ياسر
17-01-2005, 10:15 PM
هي رحلة قام بها احد الأخوة الأفاضل عام 1999، ونظم حوالي 100 جملة مسجّعة، يحكي فيها رحلته، وبعض مشاعره وخصوصياته.. ورأيت فرحه الشديد بتلك الرحلة، فآليت على نفسي أن أنظمها له، فهي نظم أكثر من كونها شعراً، أعني أن القصيدة وصفية.. لذلك التمس العذر ممن سيقرؤها للآخر ..
القصيدة حوالي 156 بيتاً من الشعر..
رحلة إلى الحج
الحمد للرحمن ألهمنا الهدى = وهدى الأنام، فغيره لن تعبد
وله الثناء على المدى سبحانه = من غيره ملك الثناء الأجود
وصلاة قلبي والسلام لنور من = رحم الإله به المدارك أحمد
هام الفؤاد تشوقاً للقائه = فلحبه أضحى الفؤاد مجنداً
رباه أنت رزقتني سبل الهدى = لولاك ما خشع الفؤاد وما اهتدى
عجزت سطوري أن تفيك الحمد لك = وكذا اللسان مع اليراع على المدى
لم يدعُ عبدٌ ربّه بتضرعٍ = إلا ولبى باسطاً منه اليد
نادتك نفسي يا إلهي بالرجى = كيما أحج ملبياً وموحداً
كم كنت أدعو من فؤادي لهفة = شرفاً لنفسي أن أزور المسجد
فأثبتني ربي زيارة بيتك = أنت الكريم وكنت منك مؤيداً
* * *
وجهت خطوي في زيارة مكة = والقلب في ماء المدامع ردد
لبيك ربي جئت بابك تائباً = ربي فردَّ كتاب عمري أجدد
ولسان حالي قال ربك يرحم = شُعْثَ الرؤوس وغُبرَها والسجّدَ
والله ليس يضيع فيها عاملاً = ليرد منها أو يضيعه سدى
وعد العباد بأن ربك غافر = ما كان ربك أن يخالف موعداً
ووصلت مكة منزلاً متباركاً = فالثغر غناها وقلبي أنشد
ما عدت أعبأ في الرحاب –جلالةً- = بحلول موتي أو أخاف من الردى
إذ من يبالي في ديار من بها = يقضي، يكون بحتفه مستشهداً
لاقيت وعداً فيه أول مرة = بيتاً حراماً كان نبراس الهدى
أحببت عيني حينها إذ أنها = أهدت لروحي حلم عمر مبعداً
في كعبة فاضت بنور سكينة = وأنالها الرحمن منه السؤدد
لكأنها ليلَ الزفاف صبيةٌ = طافوا بها كيما بفرح تسعد
أحسست أن لسانها في لحظة = سيقول حمداً، فالمهيمن أيّد
ودعوت ربي من صميم جوارحي = هبني الجنان وفيَ لا تتشدد
واغفر ذنوبي أنت ربي غافر = وارحم إلهي الأم ثم الوالد
حرم سما في أمنِهِ ووقارِهِ = من نوره يعطي البهاء المشهد
أمواج حجاج تطوف بكعبة = فترى الجميع ملبياً وموحداً
من كل فج قد أتوا كي يشهدوا = لهمُ منافعَ مثلها لن يُشهد
وترى الورى من كل لون قد أتوا = يدعون رب العالمين الواحد
رغم اللغات بقيت أسمع كلْمةً = "غفرانك اللهم جئتك ناشداً"
سمّرْتُ طرفي في الطواف بكعبة = كالأم ترنو للوليد تفقداً
ويدي إلى الحجر المقدس قد علت = والطائفون لعزه رفعوا اليد
ومكبرون الله شكرَ هدايةٍ = للخير كلٌّ منهمُ متعهداً
لله، ليس كمثله شيء، ومن = للناس كان الخالق المتفرّدَ
ومصدقاً بكتاب رب واحد = في الآي كان الواعد المتوعد
ليفي بعهد الله أن يمينه = لن ينقض الميثاق مهما هدد
سيظل متبعاً لهدي نبيه = صلى عليه الله ما فجر بدا
ومقام سيدنا الخليل بدا وقد = سد المدى يوم ابنه فيها افتدى
وبه خيار المسلمين بحجهم = في ذبحه للأضحيات به اقتدى
ذا موطىء القدمين باد عندها = بيتاً بنى معه ابنه وقواعداً
