تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : على وقع انكسار الزجاج



عبد الغفور مغوار
24-05-2013, 08:49 PM
كل من كان يعرفها بالحي كان يشهد لها بالتعفف. كانت تحظى بتقدير الجميع، الصغير و الكبير، لاستقامتها و تحصنها. صادفتها السيدة زهور ذات صباح فأعجبها حالها وتمنت لو تكون عروسا لولدها الوحيد. سألت عنها فحصلت على معلومات مشرفة. اقترحت السيدة زهور على ابنها عمر الزواج منها، فلم يبد أي مانع، لأن العروس كما تقول أمه ذات مميزات مغرية: على خلق، شابة، متدينة و محتجبة، ذات نسب، طالبة جامعية على وشك التخرج و جميلة. يوم الخطبة، الذي حددت الأم موعده، مرت الأمور في أحسن الأحوال، حيث استقبلا على الرحب و السعة من طرف أسرة هالة التي وافقت على الفور، فالمتقدم رجل بمواصفات العريس الذي تتمناه كل فتاة. اتفقا عمر و هالة على أن يكون عقد القران بعد ثلاثة أشهر واشترطت على أن تكون لقاءاتهما جد رسمية و على شكل ضيق مخافة كلام الناس، مما زاده إعجابا و تشبثا بها. من يومها وهو يستعد بكل الرضا و الحبور للزواج وتدبير تكاليف الزفاف و مستلزمات بيت الزوجية.
في مساء يوم حار، اضطر عمر للتأخر خارج البيت رفقة أصحابه بالمقهى. اقترح أحدهم الحضور في حفلة راقصة بإحدى فنادق المدينة الفخمة. طبعا لم يوافق عمر و هزئ من صاحب الفكرة. لم يجرب أبدا متعة كهاته، فامتنع بقوة وأصر أن لا يذهب كي لا يراه أحد ما في مثل هذه الأماكن المشبوهة ويبلغ خطيبته فيضيع كل شيء. لكنه لم يستطع مقاومة إلحاح رفقائه فصاحبهم على مضض، راجيا أن لا يصادف أحدا من معارفه أو معارفها فيفتن عليه.
كانت صالة المرقص مكتظة بالسمر الراقصين من الجنسين. الموسيقى كانت صاخبة تهز أركان الفندق، فلا يكاد يفهم حديث من زعيق. وهو يبحث عن مكان يقف فيه إذ وقعت عيناه على فتاة تكاد تكون توأم خطيبته هالة. لم يعر للأمر اهتماما فخطيبته ليست من النوع الذي يتردد على مثل هذه الأماكن. صرف نظره إلى جهة أخرى. فإذا بصوت وقوع كأس على الأرض يجعله يلتفت عن يمينه اعتباطيا، مصدر الصوت الصادر من تكسر الكأس. كانت شبيهة هالة هي صاحبة الكأس الواقع وقد انحنت لتلملم الزجاج المتناثر أمامه، فهوى ليساعدها، لكنها ارتبكت لرؤيته، و صعق لسماعها تنطق بعفوية اسمه وهي تجمع خصلة من شعرها المتدلية على خدها و كتفها العاري. تكرر بداخله ذاك الصوت الصادر عن تكسر الكأس، أحس وكأن قطعا من زجاجه تدمي فؤاده. أدخلت يدها في حقيبتها لتناوله خاتم الخطوبة وهي تقول بارتباك كبير:
" أرجوك لا تفضحني و انس مصادفتي".
رفعت رأسها فوجدته قد غادر مكان الزلزال هذا.

مارس 2011
نشرت على صفحات المجلة العربية العدد 438

آمال المصري
25-05-2013, 12:15 AM
اسقاط رائع لانكسار الزجاج وكسر مؤبد لتلك الفتاة التي تتظاهر بالتعفف حتى أوقعتها الصدفة لتنقلب النظرة بزاوية مستقيمة على الجانب الآخر
رائعة بفكرتها ولغتها الأنيقة ونهايتها المفاجئة المباغتة
بوركت أديبنا واليراع
تحاياي

