تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ذات خريف



كاملة بدارنه
23-09-2013, 02:14 PM
ذات خريف
تتناثر أوراق شجرة التّين العملاقة، القابعة منذ سنين في باحة الدّار، وصاحب البيت يجلس على كرسيّ هزّاز، تراقب عيناه الأوراق في حركتها، مسترجعا كلام زوجه التي تلحّ عليه كلّ خريف أن يقطع هذه الشّجرة؛ لأنّها لم تعد قادرة على تنظيف السّاحة من حبّات التّين، المتساقطة صيفا، وتستضيف أنواعا عديدة من الحشرات، وخريفا عندما تجري خلف الأوراق، والرّياح تنقلها من زاوية إلى أخرى...
جرّته حبال الذّاكرة إلى أيّام طفولته، حين كانت والدته تجمع حبّات التين؛ لتجفيفها على سطح البيت، بعد تغطيته بالقشّ، وتخاف عليه من الوقوع، حين يعتلي الجذع لقطف الحبّات المختبئة بين أوراق الأغصان العالية، بعدما نجت من مناقير العصافير، فتظلّ واقفة بقلق حتّى ينزل.
كان يساعدها أيضا بنشر الحبّات، فيعتلي السّطح على السّلّم الخشبيّ الذي تآكلت أجزاء كثيرة من خشباته؛ كي يحظى برضاها...
وهو في غمرة صعوده سلّم الذّكرى، وإذ بزوجه تخاطبه بصوت عالِ: إلى متى ستبقى هذه التّينة مسبّبة لنا المشاكل، ومرهقة إيّاي؟ فأنا لم أعد شابّة يا أبا خالد.
هزّ برأسه، وضاعفت الهزّة من حركة كرسيّه، وأجابها: اليوم سترتاحين منها. فلكلّ شيء نهاية، ولكلّ المخلوقات خريف.
نزل إلى ساحة الدّار، تأمّل التّينة بتمعّن، ثمّ أمسك بغصن وكسره قبل أن يضع المنشار الكهربائيّ فوق أحد الفروع، فأحس نقاط الحليب التي سالت أرضا دموعا تبكي مأساة التّينة، ثمّ امتزجت بدموعه التي فاضت دون إدراك منه.. واستمرّ في عمليّة القطع؛ لئلّا يحنّ لعلاقته الوطيدة بهذه التّينة، فيتراجع عن قراره وتزداد المشاحنات وَ,..
ها هي ذي التّينة أصبحت ملقاة على الأرض. هل رضيت؟
خاطب زوجه، والعرق تتدحرج حبّاته مرطبة ذرات التّراب التي غذّت شجرة الخير.
وفيما أمّ خالد تنظر، وبريق الفرح يشعّ من عينيها شاكرة زوجها على إراحتها وإزالة عبء ثقيل عن كاهلها، مرّت عجوز، ولمّا رأت ما فعلوا بالتّينة وجمت للحظات ثمّ قالت غاضبة: ماذا فعلتم بالتّينة؟ كيف تتجرّؤون على قطع خير هذا البيت؟ هذه التّينة غرسها أحد الصّالحين من أجدادكم، وكانت وصيّته أن تحظى بالعناية، وأن يتصدّق أهل البيت من ثمرها... اللهمّ كُفّ الشّرّ عن هذا البيت، وامنع عنه غضبك بسبب فعلة أهله.!
تمتمت بهذه الكلمات، وأكملت طريقها، فيما ظلّ صدى تلك الكلمات يتردّد في فضاء البيت، فشعر أبو خالد بقشعريرة لم يشعر بمثلها من قبل، ونادى ربّه قائلا: اللهمّ ردّ عنّا فأل هذه الخَرِفَة، وشرّ خزعبلاتها!
لم يعد يطيق النّظر إلى تلك الفروع الملقاة أرضا، فدخل البيت، وأفكاره تروح وتجيء كخطواته التي تباطأت عمّا قبل.
تعب لكثرة ما رشقته حجارة الفكر، فعاد إلى كرسيّه، لكنّه لم يستطع النّظر إلى الشّرفة كما اعتاد، فنظر إلى صورة جدّه المعلّقة قبالته وأخذته الأفكار بعيدا؛ مستحضرا صور جدّه حين كان يجلس كلّ صباح صيفيّ، ومجموعة من أهل الحيّ بالقرب من التّينة، وسلّة التّين تدور على الحاضرين.
تُرى هل غرست يداك هذه التّينة، وجئت أنا قاطعا كلّ شيء؟! تسمّرت عيناه في الصّورة، وإذ به يرى حزنا فيهما يردفه غضب لم يسبق أن رآهما من قبل، فأحسّ بجفاف في ريقه، وخشي أن يصبح عاقّا لجدّه، بعدما دعا له وهو مسجّى على فراش الموت بالرّضا والتّوفيق...
أفرغ في جوفه كوبا من الماء، والشّعور بالعطش لا يُطفَأ وهجه، والنّظرات تزيد من قلقه وخوفه.. وبغتة يخترق جدار صمته صوت حفيده معاتبا: لماذا قطعت شجرة التّين يا جدي؟! انظر إلى يدي التي تضاعف عدد حبّات الثآليل فيها. لقد تذكّرت عندما داويت إصبع زميلي في العام الماضي، وسمعتهم يقولون أيضا بأنّها شجرة مباركة فجئتك مهرولا.. لكنّ جدّتي أخبرتني بأنك قطعتها، وجاء صبية الحيّ وجرجروا الفروع والأغصان وأخذوها بعيدا..
لماذا فعلت ذلك؟ لماذا؟!
لم يستطع الإجابة، إذ أحسّ بضيق في صدره، وبعد أن أفلح باسترداد أنفاسه قال: سيكون خيرا، وسنجد حليب التّين للعلاج يا عزيزي.
هدّأ من روع الصّبيّ، لكنّه لم يستطع تهدئة مخاوفه... أيعقل أن يكون هذا إنذارا وتذكيرا بأنّ قطع التّينة كان خطئا كبيرا، إضافة إلى ما رأيته من نظرات جدّي؟
اللهمّ الطف بنا، وارضّ عنّا..
مرّ اسبوع دونما حدث يقلق، فاطمأنّ أبو خالد بعد أن عزله الخوف من عاقبة فعلته عن أقرانه وعياله، فقرّر دعوة أبنائه وأحفاده إلى وليمة عن روح جدّه الذي قرأ العتاب والملامة في عينيه.
اقترحت أم خالد أن يجلس الجميع في باحة الدّار التي نظّفتها احتفالا بتخلصها من النّحل، والذّبابّ، والنّمل، والورق المتطاير رغم نسمة الرّياح الخريفيّة الباردة.
وصل الأولاد والأحفاد، وبدوا كخليّة نحل في نشاطهم، وتحضيرهم للوليمة، ثمّ تحلّقوا حول موائد الطّعام، وقبل أن يبدأ البسملة، سأل عن سبب تغيّب ابنه الأصغر أمين، فأخبرته زوجه أنّه سيتأخر بسبب مسافر اتّصل به فجأة؛ ليقلّه إلى إحدى المدن البعيدة.. لا تنتظروه، سيأتي لاحقا ويأكل.
أصوات الملاعق المزعجة تدوّي في فضاء السّاحة، بعدما كانت تنعشه زقزقة العصافير صباحا ومساء، حتّى في الخريف العاري.
يأكل أفراد العائلة، ويثنون على أمّ خالد.. لا نكهة لطعام مثل طعام الأمّ. والوالد يأكل دون تعليق على نسبة ملوحة الطّعام.
انتهت الوليمة، وأصغر الأبناء لمّا يأت بعد. وفيما قلب الأب يخبط قلقا، وإذ بكنّته تصيح: أمين تعرض لحادث سير، ونقل إلى المستشفى.
هرعت العائلة صوب المستشفى، وبقي هو واجما للحظات، ثمّ تذكّر التّينة، فنظر نحو مكانها، وهاله أن رأى أصلها لا يزال ثابتا في الأرض، فأسرع لإحضار الماء، وجثا على ركبتيه الواهنتين يرويها، ومخاطبا إيّاها بصوت عالٍ: يجب أن تورقي وتثمري.. يجب أن تعود البركة إلى هذا البيت.. يجب...

