المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القريب البعيد .. رحلة الغربة



فريد البيدق
13-09-2013, 02:46 PM
القريب البعيد .. رحلة الغربة مع قلم الأديبة مريم الضاني
(1)
ما أقسى شيء؟
إنه أن يأتيك الألم ممن يتوقع منه السعادة؛ فلا تملك البوح ولا الشكوى، وتظل مقهورا بمفاجأة المصدر وعدم القدرة على البوح حتى يحدث الانفجار.
وقبل الانفجار تحدث الغربة النفسية التي تجعل الشخص شخصين أو أكثر، يعيش زمنين: زمن العالم من حوله، وزمن شعوره اليائس المحبط.
فإذا أردنا تصوير هذا المعنى قصصا أدبية فما زاوية الحكي والسرد؟
إنها زاوية المتكلم.
لماذا؟
لأنها أضيق الزوايا رؤية ومساحة.
كيف؟
إنها لا تعلم عن الخارج إلا السطح، ولا يهمها الغوص في الخارج؛ لانشغالها بالغوص في ألمها لعلها تُحدث توافقا نفسيا بتلمس العذر للذات فيما تعانيه وتضخيمه خحتى تسوغ لنفسها الانفجار الذي يعيد لها بعض اتزانها بانتقامها ممن أحدث بها هذا القهر النفسي الخفي.
(2)
وهذا ما يميز الأديبة مريم الضاني في مجموعتها الجديدة.
كيف؟
إن نغْمتها هي نغمة القهر المؤدي إلى الغربة النفسية وعدم البوح إلا البوح الداخلي؛ لذا اختارات لها وجهة نظر المتكلم الذي تملأ ذاته لحظته فلا يهمه من الآخر القاهر إلا رد قهره مهما كان الآخر.
كيف؟
قد يكون الآخر أختا كما في قصة "ثمن"، وقد يكون رفيقة درب وصاحبة حياة كما في قصة "لحظة بوح"، وقد يكون أما كما في قصة "خادم"، وقد يكون حلم حياة كما في قصة "وظيفة سهلة"، وقد يكون زوجا كما في قصة "غبار"، وقد يكون خصلة ذميمة كما في قصة "حريق"، وقد يكون رجلا في وعد زواج لم يتم كما في قصة "لم يكن حلما"، وقد يكون خوف السلطة كما في قصة "خوف".
في ثماني القصص السابقة ظلت العلاقة علاقة عناد والسمة سمة تواز لا التقاء فيه، ولم ينكسر ذلك إلا في الاستثناء الوحيد المتمثل في قصة "قرار" التي صالح فيها الواقع الشخصية المقهورة فرضيت به ولم تستمر في محاولة مفارقته.
(3)
هكذا نجد ذلك النوع من الغربة هو السائد في هذه القصص القصيرة التي لم يزد أطولها عن 1512 كلمة.
ماذا يعني هذا؟
يعني الأزمة.
كيف؟
إن الأزمة تظهر واضحة في العناوين من وجهين.
ما هما؟
أولهما قصر العنوان فهو كلمة واحدة إلا في قصتين فقط هما "وظيفة سهلة، ولم يكن حلما"، وآخرهما مادة الكلمة.
كيف؟
تأمل العناوين الآتية " ثمن، وقرار، ولحظة بوح، وخادم، ووظيفة سهلة، وغبار، وحريق، وخوف، ولم يكن حلما".
ماذا يسترعي الاهتمام؟
إن أول ما يبدهك قارئا أنها كلها مشعرة بالمسئولية التي تعني نوعا من الحساب وإن كان عاجزا؛ فـ"ثمن" تحمل إليك نتيجة علاقة غير عادلة، و"وقرار" تُوقفك على مخاصمة الهزيمة، و"خادم" تُشعرك بغرابة العلاقة بين الابن الخادم والأم المخدومة، و"وظيفة سهلة" تنبئك نبأ ذلك المتعالي المنطوي، و"غبار" تُعلمك تراكم طبقات غير محبوبة على شيء محبوب فتطمسه، و"حريق" تجعلك تتمثل النار التي لا ترحم من يعترضها، و"خوف" تبرز ذلك الشعور الذي لا تخلو منه حياة لكنه عندما يصبح سمة الحياة فما أقساها من حياة، و"لم يكن حلما" ينقل إليك قسوة الواقع الصادم النازع.
وهكذا تتفاعل كلمات العناوين مع أحداث الموضوع لتجعلك تعيش مأساة تلك الشخصيات المغتربة ذلك النوع القاسي من الغربة.
كيف
(4)
يتبع