وبركعتين خفيفتين ودعوة = تتلو طوافاً للدعاء تجرداً
من زمزم الرحمات كانت شربة = من بردها بركاتها تروي الصدى
أهدت لنفسي الأمن بعد تخوف = وروت فؤاداً كاد أن يتفأّد
تشفي السقيم فلا يعاوده السقام = دواء زمزم في الشفاء تفرد
أَعظِمْ بها ماءً لما شُرِبَتْ له = أكرِمْ بها بئراً تروّي الوارد
رباه إن تقبل طوافي راحماً = هدأتني وأجيج قلبي أُخمد
* * *
والسعي ما بين الصفا والمروة = من رادها كان التقي العابد
كالأم سعياً بينها من أجل ما = تروي به طفلاً بموت هدد
وككل ساع خاشع في سعيه = أدعوك ربي دعوة لن تفسد
هي عمرة كانت لوجهك ربنا = يوم الحساب تكون عندي الشاهد
جافت مضاجعها الجنوب وأعيني = نسيت لشوقي نومها والمرقد
فالشوق أوقظ في النفوس حنينها = لقدوم أهل الأرض تبغي المسجد
والليل في الحرم استفاض سكينة = تحييه آلافٌ قياماً هجداً
سمع الحجيج أذانه في هيبة = يعلو به فيضيء ليلاً أسوداً
وأذان فجر رائع بوقاره = يصل الثريا في الصفاء تفرداً
ليرطب الفجر اللذيذ بخفة = فكأنه فجر تكلل بالندى
الله أكبر وحده ربٌ وأنّ = رسوله في العالمين محمداً
وقف الجميع لدى الإقامة صفهم = سمعاً لقول أمامهم إذ ردد
سووا الصفوف وعدلوا واسعوا إلى = جعل القلوب تصير قلباً واحداً
يا روعة الحرم المضيء بفجره = فيه الصلاة تردّ قلبي بارداً
رباه ألحقني بمن بك مؤمن = واجعل هداي مؤمّناً ومسدداً
رباه إن تقبل صلاتي راحماً = هدّأتَ نفسي والفؤادَ والموقَدَ
* * *
كان انتظار كاد يفرغ صبره = يرنو ليوم فيه حجي حُدّدَ
فكأنني يوم امتحاني للهدى = أرجو لأعمالي به أن تصعد
درجات حسنى عند رب غافر = فأنال غفراناً وعزاً أمجداً
عرفات لما فيه زالت شمسه = دمع العيون على خدودي خدد
لله ثغري لم يكل بذكره = فهنا الدعاء يجاب حتماً أكد
إبليس مخزي بها مع حزبه = بحقارِهِ يذوي خسيئاً صفد
والله باهى بالعباد ملائكاً = وبيومها عتق الرقاب تعدد
ودعاء خير الخلق طه لم يزل = خير الدعاء مبيناً ومحددا
أن لا إله سوى الإله ووحده = ذو الملك إذ أدعوه رباً واحداً
رباه فارحم من أتى لك راجياً = وأنله فردوس الجنان مخلداً
ثم انقضى يومٌ سعدْتُ بحجِّهِ = طوبى لمن غنم الزمان وأسعد
عرفات نفسي فارقتني عندما = عنك ابتعدت، نسيت أن أتجلد
رباه إن تقبل وقوفي راحماً = هدأت نفسي والفؤاد الموقد
* * *
حتى ازدلفنا والصلاة بها اثنتان = مع جمع حصيات لنرجم مفسداً
فمبيت ليل مع طواف إفاضة = رمياً لمن من رحمة قد أبعد
أيام تشريق مباركة تلت = هي خير أيام لكي نتزود
ختم الكتاب بمكة ما مثله = من ختمة مهما الزمان تأبد
ربي تقبل واعف عني إنني = عبد بحبك قلبه قد أوجد
فضل الجهاد على الرجال مميز = فاكتب جهاداً إذ أتيتك قاصداً
رباه فاقبل لي المناسك إن لي = قلباً بدونك للهداية فاقداً
* * *
ودعت في أم القرى قلبي الذي = عند الطواف بخفقة قد أرعد
وتركتها في حسرة وتألم = فالنار تغلي في الفؤاد توقداً
فدعوت ربي أن يهبني عودةً = لأزورها متقرباً متودداً
فارزق إلهي المسلمين زيارة = واهد الرشاد لكل من قد ألحد