ناديه محمد الجابي
23-09-2013, 05:38 PM
رائعة قصتك أيتها العزيزة كاملة..
قال تعالى : ( والتين والزيتون * وطور سنين * وهذا البلد الأمين )
أقسم الله بالتين ( وقد قدم التين على الزيتون) والله لا يقسم إلا بعظيم
وهذا دليل على أهمية هذه الشجرة وإشارة هامة إلى أن لها فوائد ومنافع جمة.
وأنا مثل هذا الجد لا أحب قطع الأشجار, وأرى في قطع أي شجرة مثمرة هو قطع
للبركة عن البيت ـ وأحمد الله أن الجذور مازالت موجودة وبسقيها ستعود البركة من جديد.

لن أضيف جديدا عندما أقول إنك أديبة متمكنة من أدواتها بشكل لافت
سقت النص بلغة متينة وتعابير جميلة لتمتعينا بقصة إنسانية عظيمة
تحية إليك بحجم روعة قلمك.

هَنا نور
24-09-2013, 01:54 AM
الرائعة المبدعة الأستاذة كاملة بدارنه

قرأتُها أكثر من مرة .. قراءة تلميذٍ يريدُ أن يتعلم على يد أساتذةٍ كبار.

بوركتِ سيدتي وبورك قلمكِ المبدع.

مودتي وتقديري.

كاملة بدارنه
24-09-2013, 06:32 PM
رائعة قصتك أيتها العزيزة كاملة..
قال تعالى : ( والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين )
أقسم الله بالتين ( وقد قدم التين على الزيتون) والله لا يقسم إلا بعظيم
وهذا دليل على أهمية هذه الشجرة وإشارة هامة إلى أن لها فوائد ومنافع جمة.
وأنا مثل هذا الجد لا أحب قطع الأشجار, وأرى في قطع أي شجرة مثمرة هو قطع
للبركة عن البيت ـ وأحمد الله أن الجذور مازالت موجودة وبسقيها ستعود البركة من جديد.

لن أضيف جديدا عندما أقول إنك أديبة متمكنة من أدواتها بشكل لافت
سقت النص بلغة متينة وتعابير جميلة لتمتعينا بقصة إنسانية عظيمة
تحية إليك بحجم روعة قلمك.
شكرا لك عزيزتي نادية على المداخلة ومرورك الرّائعين ، وتحيّة أروع لك
بوركت
تقديري وتحيّتي

حارس كامل
24-09-2013, 09:14 PM
دائما لا نقدر قيمة الأشياء إلا بعد أن تزول من أيادينا
وكثيرا ما نبحث عن الرونق و الأدوات الحديثة ونفقد وراءها تراثنا
أري في هذه التينة القيم والتاريخ الذي إن اقتلعناه افتقدت بوصلة
أري في النص اسقاط رائع مع حبكة وسرد جديرين بإبداعك
سلمت أناملك
تحيتي وتقديريِ

محمد الشرادي
24-09-2013, 10:02 PM
أهلا أختي كاملة
نص متكامل، استوفى كل شروط القق من حيث السرد و الفكرة و التشويق في بناء النص.
لقلمك جمال رائع في الحكي
تحياتي

عبد السلام دغمش
25-09-2013, 06:26 PM
الأخت كاملة
شكراً لهذا النص الجميل ..لشجرة التين كما للزيتون توقير عند الكثير..وغدت هذه الاشجار رمزاً للاحتفاظ بعبق الماضي وصلة ً بالاجداد.
ربما رمزتم أديبتنا الفاضلة لشجرة التين بالتراث على عمومه و مهما انسلخ عنه الجيل فإن جذوره لا تزال عميقة.
تحياتي.

