المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ابن قلبك



د. سمير العمري
03-08-2013, 05:42 PM
ابنُ قلبكَ
https://www.rabitat-alwaha.net/waha/meanddad.jpg

نَعَى الزَّمَانُ مَعِينَ الطُّهْرِ حِينَ نُعِي=وَغَابَ عَنْهُ الأَسَى السَّاجِي فَكَانَ مَعِي
وَدَّعْتَ يَا أَبَتِ الدُّنْيَا وَوَدَّعَنِي=بِوَجْدِ مَوْتِكَ مَا فِي العَينِ مِنْ هَمَعِ
ذَرَفْتُ دَمْعَ فِرَاقٍ غَيرَ مُنْسكِبٍ=وَذُبْتُ حَتَّى كَأَنَّ القَلْبَ فِـي نَزَعِ
يَا لِلمَشَاعِرِ كَمْ تَأْسَى لِغُرْبَتِهَا=وَكَمْ يَفُتُّ شَفِيفُ الحُزْنِ فِي الضَّلَعِ
هَلْ غَابَ عَنِّي السَّنَا المُمْتَدَّ فِي أُفُقِي=وَأَسْبَلَ المَوتُ جَفْنَ الصَّادِقِ الوَرِعِ؟
وَهَلْ طَوَتْ صَفْحَةُ الأَيَّامِ مَنْ فَتَحَـتْ=لَهُ القُلُوبُ طُرُوسَ الحُـبِّ وَالتَّبَـعِ؟
بِالأَمْسِ كُنَّا وَصَحْنُ العَيشِ يَجْمَعُنَا=وَاليَومَ بِتْنَـا بِجَمْعٍ غَيرِ مُجْتَمِـعِ
مَا زِلْتُ أَذْكُرُ نُورَ الوَجْـهِ مُبْتَسِمًـا=يُرَدِّدُ الذِّكْرَ وَالتَّرْحِيـبَ فِي ضَوَعِ
وَيَصْطَفِي مِنْ لَذِيذِ القُرْبِ مُبْتَهِجًا=دُعَابَةً مِنْ حَنَانٍ غَيرِ مُنْصَدعِ
آنَستُ فِيهِ الرِّضَا حبًّا يَطِيبُ بِهِ=فَحَطَّ قَلْبِي عَلَـى كَفَّيـهِ لَـمْ يُرَعِ
قَدْ كَانَ يَتلُو كِتَابَ اللهِ مُعْتَكِفًا=وَكَانَ يَسمُو عَنِ الفَحشَاءِ والطَّبَعِ
وَكَانَ آخِرَ مَنْ يُدْعَى إِلَى هَرَج=وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ يَسعَى إِلَى الجُمَعِ
أَبَا سَمِيرٍ سَقَـاكَ اللهُ كَـوْثَـرَهُ=مَع الحَبِيبِ تَذُوقُ الأَمْنَ فِي الجُرَعِ
طُوبَى لِرُوحِكَ عَافَتْ دَارَ مَخْمَصَةٍ=لِدَارِ خُلْدٍ مَعِ الأَبْرَارِ فِـي النُّجَعِ
نَادَاكَ رَبُّكَ لِلرُّضْوَانِ فَانْتَقَلَتْ=فِي عَشْرِ عِتْقٍ بِشَوْقٍ غَيرَ مُمْتَنِعِ
وَأَرْهَقَتْكَ سِنِينُ العُمْرِ مُصْطَبِرًا=فَارْتَحْ بِرَوضَةِ هَذَا اللَحْدِ وَاضْطَجِعِ
بُشْرَى رَأَيتُـكَ فِيهَا أَهْلَ جَنَّـتِـهِ=وَأَنْتَ أَهْلُ دُعَاءِ السَّاجِـدِ الضَّـرِعِ
أَنَا ابْنُ قَلْبِكَ لَمْ تُنْجِبْـهُ مِـنْ رَفَـثٍ=وَإِنَّمَـا مِـنْ لِقَـاءِ البِرِّ بِالـوَلَـعِ
لَـولا يَقِينِـي بِحَقِّ اللهِ قَدَّرَهُ=عَلَى العِبَادِ لأَسْقَانِي الـرَّدَى فَزَعِي
