محمد حافظ
02-02-2005, 11:13 AM
كان قد طرح على الجزيرة موضوع " قضية تجديد الخطاب الديني والموقف منها " ولاهمية الموضوع والعمق في البحث ارتأيت ان انقله هنا لنتدارس فيه ونتحاور ... فارجوا ان تعم الفائدة ..
ماهر عبد الله:سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).
موضوعنا لهذه الحلقة هو قضايا التجديد ودعاوى التجديد على وجه أكثر خصوصاً، فهي دعاوى تخرج علينا بين الفينة والأخرى، ليس دائماً من الزوايا الصح ولا من الأطراف المعنية أكثر بها على اعتبار أنها دعاوى غالباً ما تأتي من خارج الصف الإسلامي إذا جاز التعبير، ليس في هذا دعوى تكفيرية ولا تصنيف تكفيري، ولكن أغلب المشتغلين به حتى الآن بقضية تجديد الدين والدعوة إلى تجديد الدين فقهاً وأصولاً وفي بعض الأحيان عقائد عند البعض، .../...
لمناقشة هذا الموضوع يسعدني أن يكون معي الأستاذ علي سعيد علي طه، والأستاذ علي سعيد علي طه هو متخصص في شؤون الشريعة وفي شؤون الأصول على وجه التحديد، هو خريج جامعة القاهرة فرع الخرطوم، كما درس في جامعة أم درمان الإسلامية وعمل أيضاً مديراً إدارياً لمدارس سعيد الخاصة ، عملياً هو الآن متفرغ للدعوة والنشاط السياسي، كما أنه إمام مسجد.
مفهوم دعاوى التجديد في الدين
ماهر: سيدي أنت متخصص في قضايا الشريعة وقضايا أصول الفقه أكثر من غيرها، لأن هذه الرابط الأصولي، والمدخل لفهم الشريعة والتعاطي معها.. بدونها يصعب التعاطي مع النصوص والقضايا الأخرى الكثيرة، حتى انتماؤك الحزبي ليس بعيداً عن قضية التجديد، على اعتبار إنه فكرة الحزبية حديثة نوعاً ما واتهم كل حزبي بأنه مبتدع في الدين في مرحلة من المراحل، عندما تكون تجديدياً بهذا المعنى ثم تجابه بهذه الدعاوى التي.. كيف تفهم هذه الدعاوى لتجديد الدين سواء.. بغض النظر عن الذين يدعون إليها؟
علي سعيد طه: الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.
في الأصل قضية التجديد هي قضية إسلامية، وعمدة ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح المتصل السند عن أبي هريرة -رضي الله عنه- : "يبعث الله في هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها "وفي رواية" من يجدد لها أمر دينها" مع العلم بأن أمر التجديد لا يُفهم من حديث واحد، ولكن كذلك أدلة أخرى كثيرة بيَّنت أنه يكون هنالك تجديد، إلا أنه كما تفضلت لا يخفى الدور الذي تلعبه الدوائر الغربية على وجه الخصوص أميركا، الآن فيه.. ومطالبتها بعملية التجديد، وهي تقصد بذلك تحريف الدين، ولكن التجديد في أصله هو.. هي قضية إسلامية ومطلوب بل الآن طلب ملح وهو شعار المرحلة الحالية للعمل الإسلامي هو التجديد
ماهر عبد الله: طيب كيف تفهم الدعاوى إلى تجديد الدين، إلى تجديد الخطاب الإسلامي، إلى تجديد وجهة النظر الإسلامية العامة في الإنسان والكون والحياة بالشكل التي تظهر للإنسان، ندخل لاحقاً فيما نقصد نحن كمسلمين نزعم أننا نحب الالتزام بهذا الدين، فما الذي نقصده بالتجديد المطلوب و.. والمرغوب، كيف تقيم الدعاوى، هل هي كلها أميركية غربية تسعى إلى تحريف، تسعى إلى إضعاف هذه الأمة، أم هناك بعض الدعاوى الجادة والحقيقية والتي تريد أن تنهض بالأمة من خلال كسر الكثير من قيود وأطواق الجمود التي يجب أن نعترف بأنها تلف كثير من جوانب الفكر الإسلامي والخطاب الإسلامي؟
علي سعيد طه: نعم بالتأكيد، ليس كل الذين يدعون للتجديد أو ينادون بالتجديد ليسوا كلهم هم يعملون لصالح أميركا، وليس كل هؤلاء الذين يدعون للتجديد هم ذوي نوايا خبيثة، ولكن التجديد كقضية، المنهج هو الذي يبين أي هؤلاء الناس سواءً كان مرتبطاً بدوائر أجنبية، أو غير مرتبطٍ بدوائر أجنبية، المنهج الصحيح للتجديد هو الذي يبين أين يقف هؤلاء الناس من أمر التجديد وقضية التجديد.
ماهر عبد الله: طيب، أنت كصاحب مشروع إسلامي كيف ترى التجديد؟ في أي دوائر نحن نتحدث التي يريد.. التي نريد أن نجددها، هل هي مسألة خطاب لغة ومفاهيم ومصطلحات نتعاطاها ونتعامل معها، هل المقصود نظرات جديدة في القرآن قد تختلف مع.. أو عن كل ما درجنا عليه في.. في عشرات.. بضعة عشر قرناً السالفة كما يريد البعض المساواة بين الذكر والأنثى، هل تمس نصوص قد تكون قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، ولكن لها جوانب تاريخية صرفة وكان حكمها المجتمع ولهذا جاءت بهذه الصيغة؟ عن أي تجديد تتحدث عندما تقول أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نبأنا بتجديد هذا الدين على رأس كل مائة عام؟
علي سعيد طه: التجديد.. ابتداءً التجديد لغة تجديد الشيء هو صيرورته جديداً، صيرورة الشيء جديداً هو التجديد، وبهذا نطقت كل القواميس، واللغة العربية تنطق بذلك، الشاعر العربي عندما يقول:
ألا ليت أيام الصفاء جديد = ودهراً تولى يا بثين يعود
العرب عندما جددوا بناء الكعبة عندما هُدِّمت الكعبة وأرادوا أن يجددوها، التجديد هو صيرورة الشيء جديداً، أي إرجاعه إلى أصله، حتى أنهم التمسوا أين يوضع الحجر الأسود بالتحديد، ذلك يعني أن التجديد هو صيرورة الشيء جديداً، وإرجاعه إلى أصله، وليس تبديل، ولا تغيير، ولا الانتقاص منه، ولا الزيادة فيه، وهذا هو..
وأما المعنى الشرعي هو الرجوع إلى أصل الإسلام عندما يفسد فهم الناس وعندما يفسد عمل الناس، الرجوع إلى الكتاب والسنة، وهذا الأمر مجمع به سلفاً وخلفاً، كل كتب الأصول والتفسير وحتى المحدثين من العلماء المودودي، الدكتور يوسف القرضاوي، قبلهم السيوطي، الميناوي "فتح القدير"، العلقمي، شمس الحق، هؤلاء كلهم تكلموا عن الرجوع بل إنه المتفق عليه أن التجديد هو إرجاع الناس -عندما يفارقون جادة الحق- إرجاعهم إلى الكتاب والسنة، إرجاعهم إلى الأصل حتى نجدد فهمهم.