نداء غريب صبري
14-09-2013, 12:10 AM
ننتظر التتمة أخي
فلا تتأخر علينا بها

شكرا لك

بوركت

ربيحة الرفاعي
18-09-2013, 03:04 PM
ما أقسى شيء؟
إنه أن يأتيك الألم ممن يتوقع منه السعادة؛ فلا تملك البوح ولا الشكوى، وتظل مقهورا بمفاجأة المصدر وعدم القدرة على البوح حتى يحدث الانفجار.
وقبل الانفجار تحدث الغربة النفسية التي تجعل الشخص شخصين أو أكثر، يعيش زمنين: زمن العالم من حوله، وزمن شعوره اليائس المحبط.


إنها زاوية المتكلم.
إنها لا تعلم عن الخارج إلا السطح، ولا يهمها الغوص في الخارج؛ لانشغالها بالغوص في ألمها لعلها تُحدث توافقا نفسيا بتلمس العذر للذات فيما تعانيه وتضخيمه خحتى تسوغ لنفسها الانفجار الذي يعيد لها بعض اتزانها بانتقامها ممن أحدث بها هذا القهر النفسي الخفي.
(2)
إن نغْمتها هي نغمة القهر المؤدي إلى الغربة النفسية وعدم البوح إلا البوح الداخلي؛ لذا اختارات لها وجهة نظر المتكلم الذي تملأ ذاته لحظته فلا يهمه من الآخر القاهر إلا رد قهره مهما كان الآخر.

إن الأزمة تظهر واضحة في العناوين من وجهين.
أولهما قصر العنوان فهو كلمة واحدة إلا في قصتين فقط هما "وظيفة سهلة، ولم يكن حلما"، وآخرهما مادة الكلمة.

أثرت حماسنا بهذا التمعن في التفاصيل ابتداء من أدقها
وشوقتنا للاطلاع على تتمة القراءة والمجموعة القصّية أيضا

وبانتظار التتمة نبقى

تحاياي

سامية الحربي
20-09-2013, 03:29 PM
تسليط جميل و مشوق بانتظار التتمة.تحياتي وتقديري.

فريد البيدق
21-09-2013, 12:37 PM
بوركتن وأكرمتن، ودام حرفكن ودام!

