المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عوَّاد...



سليم يلل
28-08-2013, 09:24 PM
عوَّاد شاب لا يشبهه شاب , هكذا أوهمته نفسه وهكذا أوهمه الجميع , عوَّاد له من الثراء ما يكفيه لشراء عميد الشرطة إذا ما سار بسرعة جنونية ويكفيه لشراء عميد الجامعة إذا رسب في شعبته القانونية
عوَّاد يعشق السواد , سيارة الهامر , حذاءه الإيطالي وبدلته المتعددة الجنسيات , نظارته الواسعة وهاتفه الفاخر كلها وكل أشيائه مغلفة بالسواد حتى قلبه حالك دامس إلا عطره الباريسي عندما سلم لونه من السواد لم تسلم رائحته من ذلك

الكل يهذي باسم عوَّاد...عوَّاد نام , عوَّاد قام , عوَّاد وصل , عوَّاد دخل , عوَّاد عطس , عوَّاد تنَفَّس , عواد...! عواد..! عواد...!

يُسمع صوت ركن سيارته فتنقر الجارة ابنتها للخروج لعلَّها تلفت نظره , السندريلا انخلع عن قدمها الحذاء وسندريلات عواد انخلع عنهن الحياء , يمشين معه موكبا مهولا في الجامعة , يحطن به , يدللنه لعلهن يحظين بالتفاتة منه أو بعض الوريقات , رغم إدراكهن بمرور الوقت أنه رغم الثراء الفاحش فبخله بدرجة حزام أسود ولكنهن يلازلمنه بلا ملل , إلا تلك...


يتبع....

سليم يلل
29-08-2013, 07:00 PM
إلا تلك البسيطة في ملبسها والجميلة بزبرجد أخلاقها , تتخير دائما مكانا بعيدا عن ذاك السواد , تطالع كتابها بتمعن يزيد في مجلسها هيبة ونورانية

كم حاول عواد أن يلفت نظر "سامية" ولم يستطع وكم حاول أن يقتحم هدوءها ولم يجرؤ ...عوَّاد يتعجب من نفسه كيف ان تلك الجميلة وحدها من تحطم غروره وتطحن حبوره , كيف لذلك الطيف الوقور لا يخشى عوَّاد إذا ينفذ صبره ويثور

ذات صباح مطرز بالانشراح كانت تقرأ كتابها مثل المعتاد , إلى أن وقف عند رأسها شابا كأنه ليس عوَّاد , سألها بانكسار أي كلمات يمكن أن تحويها هذي الأوراق لتقاومي بريق الأوراق

فأجابته فيها ما لا تجده في الأسواق وما لا تشتريه الأوراق , فيها تضاريس للحياة وأعماق وفيها نباريس للحق وأخلاق

سألها مجددا هل فيها شيء عن الحب والزواج

فأجابت فيها قبلهما عن القوامة والرجولة
مهري غالي يا عواد فلا تحاول رجاءً

يرخص كل شيء لأجلك "سامية" ويهون

أطرح عليك مسألة وإذا نجحت فيها أفكر في عرضك

فقال بلهفة أجيب إن شاء الله

فقالت.....

ناديه محمد الجابي
29-08-2013, 07:37 PM
استهوتني قصتك وأثرت اهتمامنا بسردك الشائق وتصويرك الدقيق
ورسمك لشخصية بطلك (عواد) المكلل بالسواد من الداخل والخارج
لتنقلنا إلى (سامية) الأسم والمعنى .
سنتابع أحداث قصتك بشغف واهتمام, وسنكون للبقية على انتظار
تحياتي وتقديري.

سليم يلل
30-08-2013, 12:08 AM
استهوتني قصتك وأثرت اهتمامنا بسردك الشائق وتصويرك الدقيق
ورسمك لشخصية بطلك (عواد) المكلل بالسواد من الداخل والخارج
لتنقلنا إلى (سامية) الأسم والمعنى .
سنتابع أحداث قصتك بشغف واهتمام, وسنكون للبقية على انتظار
تحياتي وتقديري.

