تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نافورة الذكريات



بشار عبد الهادي العاني
25-08-2013, 11:28 PM
تحلق الناس حول تلك النافورة العجيبة ,والتي تلفظ المياه و الرذاذ بصحبة الألوان والأنغام.
البعض جلس منتشياً بروعة المنظروبهاء المكان ,والبعض شرع في الرقص حول قرص الساحة, وقلة من الناس انزوت بالقرب ,تراقب بصمت و فضول هذاالحفل البديع.
لم تمض سويعات قليلة على وصول ذاك الشاب الغريب إلى تلك البلاد النائية الجميلة.
هوفي مقتبل العمر , وجهه المفعم بتراسيم الخجل و البراءة و الطهر ,وشاربان لم تكتمل ملامحهما بعد , و عيون خضراء نقية ,تأ كل كل شيئ تقع عليه ,كما النار في الهشيم.
هذه المرة الاولى التي يشاهد فيها هذه السحنات و المخلوقات الجميلة !
نساء لا يرتدين من الثياب إلا ما يستر عوراتهن ، رجال يحتسون قوارير الجعة ، كهول لم تحطمهم قسوة الايام فاطلقوا العنان لما تبقى لديهم من قوة ,يرقصون بفرح وهمة.
نظر إلى صديقه الجالس بالقرب مهمهماً: ألا يجدون شيئاً يلبسونه !!؟
لم يتمالك الصديق نفسه من الضحك ,فأرسل قهقهات هستيرية ,لفتت إليه انتباه بعض الحاضرين.
- صبراً ياأخي ، لم تر شيئاً بعد.
اعتدل الصديق في جلسته ,و تابع كلامه ,بشكل أشبه ما يكون بالوعظ ,بعد أن غابت ابتسامته:
- منذ ساعات وصلت الى قارة جديدة ,تتصف بكثير من العادات و التقاليد ,والتي لا تمت إلى عالمنا و مجتمعنا بأي صلة.
-لا تستهجن أي شيء تراه هنا، يجب عليك أن تسمع ,لكي تتعلم ,و تشاهد لكي تدرك وتحلل , ماذا يدور حولك ,وتغوص في أغوار عقول من حولك, مكتشفاً مساحات جديدة ,ستكون بالنسبة لك جزيرة الأمان ,حيث ستقف على صخورها, لتكشف عباب بحر هذا العالم الجديد.
مضت دقائق صامتة ,أمضاها الاثنان في التحديق الى وصلة موسيقية هادئة ,اشتبكت فيها الايدي, و تعانقت الهامات , على أنغام شجية و صوت نسائي رخيم.
- ها ,في فمك سؤال يؤرقك ! هات ماعندك ؟
- هي موج من الاسئلة ,و لكن سأحاول اختصارها ,كي لا أثقل عليك.
- لا تشعر بالحرج ، كلنا عند لحظة وصولنا ,داهمتنا الملايين من الأسئلة ,و أجابنا عليها إخوة لنا , ممن سبقونا إلى هذه البلاد ,أو أدركنا كنهها بتقادم الأيام.وغداً ستقف هاهنا ,في وسط هذه الحديقة الغناء لتجيب عن تساؤلات كثيرة.
بين معمعة السؤال والإجابة , وبدون سابق إنذار أو وعيد ,اقتربت منهم فتاة فائقة الجمال ,أرسلت ضفائرها الذهبية على كتفيها !
كانت عيناها بلون السماء الصافية ,ووجهها كالبدر في ليلة التمام ، ذات بشرة بيضاء مترعة بحمرة, كأنما أترعت من زهور العالم كله.
اقتربت بثبات و شجاعة مستغربة ,وهمست بكلمات رقيقة لم يفهم منها ذاك الغريب شيئا.
أيقظه صوت صديقه من غفوته:
- إنها تريد أن تراقصك !!
- ماذا ..؟؟؟
- إنها تدعوك للرقص ! ألا تسمع ؟
- لماذا أنا ؟أنا لا أجيد الرقص و ..
كلمها صديقه بلغتها المجهولة ,و لا تزال بهية الجمال تنظر بعينيين و قحتين الى ذاك الفتى المقتول على نطع الجمال والدهشة.
تجيبه و قد أرفقت حديثها بابتسامة خجولة , و رمش أطلق جعبة من العتاب والحيرة.
- إنها تقول :لا عليك ! ستعلمك هي الرقص، يجب أن لا ترد دعوتها هيا... قم.!!!
- ولكن.. أنا. كيف. لما....؟
أمسكت بيديهاالحريريتين يده ,و سحبته حول ذاك القرص العجيب ,متوسدة استغرابه و ذهوله و غروره الدفين...
سبعة أعوام مرت ,وما زال ذاك الفتى الذي اكتمل رسم شاربيه على سدة شفتيه ,يراقص خيال تلك الملاك الشقراء ,ينظر إليها و قد ملأت الساحة صخباً و جمالاً.
وهوما يزال ينتصب على تلك الأريكة الخشبية الخضراء ,و بعيونه ذات اللون نفسه, يراقب بصمت ضوضاء الراقصين, و يجيب على أسئلة القادمين الجدد بلا حرج ,و لا ملل, بل بمتعة و فخر
ويرقب بين الجموع متسائلاً: هل سيعود مرة أخرى طيف تلك النسمه البيضاء, لتدعوه إلى الرقص...؟

