تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : امسك حرامى



هشام النجار
04-10-2013, 04:51 PM
قفشتك يا لص .. قفشتك يا دُون يا حقير يا حرامي .. ظبطتك يا خراب البيوت .. وقعت أخيراً يا زعيم العصابة يا قائد الحرامية .

امشي قدامى يا لص... يا عديم التربية .. امشي قدامى يا ناقص.. أنا بقى اللي هاربيك التربية اللي بجد .

امشي قدامى .. امشي ، دا انت ليلتك سوده مهببة زى وشك ووش اللي خلفوك .

أمْسكَ العمدة باللص الذى قبض عليه متلبسا فى دوار البهائم من قفاه .. وساقه بيدين غليظتين حيث يرقد الخفير أمام البوابة الخلفية مستغرقاً فى نومه ، محتضناً سلاحه ، ملتحفاً بطانية قديمة ممزقة ساحَ بياضها على سوادها .

ومع فرقعة الكف الذى تلقاه الخفير على صدْغه العريض الحليق اليابس ، جلجل صوت العمدة فى فضاء القرية الصامتة .. وكأنه يريد إيقاظ ناسها وبهائمها وطيورها وحميرها وكلابها وقططها ، ليشهدوا جميعا ما سوف يفعله باللص البائس ، صاحب الحظ العاثر .

قوم .. قوم يا خفير الغبرة .. بقى نايم فى الحراسة.. ابقي شوف مين اللي هاينفعك لما تترمى فى الحبس وينخصم من ماهيتك .. قوم .. قوم نامت عليك حيطة .

قوم بسرعة اندهلى شيخ الخفر ، وحسنين القانونجى ، والشيخ مخلوف خطيب الجامع ،.. فاهم يا بجم .. واندهلى فى طريقك ناظر الزراعة .. فهمت يا خفير واللا أقول تانى .. أنت لسه واقف.. مالك يا وله ، واقف مبلم كده ليه ؟

نظر الخفير برفق وشفقة إلى اللص الذى يشبه الذبيحة فى يد الجزار .. وقال متلعثماً :
يا حضرة العمدة الدنيا تليجة والفجر خلاص قرب يدن وكلهم دي الوقت فى سابع نومه .. خللي المؤتمر ده لبكرة يا حضرة العمدة والصباح رباح والنهار له عنين .

نفذ الأوامر بدون مناقشة يا خفير الغبرة .. وإلا بقت التهمة تهمتين ، نوم فى الحراسة وعصيان الأوامر .

هرشَ الخفير رأسه المغطى بكوفية صوف عتيقة ومضى متثاقلاً متباطئاً .

دفع العمدة بجسده الضخم ويديه الثقيلتين اللص الهزيل بقوة وأدخله صحن داره ، ثم ربطه بحبل غليظ وأجلسه على الأرض ورفع صوته منادياً على بناته وزوجته .

فيه ايه يا عمدة .. ايه الدوشة اللي أنت عاملها فى انصاص الليالى دي .. وإيه ده اللي مرمى على الأرض ده ؟

اصحي يا ولية .. تعالى يا ولية وصحي البنات عشان يتفرجوا على الحرامى اللي قبضت عليه .

هوا فين الحرامى ده ؟

أهه قدامِك مرمى على الأرض أهه .

انت بتهزر واللا جرى لعقلك حاجة .. حرامي ايه يا راجل .. ده حرامي ده واللا هيكل عظمى .. أنت مش شايف شكله عامل ازاى .. دا عنيه مطفية من الجوع .. فك يا راجل يا فاضي الحبل ده على أما أعمل للغلبان ده لقمة ياكلها .

لقمة ايه يا مرة .. باقولك حرامي ظبطته بيسرق لبن البهايم فى الدوار .. تقوليلى لقمة يأكلها ، وعايزة تضيفيه .

يا بنات ... يا هند .. يا كوثر .. يا منال .. يا شريفة .. يا محضية .. يا عطيات .. يا فوزية .. يا جملات .. اصحوا .. اصحوا يا بنات .. قوموا شوفوا الحرامى اللي قبضت عليه .. قوموا عشان تتفرجوا عليا وأنا باحاكمه .
كان العمدة يُطلق صيحاته منتشياً والفتى أمامه مربوط فى ذعره ، يُراوح بنظره الباهت بين الرجل المهووس والمرأة المُشفقة .

استيقظت هند وكوثر ومنال وشريفة ومحضية وعطيات وفوزية وجملات وجلسن سعيدات بمشهد اللص وهو مربوط كأنه فأر وقع فى المصيدة .

دخل شيخ الخفر وفى أثره خفير الحراسة ثم الشيخ مخلوف وحسنين القانونجى بصحبة ناظر الزراعة .

لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

إنا لله وإنا إليه راجعون

مين ده يا عمدة ؟

ده الحرامى اللي قبضت عليه وهو بيسرق لبن البهايم من الدوار وجبتكم عشان تحاكموه .

بقالك أد ايه بتسرق اللبن من بهايم العمدة يا بنى ؟

رد اللص الشاب بصوت واهن ... بقالي شهرين يا عم الشيخ ..

طيب ولما أنت بقالك شهرين بتشرب من لبن بهايم العمدة .. مالك كده دبلان وأصفر وهفتان وهتقع من طولك زى ما يكون جاى من مجاعة ؟

أنا كنت باستحرم أشربه .. اللي كان بيشرب إخواتى وأمي ولولا كده كانوا ماتوا من الجوع .. بس عشان قولة الحق يا سيدنا الشيخ ، أنا كنت ببل ريقي بشفطة أو شفطتين .

لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

إنا لله وإنا إليه راجعون

طيب واشمعنى يا ابني دوار العمدة بالذات ؟

أنا هاقول الحقيقة ... أنا يا اسيادى ابن الشيخ سليم الله يرحمه امام جامع البر الغربى .. اللي مات من سنتين بعد ما جاموستنا اللي حلتنا ضاعت .. ولفينا عليها العزبة كلها ومالقينهاش .. وبالصدفة كده وأنا ماشى جنب دوار العمدة من شهرين .. شفتها .. أيوه والله العظيم شفتها .. أنا عمري ما أغلط فى جاموستنا أبداً .. دا احنا متربيين سوا .. دا أبويا الشيخ سليم الله يرحمه كان ما يحلبهاش إلا وأنا معاه .. وما يحطلهاش أكلها إلا وأنا معاه .. أنا أعرف جاموستنا من بين مليون جاموسة شكلها ، ومعلمها بعلامات .
تحفز أعضاء هيئة المحكمة وزاغ نظر العمدة ووضعت زوجته يدها على قلبها .
أيوه يا بنى وبعدين ..
ولما دخلت دوار العمدة أول مرة واتأكدت انها جاموستنا حلبت منها لإخواتى وأمي وما كنتش باحلب إلا منها .
دخلت هند وكوثر ومنال وشريفة ومحضية وعطيات وفوزية وجملات غرفهن باكيات ... وتقدمت زوجة العمدة فى انكسار وتبتل من الشاب الجالس على الأرض وبدأت فى حنان تفك قيده ..
تلفت الشيخ مخلوف وناظر الزراعة وحسنين القانونجى وشيخ الخفر حولهم فلم يجدوا العمدة ..

ركض خفير الحراسة مسرعاً خلف العمدة الهارب وهو يهتف قائلاً ( امسك حرامي )

محمد النعمة بيروك
05-10-2013, 09:41 AM
احترتُ في هذه القصة المدهشة، أأبكي؟ أم أضحك؟ حين ينقلب الشر على فاعله، والسحر على الساحر الذي حاول أن يتشفّى في رجل فقير مدّ يده إلى ما هو له، ولم ينظر لنفسه حين مدّ يده إلى ما هو ليس من حقّه..

إنها قصة تحتمل كل القراءات، لأنها تحتمل الإسقاط على واقعنا المرير الذي يرى اللص زعيما، والمواطن لصا، إنها قصة تبدو مأساوية حينا، وكومدية حينا، لكنها كوميديا سوداء، تترك بسمة أشبه بالطعنة..

الفكرة مدهشة، والصياغة رائعة، والحوار زكّى نوعا من الواقعية على الحدث، سواء بعاميته، أو بحمولته الإجتماعية العفوية..

شكرا للمتعة التي قدّمتها لنا هنا، أيها القاص المبدع هشام النجار.

بهجت عبدالغني
05-10-2013, 11:47 AM
اختلطت الكوميديا هنا بالتراجيديا
في تصوير واقع بات مكرراً ومعروفاً

السلطة تسرق مال الشعب ، دون أن تقطع يدها ، بينما الشعب الذي يريد أن يشرب من حليب جاموسته يحاكم وتقطع يده !
الشعب الذي لم يبق منه سوى عظام تكسوها جلدة تكاد لا تستر !
بينما عمر رضي الله عنه يتوعد حاطب بن أبي بلتعة بأنه سيقطع يده إذا سرق غلمانه مرة أخرى بسبب الجوع !

نص رائع ماتع
ولغة تجاذبتها الفصحى والعامية مما أعطتها حيوية وقرباً إلى النفس


تحاياتي ودعائي

هاشم الناشري
05-10-2013, 12:05 PM
أعجبني ملمح خوف السلطة المتمثّل في هروب العمدة!
وأحزنني كثيرًا أن ابن الشيخ سليم لم يستطع اللجوء للقضاء
للمطالبة بجاموسته .
صراع بين الشر والخير والحمد لله أن الخير قد انتصر.