وارفع إلهي راية الإسلام في = كل البقاع ولا تؤيد جاحد
* * *
ما بين مكة والمدينة هجرة = مع صاحب يمشي الرسولُ مؤيداً
(الله ثالثهم) بنصر واثق = أمشي بها والقلب مني قد غدا
متشوقاً متلهفاً ومصلياً = كالركب هام إلى الرسول وأنشد
البدر فينا طالع نلنا به = شرفاً جليلاً رائعاً، شرف الهدى
حرم النبي بدا سراجاً ساطعاً = وسط المدينة للظلام مبدداً
فيه الرسول وصاحبيه بروضة = أبدت لهم درب الجنان ممهداً
منه الرسالة أشرقت من منبر = القبة الخضراء تعلو المسجد
طوبى لمن صلى وزار نبينا = ودعا الإله مقدساً وممجداً
وعلى النبي مسلماً في قبره = وأحبه وأطاعه وبه اقتدى
رباه منه شفاعةً في المحشر = من حوضه سقياً فتروي الوارد
حرم النبي به الصلاة بوقتها = كانت كتاباً وقته متقيداً
وقباء أول مسجد وأساسه = باب المدينة بالتقى قد شيد
وترى هنا آثار خندقة، لها = جمع الرسول عزائماً وسواعداً
في حفرة ظهرت بشائر نصره = شورى لسلمانٍ، وكانت ذائداً
ردت عن الدين الحنيف عدوه = هزمت على باب المدينة حاقداً
أحدٌ بها ذكرى الهزيمة إذ على = أحد عصى فيها الرماة القائد
من خلفهم قد هوجموا بكتيبة = وقد ابتلوا لما استبانوا خالداً
بقيت هنا ملقى لأجيال تلت = عبر النفوس تفوق فيها العسجد
نلقي السلام لدار قوم آمنوا = واختارهم ربي فكانوا الشُهَّدَ
أسد المهيمن حمزة بعرينه = قد كان فيها للعدو الحاصد
طابت مراقدهم وزاد بهاؤها = ضمت بها أهل الشهادة والهدى
رباه أكرمني بنيل شهادة = رباه أكرم كل من قد جاهد
جاء الوداع ففار دمعي، إنني = فارقت أُسْداً في المدينة رُقّداً
فارقت أصحاب الحبيب وأرضه = من كان للناس المحب المرشد
صلى عليك الله يا علم الهدى = ما ناح طير في الرياض وغرد
ما حل ليل أو نهار بل وما = صوت البلابل في المرابع قد شدا
يا خير خلق الله يا من بعده = شرفت حياتي إذ غدوت مقلداً
وهنا انتهى فينا المطاف برحلة = هي حقْبة في العمر لن تتبدد
فارقت أقدس بقعة من بعدها = علق الفؤاد بحبها وتعود
فالحج مدرسة لكل موحد = منها انطلاق العبد كي يتزود
والحج إيمان يزيد قلوبنا = كالنهر كان لكل أرض رافداً
أدركت معنى الصبر عند وروده = علّمت قلبي أن يكون مجاهداً
والناس كلهمُ سواء عنده = لا يفضُلُ العربي عبداً أسوداً
إلا بتقوى من يحقق شرطها = يجد الطريق إلى الجنان معبداً
كم كنت أحسبني بلغت من التقى = نزلاً رفيعاً غير أن المشهد
أبدى الألوف كجيش إيمان مضى = يحيي عرى الإيمان كي يتوطد
فكنقطة في بحر طاعتهم أنا = ما كنت إلا جاهلاً متبلداً
فحسمت أمري أن أنافسهم بما = يدعو الإله إليه حتى يعبد
أدركت أن الله يدعم عبده = إن مد نحو أخيه في العون اليد
إن آثر الإخوان رغم خصاصة = حلت به أو كان يوماً مجهداً
وعلمت ما خشن الحياة وأن ما = من نعمة ستدوم فينا سرمداً
ولكي أجاب، علي إخلاص له = وبأن أكون على الدعاء مشدداً
يا من يجير المستجير إذا دعا = يا غافراً للعبد مهما عربد
من ضل كنت له الهدى إن أخلص = من تاب كنت له الغفور الساند
أما الذي شيطانه في رأسه = أرسلت من فور شهاباً راصداً
