تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الطريق الى مراجعات الاخوان ( 5 )



هشام النجار
01-10-2013, 11:41 PM
فى اصلاح الحكام وذوى النفوذ يبرز اسم المُجدد المُصلح أحمد السَرْهندى ؛ حيث استطاعَ وهو الأعزل من كل سلاح والمجرد من كل ثروة مادية وقوة عسكرية أن يحول التيار الالحادى فى الامبراطورية المغولية الكبرى فى الشرق وفى البلاد العربية والتركية ، وذلك بتأثير الخلل الذى أحدثه الملك القوى ذو الفتوحات الواسعة " جلال الدين أكبر " ، وكان هذا الامبراطور قد نشأ فى قلبه عداء للاسلام ، لدرجة أنه ما كان يستطيع أحد فى بلاطه أن يسمى ابنه " محمداً " ؛ لأنه كان يكره هذا الاسم ! ، فقيضَ الله تعالى الشيخ السَرهندى لمكافحة هذا التيار الجارف ، فجعلَ يُراسل الملك وأهل البلاط من الوزراء الكبار والأمراء العظام ويثيرُ فيهم النخوة والحمية الاسلامية ، وبقى هكذا مدة طويلة يراسل ويكتب ويقابل حتى كسبَ عدداً كبيراً من الأمراء ، فكانوا أنصاره وتلاميذه ، ولما مات جلال الدين أكبر ، خلفه ابنه نور الدين جهانكيز ، أحد الذين تأثروا بالسرهندى فأحبه وأجله فتعاونا على احياء الدين واقامة معالمه وبناء المساجد ونشر الرسالة وصيانة الفضيلة .
فارق كبير جداً بين بداية عبد الناصر وما انتهى اليه ، لدرجة أن الغزالى يُبدى دهشته من هذا التحول ليصبحَ عبد الناصر خصماً عنيداً للاخوان ، راصداً بعض التحالفات الدولية التى أقامها عبد الناصر ، معتبراً اياها نكوصاً عن نصرة قضايا المسلمين – بحسب تصوره - .
كيف تحول عبد الناصر من خندق الحليف والصديق الى خندق الخصم العنيد ؟ تلك هى القضية ، بالرغم من أن سلوك الحركة الاسلامية الراشدة يعمد الى اصلاح الحكام وجذبهم لنصرة قضايا الاسلام فى الداخل والخارج وليس العكس .
لم يكن عبد الناصر هكذا ، انما ساهم الاخوان فى تحولاته ؛ وذكرَ محمود عبد الحليم مؤرخ الاخوان كثيراً من الفضائل فى مذكرة التصالح وسردَ كثيراً من الأعمال الطيبة لعبد الناصر من الافراج عن جميع المعتقلين من الاخوان ومن المحكوم عليهم فى قضايا التفجيرات ومقتل النقراشى ، وحاكمَ قتلة البنا وعلى رأسهم رئيس الوزراء ابراهيم عبد الهادى ، وعزمه على اقامة السد العالى وعدم رفضه الحكم بالقرآن صراحة .
ويبكى فريد عبد الخالق القطب الاخوانى الكبير لموت عبد الناصر وهو فى السجن ويصفه بالرجل الشريف طاهر الذمة ، وحلَ عبد الناصر جميعَ الأحزاب السياسية وأبقى على الاخوان ، وزارَ قبر البنا وخطبَ عليه خطبة حماسية لاثبات ولائه للمنهج والهدف وأن صراعه مع الهضيبى مجرد صراع سياسى وليس صراع دينى ، وأنشأ هيئة التحرير خصيصاً للاخوان وحدد أن يكون رئيسها واحداً منهم ، وهى تنظيم شعبى تذوب فيه كل القوى الوطنية بديلاً عن الأحزاب ، ولو كانوا قبلوا بها لغيروا وجه مصر الثقافى ، وكان تفكيره أن الدول الغربية لن تقبلَ بتصدر الاخوان للمشهد السياسى بشكل مُعلن لذلك عرضَ عليهم العمل تحت عنوان هيئة التحرير ، مُتيحاً لهم فرصة العمل المنظم التابع للدولة مع التمسك بالقيم الاسلامية – كما ذكروا فى كتبهم ومذكراتهم – ، وكانت فلسفته – كما ذكرَ فريد عبد الخالق رحمه الله فى " الاخوان فى ميزان الحق " - : " هدفه الاسلام كأساس للتغيير المنشود ، لكنه رأى أن من المصلحة عدم المجاهرة بذلك فى بادئ الأمر ولكن تُؤخذ الأمور تدريجياً حتى لا يحارب أعداءُ الاسلام الحركة فى أول عهدها " .
أرادَ عبد الناصر للاخوان الجانب الشعبى لنشر الهداية والحث على الفضيلة وخدمة الثقافة الاسلامية ، ولذلك اختارَ لهم حقيبة الأوقاف – واقتنع الشيخ الباقورى فقبلها ففصلوه – وأرادوا هم المفاصلة التامة وعودة الضباط الى الثكنات صاغرين ! وأرادوا الوصاية والتحكم فى القرارات المصيرية أو الثورة والانقلاب والاستيلاء على السلطة ، فكان تخوين عبد الناصر واشاعة كراهيته بأنه عدو الاسلام والشريعة والدعوة ، ثم تدبير محاولة الانقلاب بالتعاون مع ضباط ولاؤهم لمحمد نجيب التى اكتشفها عبد الناصر واستهدافه بالاغتيال فى الاسكندرية .
المقارنة مُذهلة بين عالم كالسرهندى يحبب حكاماً ملحدين فى نصرة الاسلام ليواجه بهم تياراً الحادياً طاغياً وينتصر عليه فى امبراطورية شاسعة ، وبين الاخوان الذين حولوا أحدَ أهم عناصر الاخوان المسلمين بعد حسن البنا – والذى أوصى البنا به كثانى اثنين لخلافته فى منصب المرشد – وهو جمال عبد الناصر ، من صديق حميم الى عدو لدود ، ليصدقَ على لسانه قولُ يزيد بن معاوية :
لقد بدلوا الحلمَ الذى فى سجيتى فبدلتُ قومى غلظة بليان