رائعة ومؤلمة .

محبتي وتقديري.

كاملة بدارنه
05-10-2013, 12:11 PM
" حاميها حراميها"
العمدة هو السّارق !
قصّة بسرد شائق حتّى النّهاية وقابلة لتأويلات عامّة وخاصّة
تمنّيت عدم استعمال العاميّة بكثرة فقد كادت تطغى على الفصحى
بوركت
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
05-10-2013, 12:20 PM
قاص بارع أنت ـ قدمت لنا هنا قصة قصيرة عميقة الطرح
رائعة الحرف والتصوير ـ لقطة بارعة نجحت في إيصال الفكرة
في لغة شيقة و ونص كالسهم أطلقه رام ماهر فأصاب كبد الحقيقة
ونجح في إيصال الدرس .
عبر الأخ/ محمد النعمة بيروك , والأخ/ بهجت الرشيد عما في عقلي وأكثر
بقى فقط أن أشكرك على روعة لغتك وعمق طرحك وجميل أسلوبك
فشكرا لك أيها القاص المدهش هشام النجار.
تحياتي وودي.

هشام النجار
05-10-2013, 02:24 PM
أستاذنا المبدع محمد النعمة بيروك شكرا جزيلاً لطرحك الثرى ، وهى كذلك بالفعل مأساة مضحكة لأنها قراءة من الواقع لا أكثر ، وهى نابعة منه وانعكاس له ، وما فعلته فقط هنا أن صغته باختصار وتكثيف للكوميديا والمأساة معاً ، والقصة تحتمل الاسقاط السياسى وهذا أردته بقوة هنا ، فالقرية تتسع لتصبح الوطن والدولة والعمدة لا يختلف حاله كثيرا عن حال حاكم البلاد .
لك الشكر الجزيل على هذا الحضور الذى شرفنى وتقبل خالص تحياتى ودعواتى .

هشام النجار
05-10-2013, 02:36 PM
أستاذنا المبدع بهجت الرشيد شكراً جزيلاً على هذا التواصل السخى الدائم من حضرتك والذى أشعر دائماً معه بالتقصير تجاهك بما لا ينبغى مع قامة مثلك ؛ فعذراً على أى تقصير منى أو تأخر فهذا يكون خارج عن ارادتى . وهنا أقدر توقيعك الراقى على القصة وأفخر به ، وهو داعم مضاعف لى على المواصلة بعد تدوين ملاحظاتكم الدقيقة والاستفادة منها .
لك عميق الشكر وتقبل عظيم التحية .

هشام النجار
06-10-2013, 03:27 PM
أستاذنا المبدع هاشم الناشرى شكراً جزيلاً على حضورك المبهج ، متمنياً للمشهد الانتشار والتكرار فيهرب كل عمد الفساد والسرقات وامتصاص ثروات الشعوب ، يركض وراءهم المستضعفون فى الأرض ، أما عن المحاكمة فحاضرة فى الذهن مع التعاطف العام مع البطل وملاحقة اللص الأصلى وتوقع المتلقى لمسارات النهاية السعيدة بعودة الحقوق لأصحابها .
دمت بخير ودام ابداعك وتقبل خالص التحيات

آمال المصري
07-10-2013, 08:07 AM
شر البلية مايضحك
استمتعت بنصك أديبنا الرائع بفكرته وإسقاطاته على واقع مرير نحياة فكم من صاحب حق سُلب منه لينعم به أهل الباطل
ولكن هيهات لن يدوم الباطل مهما قويَ وطغى صاحبه
حبكة قوية وسرد ماتع طغت عليه العامية وهذا لاأحبذه في الأدب القصصي
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

هشام النجار
08-10-2013, 11:25 PM
لكِ الشكر الجزيل أستاذتنا المبدعة كاملة بدارنة ، فلتت منى اللغة وعشتُ فى جو القصة ولم أشأ اخراجها الا بالمذاق الرائع الذى عشته فكانت تلح على لغة الحوار بعفويته وبساطته ، ولم أشأ بالطبع الانتصار للعامية على حساب الفصحى فهذه مسألة أخرى ، لكن الذى كان يحكمنى بالفعل أن أشركَ المتلقى معى فى المشهد وأصطحبه معى الى العزبة ليشاهد ويسمع ما جرى على الطبيعة ، وقد حاولت فى البداية تحويل الحوار الى الفصحى الا أننى عدلت عن ذلك واجتهدتُ فى ان العامية قد تلائم الحدث وتخدمه بصورة أفضل ، وهذا مجرد اجتهاد أتمنى أن يوافق الصواب .
شكراً جزيلاً وتقبلى وافر التحية .

