المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بقيَّتي والزمن الجميل



مبارك الهاجري
18-06-2013, 01:59 PM
إن استطعتِ أن تردي لي الزمان الأول بكل ما فيه: مني، ومنكِ، ومن الطبيعةِ التي ظللتها تلك السماء التي نعرفُ أنها لا تمطرُ إلا حين نتفيأ تحت ظلِّ غيمةٍ بعثتها لنا تشهدُ على رُوائنا بعد هاجرةٍ من الظمأ، أقولُ إن استطعتِ أن تردي ذلك كله بأرواحنا ذاتها التي كانت هناك ولم تكبر فقمينٌ بي أنَّ أمدَّ لكِ يدي، وفيها ظلالٌ من تلك الحياةِ التي كُنا ننعمُ فيها، تلك الحياة التي ولشدة ما أقبلتْ علينا، ظننا أن لن نرى لها قفاً أبداً، فإذا هي بمباركةٍ منكِ ومني ومن طبيعتها التي لم نعرفها إلا مؤخراً تنقلب فلم يَعُد لها ملمحاً ولا وجهاً نعرفه فنستبشر به، أو نكاد نتهيأ للأمل الذي سفكنا دمه تلبيةً لعنادنا ورغباتنا حينما عزمنا على ألا نتفق إلا في هذا الفراق اللعين.
أعرفُ أنَّك لا تستطعين أن تكسي هذه العظامَ لحمها وقد نهشه الشيءُ الذي توافقنا على فهمه دون شرحه أو معرفة سببه؛ لكنه على كل حالٍ كان كَيَدِ الدنيا حينما تحزمُ وتعزمُ بإشارتها لك على حدٍ من حدودها بأن تقف دونه راضخاً للنظام ذاته الذي تداعى لك أولاً في نعمائك ثم دار دورته تلك التي وجدتها على ميثاقه من قبل فأعرضَ عنك غير عابئٍ بكل ما حدث وما سيحدث!
نحنُ ضعفاء يا بقيتي والزمن الجميل، نحنُ لا نستطيع أن نعيدَ لحظةً أقربَ من هاته التي حاولتُ أن أُعجزكِ بها حتى لو اقتصرَ ذلك على أن نجدد بها طهر قلوبنا ونزيل عنهما نُكَتنا السوداء فقط.
حتى وأنتِ تشددين في رجاءكِ بأن الأشياء الجميلة على علاقةٍ عكسية مع تقدم الزمن، وأنَّ اللحظة الاعتيادية الخالية من التمييز بين الجمال والقبح قد تصبح كنزاً من كنوز الذاكرة حينما يضفي عليها الزمنُ قِدماً له قداسةٌ أصيلةٌ فينا، حتى وأنا أحترمُ رؤيتِكِ تلك إلا أنني لا أستسيغُ أن أكون مختلفاً عن ذاك الذي عرفتُهُ فيَّ ومني، ولستُ على أهبةٍ لأن أتَّخذ من الدنيا عهداً جديداً أصعدُ فيه صعابها، وأنزلُ صروفها، لا ولن أقبل بأن أبتدئَ من حيثُ انتهت تلك اللحظات من عمري، لأن المشاعر ليست شيئاً يُكسرُ فيُجبر، أو يُعطب فيُصلح، ولا هي ممن يُقطع فيقبل صلةً فيما بعدُ ولو كان من ذات القلب الذي نفث فيها من روحه أولاً!
فيا بقيتي لا تأخذيني بهذا الجنون الذي ترينه، ولا تأخذنَّكِ تلك العاطفة وذلك الرجاء على أن تعتقدي بأننا لن نحملَ لبعضنا جميلاً دون أن تتداعى مادتنا التي تحتضن أرواحنا إلى ذلك النداء الذي تسمعينه وحدك، كلا والله، بل إنَّ في تلك الأيام لحظةً لو وزنتها بجميع ما عداها لرجحت دون مشقة؛ ولأنَّه الجميلُ الجميلُ الذي أحمله لكِ ولي ولِما قبل فإني لا أرتضي لروحي غير تلك الروح وذاك العهد.

براءة الجودي
18-06-2013, 09:29 PM
نص يحملُ روح الوفاء وكفى بالوفاء جمالا في القول والصنيع !
أحسنتَ نسج هذه الخاطرة المخملية أخي
تقديري

خليل حلاوجي
18-06-2013, 10:06 PM
مازلتِ مسكونة بوجع الأمس ... وأنا اتوسل غداً يهدينا الحلول ..

وهذا الهمس يحيطني من كل الجهات ..

/

نص ثائر.

كاملة بدارنه
19-06-2013, 01:19 PM
اللحظات الجميلة تبقى وشما على جدار الذّاكرة
بورك الحرف وصاحبه
تقديري وتحيّتي
(ملمحٌ - وجهٌ - رجائك)

مبارك الهاجري
19-06-2013, 03:09 PM
أهلاً أختي كاملة
امتناني لبهاء حضورك، وأكثر لتصويبك، وجهاً وملمحاً كانت كذا حينما كتبت قبلهما لم نعد نرى، فلما عدلتُ نسيتهما والله، ثم إني في " رجائك " زللتُ ولا ريب.
بحثت عن التعديل في أسفل خيارات الموضوع ولم أجدها.
شكراً مرةً أخرى وأعتذر للسابقين الأولين.