كوني في المتابعة رجاء
فالشخصيات ستتعدد والقصة ستتشعب
سعيد لشهادتك الكبيرة
أعلقها في صدري بكل فخر
بوركت

كاملة بدارنه
31-08-2013, 06:08 PM
قصّة تطرح قضيّة اجتماعيّة هامّة
أرى فيها النّفَس السّردي الرّوائي
سنتابعها...
بوركت
تقديري وتحيّتي

سليم يلل
01-09-2013, 11:07 PM
فقالت ماذا لو كنت بسيارتك في عمق الصحراء وضللت وقايضوا سيارتك وحقيبة أموالك بقارورة ماء تكفي لوضوء واحد أو شرْبات ترفع عنك العطش لبعض يوم فما أنت فاعل؟؟

قال أقايض

فقالت أتتوضأ أم تشرب ؟؟

فقال أشرب وأتيمم !

أغلقت كتابها وأشاحت بوجهها غاضبة من هذا الهروب والتحايل

فقال أتوضأ وأصلي ركعتين صدقيني

قالت في كلتا الحالتين هو مُلك لا يزيد في عمرك ولا ينقص ولا ينقذك في الدنيا فكيف بالآخرة
فكيف إن كان هذا الملك لأبيك يا عوَّاد

أنـْبضَ عوَّاد وتحرَّك نسيم بعقله اللحظة.. أنْ هذه هي فلسفة الأسوياء ومنطق الأقوياء

غادرت "سامية" وتركت وراءها جذع نخلة يابسة كأنْ بدأت تدب فيه الحياة من جديد , كأنْ نقطة ضوء بدأت تتوسع في سويداء القلب

مر يوم ويومين كأنَّ شيئا كبيرا بدأ يتغيَّر , والكل بدأ يلاحظَ ذلك

في لحظة انعطاف عريضة بدأت ترتسم في أفق عوَّاد مشاريع جديدة عناوينها فعل الخير , التواضع , المعاملة بالحسنى وكل الصفات التي غطتها الردوم

كان عوَّاد عائدا بالهامر وفي طريقه لمح في تلك المنطقة المنعزلة شابة رقيقة نحيفة بملابس أنيقة خفيفة تحاول بالرافعة اليدوية رفع سيارتها لإصلاح عجلتها المعطوبة , تجاوزها عوَّاد غير مبالٍ إلى إن احتدم صراع الظلام القديم مع النور الجديد حتى وجد نفسه يتوقف ثم يعود إلى الخلف ليمد أيادي العون

كان عواد يستقيم وينحني , يضرب برجليه تارة وبيديه تارة أخرى , كان سعيدا وهو يرى نفسه يقدم مجهودا عضليا لأول مرة في حياته فلطالما كان يستعبد الميكانيكيين , كان سعيدا حتى وهو يرى ثيابه المتعددة الجنسيات تتسخ وفي تلك اللحظة وفي تلك التأملات....

سليم يلل
02-09-2013, 09:59 PM
لمح عوَّاد خيالا يقترب فزال عن مكانه تفاديا لضربة عصا كادت تشتت رأسه , تعارك معهما فغدره أحدهما بطعنة خنجر في الكتف وأخرى في الفخذ ثم ضربة بالعصا على قفاه أردته مغميا عليه , أخذوا مفاتيح سيارته وهموا بالفرار ولكن الفتاة الأنيقة الرقيقة لم تكن إلا قائدة العصابة وعلى غير العادة رقَّ قلبها وأمرت مساعديْها بحمل عوَّاد معهم ليرموه في مكان آمن , في الطريق فتشت "مليكة" معطف ضحيتها فوجدت دفتر شيكاته وبطاقة هويته ففتحتها ويا ليتها ما فتحتها لتصاب بارتباك عظيم حين قرأت "عوَّاد قماقم" , أجل العصابات وقطاع الطرق يدركون من هو "قماقم" , إنه أكبر مستورد للسيارات ومالك سلسلة أشهر الفنادق والمطاعم في المنطقة , بالأحرى هو أكبر مبيض للأموال الناتجة عن تهريب المخدرات والأسلحة , أي خطأ فادح ارتكبته "مليكة" بالتجرء على "عوَّاد" ابن أكبر بارون مخدرات
غيرت العصابة وجهتها ومحتوم التخلص من عوَّاد بأي طريقة , عرَّجوا به إلى الجبل ثم جردوه من كل شيء ورموه ينزف بدمائه في إحدى الشُّعَب

