خلود محمد جمعة
06-02-2015, 10:22 PM
ابتسامة ولمسة وكلمة طيبة تغير حياة ومنهج كامل لتنشئ فرد سلبي او إيجابي وبالتالي ماذا سيقدم للمجتمع من خير او شر اعتمادا على ما تعلم او ما تألم
قصة عميقة الفكرة وجميلة الطرح
بوركت وكل التقدير

وليد مجاهد
02-03-2015, 09:38 PM
قرأت مرة أن أحد كبار قادة العالم كان طفلا منطويا في مدرستة وأن معلمة تستحق أن نسميها إنسانة اهتمت به واحتوته فتحسن ليصبح فلان الذي لا أذكر اسمه
قصة جميلة وفيها قيمة إنسانية
لك تقديري

كاملة بدارنه
04-03-2015, 04:35 PM
للمعلّم دور أساسيّ في صقل شخصيّة الطّالب، وعليه أن يجد الأساليب التي تقرّبه منه لمساعدته إن احتاج المساعدة!
سرد جاذب وأسلوب موفّق
بوركت
تقديري وتحيّتي

مازن لبابيدي
04-03-2015, 04:54 PM
الأديبة المبدعة الأستاذة عبير النحاس

قصة سردية ذات بعد إنساني ورسالة كبيرة

اللغة متميزة جدا وليست مستغربة من أديبة مثلك .

أنصح بعدم ترك مسافة بين واو العطف والكلمة التي بعدها وهذا أصل كتابتها ، تماما كالفاء والكاف .

أثبتها تقديرا واستحقاقا

عبد السلام دغمش
04-03-2015, 05:55 PM
قصة جميلة ذات بعد إنساني ..
شدني النص بسلاسته وعرضه للحدث .
تحياتي .