آمال المصري
26-09-2013, 02:06 PM
كعادتك عزيزتي كاملة انتقاء للفكرة وتغليفها أدبيا وجماليا بأسلوب مائز
كان لشجرة التين هنا دور البطل في النص وإشارة للستر عندما راح آدم وزوجه يخصفان من ورقها على سوآتهما في الجنة
وبالنص عند اجتثاثها بدأت تحل النوائب على أهل الدار إذ أخذت معها ما تظلل به من بركة على من فيه
النص يحمل الكثير الكثير ومهما كتبت لا أقدر أن أعطيه ما يستحق
بوركت أديبتنا القديرة واليراع
محبتي وسلال ياسمين

كاملة بدارنه
26-09-2013, 10:46 PM
الرائعة المبدعة الأستاذة كاملة بدارنه

قرأتُها أكثر من مرة .. قراءة تلميذٍ يريدُ أن يتعلم على يد أساتذةٍ كبار.

بوركتِ سيدتي وبورك قلمكِ المبدع.

مودتي وتقديري.


لاشكّ أنّك أستاذة متميّزة أخت هنا
شكرا لك على المرور والثّقة الممنوحة
بوركت
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
28-09-2013, 08:23 PM
دائما لا نقدر قيمة الأشياء إلا بعد أن تزول من أيادينا
وكثيرا ما نبحث عن الرونق و الأدوات الحديثة ونفقد وراءها تراثنا
أري في هذه التينة القيم والتاريخ الذي إن اقتلعناه افتقدت بوصلة
أري في النص اسقاط رائع مع حبكة وسرد جديرين بإبداعك
سلمت أناملك
تحيتي وتقديريِ

شكرا لك أخ حارس على كلماتك القيّمة
القيم والتّاريخ يجب أن يبقيا راسخي الجذور في ترب الحفاظ عليهما
بوركت
تقديري وتحيّتي

عدي بلال
29-09-2013, 10:54 AM
القديرة كاملة بدارنه
" ذات خريف " قصة قصيرة .

قبل أن أبدأ بتعقيبي هنا ، أود أن أعرّف شجرة التين لغايةٍ ، أوضحها لاحقاً .

التين شجرة كبيرة قد يصل ارتفاعها إلى أكثر من عشرة أمتار متساقطة الأوراق.تأخذ أشكالاً مختلفة من هرمية إلى كروية وقد تكون مفترشة. تخرج في العادة أفرع كثيرة وسرطانات من تحت الأرض حول الجذع. تعيش الشجرة بالمتوسط 50-70 عاماً وقد يصل إلى 100 عام في الظروف البيئية الملائمة. ( 1 )


بسم الله أبدأ ..


تتناثر أوراق شجرة التّين العملاقة، القابعة منذ سنين في باحة الدّار، وصاحب البيت يجلس على كرسيّ هزّاز، تراقب عيناه الأوراق في حركتها، مسترجعا كلام زوجه التي تلحّ عليه كلّ خريف أن يقطع هذه الشّجرة؛ لأنّها لم تعد قادرة على تنظيف السّاحة من حبّات التّين، المتساقطة صيفا، وتستضيف أنواعا عديدة من الحشرات، وخريفا عندما تجري خلف الأوراق، والرّياح تنقلها من زاوية إلى أخرى...


في الجزئية السابقة ..

بدأتِ السرد بلسان الراوي العليم ، الذي يروي الأحداث دون تدخلٍ منه في مجرياتها .
شجرة تينٍ عملاقة ، تتناثر أوراقها في باحة الدار ، وظهور أول للشخصية الرئيسية الأولى ، صاحب الدار ، وكرسي هزاز ، تراقب عيناه أوراقها ، وما يدور في عقله في تلك اللحظة ، هو استرجاع كلمات زوجته ، الشخصية الرئيسية الثانية ، وجملة " لم تعد قادرة على تنظيف الساحة " توحي للقارىء بأننا هنا نتحدث عن شخصيتين مسنتين ، نال منهما الكبر .



جرّته حبال الذّاكرة إلى أيّام طفولته، حين كانت والدته تجمع حبّات التين؛ لتجفيفها على سطح البيت، بعد تغطيته بالقشّ، وتخاف عليه من الوقوع، حين يعتلي الجذع لقطف الحبّات المختبئة بين أوراق الأغصان العالية، بعدما نجت من مناقير العصافير، فتظلّ واقفة بقلق حتّى ينزل.
كان يساعدها أيضا بنشر الحبّات، فيعتلي السّطح على السّلّم الخشبيّ الذي تآكلت أجزاء كثيرة من خشباته؛ كي يحظى برضاها...

في الجزئية السابقة ..

انقطاع للتسلسل الزمني للقصة ( فلاش باك ) لاستحضار مشهد أو مشاهد ماضية ، لتلقي الضوء على موقف من المواقف للشخصية الأولى ، وذكرياته مع والدته وشجرة التين حين كان طفلاً ، فاختيار شجرة التين كان موفقاً لطول الفترة الزمنية .. ( 1 )



وهو في غمرة صعوده سلّم الذّكرى، وإذ بزوجه تخاطبه بصوت عالِ: إلى متى ستبقى هذه التّينة مسبّبة لنا المشاكل، ومرهقة إيّاي؟ فأنا لم أعد شابّة يا أبا خالد.
هزّ برأسه، وضاعفت الهزّة من حركة كرسيّه، وأجابها: اليوم سترتاحين منها. فلكلّ شيء نهاية، ولكلّ المخلوقات خريف.
نزل إلى ساحة الدّار، تأمّل التّينة بتمعّن، ثمّ أمسك بغصن وكسره قبل أن يضع المنشار الكهربائيّ فوق أحد الفروع، فأحس نقاط الحليب التي سالت أرضا دموعا تبكي مأساة التّينة، ثمّ امتزجت بدموعه التي فاضت دون إدراك منه.. واستمرّ في عمليّة القطع؛ لئلّا يحنّ لعلاقته الوطيدة بهذه التّينة، فيتراجع عن قراره وتزداد المشاحنات وَ,..
ها هي ذي التّينة أصبحت ملقاة على الأرض. هل رضيت؟
خاطب زوجه، والعرق تتدحرج حبّاته مرطبة ذرات التّراب التي غذّت شجرة الخير.


