المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غيابٌ قسري/ أحمد عيسى



أحمد عيسى
20-09-2013, 09:34 PM
غيابٌ قسري /




سمراء تشبه كل شيء ، تشابه الليل حين يتسلل بليونة ، أو حين ينقض فجأة ، فيضاجع هدأة النهار ، دائماً ترتبط بالليل ، بالغروب ، بالأفول، دائماً أعرف أنها لن تبقى طويلاً معي ، كنت كلما رأيت رقتها قلت لنفسي : هذه الفاتنة خلقت .. لتموت .
تستفزني عيناها ، نظراتها غريبة عني ، راقبت سطوع الحياة في عينيها ، قالت لي حين اشتد الوجع :
- اتركني يا شريف .
وقلت حين زاد البعد عن الحد :
- فكيف أفعل يا من امتلكت الروح ؟
ولم ترد ، لكني اقتربت لمسافة أكبر من المسافة الآمنة ، صرت قريباً لدرجة وقوع حوادث خطيرة جداً . مسافة يستحيل عندها ايقاف مركبتك .
الدموع تتزاحم في عينيها ، تبلل وجنتيها ، هل قلت لكم أنها سمراء ؟ فلِمَ يتورد خداها كأنها عروسٌ في ليلة زفافها تجالس رفيق العمر لأول مرة ؟ عذراء تكشف عن سرها ، تتعرى للمرة الأولى . رأيت حسنها وعريها دون أن تنزع قطعة واحدة ، اقتحمت ممالكها دون أن ألمسها ، دخلت إلى أعمق أعماقها بمجرد قبلة !
قبلةٌ كانت كفيلة بإسقاط كل حصونها ودفاعاتها ، وبخروجها من عذريتها وحيائها ، قبلة جعلتها تنساب إلى عروقي دفعة واحدة ، كأنني ابتلعتها فجأة . تلك امرأة لم أحبها بالتدريج ، بل ابتلعتها كأنها قرص فيتامين أو حبة مسكن يجعلك رغم أنفك مدمناً ، فهل تظن بإمكاني مغادرتها ؟
القبلة لم تستمر كما ظننت أنت ! بلها كانت خاطفة كأنها البرق ، كأنني اقتطفت قطعة من الجنة بغتة ، وفررت قبل أن تلاحقني عيون ملائكة السماء ، وهبطت للأرض دفعة واحدة ، المسافات اختزلتها في ثانية واحدة ، ما بين شفاهك أو لا شفاهك عالم كامل ، أجتازه في ثوان .
تركتها تنساب من بين ذراعي ، تتراجع ، وصدى كلمتها لم يزل بعد :
- اتركني يا شريف .
- أولم أفعل ؟
تشيح بوجهها : لا يكفي أن تعطيني حريتي !
أبتسم : فماذا أفعل اذن ؟
تقترب مني مرة أخرى ، حد اقتحام نقطة الخطر ذاتها ، تطرق برأسها وعينيها ترمقني مرة واحدة ، نظرة واحدة كانت كفيلة بزلزلتي : أرغمني .
أحتضنها : لا أستطيع .
تغوص بين ذراعي : حاول
وأعتصرها أكثر : سأحارب من أجلك ، ولن أتركك ، يكفيني أنتِ .
تتمتم : ووالديَ ، والأعمام ، والجيران ...
وأكمل : والأحياء والأموات ، كل الناس لن يحولوا بيننا . أنت لي مهما قلتِ ، لن يحول بيننا إلا أن تقرري أنتِ أن تتركيني .
تذوب من بين ذراعي ، كأنها كانت محض سراب ، ولا تطاردني إلا ابتسامة عذبة لا تفارقها .
*******
الموجة الأولى تطارد سابقاتها ، قرص الشمس استغل فرصة صفاء السماء لينقض على البحر ، الأصفر الذهبي ضرب ريشته على الماء فحوله ذهبا ، على الشاطئ قصور رمال بنتها نازك الملائكة ، وأبيات شعر للبياتي تتقافز فوق الحصى والرمال ، قال الموج للموج :
-أتراه يعانق وهماً ؟
فقال الموج : بل يعانق الحب الذي لم يفارق .
تستمر الحياة بوتيرتها ، وهو جالس يحتضن البحر ، والحب ، والحياة.
سمراء كانت رفيقة مجلسه ، أنامله تحتضن أناملها ، شفتاه تحتضن شفتيها ، يعتب البحر ، يزأر الليل ، ينقطع الصدى ،
كان البحر هو الشاهد ، وبين ثناياه احتضن الشاهد !
- اتركني يا شريف .
وبين الصدى والصدى .
- أرغمني .
ويزداد البحر غربة ، ويزداد الليل وحشة ، ويصبح الصوت أبكمَ ، والرمل صامتاً كالوطن .
*****