لتوضيح ذلك أحب أن أخذ ثلاث أمثلة، مثلاً الإسلام من أحكامه الشرعية أن السلطان للأمة، ذلك يعني أن الأمة هي التي تختار الحاكم، وهي التي تنتخبه إن كانوا أكثر من مرشح تنتخب منهم واحداً، ثم تبايعه على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- هذا حكم شرعي أدلته كثيرة، بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "بايعوني" بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة العملية وسيرة الصحابة ذلك إذن الحكم الشرعي هو أن السلطان للأمة، ولكن الآن صار هنالك من يفرض نفسه بالقوة على الناس كحاكمٍ، هنالك من تأتي به قوى أجنبية حاكماً على الناس، فصار في فهم الناس شيء من فساد، هل.. حقيقة يفهم الناس أن السلطان للأمة وأن الآن سلطانهم مغتصب بواسطة حكام فرضوا أنفسهم فرضاً على الناس أو فُرِضُوا من قِبَل جهات خارجية.. خارجة عن.. عن الأمة، هل هذا الفهم موجود؟ هذا الفهم الآن صار غير موجود عند كثير جداً من الناس، فبالتالي يُرجع الناس إلى الفهم الصحيح أن السلطان للأمة وليس أن اغتصاب السلطة، إنما بهذه.. مثلاً هذا.. كذلك..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب خليني.. أوقفك عند هذا، لأنه يعني هذا موضوع شوية مهم على اعتبار إنه كثير من الإسلاميين على الأقل يُتهمون بأنهم يريدون الحديث باسم الله وليس باسم الأمة بصفتها مصدر التشريع، لكن دعنا نتوقف قليلاً مع فاصل ...
قضية السلطان للأمة وشرعية الحكام
ماهر عبد الله: سيدي، ذكرت أن السلطان للأمة ضربته كمثال وأن التبس في أذهان الناس نتيجة خلل في فهم حقيقة دينية مؤداها أن السلطان كان الأصل للأمة ثم اغتصب أو اغتصب الحكام الأمر منهم، ولابد من إعادة تجديده، لكن قضية السلطان للأمة، هل هي محل إجماع عند الإسلاميين؟ لأنه الشبهة التي غالباً ما تثار أن الإسلاميين وأنت واحد.. وأنت واحد منهم يريدون أن يحكموا باسم الله لا باسم الأمة
علي سعيد طه: هو أيضاً بعض الالتباس اللي حصل.. حدث في مفهوم السلطان للأمة، التبس كذلك عند بعض الناس ليس السلطان للأمة، إنما الأمة مصدر السلطات، أو الأمة مصدر التشريع، هذا فهم ديمقراطي، لمن لا يتمعن في الأمر ويدقق فيه قد لا يجد فارقاً، إذا كانت الأمة مصدر السلطات أو مصدر التشريع ذلك أن لها حق التشريع في حين أن الفهم الإسلامي، أن الأمة لها حق تنصيب الحاكم، هذه ناحية، أمر التشريع أمر آخر له ترتيبه وله ضوابطه، أما هنا بقضية السلطان للأمة نحن نتحدث عن حق تنصيب الحاكم، حق تنصيب الحاكم أمرٌ مجمع عليه سلفاً وخلفاً لم يشذ عن ذلك أحد حتى عندما جعل معاوية بن أبي سفيان الأمر وراثة وأتى بولاية العهد أنكر عليه كبار الصحابة الذين كانوا موجودين في ذلك الوقت مما يدل على أن السلطان للأمة، أي للأمة حق تنصيب الحاكم عن رضا واختيار، هي تختاره وترضى عنه و.. وتبايعه، وإن كان أكثر من واحد يتم الانتخاب، من نال أكثر الأصوات هو الذي يبايع على معلوم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ماهر عبد الله: مصدر شرعية هذا السلطان ستكون ماذا؟ هذا الذي ينتخب يعني سيستند على أي شرعية؟ هل هو ممثل عن الله في الأرض أم أنه ممثل عن هؤلاء الذين انتخبوه وبايعوه؟
علي سعيد طه: بارك الله فيك، هو نائب ووكيل عن هؤلاء الذين انتخبوه، لأن تطبيق الإسلام ليس هو واجب على الحاكم، واجب على الأمة، ولكن الأمة بمجموعها لا تستطيع أن تنفذ أحكام الله -سبحانه وتعالى- لا يمكن لا عقلاً ولا شرعاً، فبالتالي لابد أن تنيب عنها من ينفذ أحكام الله سبحانه وتعالى، لذلك ليس هو وكيل عن الله في الأرض، وليس هو خليفة عن الله في الأرض، إنما هو وكيل عن الأمة ونائب عنها في تنفيذ أحكام الله سبحانه وتعالى، لذلك يتم التعاقد مع الأمة في المعلوم، في الكتاب والسنة، ومن الكتاب والسنة ليس أمر عام، ما هو الدستور الذي تتبناه؟ ما هي بتفصيلاته ومواده؟ لابد أن يأتي به ويعرض ذلك على الأمة، ثم الأمة تفهم أن هذا إسلام، وبناءً على ذلك تنتخبه وتبايعه على هذا المعلوم.
التجديد وانعكاسه على الحاجيات الأساسية للأمة
ماهر عبد الله: طيب كان هذا المثال الأول أن السلطان للأمة ضاع هذا المعنى، جزء من إعادة تجديده أننا نريد للأمة أن تعود فتمتلك السلطان، كنت تحدثت عن ثلاثة أمثلة، هذا كان الأول منها.
علي سعيد طه: نعم، أما المثال الثاني فهي أن هنالك حاجات أساسية تحتاج إليها الأمة في مجموعها وكل فرد من أفراد الأمة، من الحاجات التي تحتاج إليها الأمة في مجموعها الأمن والتطوير والتعليم، هذا يجب توفيره وضمانه للأمة بمجموعها، وهنالك حاجات أساسية يجب ضمانها لكل فرد من أفراد الرعية، من أفراد الأمة، وهي الملبس والمسكن.. والملبس والمأكل و.. والمسكن، الملبس والمسكن والمأكل، بالنسبة للثلاث للأمة مثلاً الأمن، الأمن الآن أمن الأمة مهدد، مهدد بتدمير أميركا لأفغانستان، مهدد باحتلال أميركا للعراق، مهدد بتقتيل وتشريد إخواننا في فلسطين والدعم القوي الأميركي ومن ورائه الغرب لليهود في فلسطين، مهدد بمحاولة فصل جنوب السودان وإقامة دولة صليبية فيه، المشروع الأميركي في السودان وإقامة دولة علمانية في شماله مفككة قابلة للتمزيق في أي وقت، هذه تهديدات أمنية تهدد الأمة بأسرها، وغيرها كثير، هذا الأمن، من المسؤول عن.. عن هذا الأمن؟ هل هي جامعة الدول العربية؟ هل هو منظمة المؤتمر الإسلامي؟ هل هو مجلس الأمن؟ من هو المسؤول؟ هل يفهم الناس من هو المسؤول؟ قد يفهم.. الأمن مسؤولية الإمام، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- "الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به" ولذلك إذا كان الناس لم يفهموا هذا المعنى بالفهم الصحيح وهذا هو الموجود الآن.
ماهر عبد الله: أنت هل تعتقد أنه هذا يعني العودة إلى فهم من هو المسؤول عن أمن الأمة جزء من عملية تجديد الدين؟
علي سعيد طه: نعم، لأنه هذا فهم، الآن الكل يشتكي من هذا الانفلات الأمني وهذا التهديد الأمني وهذا الوجود الأجنبي في بلاد المسلمين، والتهديد في كل ناحية، ولكن لابد من رؤية شرعية للخروج من هذا المأزق، قد يظن بعض الناس أن يلجئوا إلى جامعة الدول.. وينتظروا جامعة الدول العربية أو غيرها أو غيرها هل هذا فهم شرعي؟ هل هذا فهم إسلامي؟ هذا فهم فيه خلل، الفهم الصحيح أن الإمام هو الذي يحمي الأمة، بالتالي لابد من تصحيح هذا الفهم عند الناس.
ماهر عبد الله: ما المشكلة إنه كل زعيم عربي يعتقد أنه هو الإمام، وبالتالي يعني ثمة إمام، ثمة ولي أمر بصيغة من الصيغ وجزء من هذه المسؤولية عليه.