فريد البيدق
21-09-2013, 12:38 PM
القريب البعيد .. رحلة الغربة مع مجموعة "حرباء" القصصية للأديبة مريم الضاني
(1)
ما أقسى شيء؟
إنه أن يأتيك الألم ممن يتوقع منه السعادة؛ فلا تملك البوح ولا الشكوى، وتظل مقهورا بمفاجأة المصدر وعدم القدرة على البوح حتى يحدث الانفجار.
وقبل الانفجار تحدث الغربة النفسية التي تجعل الشخص شخصين أو أكثر، يعيش زمنين: زمن العالم من حوله، وزمن شعوره اليائس المحبط.
فإذا أردنا تصوير هذا المعنى قصصا أدبية فما زاوية الحكي والسرد؟
إنها زاوية المتكلم.
لماذا؟
لأنها أضيق الزوايا رؤية ومساحة.
كيف؟
إنها لا تعلم عن الخارج إلا السطح، ولا يهمها الغوص في الخارج؛ لانشغالها بالغوص في ألمها لعلها تُحدث توافقا نفسيا بتلمس العذر للذات فيما تعانيه وتضخيمه حتى تسوغ لنفسها الانفجار الذي يعيد لها بعض اتزانها بانتقامها ممن أحدث بها هذا القهر النفسي الخفي.
فإن استخدمنا وجهة نظر الغائب فهل تبقى متسعة مطلعة على دقائق الجميع؟
لا.
كيف؟
في قصص الاغتراب عندما تستخدم وجهة نظر الغائب الذي يحكي عن البطل تضيق المساحة أيضا على الرغم من أن هذه هي أوسع وجهات النظر مساحة ومدى، فتنحصر في الوصف الشكلي الخارجي السطحي النمطي ولا تظهر شيئا من نفسيات الآخرين، بل تبقى نفسية الشخصية موارة بكل ما يعتمل في داخلها وحدها أو مع صفي واحد فقط قد يكون صديقا وقد يكون قريبا.
(2)
وهذا ما يميز الأديبة مريم الضاني في مجموعتها الجديدة "حرباء".
كيف؟
إن نغْمتها هي نغمة القهر المؤدي إلى الغربة النفسية وعدم البوح إلا البوح الداخلي الذي إن تحرك فإنه يتحرك مسافة واحدة فقط إلى صديق أو قريب في منتهى الأزمة؛ لذا اختارت لها وجهة نظر المتكلم الذي تملأ ذاته لحظته فلا يهمه من الآخر القاهر إلا رد قهره مهما كان الآخر. وعندما استخدمت وجهة نظر الغائب العالم بكل الأجواء حصرتها وما يعتمل فيها في أضيق مساحة ممكنة له.
كيف؟
قد يكون الآخر أختا كما في قصة "ثمن"، وقد يكون رفيقة درب وصاحبة حياة كما في قصة "لحظة بوح"، وقد يكون أما كما في قصة "خادم"، وقد يكون حلم حياة كما في قصة "وظيفة سهلة"، وقد يكون زوجا كما في قصة "غبار"، وقد يكون خصلة ذميمة كما في قصة "حريق"، وقد يكون رجلا في وعد زواج لم يتم كما في قصة "لم يكن حلما"، وقد يكون خوف السلطة كما في قصة "خوف".
وقد يكون زوجا ظاهره الحب والغرام وحقيقته وحشية التعامل كما في "حسناء"، وقد يكون أبا عاجزا وأما خائنة وخالا متهما كما في "المبرد"، وقد يكون رئيس بلد لا يريده مواطنوه كما في قصة "حرباء"، وقد يكون غياب الإسوة الجميلة لتي تبعث في النفس ألق الجمال كما في قصة "نوارة"، وقد يكون الاضطهاد السياسي والانتصار عليه بالموت كما في قصة "الحياة بعد الموت".
وعندما غيرت وجهة النظر لتصبح وجهة نظر العالم بكل الأجواء قلصت مساحة البوح وحصرتها في الشكلية كما سبق القول كما في قصص (حسناء، وحرباء، و"والحياة بعد الموت"، والمبرد).
(3)
في القصص الأربعة عشرة التي هي مادة مجموعتها الجديدة "حرباء" إضافة إلى أقاصيص قصيرة جدا- ظلت العلاقة علاقة عناد والسمة سمة تواز لا التقاء فيه إلا إن يكون الالتقاء التقاء موت وانهيار، ولم ينكسر ذلك إلا في الاستثناء الوحيد المتمثل في قصة "قرار" التي صالح فيها الواقع الشخصية المقهورة فرضيت به ولم تستمر في محاولة مفارقته.
هكذا نجد ذلك النوع من الغربة هو السائد في هذه القصص القصيرة التي لم يزد أطولها عن 1512 كلمة.
ماذا يعني هذا؟
يعني الأزمة.
كيف؟
إن الأزمة تظهر واضحة في العناوين من وجهين.
ما هما؟
أولهما قصر العنوان؛ فهو كلمة واحدة إلا في قصص ثلاث هما (وظيفة سهلة، و"ولم يكن حلما"، والحياة بعد الموت)، وآخرهما مادة الكلمة.
كيف؟
تأمل العناوين الآتية (ثمن، وقرار، ولحظة بوح، وخادم، و"وظيفة سهلة"، وغبار، وحريق، وخوف، و"ولم يكن حلما"، وحسناء، والمبرد، ونوارة، والحياة بعد الموت، وحرباء).