في الجزئية السابقة ..

بداية الحدث ، والحوار الأول بين الشخصيتين حول إصرار الزوجة على بتر هذه الشجرة التي أرهقتها ، وتعريف باسم الشخصية الأولى ، الزوج " أبو خالد " ، وتحرك الأخير لإنهاء هذه المسألة بعد طول مماطلة .
السؤال الذي يجب أن نسأله : هل كان للقطع الزمني والمكاني ( فلاش باك ) ضرورة في السرد ..؟
والجواب : نعم لأنه جاء ليعبر عن الصلة الحميمية بين الشخصية الزوج وهذه الشجرة ، وتمهيداً لبكائه لحظة بتر هذه الشجرة .



وفيما أمّ خالد تنظر، وبريق الفرح يشعّ من عينيها شاكرة زوجها على إراحتها وإزالة عبء ثقيل عن كاهلها، مرّت عجوز، ولمّا رأت ما فعلوا بالتّينة وجمت للحظات ثمّ قالت غاضبة: ماذا فعلتم بالتّينة؟ كيف تتجرّؤون على قطع خير هذا البيت؟ هذه التّينة غرسها أحد الصّالحين من أجدادكم، وكانت وصيّته أن تحظى بالعناية، وأن يتصدّق أهل البيت من ثمرها... اللهمّ كُفّ الشّرّ عن هذا البيت، وامنع عنه غضبك بسبب فعلة أهله.!
تمتمت بهذه الكلمات، وأكملت طريقها، فيما ظلّ صدى تلك الكلمات يتردّد في فضاء البيت، فشعر أبو خالد بقشعريرة لم يشعر بمثلها من قبل، ونادى ربّه قائلا: اللهمّ ردّ عنّا فأل هذه الخَرِفَة، وشرّ خزعبلاتها!

في الجزئية السابقة ..

جاء رد فعل الشخصية الزوجة " أم خالد " على تحقق مبتغاها / قطع شجرة التين ، وظهرت شخصية ثانوية " عجوز " ، والتي أدت دورها في القصة ( حقيقة هذه الشجرة / هوية من زرعها / الرجل الصالح / البركة والتصدق من ثمارها / زرع الشكوك في نفس أهل البيت من لعنة قطعها ، وانعدام البركة )
هنا كان كلام العجوز واضحاً مفهوماً ، ولا أدري إن كان الفعل " تمتمت " في محله أم لا ؟!
والفأل ما يستبشر به ، ولربما يجوز استخدامه في جملة الدعاء " اللهم رد عنا فأل هذه الخرفة " ، إذ أن البعض أجاز استخدامه فيما يُكره .
ظهور هذه الشخصية كان مهماً ، لزرع بذرة الشك عند الزوج في فعل البتر ، ويخدم فكرة النص ( شجرة التين والبركة ) .



لم يعد يطيق النّظر إلى تلك الفروع الملقاة أرضا، فدخل البيت، وأفكاره تروح وتجيء كخطواته التي تباطأت عمّا قبل.
تعب لكثرة ما رشقته حجارة الفكر، فعاد إلى كرسيّه، لكنّه لم يستطع النّظر إلى الشّرفة كما اعتاد، فنظر إلى صورة جدّه المعلّقة قبالته وأخذته الأفكار بعيدا؛ مستحضرا صور جدّه حين كان يجلس كلّ صباح صيفيّ، ومجموعة من أهل الحيّ بالقرب من التّينة، وسلّة التّين تدور على الحاضرين.
تُرى هل غرست يداك هذه التّينة، وجئت أنا قاطعا كلّ شيء؟! تسمّرت عيناه في الصّورة، وإذ به يرى حزنا فيهما يردفه غضب لم يسبق أن رآهما من قبل، فأحسّ بجفاف في ريقه، وخشي أن يصبح عاقّا لجدّه، بعدما دعا له وهو مسجّى على فراش الموت بالرّضا والتّوفيق...


في الجزئية السابقة ..

انقطاع للتسلسل الزمني ( فلاش باك ) ، ومونولوج داخلي للشخصية ( أبو خالد ) ، وظهور أول للشخصية الجد ، من خلال تلك الصورة المعلقة على الحائط ، وهذه الشخصية جاء ظهورها داعماً لحديث العجوز ، لتعزيز معتقد البركة لشجرة التين ، والقاصة هنا تحاول تأكيد الفكرة من خلال حزن/ غضب الجد التخيلي في الصورة .



أفرغ في جوفه كوبا من الماء، والشّعور بالعطش لا يُطفَأ وهجه، والنّظرات تزيد من قلقه وخوفه.. وبغتة يخترق جدار صمته صوت حفيده معاتبا: لماذا قطعت شجرة التّين يا جدي؟! انظر إلى يدي التي تضاعف عدد حبّات الثآليل فيها. لقد تذكّرت عندما داويت إصبع زميلي في العام الماضي، وسمعتهم يقولون أيضا بأنّها شجرة مباركة فجئتك مهرولا.. لكنّ جدّتي أخبرتني بأنك قطعتها، وجاء صبية الحيّ وجرجروا الفروع والأغصان وأخذوها بعيدا..
لماذا فعلت ذلك؟ لماذا؟!
لم يستطع الإجابة، إذ أحسّ بضيق في صدره، وبعد أن أفلح باسترداد أنفاسه قال: سيكون خيرا، وسنجد حليب التّين للعلاج يا عزيزي.
هدّأ من روع الصّبيّ، لكنّه لم يستطع تهدئة مخاوفه... أيعقل أن يكون هذا إنذارا وتذكيرا بأنّ قطع التّينة كان خطئا كبيرا، إضافة إلى ما رأيته من نظرات جدّي؟
اللهمّ الطف بنا، وارضّ عنّا..


