المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ..فجـوة



عبد السلام دغمش
06-10-2013, 12:27 PM
يعودُ الى منزله مساءً بعد معاناة يومٍ طويل ..يطلق تنهيدة ً ضاقت بها أحشاؤُه بعد ما تخطّى ستين درجة من السلالم إلى شقته في الدور الثالث حيث يقبعُ وحيداً ..على عتبة منزله يتخلى عن معطفهِ المعبق برائحةِ العرق.. يلقي بحذائهِ عند الرّدهة ثم يتوجه لصنبورِ الماء المصلوبِ عند فناءِ البيت.. . صوتٌ كفحيحِ الأفعى يخرجُ من الصُّنبور قبل أن يهتز ليسح َّ بخيطٍ رفيع ٍ..يملؤُ كفّـيه ماءً ثم يلطمهُما بوجهِه، ..يدلّكَ جبينه ثم ينثر ما علقَ بأصابعه كأنّه يستأصل رهقَ يومه..يلقي بما في يديه ..هاتفََه المحمول ..مفتاحَ البيت ..مفتاحَ مكتبه في العمل ..محفظتَه المنتفخة بالفواتير والبطاقات الائتمانية ..تتلقفُ علاقة ملابسهِ سروالَه وقميصَه ..ثمَّ يلقي بنفسه على السرير..
يوماً طويلاً من العَناء يستعرضُه شريطاً يمرّ أمامَ ناظِريه ..ربما لا يختلفُ كثيراً عن غيره من الأيام، إلا انه متميزٌ بصَخَبه..ثلاثَ معارك شهدَها ولم يكن له ناقةٌ فيها ولا جمل..فهدوؤُه المعهود وطيبتُه الزائدة محطّ انتقاد زملائه..لكنّه راضٍ قرير العينِ إذْ ينأى بنفسه عن نزَقهم حيناً ومُلاحاتهم حينا آخر..
ما زالَ صفعُ الابواب وقرعُ الشتائم ما بين زملائِه في العمل يتردّدُ في أُذنيْه ......ثم صفعاتٌ أخرى في الحافلة العجوز أثناءعودته إلى بيته -على وجهِ شاب عاكسَ فتاةً.. انتهت بقذفه خارج الحافلة.. أما المشهد الأخير فعند بوابة العمارة ..دعواتِ الغضب و خراب البيت على ساكن الدور الثاني تطلقها مالكةُ العقار..فقد تأخر المستأجرُ عن السّداد أسبوعاً آخر على التوالي..
.. تمتمَ محدثاً نفسه ..هل يكون اليوم التالي كهذا اليوم ..ثم غطّ في سباتٍ عميق...
سريعا يأتي الصباحُ متربصاً بالباب..اخترقت أشعة الشمس زجاجَ نافذةِ غُرفته المتشقق..نهض بتثاقل..استطلع وجهَه في المرآة..تمتم: بالطبع أنتَ ولن يكون أحدٌ سواك.. ذهب لمصافحة صُنبور الماء..سرّح شعره بأطرافِ أصابعه..التقطَ ملابس أمسهِ من علاّقة الملابس..المفاتيح ..الهاتف المحمول..
سبقتهُ خطواتُه على الأدراج مسرعاً إلى عمله ،وصل لبابِ العمارة ،وقبل أن يخطو الى الشارع توقف متفاجئاً بحفرةٍ كبيرة في عُرْض الشارع..تراجعَ خشية أن ينزلقَ حتى اصطدمَ ظهره بالبوابة..ياللهول ..إنها تهوي لعدة امتار في العمق..تقدم بحذرٍ على شفا الحفرة..ما هذا ..إنها مالكةُ العمارة هنا في الحفرة..لا تزال تطلق صيحاتها ودعواتها... وها هو فتى الحافلة يتحسّسُ وجهَه بعدما تلقاه من صفعات..زملاؤه في العمل ها هم في الحفرة يتصايحون.....رفع رأسه محدقاً في الجانب الاخر..تفاجأ بجمهرةٍ من الناس يتجمعون ويشيرون له ..
- اقفز..صرخَ أحدُهم!
- لا ..لا ..إياكَ أن تفعل..إنها سحيقة..ناشده آخر..
- مثلُ هذا لا يقْدر ..هههه.. جبان..قهقه رجل متكرش..
صبيةٌ يتنادونَ للتجمّع أمامَ المشهد.. ثم ما لبثت أنْ تكاثرت الجموعُ.. رجلٌ متأنّق يمشي الهوينا و يتحدث في هاتفه المحمول كأنه يصف الحدث لآخرين..
رجلٌ عجوز يمرّ على الرصيف هناك..إنه "أبو نبيل" بائعُ الحمّص المسلوق يجرُّ عربته..يهزُّ رأسَه ويرسمُ نصفَ ابتسامة..ويشير له أن اعبُرْ برفق ..
-لا..لا .. ليس من مفرّ إلا القفز..حدثَ نفسَه..
فكّرَ أن يرجعَ للخلف حتى يتسع أمامهُ مدى الوثبة ، اصطدمَ بالسورمرةً أخرى....
ألقى بنظرةٍ على المشهد و قد تجمهرَ القوم ..هناك في الجانبِ الآخريتضاحكون ..يستهزؤون..ومَن أمامه في الحفرة يتصايحون..
هتفَ بمن في القاع :اِسمعوا .. انا لن اتردّى إليكم.. سأقفز ..نعم سأقفز..وليكنْ ما يكن!
... حلقَ بيديه..أغمض عينيه..ثم قفز!
...أفاق على قوائم سريره تهتزّ..انتبه من نومِه مذعوراً..تكوّم جالسا ً على سريره ..سكنهُ الأرقُ إلى حين ..ثم عاد إلى النوم بعد أن غلبَ تعبُ جسده هواجسَه.. لكن أشعة الصباح ما لبثت تتسللُّ وتلسعُ جفنيه.. إنه يومٌ آخر نصبَ أشرعته ولا بدّ من الالتحاق بالركب..
..نهضَ بتثاقل..استطلعَ وجهَه في المرآة..تمتمَ في وجهه المصفرّ: بالطبعِ انت ولن يكونَ أحدٌ سواك.. ذهبَ لمصافحة صنبور الماء..سرحَ شعرَه بأطرافِ أصابعه..التقط ملابسَ أمسِه من علاقة الملابس.. يحشو جسده فيها ..يلتقط المفاتيح ..الهاتفَ المحمول..محفظته..
...يتهادى بخطىً وئيدة على الأدراج..يخرج الى الشارع.. يتحسس بأقدامه الإسفلت واثقاً ..كان أبو نبيل بائع الحمص المسلوق يجرُّ عربته ..يهزّ رأسَه..ويرسم نصفَ ابتسامة..

