المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غلام شاه



عبد السلام دغمش
22-06-2013, 06:33 PM
يعودُ "غلام" مساءَ كلِّ يومٍ إلى حُجرته في مركز إقامة العمّال حيث يسكنُ في غرفةٍ يشاركُه فيها خمسةٌ آخرون .. يتناولُ الرز المسلوقَ طبق َعشائهِ اليوميّ ..وربما زارت الطبق شريحةٌ من لحم الدجاج..يرتمي على سريره،.. يفركُ رجليهِ بحثاً عن الدّفء .. يدفنُ رأسهُ في وسادته..ثم تأخذه رحلةٌ قصيرةٌ هناك إلى عائلته..وربما يسكبُ شيئاً من الدموع قبل أن يغطّ في سباته..
صباحاً عليه أنْ يلتئمَ مع غيرِه في طابورٍ أمام َ دورة المياه .. يلطمُ وجههُ بصفعتين من الماء .. يسرّحُ شعره بمشطه الغليظ ..تعانده خصلةٌ فيمسحها بزيتِ الشَّعر فتتهادى مرغمة.. يأخذ زوّادةَ طعامه في كيسٍ من النايلون.. يرتدي زيّ العمل ثم يهرولُ إلى الحافلة.. هناك يختلط أزيزُ المراوح المعلقة على نوافذ الحافلة بشخير من عاود النوم من العمال وموسيقى انبعثت من هواتف محمولة حازها بعضُهم..
.. و" غلام " عامل البوفيه لدينا في الشركة ، واحد من بين الآلاف من العمال الذين قدموا من شرق آسيا للعمل ، يدفعهم حلمُ تحسين ظروف الحياة ....زواج .. بناء مسكن ..ثم عودة ميمونة...ألفةٌ نشأت بيننا و بين "غلام شاه ".. تعلّم شيئاً من العربية.. كنا نتندّر حين نسمع طرفاً من عربيّته المكسّرة .. كان يتوسّطُنا إذا اصطففنا للصلاة ..فإذا قضيت الصلاةُ عاد الفارقُ في العمل ليأخُذَ دوره بيننا كموظفين.
كنتُ أرى غلام مطلعَ كلِّ شهر جالساً يحرّك أصابعَ يديه ليس عزفاً وإنّما مشغولاً بالحساب على طريقته .. يختم مراسمَه تلك بهزة رأسه المعهودة معلناً إذعانه لحساباته..إن عليه أن يسدد ثمن التأشيرة الذي ابتزَّه منه وكيلُ العمل هناك في موطنه . يجاهدُ لسدادها قبل أنْ يرسل ما تبقّى من معاشِه الشّهري قوتاً إلى زوجته وطفليه وأُمّه العجوز..يتلقفون ما يرسل إليهم وأعينُهم تتقلّب في الأفق ينتظرون لقاءه منذ أن تركهم قبل ثلاث سنين.
لكنّ "غلام شاه " لم يكن في ذلك اليوم كما عهدتُه..كان يتنقلُ بخطواتٍ وئيدة حائرة .. يجرُّنفسه جرّاً عبر دهليز المكاتب الممتد كأفعى تمطّت واستطالت .. وهو يحمل بين يديه صينية الشاي و يحدِّقُ فيها كمن يقرأ شيئاً..
استوقفتُه قائلا:
- ما بك يا "غلام" ؟ قل لي ما الذي يشغُلك؟
- الله كريم ..هكذا أجابني بصوتٍ خافت بالكاد لامس أسماعي، وقد طواه الأسى بجناحيه .. وباقتضابٍ لم أعهدهُ فيه من قبل.. أدارَ ظهره لي تاركاً من خلفِه تنهيدةً تسلّلت إلى نفسي وأخَذتْ لها موقعاً في مجلس آلامي المزدحم ..عزمتُ حينها أنْ أُراجعَه في الحديث فيما بعد ، علّي أظفر منه بتبيانٍ يسدّ فضولي ويسرّي عن شيءٍ مما في نفسه .
استوقفتُه ثانية ًوانا أجتاز الممر مغادراً المكاتب في نهاية الدوام ..أخذت بيده جانباً وقلت له : حدثني مرة أخرى ما بك ؟
بالكاد جاد قائلاً بلغته المكسّرة : " ماما في مريض ..أنا ممكن صير بلاد .."
قالَ ذلك بينما ضغط على شفتيه وأغمضَ عينيه.. حابساً دمعتين تسلّلتا على وجنتيه المتحجرتين..
..أخذتُ أربّتُ على كتفه ..أطرقت قليلاً وتساءلت في نفسي ..ما الذي بوسعي أن أقدّمه له..
بعد عدّة أيام ترك لي ورقةً أخبرني فيها أنّه قد اضطُرَّ للمغادرة نهائيًّا بعد أن حصّل أتعابه لينفقَها على علاجِ والدتهِ المسكينة..
..لم نعد نرى غلام شاه...جاءنا آخرهو " أرشد " .. وجهٌ جديد ، لكنّ الخطوَ الوئيد و النظر الشاردَ هو ذاتُه... أخذت خطوات "أرشد" ترتسم على الدهليز شيئاً فشيئاً..كنت أتأمله من حينٍ لآخر..كنت ارمقُهُ وأرى غلام في نهاية الدهليز ... وكأنّه يستدعيه.. !