في الجزئية السابقة ..

ظهرت الشخصية الثانوية ( الحفيد ) ، والجمل الحوارية التي دارت بين الشخصيتين ، كانت موفقة ، لتأكيد البركة للشجرة .

وقفة

من وجهة نظري أ . كاملة أن هذه الجملة الاستفهامية (أيعقل أن يكون هذا إنذارا وتذكيرا بأنّ قطع التّينة كان خطئا كبيرا، إضافة إلى ما رأيته من نظرات جدّي؟ ) يُفضل الاستغناء عنها.
والسبب هو أن التذكير المستمر للبركة ، يعتبر حمل للفكرة ، وكأنكِ تخشين أن ينساها .
اعتمدتِ في السرد على أن تكون القصة ذات حبكة مترابطة ، فعدسة الكاميرا لم تفارق الشخصيات ، وكانت محكمة ، والشخصيات تقوم بدورها كما ينبغي .
والقارىء الآن يترقب حدوث أمر ما ، بعد أن زرعتِ بداخله بذرة الشك في حدوث مكروهٍ قد يحصل بسبب قطع تلك الشجرة / البركة .



مرّ اسبوع دونما حدث يقلق، فاطمأنّ أبو خالد بعد أن عزله الخوف من عاقبة فعلته عن أقرانه وعياله، فقرّر دعوة أبنائه وأحفاده إلى وليمة عن روح جدّه الذي قرأ العتاب والملامة في عينيه.
اقترحت أم خالد أن يجلس الجميع في باحة الدّار التي نظّفتها احتفالا بتخلصها من النّحل، والذّبابّ، والنّمل، والورق المتطاير رغم نسمة الرّياح الخريفيّة الباردة.
وصل الأولاد والأحفاد، وبدوا كخليّة نحل في نشاطهم، وتحضيرهم للوليمة، ثمّ تحلّقوا حول موائد الطّعام، وقبل أن يبدأ البسملة، سأل عن سبب تغيّب ابنه الأصغر أمين، فأخبرته زوجه أنّه سيتأخر بسبب مسافر اتّصل به فجأة؛ ليقلّه إلى إحدى المدن البعيدة.. لا تنتظروه، سيأتي لاحقا ويأكل.
أصوات الملاعق المزعجة تدوّي في فضاء السّاحة، بعدما كانت تنعشه زقزقة العصافير صباحا ومساء، حتّى في الخريف العاري.

في الجزئية السابقة ..

بعد أسبوع

التوجس الذي خلّفه قطع الشجرة ، لدى الشخصية " أبو خالد " ، بقي موجوداً ، وإن كان خفياً ، وراق لي وصفك لفرحة " أم خالد " بعد أن تحقق مبتغاها ، وارتاحت من عناء التنظيف المستمر لهذه الساحة ، بمعنى أن الشخصية تصرفت حسب عقليتها ودواخلها ، وتفاعلت مع الحدث .

ظهرت شخصيات ثانوية أخرى في هذه الجزئية ، الأولاد / الأحفاد ، وشخصية أصغر الأولاد ( أمين ) – ولم أر ضرورة لذكر اسمه هنا – الذي تغيب عن الحضور ، وبررت زوجته سبب غيابه .
راق لي أيضاً تصوير الفرق بين زقزقة العصافير وأصوات الملاعق ، وشتان بين الصوتين .


يأكل أفراد العائلة، ويثنون على أمّ خالد.. لا نكهة لطعام مثل طعام الأمّ. والوالد يأكل دون تعليق على نسبة ملوحة الطّعام.
انتهت الوليمة، وأصغر الأبناء لمّا يأت بعد. وفيما قلب الأب يخبط قلقا، وإذ بكنّته تصيح: أمين تعرض لحادث سير، ونقل إلى المستشفى.


في الجزئية السابقة ..

تصوير للسعادة الممزوجة بقلق خفي من الشخصية ( أبو خالد ) للعائلة ، وورود خبر حادث السير للابن الأصغر – ربما من خلال مكالمة مثلاً ..! - وتوجه العائلة إلى المشفى .


هرعت العائلة صوب المستشفى، وبقي هو واجما للحظات، ثمّ تذكّر التّينة، فنظر نحو مكانها، وهاله أن رأى أصلها لا يزال ثابتا في الأرض، فأسرع لإحضار الماء، وجثا على ركبتيه الواهنتين يرويها، ومخاطبا إيّاها بصوت عالٍ: يجب أن تورقي وتثمري.. يجب أن تعود البركة إلى هذا البيت.. يجب.


اخترتِ نهاية مفتوحة ، وتركتِ القارىء يتساءل : هل سينجو ..؟! ، وأراها موفقة جداً .

وراق لي تصرف الأب في بقائه ، وتصرفه المتوافق مع معتقده ببركة الشجرة ، فكأنما القاصة تخبرنا بأن الحفاظ على هذه الشجرة / البركة هو حفاظ على تماسك العائلة .

أستاذة كاملة بدارنه

استمتعت بهذه القصة الجميلة ، الهادفة ، والشيقة أيضاً .
شكراً لكِ

ربيحة الرفاعي
01-10-2013, 11:58 PM
ولوج موفق في عتبة النص الأولى بلوحة صورت محور القصة " شجرة التين" في خريفها وشيخ في خريفه على كرسي هزاز في إشارة لتأرجحه بين ما أوضحته الكاتبة في مطالبة زوجته بقطع الشجرة ونداءات الماضي تعوي بها الذاكرة في مشهد استرجاعي يحدث المتلقي بموقعها من نفسه..