ماذا يسترعي الاهتمام؟
إن أول ما يبدهك قارئا أنها كلها مشعرة بالمسئولية التي تعني نوعا من الحساب وإن كان عاجزا؛ فـ"ثمن" تحمل إليك نتيجة علاقة غير عادلة، و"وقرار" تُوقفك على مخاصمة الهزيمة، و"خادم" تُشعرك بغرابة العلاقة بين الابن الخادم والأم المخدومة، و"وظيفة سهلة" تنبئك نبأ ذلك المتعالي المنطوي، و"غبار" تُعلمك تراكم طبقات غير محبوبة على شيء محبوب فتطمسه، و"حريق" تجعلك تتمثل النار التي لا ترحم من يعترضها، و"خوف" تبرز ذلك الشعور الذي لا تخلو منه حياة لكنه عندما يصبح سمة الحياة فما أقساها من حياة، و"لم يكن حلما" ينقل إليك قسوة الواقع الصادم النازع، و"حسناء" حيث تفاجأ بأن تلك الزوجة المحسودة من كل النساء المحيطات بها تدفع ثمن حسنها عزلة مفروضة تحاسب فيها على "30" دقيقة هي فرق الموعد الذي ضربه لها زوجها.
وفي "المبرد" تحمل الدلالة المعجمية البعد الاجتماعي النفسي لتلك الشخصية التي بَرَدَها ذلك السر الدفين الذي احتفظت به واستهلكها فحطمها نفسيا واجتماعيا ألا وهو سر خيانة أمها، وفي "حرباء" نجد تحول الشعب لتحول رئيسه فما بين البدء المفعم بأجواء الحياة والنهاية المليئة بالموت وخرابه نجد الغربة واضحة بين رئيس لم يوجد بينه وبين شعبه أية اتصالات، وفي "الحياة بعد الموت" نجد الشجاعة لا تظهر إلا بعد الموت في تلك الرواية التي ستنشر لكاتبها بعد موته كما طلب من صديقه، وفي"نوارة" تشيع أجواء الحب والأنس لكنها لا تستمر لغياب نوارة محدثته.
(4)
وهكذا تتفاعل كلمات العناوين مع أحداث الموضوع لتجعلك تعيش مأساة تلك الشخصيات المغتربة ذلك النوع القاسي من الغربة.
كيف؟
في "وظيفة سهلة" نجد من يظن نفسه جديرا بالفوز بجائزة نوبل في الفيزياء الذي لم تذكر القصة له اسما- غير موضوعي في تفكيره اليومي؛ فينظر من أعلى، فيرى عامل البريد شيئا لا أهمية له؛ لأن وظيفته ليس فيها إبداع كالبحث العلمي، فيأتي العقاب الدرامي إغلاقا لمكتب البريد لمرض الموظف، فلا يتمكن من إرسال بحثه، ومن ثم فلن يفوز بجائزة نوبل التي كان يتخيلها.
وفي "لم يكن حلما" نجد اليأس في تداخل الحلم والواقع عند المنفردة في حياتها بألمها من دون حلمها التي لا تحمل اسما بل تحمل هما جعل عندها الزمن لا تتحدد حلقاته إلا في الألم.
وفي "لحظة بوح" نعيش مع تلك الصاحبة التي تعد امتداد حياتها بعد صاحبتها اللدودة انتصارا يعادل ما كانت تمتاز به المتوفاة عنها في حياة صحبتهما من زوج محب وأولاد وعمل وإقبال دنيا.
وفي "قرار" نجد اسما على خلاف القصص السالفة، إن الشخصية لم تعد نمطا إنسانيا عاما بل صارت "حنان".
لماذا؟
أرى السبب في فعلها الذي آثر المريضات على نفسها، ولا يتخذ ذلك القرار على الرغم من الضيق المادي ووجود الدائنين إلا من يمتلك الحنان ليرى ما لا يظهر في المادة وخصائصها.
آثرت حنان رفقة المريضات حتى تصنع ابتسامة صغيرة، وتركت الهموم لربها!
وفي "غبار" نجد عدمية الاسم يعود من جديد إلى تلك الزوجة التي تمثل نمطا شائعا يغيب عنه اللحظات الشاعرية نتيجة غوصه في مسئوليات اليوم ولحظاته تجاه الأولاد والحياة؛ لذا سار الحط الدرامي موافقا الحياة الزوجية.
كيف؟
كان الحلم الجميل مفتتح القصة وجاء الختام في صخب الواقع المؤلم. وهكذا نجح البناء الفني في صنع ازدوجية دلالية تؤكد المرمى النهائي.
وفي "خادم" نجد الأم المتسلطة على الابن المطيع، وهذا نمط إنساني تقابله في كل مكان؛ فمن يطيع يتحمل كل الأعباء، ومن يثور ويتذمر تخفف عنه الأعباء. ظل هذا الخاد أقصد الابن يطيع حتى بلغ الأمر بأمه أن تطلبه صبيحة عرسه ليبدل لها أسطوانة الغاز؛ لأن بقية إخوته نائمون.
وفي "حريق" نجد الزوجة المتسلطة على الزوج المستسلم التي تحرق المال فتعاقب بحرمانه وتحترف الشحاذة، ويسير البناء الفني عكس الزمن الحدثي عكس قصة "غبار".