علي سعيد طه: بالرغم إنه دعاواهم هذه باطلة إلا أن نطالبهم بالبيان العملي، الآن ماذا يفعلون؟ بل هم الذين كانوا عوناً لأميركا في.. في.. في تدمير المسلمين وتقتيل المسلمين و.. والتدمير الذي يجري الآن في كل بلاد المسلمين، بل بواسطتهم يتم تنفيذ المخططات، ضعفاً، جهلاً، خوفاً، هم ينفذون.
ماهر عبد الله: كيف تربط هذه عودة الأمن بقضية تجديد الدين من حيث هو دين يعني؟ يعني هل.. هل تعتقد إنه هذا جزء من المشمول بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه سيبعث الله على.. على رأس مائة كل عام لهذه الأمة من يجدد لها..
علي سعيد طه: "أمر دينها"...
ماهر عبد الله: أمر دينها، كيف يشتمل هذا على الأمن؟
علي سعيد طه: الأمن هو حاجة أساسية من حاجات الرعية، ضمنها الإسلام، ضمن توفيرها للناس بأن جعلها من واجبات الإمام، هذا الفهم صار غير موجود، حل مكانه فهم جديد، أن قد يفهم بعض الناس هؤلاء الحكام الوطنيين، يعني وطنيين بمعنى إنه على دول..
ماهر عبد الله: قُطرية.
علي سعيد طه: قُطرية، يفهم منظمات مؤسسات، هذا الفهم فهم خاطئ، هذا الفهم يحتاج إلى تجديد، والتجديد بالرجوع، صحيح، من الذي كان يتولى أمر الأمن عند.. عند الأمة، لأن الأمة كان لها جيش واحد، ولها قائد واحد، ومن هذا الجيش تختار الشرطة ويتم إرسال الجيوش وما إلى ذلك.
ماهر عبد الله: طيب مثالك الثالث.
علي سعيد طه: المثال الثالث هذا من ناحية الأمن، في نفس هذا المثال..
بالنسبة للأفراد كأفراد لابد من ضمان المأكل والملبس والمسكن لكل فرد من أفراد الرعية، بمعنى يجب على كل فرد أن يوفر ذلك لنفسه، من عجز عن ذلك فعلاً أو حكماً، فعلاً كان عاجزاً، يتيماً، امرأة، مُقْعَد، أو حكماً، لا يجد العمل المناسب أو عمله لا.. لا يكفيه، فإذا كان عاجزاً فعلاً أو حكماً وجب ذلك على عائلته، على عشيرته، إن عجزوا عن توفير ذلك له وجب ذلك على الدولة، وإن لم تكن هنالك في خزينة الدولة ما تقوم بسد هذه الحاجات وجب ذلك على الأمة، لابد للرجوع للأمة لفرض ضرائب مباشرة عليها لسد هذه الحاجات، هذا فهم شرعي، بالرغم من ارتفاع نسبة الفقر مثلاً في السودان أكثر من 90%، في بنجلاديش أكثر من 90%، في بعض المناطق أقل.. أكثر، بالرغم من ذلك هل هذا الفهم الشرعي الإسلامي الصحيح موجود عند الناس؟ بدوي أعرابي من البادية جاء إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب قال له: يا أمير المؤمنين هؤلاء بناتي ست وأمهن أطعمهن وأكسهن وكن لهن من الزمان جُنة، قال عمر وماذا إن لم أفعل؟
قال إذن غداً أبا حفص لتسئلنَّ
مع الواقف بين يدي الله إما إلى نار وإما إلى جنة
قال عمر: لن تضيع أمة فيها مثل هذا، اعطوه لفقره لا لشعره، فأعرابي من البادية في ذلك الوقت يفهم أن حقه.. هذا حق شرعي ليس منحة من الحاكم وليس صدقة وليس تبرع كما يكتبون الآن في الصحف..
ماهر عبد الله: طب هذه يعني أمثلة ثلاث لو سمحت لي يعني داخلة في.. تحت مسمَّى الإسلام حيث هو طريقة حياة شاملة وليس تحت مسمى الدين الذي تقع الدعوة إلى تجديده، وليس كما يتبادر إلى الذهن دعاوى التجديد النبوية نفسها يعني عندما نقول يجدد لها أمر دينها ما ينصرف إليه الذهن هو ليس الجانب السياسي وليس جانب الفقر والأمن، هو جوهر الدين من حيث هو عقيدة، من حيث هو فكرة، من حيث هو إيمان، يعني أنا أُقدِّر أهمية ما.. ما تفضلت به، ولكن يعني قد يقول قائل أن هذا يبقى على هامش الموضوع، لأنه في المحصلة النهائية أنت تتحدث عن توحيد مثلاً قد يقع الخلل في فهمه عن علاقة ملتبسة مع الله، عن علاقة ملتبسة مع رسوله، نقدسه ونقدس هذا الصحابي أو ذاك، نؤله بعض الصحابة كما فعل البعض، ما الذي يعني تقوله لتقنع الناس بأن هذا جزء من التجديد المشمول بالمعنى وليس فقط ما.. ما ينصرف إليه الذهن من قصر الموضوع على الجوانب الإيمانية الصرفة والعبادية الصرفة؟
علي سعيد طه: نعم، يعني بعض الناس ينصرف.. تنصرف أذهانهم -كما تفضلت- عندما يسمعون هذا
الحديث "أمر دينها" إلى العبادات والعقائد والمسائل المتعلقة بالشركيات والأخلاق وبعض نطاق الأسرة، حتى هذا الفهم هو فهم يحتاج إلى تجديد، وحتى إذا ذهبنا معهم لنناقشهم حتى في هذه الجزئية، ما هي الطريقة الشرعية لإزالة البدع وإزالة الشركيات من الشرع؟ يعني الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما أرسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى اليمن أمره أن يدعو الناس إلى الإسلام والتوحيد وإقامة الصلاة، ثم أمره: "لا وجدت قبراً مشرفاً إلا سويته ولا صنماً إلا طمسته" عبادة القبور..، فإذن هنالك طريقة شرعية، تجديد الفهم في الدين، أنت لا تستطيع أن تتتبع كل فرد، ولكن أنت تهتم بالأمور التي صارت ظاهرة، هذه الظواهر لابد لها من علاج، وطريقة علاج الظواهر الانحراف في العبادات، الانحراف في العقائد، الانحراف في السلوك العام، الأخلاق، الانحراف في المظهر العام، كل هذه لابد لها من طريقة شرعية، ما هي طريقتها؟ هل هي طريقتها الجمعيات الخيرية؟ المأجورين هم يقوموا بهذا العمل لهم أجر، لكن هل هذه هي الطريقة فقط؟ هل الوعظ والإرشاد، الأئمة في المساجد فقط؟ هل..؟ هل..؟ لأ.. لابد أن يكون هناك نظام ويعالج هذه الأمور ويراعيها ويشرف عليها، الطريقة الشرعية يعني طريقة تنفيذ الأحكام هي أيضاً دين..
ماهر عبد الله: طيب لماذا لا يكون كل.. كل ما ذكرت، الجمعيات الخيرية والمؤسسات وهذه..، يعني ما الذي يُخرج هذه من دائرة الوعي والتجديد أيضاً؟
علي سعيد طه: إذا فهموا أن هذا هو العمل، يكون فهمهم هذا يحتاج إلى تجديد، ولكن إذا فهموا أن الآن نحن نقوم بواجب، الآن واجب شرعي على الأمة كلها أن تقوم به فصحيح من يستطيع أن يكفل يتيم يفعل إن..، ولكن إذا فهموا أن هذا هو العمل فقط يكون هذا الفهم يحتاج إلى تجديد.
ماهر عبد الله: طب باعتقادك أنت حتى نصل إلى الصورة التي تريد، الصورة الأكثر بهاءً ونقاءً والأكثر نفعاً للأمة، على اعتبار إنه هذا بيتوقع في المحصلة النهائية هو المطلب النهائي لنفع الأمة، التشريع كله في المحصلة النهائية نزل.. إنما نزل لنفع الأمة.
علي سعيد طه: ليس فقط..