وكما يستسلم كثيرون لضغط الإلحاح استسلم أبو خالد لإلحاحها واستقرت الأرجوحة لصالح الزوجة فقطع الشجرة، لكن تلك العجوز التي مرت بهما لم تسمح بدوام ذلك الاستقرار فصاحت مؤنبة ومضت بغضبها متمتة بالتأنيب تزلزل تماسك العجوز وتوقعه في قيعان القلق، يزيد من معاناته فيها توافق استنكار صاحب الصورة/جده وابن الحياة/حفيده لفعلته ..
وبين المخاوف والقلق من وإصابة الابن الأصغر في حادث السير من جهة أخرى تعود للواجهة بركة التينة التي أوشك أن يحرم بيته منها فيبقى إلى جانبها يروي جذورها ويطالبها بالبقاء والحياة بينما ذهبوا للمستشفى لزيارة الفتى

قصة كدأبك مائزة سردا وحبكة وأداء

دمت أديبتنا والروعة

كاملة بدارنه
09-10-2013, 01:51 PM
أهلا أختي كاملة
نص متكامل، استوفى كل شروط القق من حيث السرد و الفكرة و التشويق في بناء النص.
لقلمك جمال رائع في الحكي
تحياتي
أهلا بك أخ محمّد
شكرا على شهادتك وحضورك الكريم
بارك الله فيك
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
19-10-2013, 09:40 PM
الأخت كاملة
شكراً لهذا النص الجميل ..لشجرة التين كما للزيتون توقير عند الكثير..وغدت هذه الاشجار رمزاً للاحتفاظ بعبق الماضي وصلة ً بالاجداد.
ربما رمزتم أديبتنا الفاضلة لشجرة التين بالتراث على عمومه و مهما انسلخ عنه الجيل فإن جذوره لا تزال عميقة.
تحياتي.
شكرا لمرورك أخي الكريم على المداخلة القيّمة
بوركت
تقديري وتحيّتي

فاطمه عبد القادر
23-10-2013, 05:55 PM
وهاله أن رأى أصلها لا يزال ثابتا في الأرض، فأسرع لإحضار الماء، وجثا على ركبتيه الواهنتين يرويها، ومخاطبا إيّاها بصوت عالٍ: يجب أن تورقي وتثمري.. يجب أن تعود البركة إلى هذا البيت.. يجب...


السلام عليكم
هكذا يعلق الإنسان تشاؤمه وتفاؤله على بعض أشياء ربما كانت لا قيمة لها ,
فكيف بشجرة تين معمرة رافقته أيام صباه ؟؟
أكره قطع الأشجار في كل الأحوال ,وأيضا قطف الزهور ,وأحب أن أشمها وأبقيها على غصنها ,
من ناحية أخرى قد أحسست بتعب الزوجة المسنة من إرهاق التنظيف ,ومشكلة الحشرات ,
لا أعتقد أن هناك صلة بين قطع الشجرة والحادث, إلا في مشاعر الرجل وربما العائلة ,ولكن لو كنت مكانه لربطت من غير شك ,
أتذكر أنه حصل في الماضي ,وذهبت للمستشفى هارعة مستعجلة في نفس الرداء ,وكان بين المرّة والمرّة ليس أياما بل شهورا وربما أكثر ,فتشاءمت ,
فما كان مني إلا أن أخذت الرداء خارجا وبللته بالكاز وبقيت أقلبه بالعصا حتى لم يبق فيه ذرة لم تحترق ,فارتحت .
قصة جميلة ,مشوّقة ,تشير لحالة الإنسان النفسية, وتربط بينه وبين ذكريات الماضي ,وبين رغبته ورغبة الآخرين ,
قصة تستحق القراءة
شكرا كاملة
ماسة

كاملة بدارنه
24-10-2013, 04:05 PM
كعادتك عزيزتي كاملة انتقاء للفكرة وتغليفها أدبيا وجماليا بأسلوب مائز
كان لشجرة التين هنا دور البطل في النص وإشارة للستر عندما راح آدم وزوجه يخصفان من ورقها على سوآتهما في الجنة
وبالنص عند اجتثاثها بدأت تحل النوائب على أهل الدار إذ أخذت معها ما تظلل به من بركة على من فيه
النص يحمل الكثير الكثير ومهما كتبت لا أقدر أن أعطيه ما يستحق
بوركت أديبتنا القديرة واليراع
محبتي وسلال ياسمين

شكرا لك عزيزتي الأخت آمال على مداخلتك ومحبّتك وسلال الياسمين
رائعة دوما بلطفك
بوركت
تقديري وتحيّتي

خلود محمد جمعة
26-10-2013, 01:43 AM
الأديبة كاملة بدارنة
أنا لم أقرأها بل أنصت لك،سمعت صوت جدتي ، ركضت في ساحة البيت، لففت حول شجرة التين، بكيت مع ابو خالد.
مبدعة كعادتك
دام قلمك يمسح على جروحنا
محبتي و احترامي

كاملة بدارنه
28-10-2013, 02:47 PM
القديرة كاملة بدارنه
" ذات خريف " قصة قصيرة .

قبل أن أبدأ بتعقيبي هنا ، أود أن أعرّف شجرة التين لغايةٍ ، أوضحها لاحقاً .

التين شجرة كبيرة قد يصل ارتفاعها إلى أكثر من عشرة أمتار متساقطة الأوراق.تأخذ أشكالاً مختلفة من هرمية إلى كروية وقد تكون مفترشة. تخرج في العادة أفرع كثيرة وسرطانات من تحت الأرض حول الجذع. تعيش الشجرة بالمتوسط 50-70 عاماً وقد يصل إلى 100 عام في الظروف البيئية الملائمة. ( 1 )


بسم الله أبدأ ..