ناديه محمد الجابي
22-06-2013, 09:24 PM
كم هى مؤثرة قصص الغربة .. وكلنا نعيشها بشكل أو بآخر
والشوق والحنين للأوطان التي نتغرب عنها طوعا أو كرها
تخلف ألما .. لا يشعر به إلا من ذاق مرارتها واعتصر قلبه بها
وكلنا رأينا غلام .. أو شبيهه ـ وكم من غلام ترك أهله ووطنه وأحبائه
وعاش في الغربة بحثا عن المكسب المادي , فتمتزج آلامه بآمال النجاح
في تحقيق السعادة والأستقرار ـ ويظل يتملكه الخوف من المستقبل ـ ويظل
مع أمل أن يأتي اليوم الذي تنتهي فيه غربته ليعود إلى أحضان الوطن والأهل
ويظل السؤال يدور في المخيلة .. متى تنتهي آلام الغربة.

قصة معبرة ونص جاذب بلغة قوية آسرة
شدت قصتك إنتباهي وعزفت على أوتاره
فشكرا لك ولقلمك ـ وبوركت والأبداع.

كاملة بدارنه
23-06-2013, 07:05 PM
تصوير دقيق لما يعانيه المغترب .. صراعات وقلق وشوق ينزف الدّموع لهفة
وقصّة تتكرّر..
رائعة بسردها ونهايتها
بوركت
تقديري وتحيّتي

عبد السلام دغمش
24-06-2013, 06:42 PM
كم هى مؤثرة قصص الغربة .. وكلنا نعيشها بشكل أو بآخر
والشوق والحنين للأوطان التي نتغرب عنها طوعا أو كرها
تخلف ألما .. لا يشعر به إلا من ذاق مرارتها واعتصر قلبه بها
وكلنا رأينا غلام .. أو شبيهه ـ وكم من غلام ترك أهله ووطنه وأحبائه
وعاش في الغربة بحثا عن المكسب المادي , فتمتزج آلامه بآمال النجاح
في تحقيق السعادة والأستقرار ـ ويظل يتملكه الخوف من المستقبل ـ ويظل
مع أمل أن يأتي اليوم الذي تنتهي فيه غربته ليعود إلى أحضان الوطن والأهل
ويظل السؤال يدور في المخيلة .. متى تنتهي آلام الغربة.

قصة معبرة ونص جاذب بلغة قوية آسرة
شدت قصتك إنتباهي وعزفت على أوتاره
فشكرا لك ولقلمك ـ وبوركت والأبداع.

الأخت نادية الجابي

حاولت في هذا النصّ أن أسلط الضوء على فئة العمال ممن تركوا أوطانهم للعمل في ظروف شاقة.
تحاول بعض الدول المستضيفة تحسين ظروف إقامتهم ..لكن تبقى هذه الفئة مستضعفة ومغبونة في كثير من الأحيان.
شرفني مروركم . وبورك فيكم.

براءة الجودي
25-06-2013, 09:39 AM
من المؤلم أن يعاني ليس من الغربة فقط إنما قهر الوكيل ومجاهدة العمل ولايجني إلا القليل ويبقى ظرفه كما هو لم يتحسن !!
وأكتفي بما قال هذا غلام شاه ( الله كريم )
وصفك جميل ولغتك قوية كما اعتدنا عليك ..

يلطمُ وجههُ بصفعتين من الماء
أعجبتني هذه الصورة التي تُشعرنا بالملل والضيق جراء الروتين والهموم المتوالية
تقديري

عبد السلام دغمش
25-06-2013, 09:59 PM
تصوير دقيق لما يعانيه المغترب .. صراعات وقلق وشوق ينزف الدّموع لهفة
وقصّة تتكرّر..
رائعة بسردها ونهايتها
بوركت
تقديري وتحيّتي

الأخت كاملة بدارنة

شرفني مروركم على نصي المتواضع.
تحياتي.