مازن لبابيدي
06-10-2013, 04:50 PM
قصة ماتعة جميلة
استمتعت كثيرا بأسلوب السرد وجمال العبارة أخي عبد السلام
يوم عشناه مع البطل في رتابة عيشه والصخب الذي رافقه
توقعت الحلم منذ أحداث الحفرة لكن الحبكة كانت جيدة
عبرت تجربة الحلم عن شخصية البطل الرافضة للرذيلة والعنف الاجتماعي والصخب ، وحيرني اضطراره للقفز فوقها مع الرفض ، وقد يكون تعبيرا عن عجزه عن تغيير هذا الواقع .

"يوماً طويلاً من العَناء يستعرضُه شريطاً يمرّ أمامَ ناظِريه " ، هنا أظن الرفع أصح : يوم طويل .....
"وليكنْ ما يكن!" ، الصحيح : ما يكون ...

مع بالغ إعجابي وتقديري ، وأطيب تحية

ناديه محمد الجابي
06-10-2013, 06:05 PM
نص جميل حد الأدهاش ـ برعت في رسم تلك الشخصية
بلغة بديعة متقنة, وسرد جاذب جعلنا نعيش مع ذلك الرجل
فنجهد في طلوع الستين درجة من السلالم ـ ونراه وهو يدلك
جبينه ليستاصل رهق يومه وقد شهد فيها ثلاثة معارك وهو
بطبيعته وطيبته ينأى بنفسه عن المشاكل.
ثم كانت تلك الهاوية في الحلم وقد جسد عقله الباطن مايراه عقاب
لأولئك الناس المثيرين للشغب والمسببين للمشاكل.
أضحكتني تلك الجملة الظريفة( بالطبع أنت ولن يكون أحد سواك)
مبهرة قصتك وبديعة لغتك ـ قرات واستمتعت فشكرا لك.