سليم يلل
03-09-2013, 09:39 PM
تعاقب ليل ونهار وأنهك عائلة عوَّاد الانتظار, وما عرفوا أهي عادات عوَّاد في الرحلات والأسفار, لمختلف الأقطار والأمصار , أم هي حالة انتحار , ليلتهب في البلد كلها الاستنفار , في مخافر الشرطة استجواب واستفسار , في الجرائد بالبند العريض "اختفاء غامض لابن أكبر التجَّار" وفي التلفزيون "نشرات وأخبار " كأن البلد ضربها حصار أو إعصار
في تلك اللحظات العصيبة تم مداهمة الحي الذي يسكن فيه عواد حتى الأسواق , المقاهي والمطاعم التي يرتادها عوَّاد وكل مكان له علاقة بطيف عوَّاد , ومن الجامعة كانت الضحية الجميلة الهادئة "سامية" فكل الألسنة همست "سامية"
" وكل الأصابع وشت بسامية على أنها آخر من عكَّر صفو عوَّاد , فكان على سامية المسكينة أن تتحمل بلاء لا ذنب لها فيه وتصبر على زنزانة موحشة كما صبر سيدنا يوسف عليه السلام ريثما يظهر عوَّاد ليعلن للجميع براءتها من دم عوَّاد كما تبرأ الذئب من دم يوسف لسيدنا يعقوب.

آمال المصري
05-09-2013, 12:13 AM
جميلة شائقة وسردية ماتعة بلغة أنيقة وأسلوب أكرمه أجبرني على المتابعة
واختيار موفق للشخوص بأسماء تحمل معانٍ ستكشف باقي القصة عنها النقاب
سأكون هنا حتى التتمة
بوركت

محمد ذيب سليمان
05-09-2013, 04:24 PM
نص رائع حمل بين حروفه الكثير الكثير مما يجب الإنتاه اليه
ولها دلالات كبيرة كثيرة
ورغم النهاية .. الا ان الحق اولى ان يتبع
مودتي لقلبك

سليم يلل
05-09-2013, 07:49 PM
عندما فتح عوَّاد عينيه وجد خِرقا تغطي جراحه ورائحة الأعشاب البرية الطبية تتمازج مع رائحة العرق التي تتصبب من كامل جسده

نظر مطولا إلى السقف الخشبي البالي وإلى الجدران التي تنمو بين بعض حجاراتها بعض الحشائش , وإلى فراشه وغطائه البسيطين من جلود أغنام وما أنتجته أيادي النسوة , وفي تلك الجولة الخاطفة بعينيه لمح من شبه نافذة شابة طويلة قوية تعارك أكوام تبن بمذراتها وتصرخ بأعلى صوتها على بقراتها.



سأل عواد نفسه لماذا هو هنا ولماذا هذي الجراح الغائرات حتى تذكر تلك الطعنات الغادرات , لم يدم القلق طويلا حتى دخل "عمي رابح" الفلاح الفقير بزيه العروبي وعمامته الصفراء ليبادره "حمدا لله على سلامتك يا ولدي" فالطعنات جانبت الموت



ما الذي حدث يا عماه



وجدتك في دمائك في إحدى الشعب فنقلتك بحماري إلى بيتي



وما هذي الخرق؟؟



الطريق وعرة والمستشفى بعيد جدا وعمك فقير الجيب غني الحيلة فلا أفضل لجراحك من تلك الأعشاب المباركات

قل يا ولدي , أين عائلتك لنتصل بها؟؟



لالا يا عمَّاه فأنا وحيد وفقير , فهل يمكنني قضاء بعض وقت عندكم ريثما أشفى



البيت بيتك يا ولدي وسأقوم على رعايتك أنا وابنتي "سهام" فزوجتي رحمها الله توفت منذ عام