ماهر عبد الله: ربنا لن.. لن يستفيد من عبادتنا شيء ولن يخسر بكفرنا شيئاً يعني، ففي المحصلة النهائية السماوات والأرض مسخرة لمصلحتنا، ما هي العقبات التي تحول دون أن نرى هذه الفهم، دون أن نرى هذا التجديد، على الأقل في الصورة التي تريد من أن يتحقق على الأرض وأن يتجسد في واقع عملي؟
علي سعيد طه: قبل أن ندخل إلى العقبات اسمح لي أن أختم النقطة الأولى بنقطة، التجديد يعني بالرغم من كل ما ذكرت إلا أنه التجديد ليس هو إعادة الخلافة، التجديد هو إعادة الخلافة على منهاج النبوة، لأن قوة الإسلام والمسلمين ليست في الخلافة، قوة الإسلام والمسلمين في عقيدة الإسلام، لذلك أشارت الأدلة، الحديث الصحيح للرسول -صلى الله عليه وسلم- "تكون فيكم النبوة ما شاء الله أن تكون" ثم يقول "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" فإذن التجديد الآن المطلوب هي إعادتها خلافة على منهاج النبوة، ولذلك قال الإمام مالك: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، كذلك نطق شيخ الإسلام ابن تيميه "إذا انفرد السلطان عن الدين أو انفرد الدين عن السلطان، فَسَدَ حال الأمة" فإذن التجديد والذين يعملون للتجديد يجب أن يعرفوا أن التجديد هو إعادتها خلافة على منهاج النبوة..
دعوى إعادة صياغة الخطاب الإسلامي على أسس جديدة
أمادعوة إعادة الخطاب والمقصود منه حذف بعض الأمور التي لا تروق لأميركا أو لا تروق للذين هم بالسلطة، حذف هذه الأمور حتى لا تزعج الاستعمار الغربي، هذه بالتأكيد دعوة باطلة، لا
يُلتفت إليها، أما تجديد الخطاب الديني بمعنى مثلاًأن نجد بعض الناس مازالوا في دور الوعظ والإرشاد، هذا بالنسبة للمفكرين وبالنسبة للذين يريدون أن.. أن يعرفوا الجديد ويفهموه على أساس ديني دون ان يكون هنالك انفصال بين حياتهم وعقيدتهم، فأسلوب الوعظ والإرشاد لا ينفع، هذا يحتاج إلى خطاب جديد، يعني تجديد الخطاب بمعنى إنزال الأحكام الشرعية على الوقائع الجارية، بهذا المعنى هذا معنى صحيح. هذا المعنى..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: بس لماذا حصرته بالأحكام فقط، يعني بعض الأحيان قضية لا علاقة لها بواقعنا نحن لكن على علاقة بواقع نحن جزء منه، نحن لسنا أسياداً وأنت تحدثت عن تدمير أفغانستان.. تحدثت عن موضوع العراق، نحن كنا حجارة صغيرة على رقعة أكبر بكثير من العراق ومن أفغانستان ومن الأمة مجتمعة، ثمة أسلوب للحديث مع هذا الواقع، ثمة خطاب درجنا عليه، جزء منه كان يركز مثلاً على أن الجهاد هو الأسلوب الوحيد للتعامل مع هذا العدو الخارجي، نتحدث عن الجهاد في بعض الأحيان يفهم في فلسطين على أنه عملية انتحارية مثلاً.. أو استشهادية حسب الذين يقومون بها، في بعض الأحيان يُفهم لأ أنه لابد من إعادة وعي، خلينا نقول بعضها لابد من إعادة شرح الإسلام وتقديمه لهذا العدو الخارجي لأنه أساء الفهم فظن أن فينا خطراً، في تعاملنا سواء مع إسقاط الشريعة يعني فهمت من كلامك تريد حصره فقط في كيف نعبر عن نصوصنا عندما نتعامل معها كمصدر للتشريع؟ يعني ألا ترى أنك ضيَّقت واسعاً وأنه كل المصطلحات والمفاهيم التي دَرَجنَا على استخدامها بحاجة إلى إعادة نظر بنفس الطريقة التي تحدثت فيها عن السلطان للأمة وعن مسألة الفقر ومن المسؤول عنها، مسألة الأمن للأمة، يعني هل.. هل يمكننا الآن أن نتحدث عن الجهاد، عن الإرهاب، عن دار كفر بنفس الطريقة التي تحدث عنها هارون الرشيد مثلاً؟ يعني عندما كان يقول هارون الرشيد: هذه دار كفر كان لا يجرؤ أحد أن يقول لا، الرومي ليس.. لم يكن بحاجة إلى أن يقنع هارون الرشيد أو يقتنع برأيه، كان يخشاه تماماً كما تفعل أميركا اليوم، تعيد صياغة القانون الدولي (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) أنت تصر على أننا نتعامل كمصطلح جهاد، تعريفه جامد منذ اليوم الأول إلى يومنا هذا، عندما نتحدث عن دار كفر تعريفها جامد منذ ذلك اليوم إلى اليوم كأمثلة أليست هذه داخلة جزء من.. يعني ضمن إطار الخطاب الذي لابد أن يُعاد النظر فيه، ليس بالضرورة لتغييره، ولكن على الأقل نتأكد من أننا نتحدث اللغة الصح ونستخدم المفاهيم الصح التي لا يكون استخدامها مجلبة للمفاسد أكثر منه مجلبة للمصالح على الأمة؟
علي سعيد طه: هو حقيقة كل هذه المفاهيم تحتاج إلى تجديد، التجديد لا.. لا يقتصر على ناحية دون أخرى، لكن هذا التجديد له ضوابط كما أسلفنا: التجديد يعني صيرورة الشيء جديداً، الجهاد مثلاً الجهاد هو طريقة شرعية لحمل الإسلام إلى العالم لإخراج البشرية الضالة من الظلمات إلى النور طريقة. والجهاد هو لدفع المعتدين علينا سواء كانوا الأميركان أو اليهود أو غيرهم، هذا هو الجهاد، فالذي يفعل ذلك مثلاً في فلسطين وينكأ في العدو. هذا شهيد، وإذا قُتِلَ قُتِل شهيداً، عندما يلاقي ربه هذا لا شأن لنا بذلك، إن هذا ليس من عملنا أصلاً، ولكن هو في.. عندنا هنا في الحكم الشرعي هو شهيد.
ولكن الذي يظن بأن الجهاد هو طريقة لتغيير حال الأمة والنهوض بالأمة وتجديد دين الأمة، نقول له: هذا الفهم يحتاج إلى تجديد، فإذن نحن لا.. لا نخشى من أن أي مفهوم من المفاهيم تُناقش هذه المفاهيم، سواء كانت مفاهيم إسلامية طرأ عليها بعض التشويش والغبش، سواء كانت مفاهيم أصلاً فُرضت علينا فرضاً مثل الأصولية يعني الأصولي في.. في الشريعة الإسلامية هو من يشتغل بعلم الأصول.. أصول الفقه، الأصولية مثلاً في.. في الغرب لها معنى آخر، الإرهاب له معنى آخر، فلها معاني فلذلك لابد من التجديد أمر الدين يدخل في كل هذه الأمور، يعني أنا مثلاً عندما أشاهد الجماهير تخرج وهي تحرق الأعلام، أعلام أميركا وبريطانيا وإسرائيل، أقول لا.. لا تحرقوا علم أميركا ولا علم بريطانيا ولا علم إسرائيل الأعلام الذي يجب أن تحرق هي علم السودان وعلم مصر والكويت والعراق وبغداد.. والجزائر وإندونيسيا وماليزيا لترتفع مكانها راية واحدة هي راية : "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، التي عليها نحيا وفي سبيلها نقاتل وعليها نموت وعليها نلقى الله، فإذن هذا فهم خاطئ إذا.. إذا أنا عبرت بإحراق هذا العلم، هذه هنا ينبئ عن فهم ما هو فهمي؟ الآن هذه.. هذا العمل مثلاً نصحح الفهم، نصحح العمل، لأنه بهذا التمزيق تمكن منا الكافر.