براءة الجودي
06-10-2013, 07:37 PM
وكالعادة بديعة هي لغتك ومميز في أسلوبك وفكرك
رغم رتابة حياة البطل إلا أنه كان طريفا وما أجمل أن نواجه الشغب بالهدوء وحسن الخلق وأن تجنبها فإن اضطررنا النصح المسار وإن لم تكن باليد حيلة
فيكفي الثبات على المبدأ ورفض هذا الصخب والعبث الذي لايأتي بخير

عبدالإله الزّاكي
06-10-2013, 11:13 PM
يعودُ الى منزله مساءً بعد معاناة يومٍ طويل ..يطلق تنهيدة ً ضاقت بها أحشاؤُه بعد ما تخطّى ستين درجة من السلالم إلى شقته في الدور الثالث حيث يقبعُ وحيداً ..على عتبة منزله يتخلى عن معطفهِ المعبق برائحةِ العرق.. يلقي بحذائهِ عند الرّدهة ثم يتوجه لصنبورِ الماء المصلوبِ عند فناءِ البيت.. . صوتٌ كفحيحِ الأفعى يخرجُ من الصُّنبور قبل أن يهتز ليسح َّ بخيطٍ رفيع ٍ..يملؤُ كفّـيه ماءً ثم يلطمهُما بوجهِه، ..يدلّكَ جبينه ثم ينثر ما علقَ بأصابعه كأنّه يستأصل رهقَ يومه..يلقي بما في يديه ..هاتفََه المحمول ..مفتاحَ البيت ..مفتاحَ مكتبه في العمل ..محفظتَه المنتفخة بالفواتير والبطاقات الائتمانية ..تتلقفُ علاقة ملابسهِ سروالَه وقميصَه ..ثمَّ يلقي بنفسه على السرير..
..

صار إسم عبد السلام دغمش ماركة مسجلة للإبداع و الألق و التميز، فما عاد يغني الإطراء على إبداعاتك أخي الأديب و شاعرنا الأريب دغمش، فإنما نَقصد سلعتك مطمئنين واثقين من جودة اللغة و متعة السرد.

تحاياي و تقديري.

آمال المصري
07-10-2013, 09:31 AM
رتابة الحياة والروتينية التي تتكرر كل يوم حيث لاجديد يبدد وحشة الوحدة
نص ماتع السرد قوي البيان والبنيان لايخلو من الطرفة المحببة
بوركت واليراع شاعرنا المكرم
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

عبد السلام دغمش
07-10-2013, 05:43 PM
قصة ماتعة جميلة
استمتعت كثيرا بأسلوب السرد وجمال العبارة أخي عبد السلام
يوم عشناه مع البطل في رتابة عيشه والصخب الذي رافقه
توقعت الحلم منذ أحداث الحفرة لكن الحبكة كانت جيدة
عبرت تجربة الحلم عن شخصية البطل الرافضة للرذيلة والعنف الاجتماعي والصخب ، وحيرني اضطراره للقفز فوقها مع الرفض ، وقد يكون تعبيرا عن عجزه عن تغيير هذا الواقع .

"يوماً طويلاً من العَناء يستعرضُه شريطاً يمرّ أمامَ ناظِريه " ، هنا أظن الرفع أصح : يوم طويل .....
"وليكنْ ما يكن!" ، الصحيح : ما يكون ...