عبد السلام دغمش
22-09-2013, 01:34 PM
أخي الأديب أحمد عيسى
عشت في اجواء نصك القصصي الجميل والتعابير البليغة التي تجولت فيها ما بين البحر..والشاطئ..ثم قرص الشمس الذي ضرب البحر فأحاله ذهباً ..
ثم قبل كل ذلك عند تلك المحبوبة السمراء التي- في نظري - رمزية لما يعيش الانسان من أجله ويتعلق به بشرف- فقد نادته السمراء يا شريف-،ولا يتخلى عنه حتى يتغلغل في كيانه.
إنه الحب الذي لم يفارقه كما أفصح الموج في حديثه للموج..
ولعل من يتبعني في التعليق يلقي ضوءً اكثر على هذا النص الجميل..فهم اطول مني باعاً.

تحياتي.

ناديه محمد الجابي
23-09-2013, 07:10 PM
حيرتني أيها الأخ الفاضل أحمد عيسى قصتك
لقد همت مع تلك اللغة الشاعرية وتعابيرك الرائعة
وأنا أحاول أن أصل إلى حقيقة تلك السمراء الفاتنة
والتي تشبه الغروب أو الليل ـ وهل هو عشق حقيقي
لأمرأة ( خلقت .. لتموت ) ـ حاولت أن أتخيل هنا أن السمار
يرمز لسمار تربة أرض الوطن .. ولكن الوطن لا يموت.
إذا فلأسلم بأنها أمرأة وإنها امتلكت الروح , وعندما تمتزج
الأرواح فهو لا يحتاج أن يلمسها لكي يدخل إلى أعمق أعماقها
إنه نوع من الأمتزاج والتداخل ( كأنني ابتلعتها فجأة )
ولكنها ( تذوب من بين ذراعي, كأنها كانت محض سراب )
هنا غربت شمس حبيبته.
يقول الموج للموج: أتراه يعانق وهما؟ فيجيب الموج: إنه مازال
يعيش مع محبوبته التي رحلت .. كان البحر هو الشاهد, ولم يبق له منها
إلا ( شاهد القبر ) ليحتضنه.
وبين الصدى والصدى .. أرغمني
يزداد الليل وحشة ـ ويصبح الصوت أبكم , والرمل صامتا كالوطن.

نص يحمل صفة الإبداع والإمتاع
لا أستطيع أن أجزم إني استطعت سبر أغواره ولكني حاولت
عشت أمام سحر اللغة وبراعة التعبير وجمال الصياغة
متعة لا تدانيها متعة فشكرا لك
تحياتي وتقديري وودي.

نداء غريب صبري
13-10-2013, 11:31 PM
الرمز كثيف وبعيد جدا
ولكن القصة رائعة وعمق رمزها زاد من روعتها

أمتعتني قراءتها أخي

شكرا لك

بوركت

ربيحة الرفاعي
11-11-2013, 07:51 PM
إبداع سردي مائز ولغة شاعرية وبراعة وصف وترميز
أحسنت القص وتضمين النص محمولا بهيا بدلالات جميلة

دمت بخير مبدعنا

تحاياي

خلود محمد جمعة
14-11-2013, 11:57 PM
سرد ممتع بصور شاعرية رقيقة
الرمز فيها عميق زادها جمال
رسمت لوحتك بمداد ملون بالرقة
دمت بخير
مودتي وتقديري

آمال المصري
20-11-2013, 07:39 PM
في غياب خارج حدود الزمان والمكان احتضن الحلم في مزج بديع بين حب الوطن والمعشوقة بلغة شاعرية أنيقة جعلتنا نهيم معها ونعيش الواقع والخيال الذي تلبسه النص وتستمتع بتعابيره الرائعة التي أخذتنا معها لنكرر القراءة ونأبى الخروج من الصفحة
عالم من الإبداع وسحر في التصوير والتصويب واختيار الرموز
سأعود حتما لأرتوي من جمال النص أيها الرائع
بوركت واليراع
تحاياي

أحمد عيسى
21-11-2013, 04:20 PM
أخي الأديب أحمد عيسى
عشت في اجواء نصك القصصي الجميل والتعابير البليغة التي تجولت فيها ما بين البحر..والشاطئ..ثم قرص الشمس الذي ضرب البحر فأحاله ذهباً ..
ثم قبل كل ذلك عند تلك المحبوبة السمراء التي- في نظري - رمزية لما يعيش الانسان من أجله ويتعلق به بشرف- فقد نادته السمراء يا شريف-،ولا يتخلى عنه حتى يتغلغل في كيانه.
إنه الحب الذي لم يفارقه كما أفصح الموج في حديثه للموج..
ولعل من يتبعني في التعليق يلقي ضوءً اكثر على هذا النص الجميل..فهم اطول مني باعاً.