تبع .../...
ماهر عبد الله:سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة).
موضوعنا لهذه الحلقة هو قضايا التجديد ودعاوى التجديد على وجه أكثر خصوصاً، فهي دعاوى تخرج علينا بين الفينة والأخرى، ليس دائماً من الزوايا الصح ولا من الأطراف المعنية أكثر بها على اعتبار أنها دعاوى غالباً ما تأتي من خارج الصف الإسلامي إذا جاز التعبير، ليس في هذا دعوى تكفيرية ولا تصنيف تكفيري، ولكن أغلب المشتغلين به حتى الآن بقضية تجديد الدين والدعوة إلى تجديد الدين فقهاً وأصولاً وفي بعض الأحيان عقائد عند البعض، .../...
لمناقشة هذا الموضوع يسعدني أن يكون معي الأستاذ علي سعيد علي طه، والأستاذ علي سعيد علي طه هو متخصص في شؤون الشريعة وفي شؤون الأصول على وجه التحديد، هو خريج جامعة القاهرة فرع الخرطوم، كما درس في جامعة أم درمان الإسلامية وعمل أيضاً مديراً إدارياً لمدارس سعيد الخاصة ، عملياً هو الآن متفرغ للدعوة والنشاط السياسي، كما أنه إمام مسجد.
مفهوم دعاوى التجديد في الدين
ماهر: سيدي أنت متخصص في قضايا الشريعة وقضايا أصول الفقه أكثر من غيرها، لأن هذه الرابط الأصولي، والمدخل لفهم الشريعة والتعاطي معها.. بدونها يصعب التعاطي مع النصوص والقضايا الأخرى الكثيرة، حتى انتماؤك الحزبي ليس بعيداً عن قضية التجديد، على اعتبار إنه فكرة الحزبية حديثة نوعاً ما واتهم كل حزبي بأنه مبتدع في الدين في مرحلة من المراحل، عندما تكون تجديدياً بهذا المعنى ثم تجابه بهذه الدعاوى التي.. كيف تفهم هذه الدعاوى لتجديد الدين سواء.. بغض النظر عن الذين يدعون إليها؟
علي سعيد طه: الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.
في الأصل قضية التجديد هي قضية إسلامية، وعمدة ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح المتصل السند عن أبي هريرة -رضي الله عنه- : "يبعث الله في هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها "وفي رواية" من يجدد لها أمر دينها" مع العلم بأن أمر التجديد لا يُفهم من حديث واحد، ولكن كذلك أدلة أخرى كثيرة بيَّنت أنه يكون هنالك تجديد، إلا أنه كما تفضلت لا يخفى الدور الذي تلعبه الدوائر الغربية على وجه الخصوص أميركا، الآن فيه.. ومطالبتها بعملية التجديد، وهي تقصد بذلك تحريف الدين، ولكن التجديد في أصله هو.. هي قضية إسلامية ومطلوب بل الآن طلب ملح وهو شعار المرحلة الحالية للعمل الإسلامي هو التجديد
ماهر عبد الله: طيب كيف تفهم الدعاوى إلى تجديد الدين، إلى تجديد الخطاب الإسلامي، إلى تجديد وجهة النظر الإسلامية العامة في الإنسان والكون والحياة بالشكل التي تظهر للإنسان، ندخل لاحقاً فيما نقصد نحن كمسلمين نزعم أننا نحب الالتزام بهذا الدين، فما الذي نقصده بالتجديد المطلوب و.. والمرغوب، كيف تقيم الدعاوى، هل هي كلها أميركية غربية تسعى إلى تحريف، تسعى إلى إضعاف هذه الأمة، أم هناك بعض الدعاوى الجادة والحقيقية والتي تريد أن تنهض بالأمة من خلال كسر الكثير من قيود وأطواق الجمود التي يجب أن نعترف بأنها تلف كثير من جوانب الفكر الإسلامي والخطاب الإسلامي؟
علي سعيد طه: نعم بالتأكيد، ليس كل الذين يدعون للتجديد أو ينادون بالتجديد ليسوا كلهم هم يعملون لصالح أميركا، وليس كل هؤلاء الذين يدعون للتجديد هم ذوي نوايا خبيثة، ولكن التجديد كقضية، المنهج هو الذي يبين أي هؤلاء الناس سواءً كان مرتبطاً بدوائر أجنبية، أو غير مرتبطٍ بدوائر أجنبية، المنهج الصحيح للتجديد هو الذي يبين أين يقف هؤلاء الناس من أمر التجديد وقضية التجديد.
ماهر عبد الله: طيب، أنت كصاحب مشروع إسلامي كيف ترى التجديد؟ في أي دوائر نحن نتحدث التي يريد.. التي نريد أن نجددها، هل هي مسألة خطاب لغة ومفاهيم ومصطلحات نتعاطاها ونتعامل معها، هل المقصود نظرات جديدة في القرآن قد تختلف مع.. أو عن كل ما درجنا عليه في.. في عشرات.. بضعة عشر قرناً السالفة كما يريد البعض المساواة بين الذكر والأنثى، هل تمس نصوص قد تكون قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، ولكن لها جوانب تاريخية صرفة وكان حكمها المجتمع ولهذا جاءت بهذه الصيغة؟ عن أي تجديد تتحدث عندما تقول أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نبأنا بتجديد هذا الدين على رأس كل مائة عام؟
علي سعيد طه: التجديد.. ابتداءً التجديد لغة تجديد الشيء هو صيرورته جديداً، صيرورة الشيء جديداً هو التجديد، وبهذا نطقت كل القواميس، واللغة العربية تنطق بذلك، الشاعر العربي عندما يقول:
ألا ليت أيام الصفاء جديد = ودهراً تولى يا بثين يعود
العرب عندما جددوا بناء الكعبة عندما هُدِّمت الكعبة وأرادوا أن يجددوها، التجديد هو صيرورة الشيء جديداً، أي إرجاعه إلى أصله، حتى أنهم التمسوا أين يوضع الحجر الأسود بالتحديد، ذلك يعني أن التجديد هو صيرورة الشيء جديداً، وإرجاعه إلى أصله، وليس تبديل، ولا تغيير، ولا الانتقاص منه، ولا الزيادة فيه، وهذا هو..
وأما المعنى الشرعي هو الرجوع إلى أصل الإسلام عندما يفسد فهم الناس وعندما يفسد عمل الناس، الرجوع إلى الكتاب والسنة، وهذا الأمر مجمع به سلفاً وخلفاً، كل كتب الأصول والتفسير وحتى المحدثين من العلماء المودودي، الدكتور يوسف القرضاوي، قبلهم السيوطي، الميناوي "فتح القدير"، العلقمي، شمس الحق، هؤلاء كلهم تكلموا عن الرجوع بل إنه المتفق عليه أن التجديد هو إرجاع الناس -عندما يفارقون جادة الحق- إرجاعهم إلى الكتاب والسنة، إرجاعهم إلى الأصل حتى نجدد فهمهم.