مع بالغ إعجابي وتقديري ، وأطيب تحية

الاستاذ مازن لبابيدي

عرضتُ هنا في هذا النص حالة يمكن لي أن أسميها " الاستعلاء السلبي" صحيح ٌ أن نتجنب نزق الآخرين ونستعلي بايماننا لكن لا مفر من مخالطة الآخرين والصبر عليهم..
بطل القصة حاول في عقله الباطن أن يقفز عن واقع يحيط به..لانه لا يستطيع أن يواجهه بما يلزم من شجاعة.
واترك للأخوة القراء استنباط دلالات أخرى من شخوص القصة.
أشكرك على ملاحظاتك أستاذي الكريم.

عبد السلام دغمش
07-10-2013, 06:16 PM
نص جميل حد الأدهاش ـ برعت في رسم تلك الشخصية
بلغة بديعة متقنة, وسرد جاذب جعلنا نعيش مع ذلك الرجل
فنجهد في طلوع الستين درجة من السلالم ـ ونراه وهو يدلك
جبينه ليستاصل رهق يومه وقد شهد فيها ثلاثة معارك وهو
بطبيعته وطيبته ينأى بنفسه عن المشاكل.
ثم كانت تلك الهاوية في الحلم وقد جسد عقله الباطن مايراه عقاب
لأولئك الناس المثيرين للشغب والمسببين للمشاكل.
أضحكتني تلك الجملة الظريفة( بالطبع أنت ولن يكون أحد سواك)
مبهرة قصتك وبديعة لغتك ـ قرات واستمتعت فشكرا لك.

الأخت الأديبة نادية الجابي
سرني مروركم والأكثر من ذلك قراءتكم العميقة للنص.
تقبلوا تقديري وتحياتي.

عبد السلام دغمش
07-10-2013, 06:19 PM
وكالعادة بديعة هي لغتك ومميز في أسلوبك وفكرك
رغم رتابة حياة البطل إلا أنه كان طريفا وما أجمل أن نواجه الشغب بالهدوء وحسن الخلق وأن تجنبها فإن اضطررنا النصح المسار وإن لم تكن باليد حيلة
فيكفي الثبات على المبدأ ورفض هذا الصخب والعبث الذي لايأتي بخير

الأخت براءة الجودي

إضاءات جميلة للنص أضفيتموها بقراءتكم.
تقبلي وافر تحياتي.

عبد السلام دغمش
07-10-2013, 06:22 PM
صار إسم عبد السلام دغمش ماركة مسجلة للإبداع و الألق و التميز، فما عاد يغني الإطراء على إبداعاتك أخي الأديب و شاعرنا الأريب دغمش، فإنما نَقصد سلعتك مطمئنين واثقين من جودة اللغة و متعة السرد.

تحاياي و تقديري.

الأخ الحبيب سهيل المغربي
سامحك الله..فما أنا الا تلميذ يستقي من نمير هذه الواحة الطيبة.
لا حرمنا من اطلالتك اديبنا الفاضل.
تحياتي.

عبد السلام دغمش
08-10-2013, 06:33 PM
رتابة الحياة والروتينية التي تتكرر كل يوم حيث لاجديد يبدد وحشة الوحدة
نص ماتع السرد قوي البيان والبنيان لايخلو من الطرفة المحببة
بوركت واليراع شاعرنا المكرم
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

الأخت آمال المصري
مروركم يسرني أديبتنا الفاضلة.
هي فعلاً حالة من الرتابة إضافة لاعتزال يعيشه بطل القصة.
وافر تحياتي