تحياتي.


القدير الأديب : عبد السلام دغمش

سعدت بمعانقتك لنصي المتواضع ، ولوقوفك على أهم مفرداته ، وأنت الأديب ذي الحس والروح .

ويبقى الرمز والصورة ، ويبقى الألم في داخل كل منا ، يكبر كل يوم ان فكرنا به ، ولا يختفي تماما ان تجاهلناه

لك التحية ، والحب ، وأجمل باقات الورد

أحمد عيسى
21-11-2013, 07:23 PM
حيرتني أيها الأخ الفاضل أحمد عيسى قصتك
لقد همت مع تلك اللغة الشاعرية وتعابيرك الرائعة
وأنا أحاول أن أصل إلى حقيقة تلك السمراء الفاتنة
والتي تشبه الغروب أو الليل ـ وهل هو عشق حقيقي
لأمرأة ( خلقت .. لتموت ) ـ حاولت أن أتخيل هنا أن السمار
يرمز لسمار تربة أرض الوطن .. ولكن الوطن لا يموت.
إذا فلأسلم بأنها أمرأة وإنها امتلكت الروح , وعندما تمتزج
الأرواح فهو لا يحتاج أن يلمسها لكي يدخل إلى أعمق أعماقها
إنه نوع من الأمتزاج والتداخل ( كأنني ابتلعتها فجأة )
ولكنها ( تذوب من بين ذراعي, كأنها كانت محض سراب )
هنا غربت شمس حبيبته.
يقول الموج للموج: أتراه يعانق وهما؟ فيجيب الموج: إنه مازال
يعيش مع محبوبته التي رحلت .. كان البحر هو الشاهد, ولم يبق له منها
إلا ( شاهد القبر ) ليحتضنه.
وبين الصدى والصدى .. أرغمني
يزداد الليل وحشة ـ ويصبح الصوت أبكم , والرمل صامتا كالوطن.

نص يحمل صفة الإبداع والإمتاع
لا أستطيع أن أجزم إني استطعت سبر أغواره ولكني حاولت
عشت أمام سحر اللغة وبراعة التعبير وجمال الصياغة
متعة لا تدانيها متعة فشكرا لك
تحياتي وتقديري وودي.


الزميلة القديرة : نادية الجابي

بل فعلتِ

سبرت أغوار النص ، وقرأت أجمل ما فيه ، وكنت باحساسك الأقرب

أحييك على روح الأديبة فيك ، وأثني على قراءتك المبدعة

تحية وشكر ، وأجمل باقات الورد

كوني بخير دائماً

عبدالإله الزّاكي
21-05-2014, 11:42 PM
غيابٌ قسري /

سمراء تشبه كل شيء ، تشابه الليل حين يتسلل بليونة ، أو حين ينقض فجأة ، فيضاجع هدأة النهار ، دائماً ترتبط بالليل ، بالغروب ، بالأفول، دائماً أعرف أنها لن تبقى طويلاً معي ، كنت كلما رأيت رقتها قلت لنفسي : هذه الفاتنة خلقت .. لتموت .
*****

نص متميز بلغته، ممتع بأسلوبه. سرني أن أرتشف من هذا الإبداع أديبنا المتألق أحمد عيسى.

تحاياي و تقديري

د. سمير العمري
10-07-2014, 09:32 AM
رأيتها قصة شاعرية تتحدث عن مشاعر الحب الصادقة وفراق قسري بموت تلك السمراء ولكن الحب لم يمت وبقي العناق ولو للجدث.

قصة جميلة يا أحمد ولا يأتي منك إلا كل جميل!

تقديري

لانا عبد الستار
05-09-2014, 05:25 PM
يبدو أنه نص له ظاهر وله باطن والرمز فيه كان مغرقا في الغموض ويقتح المجال للتخمين والتأويل ولست أدري هل هذا يكون في صالح النصوص أم هو ضدها
على العموم أنت قاص رائع أتأكد من ذلك كلما قرأت لك نصا جديدا ولغتك مميزة

أشكرك