المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مُرسى وعائشة الحُرة الأندلُسية



هشام النجار
06-07-2013, 01:59 PM
الذى يشعرُ به من معى فى السيارة الأجرة من والى القاهرة أننى أبدو مُختلفاً عنهم ، وفى كل مرة أستقل فيها حافلة ويثورُ نقاش حول الشأن العام ألوذ بالصمت ما لم يكن نقاشاً موضوعياً بَناءاً مع أناس أتوسم فيهم الخير والتفاعل الايجابى ، لننتهى الى نتيجة مُرضية بعد شوط الجدال الطويل الذى تحملنا مشاقه مع مشاق الطريق المُمتد .
أما فى هذه المرة وفى مرات كثيرة مُشابهة فالنقاش مختلف ، والمتحدثون بجانبى وأمامى وخلفى لا يتحدثون عن قضايا انما عن شائعات وتخرصات ، ولا يعبرون عن نقد موضوعى انما حديثهم كله شتائم وألفاظ سوقية وتوعد بالقتل وسخرية وبلطجة لفظية .. الخ .
ومن ضمن ما سمعته وأنا أغوص فى بحر صمتى وتفكيرى أن قالَ أحدهم بعدما أفلسَ من الأفكار الفارغة : " طيب تعرفوا بقى ان مرسى أمه اسمها " سَنية " ، طيب والله لأفضحه لما أروحله عند الاتحادية " .
رحمَ الله أمهات المسلمين ، وأم الدكتور مرسى سيدة مصرية فلاحة أصيلة كغالبية النساء المصريات ، اللاتى كافحن وصبرن وربين أبناءهن على الفضيلة والصدق والتسامح والأخلاق الاسلامية القويمة ، وحتى أوصلوهم الى هذا المستوى العلمى الراقى ونيل الدرجات العلمية من الخارج رغم شظف العيش ورغم سوء الحالة الاقتصادية التى يعيشها المصريون جميعاً .
فى مثل هذه الحالات ألتزمُ بصمتى وان استفزنى البعض للحديث ، وأفضلُ أن أجرى حواراً داخلى أرصدُ فيه الأفكار المطروحة وأستقصيها حتى لو كانت سطحية وساذجة .
فقد ذكرنى هذا الشخص العجيب الذى هددَ الدكتور مرسى باسم أمه " سَنية " – لا أدرى بالطبع ما هو اسم أمه الحقيقى – بقصة عائشة الحرة الأندلسية التى سعدتُ كثيراً عندما وجدتُ لها ابناً تمنته بعدما فُجعت فى ابنها الذى ضيعَ ماكاً لم يحافظ عليه كالرجال .
وددتُ ساعتها لو يصمتُ ركاب السيارة الغاضبون والساخرون والمُهددون لأقص عليهم القصة ، لكننى كنتُ على يقين أنهم ليسوا فى حاجة لمزيد من القصص من شخص يبدو مختلفاً عنهم – أو هكذا يظنون - .
كانت الحضارة الاسلامية – ومنها الأندلسية – ثرة مدرارة ، ترى غناها متدفقاً ، يسابقك ويغلبك على نفسه أو نفسك ، وهذا يتم عندما تغوص فى الأعماق منه ، بالعُدة اللازمة المؤهلة ، متروياً متبصراً بدوافع نية ذاتية متجردة .. فكيف فى مثل هذا المناخ المتربص أبصرهم بالحقائق ، وكيف بهذا المنطق المتعجل أهدئ من انجرافهم الهادر نحو الأحكام المُطلقة والرأى الواحد .
رأيتُ فى كيفية نطقه الاسم احتقاراً للمرأة لمجرد أنها تحمل اسماً كهذا ، وأردتُ أن أقولَ له أن الحضارة الانسانية شاركَ فى صناعتها عموم المجتمع الاسلامى من الرجال والنساء كباراً وصغاراً ، ووجدَ فيها غيرُ المسلمين الجو الذى يحلمون به ، بل ربما لم يكن يحظر لهم على بال .
كل هذا غاب عن كثير من مسلمى اليوم .. فكيف بغيرهم ؟؟
تساءلتْ والضحكاتُ تتصاعد والراكب العجيب يزيد فى تهكمه ، وهو ينادى رئيس الجمهورية باسم أمه الذى اخترعه له .
كثيراً ما حضرتُ حوارات وكتبتُ مقالات حول المرأة وحقوقها وموقعها فى الاسلام ؛ فما مشكلة هذا الراكب مع المرأة ، وهل مشكلته أنه لا يعرف مكانتها فى دينه – وتلك مشكلة كثيرين ومنهم غربيون ومستشرقون - ، أم أنه فقط يبحث عن شئ ينتقص به خصمه ويُعيره به ؟
فان كانت الأولى فالمرأة المسلمة بالرغم أن مهمتها الأولى والأهم رعاية الأسرة وتربية الأولاد واعدادهم لبناء الحياة الفاضلة بالاسلام وقد أهلها الله فطرة وخلقاً وطبيعة للقيام بهذا الواجب ، فانه أباحَ لها القيام بأعمال أخرى خارج البيت والمشاركة فى كافة الميادين ، والتاريخ والواقع يخبرنا عن أسماء مُبدعات وعبقريات فى كافة الميادين .
وليس من المُستبعد أن نسمع عن المُفكرة " سنية " ، والعالمة " سنية " والمخترعة " سنية " .. الخ .
لكننى وقفتُ أثناء المشوار الطويل المُرهق على اسم واحدة من الأسماء المُبهرة فى سجل النساء الخالدات ، عندما توعد الراكب فضحَ الدكتور مرسى باسم أمه المزعوم .
توقفتُ عند اسم " عائشة الحرة الأندلسية " التى كان لها موقف شهير من ابنها الذى لم يحافظ على ملك بلاده مثل الرجال ، وتخيلتُ والدة الدكتور مرسى كذلك – بصرف النظر عن اسمها وان كانت حية ترزق أم لا – باعتبار ما سيكون اذا تنازل عن الحكم فى مثل هذه الظروف فتتعقد الأمور وتتفاقم الأزمات .
وعائشة الحرة هى زوجة سلطان الأندلس أبو الحسن على الغالب بالله ، وأم آخر ملوك غرناطة محمد الحادى عشر أبو عبدالله الصغير ، وهو الذى وقعَ معاهدة استسلام وتسليم غرناطة ، ثم كان الاستيلاء عليها سنة 897ه – 1492م .
ثم كانت مغادرته الأندلس نهائياً الى المغرب بعد أقل من سنتين ليستقرَ فى مدينة فاس المغربية ويقدم رسالة اعتذار مُطولة لسطانها .
وكانت مفاوضات الاستسلام ثم التخلى عنها للملكين الكاثوليكيين فرناندو وايزابيل فى أكتوبر – نوفمبر 1491م .
رحلَ هذا الملك الصغير من غرناطة الحرة الأبية الزكية ، وبعد معارك مدمرة وقف لها أبطالها بقيادة فارسها المعلم موسى بن أبى الغسان الذى رفض الاستسلام .
وبينما هذا الملك الصغير خارج الى مدينة أندرش جنوب شرق غرناطة مع أسرته وحاشيته وأمه عائشة الحرة ، وقف وهو على فرسه فوق تل البذول ينظر الى غرناطة الدرة الفريدة المُضيعة التى سلمها لقمة سائغة للعدو الصليبى الذى كسرَ ودمر ثم هجر ، وقف فقال " الله أكبر " ثم انفجرَ باكياً متأسفاً على غرناطة الحبيبة الجميلة .. آخر نظرة دامعة ، والتى تعرف تاريخياً بزفرة الأندلسى الأخيرة .
وهنا قالت له أمه متأثرة مُعيرة له : " ابكِ مثل النساء مُلكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال " .
ابكِ مثل النساء ملكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال
أهبطُ من السيارة والراكب لا يزال يتحدث عن مرسى وأمه " سَنية " بحسب تصوره واختراعه .
أما أنا فكنتُ أنظر الى المآلات والى أم مرسى الأخرى " عائشة الحرة الأندلسية " والملايين من المؤيدين للشرعية والداعمين للمسَار الديمقراطى ، فماذا لو تخاذل مرسى وتنازل واستسلم وذهبت البلاد الى المجهول ؟
ساعتها سيبكى مُرسى كالنساء ملكاً لم يحافظ عليه مثل الرجال .
هاكم ابنكِ الذى تمنيتيه يا عائشة الحرة .
محمد مرسى عيسى العياط .
رجل مناضل مقاوم بطل
وقف حتى النهاية صامداً
ولم ينحنِ لحرب الابادة التى شنتها كتائب نظام مبارك عليه .
رجل لم يبكِ كالنساء .
رجل حافظ على مكانه وموقعه وتحمل مسئوليته .. كشأن الرجال العظام .