عبد السلام دغمش
25-06-2013, 10:02 PM
من المؤلم أن يعاني ليس من الغربة فقط إنما قهر الوكيل ومجاهدة العمل ولايجني إلا القليل ويبقى ظرفه كما هو لم يتحسن !!
وأكتفي بما قال هذا غلام شاه ( الله كريم )
وصفك جميل ولغتك قوية كما اعتدنا عليك ..

أعجبتني هذه الصورة التي تُشعرنا بالملل والضيق جراء الروتين والهموم المتوالية
تقديري

الأخت براءة

سعدت بمروركم وبتعليقكم.
هذا النص يتناول الغربة بأحوالها ويركز على معاناة فئة مطحونة وهم العمال.
سرني مروركم وسبركم لغور النص.
تحياتي

آمال المصري
28-06-2013, 10:52 AM
إحدى صور الغربة التي تتعدد وجميعها تؤطر بالوجع مهما جنيَ أصحابها
لغة طيعة وصور فارهة وتعابير بديعة ازدان بها النص شاعرنا الفاضل
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

عبد السلام دغمش
15-07-2013, 08:31 AM
إحدى صور الغربة التي تتعدد وجميعها تؤطر بالوجع مهما جنيَ أصحابها
لغة طيعة وصور فارهة وتعابير بديعة ازدان بها النص شاعرنا الفاضل
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

الأخت آمال المصري

هي واحدة من صور الغربة لفئة كثيرا ما تهضم حقوقها.
بوركتم اديبتنا الفاضلة.

ربيحة الرفاعي
11-08-2013, 06:05 AM
ماذا لو كان ثمة آخر يكتب قصة الراوي، هل سنجد اختلافا كبيرا في المشهد؟
قد تتحول صينية الشاي لمجموعة من الأوراق، والالتئام مع العمال في طابور أمام دورة المياه لمزاحمة زملائه في السكن...
تفاصيل صغيرة ستتغير ويبقى الإطار الكئيب واحدا، غربة وآمال موؤدة وخيبات وأسرة تنتظر العائد الذي تقرضه فئران الطريق إليه من وكيل تشغيل وكفيل وضرائب عائدات ورسوم تحويل

قصة حكت بشائق سردها معاناة إنسان يمثل في شريحة أوسع بكثير من الحصة التي حظيت بها في الأدب

دمت مبدعنا بخير

تحاياي

د. سمير العمري
17-08-2013, 06:55 PM
أوجعتني بنصك أيها الكريم فإني شهدت مثل هذا بعيني وكنت أشارك هؤلاء دمعهم وألمهم وأميل إليهم مذمما أكثر من زملائي الأطباء.

ألا إن الفقر ذل وإن الذل موت!

نص أمدحه كثيرا بما استحق من ثناء سواء على مستوى المضمون الإنساني الراقي أو على مستوى الأداء الأدبي المبهر!

لا فض فوك!

تقديري

عبد السلام دغمش
18-08-2013, 08:11 AM
ماذا لو كان ثمة آخر يكتب قصة الراوي، هل سنجد اختلافا كبيرا في المشهد؟
قد تتحول صينية الشاي لمجموعة من الأوراق، والالتئام مع العمال في طابور أمام دورة المياه لمزاحمة زملائه في السكن...
تفاصيل صغيرة ستتغير ويبقى الإطار الكئيب واحدا، غربة وآمال موؤدة وخيبات وأسرة تنتظر العائد الذي تقرضه فئران الطريق إليه من وكيل تشغيل وكفيل وضرائب عائدات ورسوم تحويل

قصة حكت بشائق سردها معاناة إنسان يمثل في شريحة أوسع بكثير من الحصة التي حظيت بها في الأدب

دمت مبدعنا بخير

تحاياي

الأخت الأديبة ربيحة الرفاعي

تنطبق هذه الصورة المحزنة من الغربة والمعاناة على الكثير ممن يرتحلون سعياً في مناكب الرزق..ليس فقط العمال وإنما أصحاب الشهادات..وكانت إشارتكم تلك في محلها.
لكن هذه الصورة اجتهدت بأسلوبي المتواضع ان أنقلها دون مبالغة بحكم قربي منها.
بوركتم أديبتنا الفاضلة.

عبد السلام دغمش
18-08-2013, 08:18 AM
أوجعتني بنصك أيها الكريم فإني شهدت مثل هذا بعيني وكنت أشارك هؤلاء دمعهم وألمهم وأميل إليهم مذمما أكثر من زملائي الأطباء.

ألا إن الفقر ذل وإن الذل موت!

نص أمدحه كثيرا بما استحق من ثناء سواء على مستوى المضمون الإنساني الراقي أو على مستوى الأداء الأدبي المبهر!