لَو يَسْتَرِدُّكَ دَمْعُ العَيـنِ يَـا أَبَتِـي=لَكُنْتُ جُدْتُ بِدَمْـعٍ غَيـرِ مُنْقَطِـعِ
لَكِنَّهَـا سُنَّـةُ الأَيَّـامِ نَجْـرَعُ مِـنْ=كَأْسِ المَنُونِ شَرَابًا غَيـرَ مُجْتَـرَعِ
وَلَـو يُعَمَّـرُ فِيهَـا خَالِـدًا بَشَرٌ=لَكَانَ أَحْمَدَ خَيـرَ الخَلْـقِ وَالشِّيَـعِ
لا كُنْتِ يَا نَفْسُ إِنْ أَوْرَدْتِنِي تَلَفًـا=إِيَّـاكِ أَنْ تُوقِعِـي إِيَّـاكِ أَنْ تَقَعِـي
وَلا تَكُونِي مِن الأَنْعَامِ مَطْلَبُهَا=طِيْبُ التَّقَلُّبِ بَيـنَ الـرِّيِّ وَالشِّبَـعِ
أَوْ مَنْ تَبِيعُ لأَدْنَى الأَمْرِ نَزْعَتَهَا=وَإِنْ دَعَاهُا عَظِيمُ الأَمْرِ لَمْ تَبِعِ
يَا نَفْسُ لا تَطْلُبِي الدُّنْيَا وَإِنْ ضَحكَتْ=وَقَدْ أَمَاطَ الرَّدَى عَنْ وَجْهِهَا البَشِـعِ
شَمْطَاءَ رَقْطَاءَ لا تُبْقِي عَلَـى أَمَلٍ=تُخَاتِلُ العُمْرَ بَيـنَ اليَأْسِ وَالطَّمَعِ
كَأَنَّهَا الكَوْكَبُ الـدُّرِّيُّ زُخْرُفُهَـا=وَالنَّاسُ مَا بَيـنَ خَـدَّاعٍ وَمُنْخَـدِعِ
فَيَا بْنَ هَـدْيِ رَسُـولِ اللهِ مُحْتَسِبًـا=أَحْسِنْ عَزَاكَ فَخَيرُ الصَّبْرِ فِي الجَزَعِ
وَالمَوْتُ خَيرُ لِسَـانٍ قَـالَ مَوْعِظَـةً=مَهْمَا أَذَاقَكَ مِنْ سَفْعٍ وَمِـنْ سَلَـعِ
لَنْ تَسْتَقِيمَ لَـكَ الدُّنْيَـا عَلَى دَعَةٍ=وَلا عَلَى عدْوَةِ البَلْـوَى فَخُـذْ وَدَعِ
وَابْذلْ نَدَاكَ إِلَى غَايَاتِ ذِي شَـرَفٍ=تَرْجُو العَظِيمَ وَإِنْ زَلَّ الهَوَى فَـزَعِ
وَاقْطَعْ رَجَاكَ سوَى مَا كَـانَ هِمَّتُـهُ=لِرُتْبَةِ العِزِّ فِـي الدَّارَينِ وَارْتَفِعِ
وَانْظُرْ لأَمْرِكَ دَهْرًا وَالْتَزِمْ سُبُلًا=فَالحُـرُّ يُنْظُرُ فِي مَا يَدَّعِي وَيَعِي
وَاصْبِرْ عَلَى جَفْوَةِ الأَحْبَابِ مَعْـذِرَةً=فَلَيسَ تُقلَعُ عَينُ الرَّأْسِ مِـنْ وَجَعِ
إِلامَ تَصْـدِفُ عَـنْ زَادٍ لآخِرَةٍ=وَتَصْرِفُ العَيشَ بَينَ البُّخْلِ وَالجَشَعِ
وَتَسْحَقُ العَزْمَ فِي أَسْبَـابِ شِقْوَتِـهِ=وَتَلْحَقُ الوَهْمَ فِي جَرْفٍ مِـنَ البِدَعِ
هِيَ الحَيَاةُ إِلَى الأَكْفَانِ تَصْرِفُنَا=وَفِي السَّرَابِ يَخُوضُ العُمْرُ وَالمُتَعِ
فَمَا غَدٍ يَرْتَجِـي الإِنْسَـانُ يُدْرِكُـهُ=حَتْمًا وَمَا يَرْجعُ المَفْقُودُ بِالهَلَعِ
فَأَطْلِقِ اليَوْمَ مِنْ ضِيقِ الدُّنَا جَسَـدًا=وَأَعْتِقِ الرُّوحَ فِي دَيمُومَـةِ الوَسَـعِ