ربيحة الرفاعي
02-11-2013, 12:39 AM
أصعب الأدب ذلك الذي يحمل مرارة السخرية والدمعة الباسمة، وقد نجحت برقرقتها في العيون غصة لواقع نطق به النص

فكرة موفقة بأداء قصي ماتع وتوصيف جميل وسرد شائق

وددت لو أعفى كاتبنا النص من اللغة العامية التي أثقلته بزعمي

دمت بخير

تحاياي

هشام النجار
02-11-2013, 03:07 PM
شر البلية مايضحك
استمتعت بنصك أديبنا الرائع بفكرته وإسقاطاته على واقع مرير نحياة فكم من صاحب حق سُلب منه لينعم به أهل الباطل
ولكن هيهات لن يدوم الباطل مهما قويَ وطغى صاحبه
حبكة قوية وسرد ماتع طغت عليه العامية وهذا لاأحبذه في الأدب القصصي
بوركت واليراع
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

نعم سيدتى الكريمة والأديبة الكبيرة آمال المصرى ، أوافقك تماماً فنحن نكتب مآسينا بطريقتنا ونعود لنقرأها ونناقشها ونتسلى ونصبر أنفسنا بذلك ، لكن على أرض الواقع التغيير آت لاشك ولن يدوم الباطل ، لكنه يحتاج ثورة كبرى بحجمه وعمقه وامتداده وتجذره ، وثورة كهذه سيطول انتظارها والاعداد لها بلا شك ، ولهذا حديث آخر فى مكان آخر ان شاء الله .
دمت بخير ودام عطؤك وألقك .. تقبلى بالغ التحية والتقدير

هشام النجار
02-11-2013, 03:10 PM
قاص بارع أنت ـ قدمت لنا هنا قصة قصيرة عميقة الطرح
رائعة الحرف والتصوير ـ لقطة بارعة نجحت في إيصال الفكرة
في لغة شيقة و ونص كالسهم أطلقه رام ماهر فأصاب كبد الحقيقة
ونجح في إيصال الدرس .
عبر الأخ/ محمد النعمة بيروك , والأخ/ بهجت الرشيد عما في عقلي وأكثر
بقى فقط أن أشكرك على روعة لغتك وعمق طرحك وجميل أسلوبك
فشكرا لك أيها القاص المدهش هشام النجار.
تحياتي وودي.

لكِ الشكر الجزيل والتقدير الوافى من شخصى المتواضع لأديبة وناقدة كبيرة بحجمك وقامتك أستاذتنا المبدعة نادية الجابى .. ليس لى تعليق على تكرمت به الا الامتنان والعجز عن رد الجميل ، فلك منى وافر الاحترام والدعوات الخالصة بالتوفيق الدائم والتألق المستمر فى سماء الابداع والفكر . تقبلى تحيتى ودعواتى الخالصة .

هشام النجار
02-11-2013, 03:19 PM
أصعب الأدب ذلك الذي يحمل مرارة السخرية والدمعة الباسمة، وقد نجحت برقرقتها في العيون غصة لواقع نطق به النص

فكرة موفقة بأداء قصي ماتع وتوصيف جميل وسرد شائق

وددت لو أعفى كاتبنا النص من اللغة العامية التي أثقلته بزعمي

دمت بخير

تحاياي

أولاً أنا مدين بشكرك سيدتى الكريمة والأديبة الكبيرة أستاذتنا ربيحة الرفاعى ، فمجرد توقيعك وحضورك شرف لنا وللنص وشهادة نفخر ونعتز بها ، وأنا أوفقك تماماً فيما تفضلت به ، فالسخرية هى الأصعب بلا شك ولا تأتى بلا تكلف وكما نحب الا نادراً ، وقد حمدت الله تعالى أن وفقنى فى هذا الطرح الأدبى الرمزى الساخر المرتبط بواقعنا السياسى والاجتماعى ، أما مسألة الاكثار من العامية فأنا أتفق مع حضرتك فيها ولكن يكاد يكون هذا هو النص الوحيد لى الذى حفل بهذه الكثرة العامية فى الحوار ، لأسباب ذكرتها فى تعليق سابق على أخت فاضلة لنا ، ويبدو أننى أيضاً ظننت أن استخدام العامية كما تخيلتها ستخدم فكرة السخرية وتكرس من ضحكنا الموجوع على واقعنا . سعدتُ بحضورك الرائع هنا أديبتنا الكبيرة وتقبلى منى باقة شكر وامتنان وتقدير .

نداء غريب صبري
27-01-2014, 03:02 PM
هذا هو حالنا
حاميها حراميها

قصة جميلة جدا، ولك اسلوب رائع أخي
شكرا لك

بوركت