لتوضيح ذلك أحب أن أخذ ثلاث أمثلة، مثلاً الإسلام من أحكامه الشرعية أن السلطان للأمة، ذلك يعني أن الأمة هي التي تختار الحاكم، وهي التي تنتخبه إن كانوا أكثر من مرشح تنتخب منهم واحداً، ثم تبايعه على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- هذا حكم شرعي أدلته كثيرة، بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "بايعوني" بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة العملية وسيرة الصحابة ذلك إذن الحكم الشرعي هو أن السلطان للأمة، ولكن الآن صار هنالك من يفرض نفسه بالقوة على الناس كحاكمٍ، هنالك من تأتي به قوى أجنبية حاكماً على الناس، فصار في فهم الناس شيء من فساد، هل.. حقيقة يفهم الناس أن السلطان للأمة وأن الآن سلطانهم مغتصب بواسطة حكام فرضوا أنفسهم فرضاً على الناس أو فُرِضُوا من قِبَل جهات خارجية.. خارجة عن.. عن الأمة، هل هذا الفهم موجود؟ هذا الفهم الآن صار غير موجود عند كثير جداً من الناس، فبالتالي يُرجع الناس إلى الفهم الصحيح أن السلطان للأمة وليس أن اغتصاب السلطة، إنما بهذه.. مثلاً هذا.. كذلك..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: طيب خليني.. أوقفك عند هذا، لأنه يعني هذا موضوع شوية مهم على اعتبار إنه كثير من الإسلاميين على الأقل يُتهمون بأنهم يريدون الحديث باسم الله وليس باسم الأمة بصفتها مصدر التشريع، لكن دعنا نتوقف قليلاً مع فاصل ...
قضية السلطان للأمة وشرعية الحكام
ماهر عبد الله: سيدي، ذكرت أن السلطان للأمة ضربته كمثال وأن التبس في أذهان الناس نتيجة خلل في فهم حقيقة دينية مؤداها أن السلطان كان الأصل للأمة ثم اغتصب أو اغتصب الحكام الأمر منهم، ولابد من إعادة تجديده، لكن قضية السلطان للأمة، هل هي محل إجماع عند الإسلاميين؟ لأنه الشبهة التي غالباً ما تثار أن الإسلاميين وأنت واحد.. وأنت واحد منهم يريدون أن يحكموا باسم الله لا باسم الأمة
علي سعيد طه: هو أيضاً بعض الالتباس اللي حصل.. حدث في مفهوم السلطان للأمة، التبس كذلك عند بعض الناس ليس السلطان للأمة، إنما الأمة مصدر السلطات، أو الأمة مصدر التشريع، هذا فهم ديمقراطي، لمن لا يتمعن في الأمر ويدقق فيه قد لا يجد فارقاً، إذا كانت الأمة مصدر السلطات أو مصدر التشريع ذلك أن لها حق التشريع في حين أن الفهم الإسلامي، أن الأمة لها حق تنصيب الحاكم، هذه ناحية، أمر التشريع أمر آخر له ترتيبه وله ضوابطه، أما هنا بقضية السلطان للأمة نحن نتحدث عن حق تنصيب الحاكم، حق تنصيب الحاكم أمرٌ مجمع عليه سلفاً وخلفاً لم يشذ عن ذلك أحد حتى عندما جعل معاوية بن أبي سفيان الأمر وراثة وأتى بولاية العهد أنكر عليه كبار الصحابة الذين كانوا موجودين في ذلك الوقت مما يدل على أن السلطان للأمة، أي للأمة حق تنصيب الحاكم عن رضا واختيار، هي تختاره وترضى عنه و.. وتبايعه، وإن كان أكثر من واحد يتم الانتخاب، من نال أكثر الأصوات هو الذي يبايع على معلوم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ماهر عبد الله: مصدر شرعية هذا السلطان ستكون ماذا؟ هذا الذي ينتخب يعني سيستند على أي شرعية؟ هل هو ممثل عن الله في الأرض أم أنه ممثل عن هؤلاء الذين انتخبوه وبايعوه؟
علي سعيد طه: بارك الله فيك، هو نائب ووكيل عن هؤلاء الذين انتخبوه، لأن تطبيق الإسلام ليس هو واجب على الحاكم، واجب على الأمة، ولكن الأمة بمجموعها لا تستطيع أن تنفذ أحكام الله -سبحانه وتعالى- لا يمكن لا عقلاً ولا شرعاً، فبالتالي لابد أن تنيب عنها من ينفذ أحكام الله سبحانه وتعالى، لذلك ليس هو وكيل عن الله في الأرض، وليس هو خليفة عن الله في الأرض، إنما هو وكيل عن الأمة ونائب عنها في تنفيذ أحكام الله سبحانه وتعالى، لذلك يتم التعاقد مع الأمة في المعلوم، في الكتاب والسنة، ومن الكتاب والسنة ليس أمر عام، ما هو الدستور الذي تتبناه؟ ما هي بتفصيلاته ومواده؟ لابد أن يأتي به ويعرض ذلك على الأمة، ثم الأمة تفهم أن هذا إسلام، وبناءً على ذلك تنتخبه وتبايعه على هذا المعلوم.
التجديد وانعكاسه على الحاجيات الأساسية للأمة
ماهر عبد الله: طيب كان هذا المثال الأول أن السلطان للأمة ضاع هذا المعنى، جزء من إعادة تجديده أننا نريد للأمة أن تعود فتمتلك السلطان، كنت تحدثت عن ثلاثة أمثلة، هذا كان الأول منها.
علي سعيد طه: نعم، أما المثال الثاني فهي أن هنالك حاجات أساسية تحتاج إليها الأمة في مجموعها وكل فرد من أفراد الأمة، من الحاجات التي تحتاج إليها الأمة في مجموعها الأمن والتطوير والتعليم، هذا يجب توفيره وضمانه للأمة بمجموعها، وهنالك حاجات أساسية يجب ضمانها لكل فرد من أفراد الرعية، من أفراد الأمة، وهي الملبس والمسكن.. والملبس والمأكل و.. والمسكن، الملبس والمسكن والمأكل، بالنسبة للثلاث للأمة مثلاً الأمن، الأمن الآن أمن الأمة مهدد، مهدد بتدمير أميركا لأفغانستان، مهدد باحتلال أميركا للعراق، مهدد بتقتيل وتشريد إخواننا في فلسطين والدعم القوي الأميركي ومن ورائه الغرب لليهود في فلسطين، مهدد بمحاولة فصل جنوب السودان وإقامة دولة صليبية فيه، المشروع الأميركي في السودان وإقامة دولة علمانية في شماله مفككة قابلة للتمزيق في أي وقت، هذه تهديدات أمنية تهدد الأمة بأسرها، وغيرها كثير، هذا الأمن، من المسؤول عن.. عن هذا الأمن؟ هل هي جامعة الدول العربية؟ هل هو منظمة المؤتمر الإسلامي؟ هل هو مجلس الأمن؟ من هو المسؤول؟ هل يفهم الناس من هو المسؤول؟ قد يفهم.. الأمن مسؤولية الإمام، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- "الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به" ولذلك إذا كان الناس لم يفهموا هذا المعنى بالفهم الصحيح وهذا هو الموجود الآن.
ماهر عبد الله: أنت هل تعتقد أنه هذا يعني العودة إلى فهم من هو المسؤول عن أمن الأمة جزء من عملية تجديد الدين؟
علي سعيد طه: نعم، لأنه هذا فهم، الآن الكل يشتكي من هذا الانفلات الأمني وهذا التهديد الأمني وهذا الوجود الأجنبي في بلاد المسلمين، والتهديد في كل ناحية، ولكن لابد من رؤية شرعية للخروج من هذا المأزق، قد يظن بعض الناس أن يلجئوا إلى جامعة الدول.. وينتظروا جامعة الدول العربية أو غيرها أو غيرها هل هذا فهم شرعي؟ هل هذا فهم إسلامي؟ هذا فهم فيه خلل، الفهم الصحيح أن الإمام هو الذي يحمي الأمة، بالتالي لابد من تصحيح هذا الفهم عند الناس.
ماهر عبد الله: ما المشكلة إنه كل زعيم عربي يعتقد أنه هو الإمام، وبالتالي يعني ثمة إمام، ثمة ولي أمر بصيغة من الصيغ وجزء من هذه المسؤولية عليه.
علي سعيد طه: بالرغم إنه دعاواهم هذه باطلة إلا أن نطالبهم بالبيان العملي، الآن ماذا يفعلون؟ بل هم الذين كانوا عوناً لأميركا في.. في.. في تدمير المسلمين وتقتيل المسلمين و.. والتدمير الذي يجري الآن في كل بلاد المسلمين، بل بواسطتهم يتم تنفيذ المخططات، ضعفاً، جهلاً، خوفاً، هم ينفذون.