الفرحان بوعزة
09-10-2013, 06:56 PM
يعودُ الى منزله مساءً بعد معاناة يومٍ طويل ..يطلق تنهيدة ً ضاقت بها أحشاؤُه بعد ما تخطّى ستين درجة من السلالم إلى شقته في الدور الثالث حيث يقبعُ وحيداً ..على عتبة منزله يتخلى عن معطفهِ المعبق برائحةِ العرق.. يلقي بحذائهِ عند الرّدهة ثم يتوجه لصنبورِ الماء المصلوبِ عند فناءِ البيت.. . صوتٌ كفحيحِ الأفعى يخرجُ من الصُّنبور قبل أن يهتز ليسح َّ بخيطٍ رفيع ٍ..يملؤُ كفّـيه ماءً ثم يلطمهُما بوجهِه، ..يدلّكَ جبينه ثم ينثر ما علقَ بأصابعه كأنّه يستأصل رهقَ يومه..يلقي بما في يديه ..هاتفََه المحمول ..مفتاحَ البيت ..مفتاحَ مكتبه في العمل ..محفظتَه المنتفخة بالفواتير والبطاقات الائتمانية ..تتلقفُ علاقة ملابسهِ سروالَه وقميصَه ..ثمَّ يلقي بنفسه على السرير..
يوماً طويلاً من العَناء يستعرضُه شريطاً يمرّ أمامَ ناظِريه ..ربما لا يختلفُ كثيراً عن غيره من الأيام، إلا انه متميزٌ بصَخَبه..ثلاثَ معارك شهدَها ولم يكن له ناقةٌ فيها ولا جمل..فهدوؤُه المعهود وطيبتُه الزائدة محطّ انتقاد زملائه..لكنّه راضٍ قرير العينِ إذْ ينأى بنفسه عن نزَقهم حيناً ومُلاحاتهم حينا آخر..
ما زالَ صفعُ الابواب وقرعُ الشتائم ما بين زملائِه في العمل يتردّدُ في أُذنيْه ......ثم صفعاتٌ أخرى في الحافلة العجوز أثناءعودته إلى بيته -على وجهِ شاب عاكسَ فتاةً.. انتهت بقذفه خارج الحافلة.. أما المشهد الأخير فعند بوابة العمارة ..دعواتِ الغضب و خراب البيت على ساكن الدور الثاني تطلقها مالكةُ العقار..فقد تأخر المستأجرُ عن السّداد أسبوعاً آخر على التوالي..
.. تمتمَ محدثاً نفسه ..هل يكون اليوم التالي كهذا اليوم ..ثم غطّ في سباتٍ عميق...
سريعا يأتي الصباحُ متربصاً بالباب..اخترقت أشعة الشمس زجاجَ نافذةِ غُرفته المتشقق..نهض بتثاقل..استطلع وجهَه في المرآة..تمتم: بالطبع أنتَ ولن يكون أحدٌ سواك.. ذهب لمصافحة صُنبور الماء..سرّح شعره بأطرافِ أصابعه..التقطَ ملابس أمسهِ من علاّقة الملابس..المفاتيح ..الهاتف المحمول..
سبقتهُ خطواتُه على الأدراج مسرعاً إلى عمله ،وصل لبابِ العمارة ،وقبل أن يخطو الى الشارع توقف متفاجئاً بحفرةٍ كبيرة في عُرْض الشارع..تراجعَ خشية أن ينزلقَ حتى اصطدمَ ظهره بالبوابة..ياللهول ..إنها تهوي لعدة امتار في العمق..تقدم بحذرٍ على شفا الحفرة..ما هذا ..إنها مالكةُ العمارة هنا في الحفرة..لا تزال تطلق صيحاتها ودعواتها... وها هو فتى الحافلة يتحسّسُ وجهَه بعدما تلقاه من صفعات..زملاؤه في العمل ها هم في الحفرة يتصايحون.....رفع رأسه محدقاً في الجانب الاخر..تفاجأ بجمهرةٍ من الناس يتجمعون ويشيرون له ..
- اقفز..صرخَ أحدُهم!
- لا ..لا ..إياكَ أن تفعل..إنها سحيقة..ناشده آخر..
- مثلُ هذا لا يقْدر ..هههه.. جبان..قهقه رجل متكرش..
صبيةٌ يتنادونَ للتجمّع أمامَ المشهد.. ثم ما لبثت أنْ تكاثرت الجموعُ.. رجلٌ متأنّق يمشي الهوينا و يتحدث في هاتفه المحمول كأنه يصف الحدث لآخرين..
رجلٌ عجوز يمرّ على الرصيف هناك..إنه "أبو نبيل" بائعُ الحمّص المسلوق يجرُّ عربته..يهزُّ رأسَه ويرسمُ نصفَ ابتسامة..ويشير له أن اعبُرْ برفق ..
-لا..لا .. ليس من مفرّ إلا القفز..حدثَ نفسَه..
فكّرَ أن يرجعَ للخلف حتى يتسع أمامهُ مدى الوثبة ، اصطدمَ بالسورمرةً أخرى....
ألقى بنظرةٍ على المشهد و قد تجمهرَ القوم ..هناك في الجانبِ الآخريتضاحكون ..يستهزؤون..ومَن أمامه في الحفرة يتصايحون..
هتفَ بمن في القاع :اِسمعوا .. انا لن اتردّى إليكم.. سأقفز ..نعم سأقفز..وليكنْ ما يكن!
... حلقَ بيديه..أغمض عينيه..ثم قفز!
...أفاق على قوائم سريره تهتزّ..انتبه من نومِه مذعوراً..تكوّم جالسا ً على سريره ..سكنهُ الأرقُ إلى حين ..ثم عاد إلى النوم بعد أن غلبَ تعبُ جسده هواجسَه.. لكن أشعة الصباح ما لبثت تتسللُّ وتلسعُ جفنيه.. إنه يومٌ آخر نصبَ أشرعته ولا بدّ من الالتحاق بالركب..
..نهضَ بتثاقل..استطلعَ وجهَه في المرآة..تمتمَ في وجهه المصفرّ: بالطبعِ انت ولن يكونَ أحدٌ سواك.. ذهبَ لمصافحة صنبور الماء..سرحَ شعرَه بأطرافِ أصابعه..التقط ملابسَ أمسِه من علاقة الملابس.. يحشو جسده فيها ..يلتقط المفاتيح ..الهاتفَ المحمول..محفظته..
...يتهادى بخطىً وئيدة على الأدراج..يخرج الى الشارع.. يتحسس بأقدامه الإسفلت واثقاً ..كان أبو نبيل بائع الحمص المسلوق يجرُّ عربته ..يهزّ رأسَه..ويرسم نصفَ ابتسامة..