أنا لست أمشي غير دربك للهدى = مهما بدا درب الضلال معبداً
ودعوت ربي وانشغلت بذكره = في كل حين ساعياً أن أحمد
فالذكر يروي الروح رياً دائماً = يسمو بنفس الذاكرين لتصعد
رباه أكرمني بأن أبقى على = حال التقى وبأنْ بها أتأبد
وقراءة القرآن أفضل شاغل = لترد من ألم الصدور تنهداً
حلو الكلام يسيل منه عذوبةً = لو فيه كان مرتلاً ومجوداً
ويزيد روعته تدبر آية = رباه ساعدني به كي أرشد
رباه فاجعلني بزمرة أهله = في حفظه أصلاً شرفت ومحتداً
ويكون في صدري جلاء همومه = ويكون في الليل الظليم الفرقد
ليكون في قلبي اخضرار ربيعه = فيزيد بستان الفؤاد تورداً
يا حج قد نبهتني في رحلتي = وأنا أراقب في الطواف المشهد
علمتني عبراً جهلت دروسها = فرأيت مثل الحشر فيك تحاشدا
في يوم لا ملك سوى ملك الملوك = ويوم لا ولد يناصر والداً
يوم انذهال المرضعات لما جرى = والناس فيها كالسكارى في السدى
تضع الحوامل حملها من خوفها = وجلال موقفها يزيد ترعداً
يا حج كم غيرت نفساً يومها = وألنت قلباً كان قبلك جلمداً
القلب أنكر بعد حجي ذنبه = وعلى الهداية والتقى قد عاهد
رباه هب للناس حجتهم وزد = من كان قبلاً للهداية فاقداً
كم كنت أحلم أن أحقق حجتي = حلم قضيت العمر فيه تسهداً
يا رحلة بالعمر أفدي خطوها = يا ليتني ما كنت منها عائداً
* * *
بيراع قلبي قد سطرت قصيدتي = نزراً يسيراً في الخيال لأسرد
ذكرى لقارئها برحمن هدى = ربٍ فخرت لذاته أن أعبد
ربي دعوتك أن تثيب بجنة = من لي بحجي قد أعان وساعد
أدعوك أن بالعدل ترحم والدي = وهب لهم أجراً بتربيتي الهدى
في آخر الدعوات حمدٌ صادقٌ = لله إذ بالخير قلبي ساند
ثم الصلاة على الحبيب محمد = من حبه في القلب كان السائد
القصيدة حوالي 156 بيتاً من الشعر..
رحلة إلى الحج
الحمد للرحمن ألهمنا الهدى = وهدى الأنام، فغيره لن تعبد
وله الثناء على المدى سبحانه = من غيره ملك الثناء الأجود
وصلاة قلبي والسلام لنور من = رحم الإله به المدارك أحمد
هام الفؤاد تشوقاً للقائه = فلحبه أضحى الفؤاد مجنداً
رباه أنت رزقتني سبل الهدى = لولاك ما خشع الفؤاد وما اهتدى
عجزت سطوري أن تفيك الحمد لك = وكذا اللسان مع اليراع على المدى
لم يدعُ عبدٌ ربّه بتضرعٍ = إلا ولبى باسطاً منه اليد
نادتك نفسي يا إلهي بالرجى = كيما أحج ملبياً وموحداً
كم كنت أدعو من فؤادي لهفة = شرفاً لنفسي أن أزور المسجد
فأثبتني ربي زيارة بيتك = أنت الكريم وكنت منك مؤيداً
* * *
وجهت خطوي في زيارة مكة = والقلب في ماء المدامع ردد
لبيك ربي جئت بابك تائباً = ربي فردَّ كتاب عمري أجدد
ولسان حالي قال ربك يرحم = شُعْثَ الرؤوس وغُبرَها والسجّدَ
والله ليس يضيع فيها عاملاً = ليرد منها أو يضيعه سدى
وعد العباد بأن ربك غافر = ما كان ربك أن يخالف موعداً
ووصلت مكة منزلاً متباركاً = فالثغر غناها وقلبي أنشد
ما عدت أعبأ في الرحاب –جلالةً- = بحلول موتي أو أخاف من الردى
إذ من يبالي في ديار من بها = يقضي، يكون بحتفه مستشهداً
لاقيت وعداً فيه أول مرة = بيتاً حراماً كان نبراس الهدى