ماهر عبد الله: كيف تربط هذه عودة الأمن بقضية تجديد الدين من حيث هو دين يعني؟ يعني هل.. هل تعتقد إنه هذا جزء من المشمول بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه سيبعث الله على.. على رأس مائة كل عام لهذه الأمة من يجدد لها..
علي سعيد طه: "أمر دينها"...
ماهر عبد الله: أمر دينها، كيف يشتمل هذا على الأمن؟
علي سعيد طه: الأمن هو حاجة أساسية من حاجات الرعية، ضمنها الإسلام، ضمن توفيرها للناس بأن جعلها من واجبات الإمام، هذا الفهم صار غير موجود، حل مكانه فهم جديد، أن قد يفهم بعض الناس هؤلاء الحكام الوطنيين، يعني وطنيين بمعنى إنه على دول..
ماهر عبد الله: قُطرية.
علي سعيد طه: قُطرية، يفهم منظمات مؤسسات، هذا الفهم فهم خاطئ، هذا الفهم يحتاج إلى تجديد، والتجديد بالرجوع، صحيح، من الذي كان يتولى أمر الأمن عند.. عند الأمة، لأن الأمة كان لها جيش واحد، ولها قائد واحد، ومن هذا الجيش تختار الشرطة ويتم إرسال الجيوش وما إلى ذلك.
ماهر عبد الله: طيب مثالك الثالث.
علي سعيد طه: المثال الثالث هذا من ناحية الأمن، في نفس هذا المثال..
بالنسبة للأفراد كأفراد لابد من ضمان المأكل والملبس والمسكن لكل فرد من أفراد الرعية، بمعنى يجب على كل فرد أن يوفر ذلك لنفسه، من عجز عن ذلك فعلاً أو حكماً، فعلاً كان عاجزاً، يتيماً، امرأة، مُقْعَد، أو حكماً، لا يجد العمل المناسب أو عمله لا.. لا يكفيه، فإذا كان عاجزاً فعلاً أو حكماً وجب ذلك على عائلته، على عشيرته، إن عجزوا عن توفير ذلك له وجب ذلك على الدولة، وإن لم تكن هنالك في خزينة الدولة ما تقوم بسد هذه الحاجات وجب ذلك على الأمة، لابد للرجوع للأمة لفرض ضرائب مباشرة عليها لسد هذه الحاجات، هذا فهم شرعي، بالرغم من ارتفاع نسبة الفقر مثلاً في السودان أكثر من 90%، في بنجلاديش أكثر من 90%، في بعض المناطق أقل.. أكثر، بالرغم من ذلك هل هذا الفهم الشرعي الإسلامي الصحيح موجود عند الناس؟ بدوي أعرابي من البادية جاء إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب قال له: يا أمير المؤمنين هؤلاء بناتي ست وأمهن أطعمهن وأكسهن وكن لهن من الزمان جُنة، قال عمر وماذا إن لم أفعل؟
قال إذن غداً أبا حفص لتسئلنَّ
مع الواقف بين يدي الله إما إلى نار وإما إلى جنة
قال عمر: لن تضيع أمة فيها مثل هذا، اعطوه لفقره لا لشعره، فأعرابي من البادية في ذلك الوقت يفهم أن حقه.. هذا حق شرعي ليس منحة من الحاكم وليس صدقة وليس تبرع كما يكتبون الآن في الصحف..
ماهر عبد الله: طب هذه يعني أمثلة ثلاث لو سمحت لي يعني داخلة في.. تحت مسمَّى الإسلام حيث هو طريقة حياة شاملة وليس تحت مسمى الدين الذي تقع الدعوة إلى تجديده، وليس كما يتبادر إلى الذهن دعاوى التجديد النبوية نفسها يعني عندما نقول يجدد لها أمر دينها ما ينصرف إليه الذهن هو ليس الجانب السياسي وليس جانب الفقر والأمن، هو جوهر الدين من حيث هو عقيدة، من حيث هو فكرة، من حيث هو إيمان، يعني أنا أُقدِّر أهمية ما.. ما تفضلت به، ولكن يعني قد يقول قائل أن هذا يبقى على هامش الموضوع، لأنه في المحصلة النهائية أنت تتحدث عن توحيد مثلاً قد يقع الخلل في فهمه عن علاقة ملتبسة مع الله، عن علاقة ملتبسة مع رسوله، نقدسه ونقدس هذا الصحابي أو ذاك، نؤله بعض الصحابة كما فعل البعض، ما الذي يعني تقوله لتقنع الناس بأن هذا جزء من التجديد المشمول بالمعنى وليس فقط ما.. ما ينصرف إليه الذهن من قصر الموضوع على الجوانب الإيمانية الصرفة والعبادية الصرفة؟
علي سعيد طه: نعم، يعني بعض الناس ينصرف.. تنصرف أذهانهم -كما تفضلت- عندما يسمعون هذا
الحديث "أمر دينها" إلى العبادات والعقائد والمسائل المتعلقة بالشركيات والأخلاق وبعض نطاق الأسرة، حتى هذا الفهم هو فهم يحتاج إلى تجديد، وحتى إذا ذهبنا معهم لنناقشهم حتى في هذه الجزئية، ما هي الطريقة الشرعية لإزالة البدع وإزالة الشركيات من الشرع؟ يعني الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما أرسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى اليمن أمره أن يدعو الناس إلى الإسلام والتوحيد وإقامة الصلاة، ثم أمره: "لا وجدت قبراً مشرفاً إلا سويته ولا صنماً إلا طمسته" عبادة القبور..، فإذن هنالك طريقة شرعية، تجديد الفهم في الدين، أنت لا تستطيع أن تتتبع كل فرد، ولكن أنت تهتم بالأمور التي صارت ظاهرة، هذه الظواهر لابد لها من علاج، وطريقة علاج الظواهر الانحراف في العبادات، الانحراف في العقائد، الانحراف في السلوك العام، الأخلاق، الانحراف في المظهر العام، كل هذه لابد لها من طريقة شرعية، ما هي طريقتها؟ هل هي طريقتها الجمعيات الخيرية؟ المأجورين هم يقوموا بهذا العمل لهم أجر، لكن هل هذه هي الطريقة فقط؟ هل الوعظ والإرشاد، الأئمة في المساجد فقط؟ هل..؟ هل..؟ لأ.. لابد أن يكون هناك نظام ويعالج هذه الأمور ويراعيها ويشرف عليها، الطريقة الشرعية يعني طريقة تنفيذ الأحكام هي أيضاً دين..
ماهر عبد الله: طيب لماذا لا يكون كل.. كل ما ذكرت، الجمعيات الخيرية والمؤسسات وهذه..، يعني ما الذي يُخرج هذه من دائرة الوعي والتجديد أيضاً؟
علي سعيد طه: إذا فهموا أن هذا هو العمل، يكون فهمهم هذا يحتاج إلى تجديد، ولكن إذا فهموا أن الآن نحن نقوم بواجب، الآن واجب شرعي على الأمة كلها أن تقوم به فصحيح من يستطيع أن يكفل يتيم يفعل إن..، ولكن إذا فهموا أن هذا هو العمل فقط يكون هذا الفهم يحتاج إلى تجديد.
ماهر عبد الله: طب باعتقادك أنت حتى نصل إلى الصورة التي تريد، الصورة الأكثر بهاءً ونقاءً والأكثر نفعاً للأمة، على اعتبار إنه هذا بيتوقع في المحصلة النهائية هو المطلب النهائي لنفع الأمة، التشريع كله في المحصلة النهائية نزل.. إنما نزل لنفع الأمة.
علي سعيد طه: ليس فقط..