د. محمد حسن السمان
25-05-2013, 01:19 AM
الأخ الفاضل الأديب القاص عبد الغفور مغوار
قصة " على وقع انكسار الزجاج " , عمل أدبي موفق , فقد جاءت الاستهلال لطيفا سهلا , غلبت عليه
الواقعية , والرسم الموفق للصورة النمطية , للمجتمع المحافظ , وآلية التقدم لخطبة الفتاة , وحيثيات
هذا التقدم , وقد أضفت اللمسات التفصيلية الخاطفة , على البناء القصّي , راحة لنفسية القارئ , ومتابعة
للحدث , ثم جاء التوضيب للعقدة , طبيعيا مقنعا , وهذه براعة كبيرة , ثم جاء مشهد التوتر , ليكرّس صدق
الشاب , وأصالة انتمائه للمجتمع المحافظ , عندما لم يكن ليقبل أن خطيبته , يمكن أن تكون في صورة
مخالفة للصورة التي خطبها لأجلها , ثم أتت القفلة الرائعة , التي جعلتني أسجّل للقاص منتهى الإعجاب ,
فلم يناقش الحدث , بل جعل الخطيبة تناوله خاتم الخطوبة " أدخلت يدها في حقيبتها لتناوله خاتم الخطوبة "
, أما حدث انكسار كأس الزجاج , وما رافق ذلك من حيثيات الصوت والصورة , فقد نجح فيها القاص في
التعبير عن الحالة النفسية والوجدانية , بصورة لافتة جدا , وقد تركت الباب مفتوحا لقراءات مختلفة ,
ولابد لي هنا أن أشيد باللغة الرصينة التي كتب فيها المشهد القصّي.
وإذا كان هناك من همسة , فليت الأديب القاص أنهى العمل بالجملة " تكرر بداخله ذاك الصوت الصادر
عن تكسر الكأس، أحس وكأن قطعا من زجاجه تدمي فؤاده. أدخلت يدها في حقيبتها لتناوله خاتم الخطوبة "
, فلا ارى ضرورة للاستفاضة في الشرح اللاحق .
تقبل تقديري وإعجابي

د. محمد حسن السمان

ناديه محمد الجابي
26-05-2013, 10:04 PM
إن التظاهر الكاذب بالأدب والعفة والشرف والأيمان هو قناع ملون على وجه الحقيقة المشوة
فإذا نزع القناع يبقى القبح والبشاعة ـ إن التظاهر الكاذب هو نوع من الدهاء والخديعة والنفاق
ونهايته هو الخسران والخذلان والندم ـ والتناقض بين الأقوال والأفعال حاله يمقتها الله تعالى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) ﴾
نص قصصي جميل وهادف حمل فكرة عميقة .. دام ألقك.

عبد الغفور مغوار
01-06-2013, 10:44 AM
أسعدني مرورك آمال
تعليقك المميز مجاملة رقيقة منك كما عودتنا أيتها الفاضلة
لا حرمت من متابعتك لما أضع هنا من محاولات
لك مني أعطر التحيات

عبد الغفور مغوار
01-06-2013, 10:47 AM
الأخ الكريم د. محمد حسن

شرف عظيم أن تعاطفت مع هذا النص بهذه القراءة الرائعة
إعجابك بهذه المحاولة وسام وشحتني به أيها الفاضل
وأرحب بكل همساتك القيمة
رجاء لا تحرمني من إطلالاتك المشرقة
ألف شكر على المرور لك خالص صداقتي

عبد الغفور مغوار
01-06-2013, 10:50 AM
تعليقك أختي نادية تعليق جميل
ادركت المغزى و تفاعلت مع النص تفاعل ينم عن ذائقتك السليمة
أشكر بعمق مرورك
فلا حرمت من إطلالاتك البهية
لك مودتي

ربيحة الرفاعي
08-09-2013, 09:33 PM
سرد شائق موفق بمهارة الدخول في جو النص والتأثيث للمشهد بذكاء وانسيابية للوصول بالحبكة نحو اكتمال عقدتها، وتمكن في توظيف الحركة والصوت لرسم الأثر النفسي على البطل وإيصال الانفعال بدرجته وحدته

حرف ماتع وأداء رائع

تحاياي

عبد الغفور مغوار
09-09-2013, 02:01 PM
شهادة أعتز بها و أفخر أختي ربيحة
ستكون لي دون شك حافزا على الإبداع و الـتألق
سلمت ذائقتك و سلمت ودمت بألف خير
كل مودتي

كاملة بدارنه
28-09-2013, 08:18 PM
لابدّ للقناع أن يتمزّق وتظهر حقيقة الوجه!
سرد شائق ولغة تخدم الحدث حتّى النّهاية
قصّة فيها تعرية اجتماعية لمظاهر الزّيف والكذب
بوركت
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
20-10-2013, 01:59 PM
تسقط الأقنعة وتظهر الوجوه على حقيقتها
قصة جميلة

شكرا لك أخي

بوركت

خلود محمد جمعة
07-05-2014, 11:59 AM
قصة مباشرة واضحة المعالم بلغة سلسة واسلوب مشوق
حبكة متسارعة على غير عجلة ونهاية تكسر فيه وجه الحقيقة بتصوير دقيق
دمت بخير
مودتي وتقديري

د. سمير العمري
22-10-2015, 01:32 AM
قصة تقليدية ولكن تميز فيها السرد وحبكة الفكرة ، وكل أمر بقدر.

لعلني فقط وجدت بعض كلمات قليلة ذهبت بالكثير من رواء النص ورونقه أكان في المتن أو في القفلة.

تقديري