أحببت عيني حينها إذ أنها = أهدت لروحي حلم عمر مبعداً
في كعبة فاضت بنور سكينة = وأنالها الرحمن منه السؤدد
لكأنها ليلَ الزفاف صبيةٌ = طافوا بها كيما بفرح تسعد
أحسست أن لسانها في لحظة = سيقول حمداً، فالمهيمن أيّد
ودعوت ربي من صميم جوارحي = هبني الجنان وفيَ لا تتشدد
واغفر ذنوبي أنت ربي غافر = وارحم إلهي الأم ثم الوالد
حرم سما في أمنِهِ ووقارِهِ = من نوره يعطي البهاء المشهد
أمواج حجاج تطوف بكعبة = فترى الجميع ملبياً وموحداً
من كل فج قد أتوا كي يشهدوا = لهمُ منافعَ مثلها لن يُشهد
وترى الورى من كل لون قد أتوا = يدعون رب العالمين الواحد
رغم اللغات بقيت أسمع كلْمةً = "غفرانك اللهم جئتك ناشداً"
سمّرْتُ طرفي في الطواف بكعبة = كالأم ترنو للوليد تفقداً
ويدي إلى الحجر المقدس قد علت = والطائفون لعزه رفعوا اليد
ومكبرون الله شكرَ هدايةٍ = للخير كلٌّ منهمُ متعهداً
لله، ليس كمثله شيء، ومن = للناس كان الخالق المتفرّدَ
ومصدقاً بكتاب رب واحد = في الآي كان الواعد المتوعد
ليفي بعهد الله أن يمينه = لن ينقض الميثاق مهما هدد
سيظل متبعاً لهدي نبيه = صلى عليه الله ما فجر بدا
ومقام سيدنا الخليل بدا وقد = سد المدى يوم ابنه فيها افتدى
وبه خيار المسلمين بحجهم = في ذبحه للأضحيات به اقتدى
ذا موطىء القدمين باد عندها = بيتاً بنى معه ابنه وقواعداً
وبركعتين خفيفتين ودعوة = تتلو طوافاً للدعاء تجرداً
من زمزم الرحمات كانت شربة = من بردها بركاتها تروي الصدى
أهدت لنفسي الأمن بعد تخوف = وروت فؤاداً كاد أن يتفأّد
تشفي السقيم فلا يعاوده السقام = دواء زمزم في الشفاء تفرد
أَعظِمْ بها ماءً لما شُرِبَتْ له = أكرِمْ بها بئراً تروّي الوارد
رباه إن تقبل طوافي راحماً = هدأتني وأجيج قلبي أُخمد
* * *
والسعي ما بين الصفا والمروة = من رادها كان التقي العابد
كالأم سعياً بينها من أجل ما = تروي به طفلاً بموت هدد
وككل ساع خاشع في سعيه = أدعوك ربي دعوة لن تفسد
هي عمرة كانت لوجهك ربنا = يوم الحساب تكون عندي الشاهد
جافت مضاجعها الجنوب وأعيني = نسيت لشوقي نومها والمرقد
فالشوق أوقظ في النفوس حنينها = لقدوم أهل الأرض تبغي المسجد
والليل في الحرم استفاض سكينة = تحييه آلافٌ قياماً هجداً
سمع الحجيج أذانه في هيبة = يعلو به فيضيء ليلاً أسوداً
وأذان فجر رائع بوقاره = يصل الثريا في الصفاء تفرداً
ليرطب الفجر اللذيذ بخفة = فكأنه فجر تكلل بالندى
الله أكبر وحده ربٌ وأنّ = رسوله في العالمين محمداً
وقف الجميع لدى الإقامة صفهم = سمعاً لقول أمامهم إذ ردد
سووا الصفوف وعدلوا واسعوا إلى = جعل القلوب تصير قلباً واحداً
يا روعة الحرم المضيء بفجره = فيه الصلاة تردّ قلبي بارداً
رباه ألحقني بمن بك مؤمن = واجعل هداي مؤمّناً ومسدداً
رباه إن تقبل صلاتي راحماً = هدّأتَ نفسي والفؤادَ والموقَدَ
* * *
كان انتظار كاد يفرغ صبره = يرنو ليوم فيه حجي حُدّدَ
فكأنني يوم امتحاني للهدى = أرجو لأعمالي به أن تصعد
درجات حسنى عند رب غافر = فأنال غفراناً وعزاً أمجداً
عرفات لما فيه زالت شمسه = دمع العيون على خدودي خدد