الأخ الفاضل والمبدع المتألق .. عبد السلام دغمش .. تحية طيبة ..
تنظيف وجهه وجبينه ما هي إلا أفعال وسلوكات تنبئ عن خلل ما في رؤيته للواقع الذي يعيشه ، حركات أصبحت روتينية ومكرورة لا يتدخل العقل فيها ، إنها حركات يمكن أن تكون عشوائية في بعض الأحيان ، الهدف منها هو إزالة الإرهاق الذي لحق به .. والواقع أنه يريد أن يتملص من عمله المضني الذي شغل فكره وذاته ووقته ..
بطل أصبح منتقداً لكل خشخشة ، كثير الملاحظة ، مفرط الحساسية ، غير راض عن كل ما يمر أمامه ،فكأنه يريد أن يكون معلماً لكل الناس .. بطل يحس بضغط كبير لرتابة واقعه حتى أصبح يشك في كل فعل وسلوك يأتي به الآخر ..
سارد ماهر عرف كيف يدخل إلى حياة البطل عن طريق الحلم ، ليكشف لنا عن واقع مترد لا دخل للبطل فيه ، والحلم هو قناة للهرب من الواقع ، لكن وجد هذا الواقع أمامه ينتظره ، قد نظن أن البطل أصابه الهذيان ، بل خلق لنفسه بدون وعي عالماً خيالياً يتوهم أنه يمسه من قريب .. عالم يوازي ويقابل العالم الواقعي الذي يعاني منه .. وكثيراً ما يلجأ الكتاب إلى تجسيد الحلم في إبداعاتهم كنشاط نفسي يشترك فيه جميع الناس ..
بطل يخاف من نفسه وذاته ، ومجتمعه ، ومحيطه كأن الرهاب يعشش في عقله وفكره .. فهو تنقصه الجرأة ليغير حياته لأنه يعيش في عزلة ووحدة قاهرة ،لهذا نجده في كل يقول لما ينظر إلى المرآة : " بالطبع أنتَ ولن يكون أحدٌ سواك.. " كأنه يريد أن تكون له ذات حرة غير تابعة للآخر لها خصائصها المميزة لكنه فشل في ذلك لأنه لا يعيش فجوة واحدة بل يعيش فجوات عديدة .. ..
عن طريق هذه الشخصية التي لا دور لها في الحياة ، بفنية متميزة استطاع السارد أن يدمجها في الحياة ، بعدما جعله مطروداً من عالمه الواقعي ..لكن البطل خيب آماله ..
جميل ما قرأت لك أخي عبد السلام ..وتقبل ثرثرتي ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة

عبد السلام دغمش
10-10-2013, 11:17 AM
الأخ الفاضل والمبدع المتألق .. عبد السلام دغمش .. تحية طيبة ..
تنظيف وجهه وجبينه ما هي إلا أفعال وسلوكات تنبئ عن خلل ما في رؤيته للواقع الذي يعيشه ، حركات أصبحت روتينية ومكرورة لا يتدخل العقل فيها ، إنها حركات يمكن أن تكون عشوائية في بعض الأحيان ، الهدف منها هو إزالة الإرهاق الذي لحق به .. والواقع أنه يريد أن يتملص من عمله المضني الذي شغل فكره وذاته ووقته ..
بطل أصبح منتقداً لكل خشخشة ، كثير الملاحظة ، مفرط الحساسية ، غير راض عن كل ما يمر أمامه ،فكأنه يريد أن يكون معلماً لكل الناس .. بطل يحس بضغط كبير لرتابة واقعه حتى أصبح يشك في كل فعل وسلوك يأتي به الآخر ..
سارد ماهر عرف كيف يدخل إلى حياة البطل عن طريق الحلم ، ليكشف لنا عن واقع مترد لا دخل للبطل فيه ، والحلم هو قناة للهرب من الواقع ، لكن وجد هذا الواقع أمامه ينتظره ، قد نظن أن البطل أصابه الهذيان ، بل خلق لنفسه بدون وعي عالماً خيالياً يتوهم أنه يمسه من قريب .. عالم يوازي ويقابل العالم الواقعي الذي يعاني منه .. وكثيراً ما يلجأ الكتاب إلى تجسيد الحلم في إبداعاتهم كنشاط نفسي يشترك فيه جميع الناس ..
بطل يخاف من نفسه وذاته ، ومجتمعه ، ومحيطه كأن الرهاب يعشش في عقله وفكره .. فهو تنقصه الجرأة ليغير حياته لأنه يعيش في عزلة ووحدة قاهرة ،لهذا نجده في كل يقول لما ينظر إلى المرآة : " بالطبع أنتَ ولن يكون أحدٌ سواك.. " كأنه يريد أن تكون له ذات حرة غير تابعة للآخر لها خصائصها المميزة لكنه فشل في ذلك لأنه لا يعيش فجوة واحدة بل يعيش فجوات عديدة .. ..
عن طريق هذه الشخصية التي لا دور لها في الحياة ، بفنية متميزة استطاع السارد أن يدمجها في الحياة ، بعدما جعله مطروداً من عالمه الواقعي ..لكن البطل خيب آماله ..
جميل ما قرأت لك أخي عبد السلام ..وتقبل ثرثرتي ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة

الأخ الفرحان

إضاءة ثاقبة و قراءة مستفيضة.
هذه شخصية من يستعلي على الآخرين ..ربما يفضُلهم بخلقه لكنه في الحقيقة يواجه إشكال التعامل مع المجتمع بخيره وشره..يناى بنفسه عنهم حيث يعيش وحيدا..يتخيل الآخرين كأنهم في حفرة ويخشى أن ينزلق اليهم.
كانت شخصية العجوز أبو نبيل تحمل إشارة الحل بأن عليه أن يمر برفق.. فالرجل الصالح يخالط الجميع لكنه في ذات الوقت يحصن نفسه من التمرغ بمنكراتهم.
أشكرك أستاذنا المبدع لهذا التحليل وكم نحن بحاجة لمثل هذه القراءات العميقة للنصوص.
دمت بخير ..وكل عام وانتم بخير.