في الجزئية السابقة ..

بدأتِ السرد بلسان الراوي العليم ، الذي يروي الأحداث دون تدخلٍ منه في مجرياتها .
شجرة تينٍ عملاقة ، تتناثر أوراقها في باحة الدار ، وظهور أول للشخصية الرئيسية الأولى ، صاحب الدار ، وكرسي هزاز ، تراقب عيناه أوراقها ، وما يدور في عقله في تلك اللحظة ، هو استرجاع كلمات زوجته ، الشخصية الرئيسية الثانية ، وجملة " لم تعد قادرة على تنظيف الساحة " توحي للقارىء بأننا هنا نتحدث عن شخصيتين مسنتين ، نال منهما الكبر .




في الجزئية السابقة ..

انقطاع للتسلسل الزمني للقصة ( فلاش باك ) لاستحضار مشهد أو مشاهد ماضية ، لتلقي الضوء على موقف من المواقف للشخصية الأولى ، وذكرياته مع والدته وشجرة التين حين كان طفلاً ، فاختيار شجرة التين كان موفقاً لطول الفترة الزمنية .. ( 1 )





في الجزئية السابقة ..

بداية الحدث ، والحوار الأول بين الشخصيتين حول إصرار الزوجة على بتر هذه الشجرة التي أرهقتها ، وتعريف باسم الشخصية الأولى ، الزوج " أبو خالد " ، وتحرك الأخير لإنهاء هذه المسألة بعد طول مماطلة .
السؤال الذي يجب أن نسأله : هل كان للقطع الزمني والمكاني ( فلاش باك ) ضرورة في السرد ..؟
والجواب : نعم لأنه جاء ليعبر عن الصلة الحميمية بين الشخصية الزوج وهذه الشجرة ، وتمهيداً لبكائه لحظة بتر هذه الشجرة .




في الجزئية السابقة ..

جاء رد فعل الشخصية الزوجة " أم خالد " على تحقق مبتغاها / قطع شجرة التين ، وظهرت شخصية ثانوية " عجوز " ، والتي أدت دورها في القصة ( حقيقة هذه الشجرة / هوية من زرعها / الرجل الصالح / البركة والتصدق من ثمارها / زرع الشكوك في نفس أهل البيت من لعنة قطعها ، وانعدام البركة )
هنا كان كلام العجوز واضحاً مفهوماً ، ولا أدري إن كان الفعل " تمتمت " في محله أم لا ؟!
والفأل ما يستبشر به ، ولربما يجوز استخدامه في جملة الدعاء " اللهم رد عنا فأل هذه الخرفة " ، إذ أن البعض أجاز استخدامه فيما يُكره .
ظهور هذه الشخصية كان مهماً ، لزرع بذرة الشك عند الزوج في فعل البتر ، ويخدم فكرة النص ( شجرة التين والبركة ) .





في الجزئية السابقة ..

انقطاع للتسلسل الزمني ( فلاش باك ) ، ومونولوج داخلي للشخصية ( أبو خالد ) ، وظهور أول للشخصية الجد ، من خلال تلك الصورة المعلقة على الحائط ، وهذه الشخصية جاء ظهورها داعماً لحديث العجوز ، لتعزيز معتقد البركة لشجرة التين ، والقاصة هنا تحاول تأكيد الفكرة من خلال حزن/ غضب الجد التخيلي في الصورة .





في الجزئية السابقة ..

ظهرت الشخصية الثانوية ( الحفيد ) ، والجمل الحوارية التي دارت بين الشخصيتين ، كانت موفقة ، لتأكيد البركة للشجرة .

وقفة

من وجهة نظري أ . كاملة أن هذه الجملة الاستفهامية (أيعقل أن يكون هذا إنذارا وتذكيرا بأنّ قطع التّينة كان خطئا كبيرا، إضافة إلى ما رأيته من نظرات جدّي؟ ) يُفضل الاستغناء عنها.
والسبب هو أن التذكير المستمر للبركة ، يعتبر حمل للفكرة ، وكأنكِ تخشين أن ينساها .
اعتمدتِ في السرد على أن تكون القصة ذات حبكة مترابطة ، فعدسة الكاميرا لم تفارق الشخصيات ، وكانت محكمة ، والشخصيات تقوم بدورها كما ينبغي .
والقارىء الآن يترقب حدوث أمر ما ، بعد أن زرعتِ بداخله بذرة الشك في حدوث مكروهٍ قد يحصل بسبب قطع تلك الشجرة / البركة .




في الجزئية السابقة ..

بعد أسبوع

التوجس الذي خلّفه قطع الشجرة ، لدى الشخصية " أبو خالد " ، بقي موجوداً ، وإن كان خفياً ، وراق لي وصفك لفرحة " أم خالد " بعد أن تحقق مبتغاها ، وارتاحت من عناء التنظيف المستمر لهذه الساحة ، بمعنى أن الشخصية تصرفت حسب عقليتها ودواخلها ، وتفاعلت مع الحدث .

ظهرت شخصيات ثانوية أخرى في هذه الجزئية ، الأولاد / الأحفاد ، وشخصية أصغر الأولاد ( أمين ) – ولم أر ضرورة لذكر اسمه هنا – الذي تغيب عن الحضور ، وبررت زوجته سبب غيابه .
راق لي أيضاً تصوير الفرق بين زقزقة العصافير وأصوات الملاعق ، وشتان بين الصوتين .




في الجزئية السابقة ..

تصوير للسعادة الممزوجة بقلق خفي من الشخصية ( أبو خالد ) للعائلة ، وورود خبر حادث السير للابن الأصغر – ربما من خلال مكالمة مثلاً ..! - وتوجه العائلة إلى المشفى .