لا فض فوك!

تقديري

الدكتور سمير العمري

شرفني أستاذنا مروركم على النص..وأثلج صدري استحسانكم لهذا العمل المتواضع.
أما حنوّكم على هذه الفئة التي تناولها النص فليس هذا غريباً على قلبكم الكبير أيها الفاضل.
بوركتم وبوركت جهودكم في الارتقاء بالكلمة والفكر الملتزم.

لانا عبد الستار
12-08-2014, 02:54 AM
عذاب المغترب لا يعرفه ولا يشعر به إلا المغترب
وحده وحنين وضعف وأشواق وأحلام وعجز
وخوف لا ينتهي على من تكهم وراءه لا يعرف ما سيعيشون في غيابه

القصة مؤلمة وجميلة ومؤثرة وسردها مشوق ورائع

أشكرك

عبد السلام دغمش
12-08-2014, 10:23 AM
عذاب المغترب لا يعرفه ولا يشعر به إلا المغترب
وحده وحنين وضعف وأشواق وأحلام وعجز
وخوف لا ينتهي على من تكهم وراءه لا يعرف ما سيعيشون في غيابه

القصة مؤلمة وجميلة ومؤثرة وسردها مشوق ورائع

أشكرك

الأخت الأديبة لانا عبد الستار
تقديري لمروركم و أشكركم على انارتكم للنص بهذه المشاركة الطيبة .
تحياتي.

فوزي الشلبي
15-08-2014, 10:55 AM
ا
الأخ الشاعر النبيل عبد السلام
تحية محبة وتقديرٍ وود..
نص بهي، ما خط البيان ورصع اليراع في استجلاء عذابات الغربة في انسان رمته بحار الغربة إلى الشقاء..
تقديري الكبير وخالص دعائي لقلم يسطع بالبهاء!
أخوكم

عبد السلام دغمش
22-08-2014, 07:03 PM
ا
الأخ الشاعر النبيل عبد السلام
تحية محبة وتقديرٍ وود..
نص بهي، ما خط البيان ورصع اليراع في استجلاء عذابات الغربة في انسان رمته بحار الغربة إلى الشقاء..
تقديري الكبير وخالص دعائي لقلم يسطع بالبهاء!
أخوكم

الأستاذ الشاعر يوسف الشلبي
شرفني مروركم وتعليقكم على النص المتواضع .
تقديري الكبير .

محمد حمود الحميري
22-08-2014, 07:28 PM
مشهد من مشاهد الاغتراب الموجع ، أجدت تصويره ببراعة .
كم هي مؤلمة ، فما أقسى الغربة .

عبد السلام دغمش
25-08-2014, 10:55 PM
مشهد من مشاهد الاغتراب الموجع ، أجدت تصويره ببراعة .
كم هي مؤلمة ، فما أقسى الغربة .

أخي الشاعر محمد الحميري
شرفني مروركم وتفاعلكم مع النص .. تقديري وتحياتي .

خلود محمد جمعة
14-09-2014, 09:15 AM
تختلف الغربة بقسوتها من شخص لآخر ربما هؤلاء الفئة المقدر لهم أن يكونوا أقل حظاً من ناحية فرص العمل والأجر نظرا لوضعهم التعليمي ووضع بلادهم الإقتصادي
لكن في النهاية الغربة تنقش معالمها على روحنا مهما توفرت سبل الراحة
شعور الآخرين بنا وشعورنا بالآخرين يرطب غربتنا
نبل الأخلاق وطيب الأصل ورهافة الحس وصدق اليراع لا يبد أن يتمخض عنها نصوص كهذه
بورك اليراع
تقديري

عبد السلام دغمش
15-09-2014, 08:38 PM
الأخت الأديبة خلود..
تقديري الكبير لقراءتكم العميقة ومروركم الراقي .
تحياتي .

نداء غريب صبري
08-12-2014, 02:12 AM
قصة جديدة من قصص الاغتراب ، لكنها هذه المرة موجعة أكثر لأن فيها وصفا إنسانيا رائعا وأسلوبا أدبيا مميزا
أحزنتني جدا لكن في قراءةتها متعة أدبية حقيقية

شكرا لك أخي

بوركت

عبد السلام دغمش
18-12-2014, 07:43 AM
قصة جديدة من قصص الاغتراب ، لكنها هذه المرة موجعة أكثر لأن فيها وصفا إنسانيا رائعا وأسلوبا أدبيا مميزا
أحزنتني جدا لكن في قراءةتها متعة أدبية حقيقية

شكرا لك أخي

بوركت

الأخت الشاعرة نداء

تقديري لقراءتكم وتفاعلكم مع النص .
تحياتي .