كيف؟
تبدأ القصة بها تمد يدها إلى الأخريات، وتنتهي بها تحرق النقود.
ثم تفاجئنا قصة "خوف" بما وجدناه سابقا في "خادم وحريق".
كيف؟
نجد الشخصية عديمة الاسم وإن كانت صفاتها الاجتماعية مذكورة؛ فهو أب وأولاده في مراحل التعليم المختلفة. نجد هذه الشخصية مستسلمة للواقع الأمني استسلاما يقترب من الوسواس القهري الذي ينشئ عندها هلاوس سمعية وبصرية، فيظل يطارد من نفسه حتى يترك العمران ويموت خوفا في الصحراء.
وفي قصة "ثمن" نجد الأخت المدللة التي تسلب أختها كل شيء، ونجد الوادلين يساعدانها على ذلك. وعندما وصل العمر بهما غلى الزواج سلبتها زوجها، فكان العقاب في هدية تعطيها الأخت المسلوبة إلى الأخت السالبة.
لكن، أهي هدية؟
لا.
لماذا؟
لأن الهدية رمز الحب، وهي كانت تنتقم.
كيف؟
صنعت لها سحرا في هديتها التي هي قلادة ذهبية أذهب عنها راحتها وسعادتها وأصابها بالمرض.
وفي "حسناء" نجد الزوجة التي ليس لها ملمح إلا الجمال لتدور حوله حياتها كلها من حسد غيرها وقسوة زوجها، وفي "المبرد" نفاجأ ببوح الابنة المنطوية على نفسها بمشاهدتها لحظتين لا يتحملهما ابن ولا بنت.
ما هما؟
إنهما لحظة عجز أبيها ولحظة خيانة أمها.
وفي "حرباء" نجد خريطة الوطن العربي ماثلة قبالتنا عندما نشاهد ذلك الرئيس مدمرا أرض وطنه وشعبه لا لشيء إلا لأن الشعب رفضه وطلب تغييره، وفي "نوارة" نجد المعاني السامية تنبعث من "نوارة" تلك التي تعايش الصبر لحظيا مع زوجها المريض، وفي "الحياة بعد الموت" نجد كلمة الحق التي يراها الأديب لا تنشر إلا بعد موته.
(5)
ويحمل كل تلك الغربة لغة قوية تتصل أوثق اتصال باللغة العربية وتحاول أن تفر من اللغة الإعلامية الشائعة الآن التي غزت الأدب والجامعة، لكنها واضحة على الرغم من ذلك لا تسبب إغلاق فهم لدى المتلقي؛ لأن سياقها يوضحها خير توضيح.
وتوهمك هذه اللغة أن صاحبتها لغوية متخصصة تتعمد البحث عن كلماتها لتصنع منها معجم قصصها، لكنك إن عايشت القصص كلها علمت أن ثقافة الأديبة اللغوية قوية أصيلة وحية تخرج في تعابيرها؛ لتغرس في المتلقي الإحساس بلغته في سياقاتها.
كيف؟
تستخدم مشتقات غير مشهورة أدبيا مثل (كسلى، ورَبِك التي تعني مرتبكا) وتستخدم أفعالا وأسماء تُلجئك إلى تعلم لغتك مثل (أجوس - العثة) كما في قصة "وظيفة سهلة"، وتستخدم اسم الإشارة الذي استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه إلى أمنا عائشة رضي الله عنها "كيف تيكم" (تي ) وتستخدم الصفة " جليد" الدالة على التحمل كما في قصة "لم يكن حلما".
وتحيي الفعل "التعج" والصفة " أسيف" في قصة "لحظة بوح"، وفي قصة "قرار" تستخدم الفعل "تَشِمُ" واسم الإشارة "هذي" والصفات "حرَّى، والنخرة، ورميم" والاسم "لَأْي"، وفي قصة "غبار" تستخدم الأفعال "تهمي، وتميس، ورنت" واسم الإشارة "تي" والصفة "كَلِفَة" والاسم "أوضار"، وفي قصة خادم نجد الفعل "أجج"، وفي "حريق" نجد الوصف "كسلى".
وفي قصة "خوف" نجد الفعلين "لعجني، ويمور" والتعبير "عزيف الريح" والاسم "الدلجة"، وفي قصة "ثمن" نجد الصفة "جذلى" والفعل "أجفلت"، وفي "نوارة" نجد الصفة "حسرى" والتعابير "تهتن على زهوري الذابلة، وعيناها ذوتا، وقدماي ساختا"، وفي قصة "حسناء" نجد الأفعال "تنث وينبجس وعج واصطفق"، والظرف "ثم" والاسم "عقيرة"، وفي قصة "المبرد" نجد الأفعال "ولج وتند وأيس ويموروعينان تَوْبِلَان"، وفي قصة "حرباء" نجد الفعلين "تجوب، وينهمل، ولن تراعوا" والتعبيرين "لأقدامهم عجاج، وغيايات الغبار".
(6)
ويقف التصوير مع اللغة ليحمل الموضوع حملا محببا إلى نفس المتلقي يستلزم بيانه تناول القصص فرادى قصة قصة، وهو غير شأننا هنا من وقوفنا وقفة عامة مع قصص المجموعة تبين وحدة العاطفة والموضوع مما يبين بعض خصائص التجربة الأدبية عند الأديبة مريم الضاني.