محمد عبد المجيد الصاوي
26-08-2013, 12:33 AM
" ويرقب بين الجموع متسائلاً: هل سيعود مرة أخرى طيف تلك النسمه البيضاء, لتدعوه إلى الرقص...؟ "
ومن منا لا يرقب في أحلامه يقظة ومناما ذات الفتنة كي تراقص فؤاده وجنبات الروح

رحلة أخذتنا إليها أخي الحبيب بين السحر والجمال : حكاية ولغة ..
أجد رمزية ما تختفي خلف ما سردته .. علني في قراءة أكثر اقترابا من النص أستطيع أن أمسك بها ..

بوركت شاعرا وقاصا

ومودتي وعظيم تقديري ..

عبد السلام دغمش
26-08-2013, 11:19 AM
أخي الأستاذ بشار
نصٌّ شائق ولغة رشيقة أخذتنا حتى النهاية..
رأيت في تلك الفتاة التي راقصت ذلك الفتى رمزاً لدنيا وحياة الشباب ..يحن إليها من تخطوها..ويسردون ذكرياتها بعد سنين..
دمتَ بخير أديبنا الفاضل.

براءة الجودي
26-08-2013, 05:17 PM
أسلوبك فائق الروعة ووصف مبهر حقا أستاذ بشار لعلي أول مرة أتشرف لقراءة قصة لك وليتك تُكثر , فحقا مبدع في كل شئ حفظك الله
ولعلني أوافق أخي الفاضل عبدالسلام في قراءته وفهمه لبعض رموز القصة
لي عودة لقراءة القصة عدة مرات فلربما نخرج بقراءاة أخرى أو نفهم بشكل أعمق
ودي وتقديري

كاملة بدارنه
27-08-2013, 09:08 PM
سرد شائق ونهاية فيها أمل وانتظار لتحقيق ما طال انتظاره
بوركت
تقديري وتحيّتي

بشار عبد الهادي العاني
28-08-2013, 08:27 PM
" ويرقب بين الجموع متسائلاً: هل سيعود مرة أخرى طيف تلك النسمه البيضاء, لتدعوه إلى الرقص...؟ "
ومن منا لا يرقب في أحلامه يقظة ومناما ذات الفتنة كي تراقص فؤاده وجنبات الروح

رحلة أخذتنا إليها أخي الحبيب بين السحر والجمال : حكاية ولغة ..
أجد رمزية ما تختفي خلف ما سردته .. علني في قراءة أكثر اقترابا من النص أستطيع أن أمسك بها ..

بوركت شاعرا وقاصا

ومودتي وعظيم تقديري ..

بل الشكر الجزيل لكم ,أستاذي المبدع (أبو عبد المجيد) لتشجيعكم الدائم وملاحظاتكم السديدة , فضل لا ينكر
لكم محبتي وتقديري.

بشار عبد الهادي العاني
28-08-2013, 08:30 PM
أخي الأستاذ بشار
نصٌّ شائق ولغة رشيقة أخذتنا حتى النهاية..
رأيت في تلك الفتاة التي راقصت ذلك الفتى رمزاً لدنيا وحياة الشباب ..يحن إليها من تخطوها..ويسردون ذكرياتها بعد سنين..
دمتَ بخير أديبنا الفاضل.

أحسنت أيها الأستاذ الفاضل , والله لم تكن تلك الفتاة , إلا الشباب والفتوة , الذي ينساب من كفينا , كما ينساب الماء القراح. وضفائرها هي ذكريات الماضي وجماله.
لكم شكري وتقديري , على جمال المرور.