فاطمه عبد القادر
20-06-2013, 02:55 AM
ولأنَّه الجميلُ الجميلُ الذي أحمله لكِ ولي ولِما قبل فإني لا أرتضي لروحي غير تلك الروح وذاك العهد.

السلام عليكم
رائع الفكرة ,قوي اللغة ,جميل التعابير ,هذا النثر
شكرا لك أخي
ماسة

مبارك الهاجري
20-06-2013, 07:35 AM
نص يحملُ روح الوفاء وكفى بالوفاء جمالا في القول والصنيع !
أحسنتَ نسج هذه الخاطرة المخملية أخي
تقديري
وكفى بهذا التعليقِ نشوةً وسروراً.
شكراً براءة، شكراً من القلب.

مبارك الهاجري
20-06-2013, 07:43 AM
مازلتِ مسكونة بوجع الأمس ... وأنا اتوسل غداً يهدينا الحلول ..

وهذا الهمس يحيطني من كل الجهات ..

/

نص ثائر.
امتناني لتوقيعك الجميل أخي خليل.

مبارك الهاجري
24-06-2013, 08:49 PM
ولأنَّه الجميلُ الجميلُ الذي أحمله لكِ ولي ولِما قبل فإني لا أرتضي لروحي غير تلك الروح وذاك العهد.

السلام عليكم
رائع الفكرة ,قوي اللغة ,جميل التعابير ,هذا النثر
شكرا لك أخي
ماسة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أختي فاطمة
ممتنٌ لهاته النظرة التي رأيتِني بها.
شكراً كرات ومرات.

نداء غريب صبري
16-07-2013, 06:02 PM
رائع
يالله

نثر كأنه السحر وأجمل
لا فض فوك اخي

شكرا لك

فاتن دراوشة
18-07-2013, 09:32 AM
نثيرة رائعة الأسلوب راقية اللّغة ثريّة بالصّور واللّوحات المعبّرة

أمتعتنا بها مبدعنا

سعيدة بصحبة هذا الحرف الباذخ

مودّتي

ربيحة الرفاعي
25-08-2013, 12:07 PM
إن استطعتِ أن تردي لي الزمان الأول بكل ما فيه: مني، ومنكِ، ومن الطبيعةِ التي ظللتها تلك السماء التي نعرفُ أنها لا تمطرُ إلا حين نتفيأ تحت ظلِّ غيمةٍ بعثتها لنا تشهدُ على رُوائنا بعد هاجرةٍ من الظمأ

تلك الحياة التي ولشدة ما أقبلتْ علينا، ظننا أن لن نرى لها قفاً أبداً، فإذا هي بمباركةٍ منكِ ومني ومن طبيعتها التي لم نعرفها إلا مؤخراً تنقلب فلم يَعُد لها ملمحاً ولا وجهاً نعرفه فنستبشر به، أو نكاد نتهيأ للأمل الذي سفكنا دمه تلبيةً لعنادنا ورغباتنا حينما عزمنا على ألا نتفق إلا في هذا الفراق اللعين.

لا ولن أقبل بأن أبتدئَ من حيثُ انتهت تلك اللحظات من عمري، لأن المشاعر ليست شيئاً يُكسرُ فيُجبر، أو يُعطب فيُصلح، ولا هي ممن يُقطع فيقبل صلةً فيما بعدُ ولو كان من ذات القلب الذي نفث فيها من روحه أولاً!

أهو تنصل شاعري من رباط عاطفة ضاق على القلب أو ضاقت به الروح؟
منحوتة أدبية أسرتني بين أزاهير الدهشة بثراء اللغة وروعة التصوير وبراعة التعبير وما رسمت من حقول للحرف نضرة نزهرة

منثور باهر يستعيد المتلقي لجولات من الغوص في روعته

دمت بألق

تحاياي

د. سمير العمري
30-08-2013, 12:34 AM
كل جيل يحن لذكرياته القديمة ويتمنى الرجوع لعده الغابر ، وهذا دليل خطير وأكيد على أن الأمة تتراجع أخلاقيا وإنسانيا بحيث أن اليوم الذي يمضي هو خير من اليوم الذي يأتي.

نص جميل أدبيا ببوح مؤثر إنسانيا وأداء يستحق الثناء يا مبارك ولعمري إن هذا ديدنك!

تقديري

مبارك الهاجري
21-10-2013, 04:39 AM
ظنكم حسنٌ بي أختي نداء.
شكراً من القلب.

مبارك الهاجري
21-10-2013, 04:43 AM
نثيرة رائعة الأسلوب راقية اللّغة ثريّة بالصّور واللّوحات المعبّرة

أمتعتنا بها مبدعنا

سعيدة بصحبة هذا الحرف الباذخ

مودّتي
وأنا أسعد بقراءتكم هذه أختى فاتن.
شكر الله لك.

مبارك الهاجري
21-10-2013, 04:48 AM
وحضورٌ أكثر من مضيء أستاذة ربيحة، أشكر لكِ تفاعلِك الكريم دائماً.

مبارك الهاجري
21-10-2013, 04:50 AM
أنت جميل وذوقك كذلك د. سمير.
اشتقنا لحضورك.