ماهر عبد الله: ربنا لن.. لن يستفيد من عبادتنا شيء ولن يخسر بكفرنا شيئاً يعني، ففي المحصلة النهائية السماوات والأرض مسخرة لمصلحتنا، ما هي العقبات التي تحول دون أن نرى هذه الفهم، دون أن نرى هذا التجديد، على الأقل في الصورة التي تريد من أن يتحقق على الأرض وأن يتجسد في واقع عملي؟
علي سعيد طه: قبل أن ندخل إلى العقبات اسمح لي أن أختم النقطة الأولى بنقطة، التجديد يعني بالرغم من كل ما ذكرت إلا أنه التجديد ليس هو إعادة الخلافة، التجديد هو إعادة الخلافة على منهاج النبوة، لأن قوة الإسلام والمسلمين ليست في الخلافة، قوة الإسلام والمسلمين في عقيدة الإسلام، لذلك أشارت الأدلة، الحديث الصحيح للرسول -صلى الله عليه وسلم- "تكون فيكم النبوة ما شاء الله أن تكون" ثم يقول "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" فإذن التجديد الآن المطلوب هي إعادتها خلافة على منهاج النبوة، ولذلك قال الإمام مالك: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، كذلك نطق شيخ الإسلام ابن تيميه "إذا انفرد السلطان عن الدين أو انفرد الدين عن السلطان، فَسَدَ حال الأمة" فإذن التجديد والذين يعملون للتجديد يجب أن يعرفوا أن التجديد هو إعادتها خلافة على منهاج النبوة..
دعوى إعادة صياغة الخطاب الإسلامي على أسس جديدة
أمادعوة إعادة الخطاب والمقصود منه حذف بعض الأمور التي لا تروق لأميركا أو لا تروق للذين هم بالسلطة، حذف هذه الأمور حتى لا تزعج الاستعمار الغربي، هذه بالتأكيد دعوة باطلة، لا
يُلتفت إليها، أما تجديد الخطاب الديني بمعنى مثلاًأن نجد بعض الناس مازالوا في دور الوعظ والإرشاد، هذا بالنسبة للمفكرين وبالنسبة للذين يريدون أن.. أن يعرفوا الجديد ويفهموه على أساس ديني دون ان يكون هنالك انفصال بين حياتهم وعقيدتهم، فأسلوب الوعظ والإرشاد لا ينفع، هذا يحتاج إلى خطاب جديد، يعني تجديد الخطاب بمعنى إنزال الأحكام الشرعية على الوقائع الجارية، بهذا المعنى هذا معنى صحيح. هذا المعنى..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: بس لماذا حصرته بالأحكام فقط، يعني بعض الأحيان قضية لا علاقة لها بواقعنا نحن لكن على علاقة بواقع نحن جزء منه، نحن لسنا أسياداً وأنت تحدثت عن تدمير أفغانستان.. تحدثت عن موضوع العراق، نحن كنا حجارة صغيرة على رقعة أكبر بكثير من العراق ومن أفغانستان ومن الأمة مجتمعة، ثمة أسلوب للحديث مع هذا الواقع، ثمة خطاب درجنا عليه، جزء منه كان يركز مثلاً على أن الجهاد هو الأسلوب الوحيد للتعامل مع هذا العدو الخارجي، نتحدث عن الجهاد في بعض الأحيان يفهم في فلسطين على أنه عملية انتحارية مثلاً.. أو استشهادية حسب الذين يقومون بها، في بعض الأحيان يُفهم لأ أنه لابد من إعادة وعي، خلينا نقول بعضها لابد من إعادة شرح الإسلام وتقديمه لهذا العدو الخارجي لأنه أساء الفهم فظن أن فينا خطراً، في تعاملنا سواء مع إسقاط الشريعة يعني فهمت من كلامك تريد حصره فقط في كيف نعبر عن نصوصنا عندما نتعامل معها كمصدر للتشريع؟ يعني ألا ترى أنك ضيَّقت واسعاً وأنه كل المصطلحات والمفاهيم التي دَرَجنَا على استخدامها بحاجة إلى إعادة نظر بنفس الطريقة التي تحدثت فيها عن السلطان للأمة وعن مسألة الفقر ومن المسؤول عنها، مسألة الأمن للأمة، يعني هل.. هل يمكننا الآن أن نتحدث عن الجهاد، عن الإرهاب، عن دار كفر بنفس الطريقة التي تحدث عنها هارون الرشيد مثلاً؟ يعني عندما كان يقول هارون الرشيد: هذه دار كفر كان لا يجرؤ أحد أن يقول لا، الرومي ليس.. لم يكن بحاجة إلى أن يقنع هارون الرشيد أو يقتنع برأيه، كان يخشاه تماماً كما تفعل أميركا اليوم، تعيد صياغة القانون الدولي (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) أنت تصر على أننا نتعامل كمصطلح جهاد، تعريفه جامد منذ اليوم الأول إلى يومنا هذا، عندما نتحدث عن دار كفر تعريفها جامد منذ ذلك اليوم إلى اليوم كأمثلة أليست هذه داخلة جزء من.. يعني ضمن إطار الخطاب الذي لابد أن يُعاد النظر فيه، ليس بالضرورة لتغييره، ولكن على الأقل نتأكد من أننا نتحدث اللغة الصح ونستخدم المفاهيم الصح التي لا يكون استخدامها مجلبة للمفاسد أكثر منه مجلبة للمصالح على الأمة؟
علي سعيد طه: هو حقيقة كل هذه المفاهيم تحتاج إلى تجديد، التجديد لا.. لا يقتصر على ناحية دون أخرى، لكن هذا التجديد له ضوابط كما أسلفنا: التجديد يعني صيرورة الشيء جديداً، الجهاد مثلاً الجهاد هو طريقة شرعية لحمل الإسلام إلى العالم لإخراج البشرية الضالة من الظلمات إلى النور طريقة. والجهاد هو لدفع المعتدين علينا سواء كانوا الأميركان أو اليهود أو غيرهم، هذا هو الجهاد، فالذي يفعل ذلك مثلاً في فلسطين وينكأ في العدو. هذا شهيد، وإذا قُتِلَ قُتِل شهيداً، عندما يلاقي ربه هذا لا شأن لنا بذلك، إن هذا ليس من عملنا أصلاً، ولكن هو في.. عندنا هنا في الحكم الشرعي هو شهيد.
ولكن الذي يظن بأن الجهاد هو طريقة لتغيير حال الأمة والنهوض بالأمة وتجديد دين الأمة، نقول له: هذا الفهم يحتاج إلى تجديد، فإذن نحن لا.. لا نخشى من أن أي مفهوم من المفاهيم تُناقش هذه المفاهيم، سواء كانت مفاهيم إسلامية طرأ عليها بعض التشويش والغبش، سواء كانت مفاهيم أصلاً فُرضت علينا فرضاً مثل الأصولية يعني الأصولي في.. في الشريعة الإسلامية هو من يشتغل بعلم الأصول.. أصول الفقه، الأصولية مثلاً في.. في الغرب لها معنى آخر، الإرهاب له معنى آخر، فلها معاني فلذلك لابد من التجديد أمر الدين يدخل في كل هذه الأمور، يعني أنا مثلاً عندما أشاهد الجماهير تخرج وهي تحرق الأعلام، أعلام أميركا وبريطانيا وإسرائيل، أقول لا.. لا تحرقوا علم أميركا ولا علم بريطانيا ولا علم إسرائيل الأعلام الذي يجب أن تحرق هي علم السودان وعلم مصر والكويت والعراق وبغداد.. والجزائر وإندونيسيا وماليزيا لترتفع مكانها راية واحدة هي راية : "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، التي عليها نحيا وفي سبيلها نقاتل وعليها نموت وعليها نلقى الله، فإذن هذا فهم خاطئ إذا.. إذا أنا عبرت بإحراق هذا العلم، هذه هنا ينبئ عن فهم ما هو فهمي؟ الآن هذه.. هذا العمل مثلاً نصحح الفهم، نصحح العمل، لأنه بهذا التمزيق تمكن منا الكافر.
تبع .../...