لله ثغري لم يكل بذكره = فهنا الدعاء يجاب حتماً أكد
إبليس مخزي بها مع حزبه = بحقارِهِ يذوي خسيئاً صفد
والله باهى بالعباد ملائكاً = وبيومها عتق الرقاب تعدد
ودعاء خير الخلق طه لم يزل = خير الدعاء مبيناً ومحددا
أن لا إله سوى الإله ووحده = ذو الملك إذ أدعوه رباً واحداً
رباه فارحم من أتى لك راجياً = وأنله فردوس الجنان مخلداً
ثم انقضى يومٌ سعدْتُ بحجِّهِ = طوبى لمن غنم الزمان وأسعد
عرفات نفسي فارقتني عندما = عنك ابتعدت، نسيت أن أتجلد
رباه إن تقبل وقوفي راحماً = هدأت نفسي والفؤاد الموقد
* * *
حتى ازدلفنا والصلاة بها اثنتان = مع جمع حصيات لنرجم مفسداً
فمبيت ليل مع طواف إفاضة = رمياً لمن من رحمة قد أبعد
أيام تشريق مباركة تلت = هي خير أيام لكي نتزود
ختم الكتاب بمكة ما مثله = من ختمة مهما الزمان تأبد
ربي تقبل واعف عني إنني = عبد بحبك قلبه قد أوجد
فضل الجهاد على الرجال مميز = فاكتب جهاداً إذ أتيتك قاصداً
رباه فاقبل لي المناسك إن لي = قلباً بدونك للهداية فاقداً
* * *
ودعت في أم القرى قلبي الذي = عند الطواف بخفقة قد أرعد
وتركتها في حسرة وتألم = فالنار تغلي في الفؤاد توقداً
فدعوت ربي أن يهبني عودةً = لأزورها متقرباً متودداً
فارزق إلهي المسلمين زيارة = واهد الرشاد لكل من قد ألحد
وارفع إلهي راية الإسلام في = كل البقاع ولا تؤيد جاحد
* * *
ما بين مكة والمدينة هجرة = مع صاحب يمشي الرسولُ مؤيداً
(الله ثالثهم) بنصر واثق = أمشي بها والقلب مني قد غدا
متشوقاً متلهفاً ومصلياً = كالركب هام إلى الرسول وأنشد
البدر فينا طالع نلنا به = شرفاً جليلاً رائعاً، شرف الهدى
حرم النبي بدا سراجاً ساطعاً = وسط المدينة للظلام مبدداً
فيه الرسول وصاحبيه بروضة = أبدت لهم درب الجنان ممهداً
منه الرسالة أشرقت من منبر = القبة الخضراء تعلو المسجد
طوبى لمن صلى وزار نبينا = ودعا الإله مقدساً وممجداً
وعلى النبي مسلماً في قبره = وأحبه وأطاعه وبه اقتدى
رباه منه شفاعةً في المحشر = من حوضه سقياً فتروي الوارد
حرم النبي به الصلاة بوقتها = كانت كتاباً وقته متقيداً
وقباء أول مسجد وأساسه = باب المدينة بالتقى قد شيد
وترى هنا آثار خندقة، لها = جمع الرسول عزائماً وسواعداً
في حفرة ظهرت بشائر نصره = شورى لسلمانٍ، وكانت ذائداً
ردت عن الدين الحنيف عدوه = هزمت على باب المدينة حاقداً
أحدٌ بها ذكرى الهزيمة إذ على = أحد عصى فيها الرماة القائد
من خلفهم قد هوجموا بكتيبة = وقد ابتلوا لما استبانوا خالداً
بقيت هنا ملقى لأجيال تلت = عبر النفوس تفوق فيها العسجد
نلقي السلام لدار قوم آمنوا = واختارهم ربي فكانوا الشُهَّدَ
أسد المهيمن حمزة بعرينه = قد كان فيها للعدو الحاصد
طابت مراقدهم وزاد بهاؤها = ضمت بها أهل الشهادة والهدى
رباه أكرمني بنيل شهادة = رباه أكرم كل من قد جاهد
جاء الوداع ففار دمعي، إنني = فارقت أُسْداً في المدينة رُقّداً
فارقت أصحاب الحبيب وأرضه = من كان للناس المحب المرشد
صلى عليك الله يا علم الهدى = ما ناح طير في الرياض وغرد