مرت الأيام بطيئة على عوَّاد في بداياتها حتى بدأ يعتاد حياة البادية القاسية , كان يتذكَّر في البداية إقاماته في فنادق "أجنة عدن" بالسيشل و"فينيسا" بإيطاليا , تذكَّر زياراته لقصور اسبانيا وشواطئ هاواي وجامايكا ومغامراته في أوروبا , الصين والهند بتقاليدها وعاداتها تذكَّر كل قُطر من الطرف إلى الطرف الآخر , تذكَّر الترف والترف الفاخر , تذكر كل أصناف الدلال من أفرشة ومأكولات حتى يعتاد على الكسرة واللبن وبعض ما تجود به تلك الأراضي وسواعد الطيبين



مرت الأسابيع سريعة وتعافى عوَّاد ولكن لم يشفَ من سؤال ملح , ما سر سعادة هؤلاء البسطاء؟؟ , ما سر تلك البسمات الناطقات؟؟

قرَّر عوَّاد أن يثبت الجواب الذي يدور بداخله , سأثبت أنها الأرض والهواء العليل وشمس لا تحجبها العمارات الشاهقات

انتقل عوَّاد من طرح الأسئلة إلى الاحتكاك بعمي رابح وسهام لتطويع قبضتيه بالسنابل والمناجل ومناجاة الشياه والجداول ونقش الأرض بالمعاول



كان يتعلم من سهام دروسا في الصبر والمقاومة والعطاء , دروسا في الإخلاص والثبات والوفاء



خصلات شعر سهام التي تتمايل مع النسيم كأنها سنابل ذهبية كان عواد لا يكاد يميز منها أعواد التبن العالقة فيها , الوشوم السوداء التي يخلفها رماد المواقد لا تحجب ضياء وجه سهام ولا يطفئ اتقاده مع كل إطلالة شمس أو بزوغ نجم , قساوة اليوميات وضراوة الحياة فاتك شرس بشباب أي فتاة و لكن سهام زادتها بهاء على صفاء كما زهرة برية نادرة الجمال تصارع بين صخور تجثم على صدر جبل.



عوَّاد وهو يفكر فيها كان يَسْعد أيضا وهو يأكل من عرق جبينه ومن جميل صُنْع يمينه



كان يُسكت عمي رابح حينما يدعوه لعدم إجهاد نفسه بأنه لم يفِ حق الكراء فكيف بالدواء ويضحك عوَّاد جدا




ضحكة عوَّاد الفلاح والمزارع البسيط نادرة في عالم الضحكات , ضحكة بريئة تقتحم القلوب وتخترق .



عرف عوَّاد الفرق الكبير بين "العوَّاديْن"



عوَّاد ذو المال الكثير , لا يلبس ولا يجلس إلا على وثير ولا يأكل ولا يشرب إلا من أكواب وقوارير , ولا ينام إلى على مخدة من ريش النعام على أفخم سرير




وبين عوَّاد الفلاح الفقير , قيلولته تحت الشجر والعشب النضير كأنه حصير , من خير الأرض طعام له أو عصير , مشربه من ساقية لها خرير , و مركبه ظهور البغال والحمير




اكتشف كم كان مقيدا وكم صار حرا



عوَّاد اكتشف أيضا الفرق بين النساء "كل اللواتي أحطن به , سامية ,مليكة وسهام"


في تلك الليلة الكبيرة وبعد الألفة وصناعة الشخصية الجديدة والجديرة بالاحترام , قرَّر...

نداء غريب صبري
26-09-2013, 02:55 AM
هل انتهت قصة عواد هنا؟
زادتني النهاية تشوقا لقراءة القادم

شكرا لك أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
26-09-2013, 09:25 AM
متابعين لك مستمتعين
ولبقية القصة رابضين منتظرين
سلمت يداك .. ولك تحياتي.

ربيحة الرفاعي
04-12-2015, 11:04 PM
قص هادف بنفس روائي ومهارات سردية واضحة بدأت منذ اختيار أسماء الشخوص ورسم ملامحها عبر الحوار وما يحمل الحدث من دلالات
وأداء طيب كان لقليل من التكثيف أن يجعله رائعا

الخاتمة جاءت مباشرة اللغة والتعبير بشكل كبير
ولا ينتقص هذا من جمال ما قرأنا هنا

دمت بخير

تحاياي