بهجت عبدالغني
06-07-2013, 04:02 PM
لله درّك

صوت الحكمة نسمعها
في عالم بات الفوضى والضجيج يكتنفه !


تحياتي ودعائي ..

هشام النجار
07-07-2013, 02:17 AM
شكراً جزيلاً أستاذنا الكريم بهجت الرشيد ، وزادكَ الله رفعة وتميزاً على طريق الابداع ، تقبل منى أجمل التحيات وخالص الدعوات

ياسر سالم
07-07-2013, 10:11 AM
أثرت شجوني وحركت بلابلي
لله درها ... ودره
كما الأشجار العتيقة ... يفضل الحر أن يموت واقفا
اللهم أمرا منك يغنينا عن الحِيَل
اللهم نصرك على عبادك

دعواتي لك اخي الحبيب الأستاذ هشام
قريبا بإذنه تعالى يكون اللقاء

هشام النجار
10-07-2013, 12:10 AM
اكرمك الله اخى وصديقى الحبيب الغالى استاذنا المبدع الكبير ياسر سالم .. كل عام وأنت بخير وانت الى الله أقرب وانت فى ألق وازدهار

زهراء المقدسية
18-07-2013, 12:42 PM
إذا كنا نحن عن بعد ومكتفين بما نسمع ونرى
عبر الشاشات نضج بما يحدث في مصر ولا نحتمله فما بالكم أنتم
وأنتم تعيشون وسط الحدث أعانكم الله!!؟
وأقدر شعورك وأتفهمه وأبارك لك هذه الهمة في قول الحق
وسنظل نعول على الخيرين أمثالكم العقلاء في مصر وفي سائر أأقطارنا العربية

بارك الله فيك وجزاك كل خير
تقديري وإكباري للأستاذ هشام

هشام النجار
20-07-2013, 04:14 PM
لكِ الشكر الجزيل الأستاذة والمبدعة زهراء المقدسية .. تقبلى تحياتى وخالص دعواتى