ما حل ليل أو نهار بل وما = صوت البلابل في المرابع قد شدا
يا خير خلق الله يا من بعده = شرفت حياتي إذ غدوت مقلداً
وهنا انتهى فينا المطاف برحلة = هي حقْبة في العمر لن تتبدد
فارقت أقدس بقعة من بعدها = علق الفؤاد بحبها وتعود
فالحج مدرسة لكل موحد = منها انطلاق العبد كي يتزود
والحج إيمان يزيد قلوبنا = كالنهر كان لكل أرض رافداً
أدركت معنى الصبر عند وروده = علّمت قلبي أن يكون مجاهداً
والناس كلهمُ سواء عنده = لا يفضُلُ العربي عبداً أسوداً
إلا بتقوى من يحقق شرطها = يجد الطريق إلى الجنان معبداً
كم كنت أحسبني بلغت من التقى = نزلاً رفيعاً غير أن المشهد
أبدى الألوف كجيش إيمان مضى = يحيي عرى الإيمان كي يتوطد
فكنقطة في بحر طاعتهم أنا = ما كنت إلا جاهلاً متبلداً
فحسمت أمري أن أنافسهم بما = يدعو الإله إليه حتى يعبد
أدركت أن الله يدعم عبده = إن مد نحو أخيه في العون اليد
إن آثر الإخوان رغم خصاصة = حلت به أو كان يوماً مجهداً
وعلمت ما خشن الحياة وأن ما = من نعمة ستدوم فينا سرمداً
ولكي أجاب، علي إخلاص له = وبأن أكون على الدعاء مشدداً
يا من يجير المستجير إذا دعا = يا غافراً للعبد مهما عربد
من ضل كنت له الهدى إن أخلص = من تاب كنت له الغفور الساند
أما الذي شيطانه في رأسه = أرسلت من فور شهاباً راصداً
أنا لست أمشي غير دربك للهدى = مهما بدا درب الضلال معبداً
ودعوت ربي وانشغلت بذكره = في كل حين ساعياً أن أحمد
فالذكر يروي الروح رياً دائماً = يسمو بنفس الذاكرين لتصعد
رباه أكرمني بأن أبقى على = حال التقى وبأنْ بها أتأبد
وقراءة القرآن أفضل شاغل = لترد من ألم الصدور تنهداً
حلو الكلام يسيل منه عذوبةً = لو فيه كان مرتلاً ومجوداً
ويزيد روعته تدبر آية = رباه ساعدني به كي أرشد
رباه فاجعلني بزمرة أهله = في حفظه أصلاً شرفت ومحتداً
ويكون في صدري جلاء همومه = ويكون في الليل الظليم الفرقد
ليكون في قلبي اخضرار ربيعه = فيزيد بستان الفؤاد تورداً
يا حج قد نبهتني في رحلتي = وأنا أراقب في الطواف المشهد
علمتني عبراً جهلت دروسها = فرأيت مثل الحشر فيك تحاشدا
في يوم لا ملك سوى ملك الملوك = ويوم لا ولد يناصر والداً
يوم انذهال المرضعات لما جرى = والناس فيها كالسكارى في السدى
تضع الحوامل حملها من خوفها = وجلال موقفها يزيد ترعداً
يا حج كم غيرت نفساً يومها = وألنت قلباً كان قبلك جلمداً
القلب أنكر بعد حجي ذنبه = وعلى الهداية والتقى قد عاهد
رباه هب للناس حجتهم وزد = من كان قبلاً للهداية فاقداً
كم كنت أحلم أن أحقق حجتي = حلم قضيت العمر فيه تسهداً
يا رحلة بالعمر أفدي خطوها = يا ليتني ما كنت منها عائداً
* * *
بيراع قلبي قد سطرت قصيدتي = نزراً يسيراً في الخيال لأسرد
ذكرى لقارئها برحمن هدى = ربٍ فخرت لذاته أن أعبد
ربي دعوتك أن تثيب بجنة = من لي بحجي قد أعان وساعد
أدعوك أن بالعدل ترحم والدي = وهب لهم أجراً بتربيتي الهدى
في آخر الدعوات حمدٌ صادقٌ = لله إذ بالخير قلبي ساند
ثم الصلاة على الحبيب محمد = من حبه في القلب كان السائد