بشار عبد الهادي العاني
28-08-2013, 08:31 PM
أسلوبك فائق الروعة ووصف مبهر حقا أستاذ بشار لعلي أول مرة أتشرف لقراءة قصة لك وليتك تُكثر , فحقا مبدع في كل شئ حفظك الله
ولعلني أوافق أخي الفاضل عبدالسلام في قراءته وفهمه لبعض رموز القصة
لي عودة لقراءة القصة عدة مرات فلربما نخرج بقراءاة أخرى أو نفهم بشكل أعمق
ودي وتقديري

بوركت يا أخية , وأحسنت , لكم جزيل الشكر على جميل مروركم.
تحيتي وتقديري.

بشار عبد الهادي العاني
30-08-2013, 01:59 AM
سرد شائق ونهاية فيها أمل وانتظار لتحقيق ما طال انتظاره
بوركت
تقديري وتحيّتي

لكم جزيل الشكر على مروركم أستاذتي الفاضلة
لكم كل تحية وتقدير.

ربيحة الرفاعي
01-09-2013, 10:43 PM
نص شائق الفكرة والسرد
وأداء طيب سننتظر معه هطولك القصّي التالي

دمت مبدعا

تحاياي

بشار عبد الهادي العاني
20-09-2013, 12:28 AM
نص شائق الفكرة والسرد
وأداء طيب سننتظر معه هطولك القصّي التالي

دمت مبدعا

تحاياي
لكم جزيل الشكر على مروركم الجميل , وبحول الله ستتوالى القصص , طالما أعجبتكم.
لكم كل تحية وتقدير.

ناديه محمد الجابي
20-09-2013, 06:08 PM
تصوير دقيق للشاب الغريب عندما يزور بلدا أجنبيا فيقف مبهورا بكل ما يدور حوله
وخاصة إذا كان كما وصفت ( وجهه المفعم بتراسيم الخجل والبراءة والطهر)
وقد أكملت وصفه( شاربان لم تكمل ملامحهما) ـ فهو مازال فتى صغيرقليل
الخبرة والتجربة . ثم تلك المقابلة بين خجله وبراءته وبين ثبات وشجاعة تلك
الفتاة التي تقدمت منه وهى تنظر إليه ( بعينين وقحتين ) .
ثم يتحول ذلك الغر بعد سنوات سبع إلى خبير يجيب أسئلة القادمين الجدد بلا حرج أو ملل.

قصة أولى أقرأها لك أيها الصدديق توفرت فيها عوامل البناء القصصي المتماسك
والبساطة والوضوح في الأسلوب ـ وتألق في الصياغة والحبكة الفنية وسرد بديع
تحياتي وودي.

نداء غريب صبري
12-10-2013, 06:34 AM
الأمل الذي ختمت به القصة يجعلها أكثر إيجابية
والسرد ممتع
والقصة رائعة

شكرا لك أخي

بوركت

بهجت عبدالغني
16-11-2013, 05:06 PM
قراءة في قصة
( نافورة الذكريات )
للشاعر المبدع بشار البدوي العاني

https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?p=878928#post878928


تحاياي

خلود محمد جمعة
20-11-2013, 12:12 AM
همست ذكرياتك بتدفق تلك النافورة
سرد وفكرة ومضمون في منتهى الروعة
دمت بخير
مودتي وتقديري

عبدالإله الزّاكي
17-05-2014, 11:52 AM
سبعة أعوام مرت ,وما زال ذاك الفتى الذي اكتمل رسم شاربيه على سدة شفتيه ,يراقص خيال تلك الملاك الشقراء ,ينظر إليها و قد ملأت الساحة صخباً و جمالاً.
وهوما يزال ينتصب على تلك الأريكة الخشبية الخضراء ,و بعيونه ذات اللون نفسه, يراقب بصمت ضوضاء الراقصين, و يجيب على أسئلة القادمين الجدد بلا حرج ,و لا ملل, بل بمتعة و فخر
ويرقب بين الجموع متسائلاً: هل سيعود مرة أخرى طيف تلك النسمه البيضاء, لتدعوه إلى الرقص...؟


قصة رائعة معنى و مبنى شاعرنا الكبير و أستاذي القدير عبدالهادي العاني، غير أنه ما أفسد قيمتها -في نظري المتواضع- السبعة أعوام ؟! فلو جعلتها 20 سنة لكانت أبلغ في الحكمة. ذلك أن سبع سنين لا تغير كثيرا في سن الشباب.

أما الربط بين النافورة و الذكريات و توظيفهما كان نجاحا باهرا.

تحاياي و تقديري و ودي الخالص.

لانا عبد الستار
11-07-2014, 02:00 AM
هل هي نافورة الذكريات أم نافورة الأحلام التي نخوض الحياة بها لنجدها بعد سنوات من العمر مجرد ذكريات لأحلام!

قصة جميلة وأسلوب رمزي أعجبني وأخضعني لتحليله

أشكرك