اخترتِ نهاية مفتوحة ، وتركتِ القارىء يتساءل : هل سينجو ..؟! ، وأراها موفقة جداً .

وراق لي تصرف الأب في بقائه ، وتصرفه المتوافق مع معتقده ببركة الشجرة ، فكأنما القاصة تخبرنا بأن الحفاظ على هذه الشجرة / البركة هو حفاظ على تماسك العائلة .

أستاذة كاملة بدارنه

استمتعت بهذه القصة الجميلة ، الهادفة ، والشيقة أيضاً .
شكراً لكِ
أشكرك جزيلا أستاذ عدي بلال على هذه القراءة من ناقد متمكّن
أسعدني حضورك
بوركت
تقديري وتحيّتي

سامية الحربي
28-10-2013, 07:53 PM
سرد موفق كعادتك أديبتنا القديرة رغم أني لا أؤمن بأن غير الأعمال الصالحة تجلب البركة إلا أن للأشياء القديمة روح تتنفس تُفتقد كما البشر أجمل ما في القصة هو ربطك روح الشجرة بشخوص تماثل أصالة الشجرة منها من يعارض وجودها ومنهم من يدافع عنها رغم لو أنهم تأملوها لوجدوا أنفسهم فيها .دام لك الألق .تحياتي وتقديري.

كاملة بدارنه
04-11-2013, 08:45 PM
ولوج موفق في عتبة النص الأولى بلوحة صورت محور القصة " شجرة التين" في خريفها وشيخ في خريفه على كرسي هزاز في إشارة لتأرجحه بين ما أوضحته الكاتبة في مطالبة زوجته بقطع الشجرة ونداءات الماضي تعوي بها الذاكرة في مشهد استرجاعي يحدث المتلقي بموقعها من نفسه..

وكما يستسلم كثيرون لضغط الإلحاح استسلم أبو خالد لإلحاحها واستقرت الأرجوحة لصالح الزوجة فقطع الشجرة، لكن تلك العجوز التي مرت بهما لم تسمح بدوام ذلك الاستقرار فصاحت مؤنبة ومضت بغضبها متمتة بالتأنيب تزلزل تماسك العجوز وتوقعه في قيعان القلق، يزيد من معاناته فيها توافق استنكار صاحب الصورة/جده وابن الحياة/حفيده لفعلته ..
وبين المخاوف والقلق من وإصابة الابن الأصغر في حادث السير من جهة أخرى تعود للواجهة بركة التينة التي أوشك أن يحرم بيته منها فيبقى إلى جانبها يروي جذورها ويطالبها بالبقاء والحياة بينما ذهبوا للمستشفى لزيارة الفتى

قصة كدأبك مائزة سردا وحبكة وأداء

دمت أديبتنا والروعة

قراءة رائعة وحضور كريم متألّق أعتزّ به عزيزتي الأخت ربيحة
شكرا لك دائما
بوركت
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
12-11-2013, 06:09 PM
وهاله أن رأى أصلها لا يزال ثابتا في الأرض، فأسرع لإحضار الماء، وجثا على ركبتيه الواهنتين يرويها، ومخاطبا إيّاها بصوت عالٍ: يجب أن تورقي وتثمري.. يجب أن تعود البركة إلى هذا البيت.. يجب...


السلام عليكم
هكذا يعلق الإنسان تشاؤمه وتفاؤله على بعض أشياء ربما كانت لا قيمة لها ,
فكيف بشجرة تين معمرة رافقته أيام صباه ؟؟
أكره قطع الأشجار في كل الأحوال ,وأيضا قطف الزهور ,وأحب أن أشمها وأبقيها على غصنها ,
من ناحية أخرى قد أحسست بتعب الزوجة المسنة من إرهاق التنظيف ,ومشكلة الحشرات ,
لا أعتقد أن هناك صلة بين قطع الشجرة والحادث, إلا في مشاعر الرجل وربما العائلة ,ولكن لو كنت مكانه لربطت من غير شك ,
أتذكر أنه حصل في الماضي ,وذهبت للمستشفى هارعة مستعجلة في نفس الرداء ,وكان بين المرّة والمرّة ليس أياما بل شهورا وربما أكثر ,فتشاءمت ,
فما كان مني إلا أن أخذت الرداء خارجا وبللته بالكاز وبقيت أقلبه بالعصا حتى لم يبق فيه ذرة لم تحترق ,فارتحت .
قصة جميلة ,مشوّقة ,تشير لحالة الإنسان النفسية, وتربط بينه وبين ذكريات الماضي ,وبين رغبته ورغبة الآخرين ,
قصة تستحق القراءة
شكرا كاملة
ماسة
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته عزيزتي ماسة
شكرا لك على تنثرينه من جميل الكلام
بوركت
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
21-11-2013, 03:12 PM
الأديبة كاملة بدارنة
أنا لم أقرأها بل أنصت لك،سمعت صوت جدتي ، ركضت في ساحة البيت، لففت حول شجرة التين، بكيت مع ابو خالد.
مبدعة كعادتك
دام قلمك يمسح على جروحنا
محبتي و احترامي
أهلا بك أخت خلود وبهذا المرور النديّ ... يسكننا حنين للوطن وما فيه
دمت بخير وبارك الله فيك
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
27-02-2014, 04:01 PM
لا أعرف ما الذي أبكاني
لكنني تصورته جاثيا يسقيها وتوسل إليها أن تورق وتعود

لقد قطعنا كل تين الأمة أستاذتي
وقطعنا عن أمتنا البركة

قصتك رائعة

شكرا لك ألف مرة
وبوركت

مصطفى الصالح
27-04-2017, 12:05 AM
فكرة جميلة وصياغة أنيقة هادئة
لغة نظيفة فاعلة
لكن عنصر التشويق لم يكن قويا
والخاتمة بحاجة لدهشة أكبر فقد جاءت فاترة بعض الشيء
دام الإبداع
تقديري