ربيحة الرفاعي
02-11-2013, 12:35 AM
تتمتع بمهارة سردية تجعل النص آسرا وإن طال ، وترسم التفاصيل ببراعة تشهد بقاص مبدع وتعد بقادم اروع واروع

دمت بألق أيها الكريم

تحاياي

عبد السلام دغمش
03-11-2013, 06:24 PM
تتمتع بمهارة سردية تجعل النص آسرا وإن طال ، وترسم التفاصيل ببراعة تشهد بقاص مبدع وتعد بقادم اروع واروع

دمت بألق أيها الكريم

تحاياي

الأخت ربيحة الرفاعي

تشرفني قراءتكم للنص وأشكر لكم هذا التشجيع.
دمتم و دامت الواحة.

حارس كامل
03-11-2013, 08:19 PM
بقلم بارع وصفت دقائق حياة ذلك الروتين اليومي لحياة مليئة بالانهزامية والانكسار.
تحيتي وتقديري
أخي المبدع /عبدالسلام دغمش

عبد السلام دغمش
04-11-2013, 06:04 AM
بقلم بارع وصفت دقائق حياة ذلك الروتين اليومي لحياة مليئة بالانهزامية والانكسار.
تحيتي وتقديري
أخي المبدع /عبدالسلام دغمش

الأستاذ الأديب حارس كامل

هي فعلاً حياة تصعب على البعض .. فيضطر أن يجعل فجوة بينه وبين الآخرين..
دمتَ بخير

خلود محمد جمعة
05-11-2013, 11:51 PM
قصة لامست واقع للكثيرين بأسلوب متمرس
نخوض في حكاياك ولا نمل
نطمع بالمزيد
دمت
مودتي وتقديري

عبد السلام دغمش
07-11-2013, 05:58 AM
قصة لامست واقع للكثيرين بأسلوب متمرس
نخوض في حكاياك ولا نمل
نطمع بالمزيد
دمت
مودتي وتقديري

الأخت المبدعة خلود

تقديري لمروركم و قراءتكم للنص..
مع وافر تحاياي.

محمد الشرادي
08-11-2013, 10:46 AM
أهلا أخي عبد السلام
نص رائع من اجمل ما قرأت لك.بناء ...لغة...فكرة...و قفلة مائزة.
نداء قوي لكل من يعتقد أنه فوق الواقع و الناس. واهم واهم من يعتقد ذلك. مهما اعتبرنا الواقع حولنا مريضا لابد من التعايش و التعامل مع الناس.و الابتسامة هي السلاح الذي نقاوم به قسوة الواقع.
نص قال الكثير بتكثيف جيد.
دام الألق ليراعك.
تحياتي

عبد السلام دغمش
09-11-2013, 07:39 AM
أهلا أخي عبد السلام
نص رائع من اجمل ما قرأت لك.بناء ...لغة...فكرة...و قفلة مائزة.
نداء قوي لكل من يعتقد أنه فوق الواقع و الناس. واهم واهم من يعتقد ذلك. مهما اعتبرنا الواقع حولنا مريضا لابد من التعايش و التعامل مع الناس.و الابتسامة هي السلاح الذي نقاوم به قسوة الواقع.
نص قال الكثير بتكثيف جيد.
دام الألق ليراعك.
تحياتي

الأخ الأديب محمد الشرادي
سررتُ بقراءتكم .. وكان ذلك مغزى النص .. اعتزال الآخر بدعوى الترفّع لا يجدي ..ولا بد من الخوض معهم و فيهم تعاملاً وإصلاحا..
بوركتم أديبنا الفاضل:001:

عبد السلام هلالي
09-11-2013, 09:44 PM
أخي عبد السلام ،
أقمت هنا طويلا ،راقبت صاحبك ، اطلعت على تفاصيل حركاته و سكناته ، قرأت أفعاله و ملامحه . فكرت في واقعه ، و روتينه ، في استعلائه أو جبنه ، في حياديه أو سلبيته.
استمتعت و قلت لا عجب ، فأنا أقرأ لعبد السلام دغمش
أترك تحية و محبة و إعجابا و أمضي

عبد السلام دغمش
10-11-2013, 05:40 PM
أخي عبد السلام ،
أقمت هنا طويلا ،راقبت صاحبك ، اطلعت على تفاصيل حركاته و سكناته ، قرأت أفعاله و ملامحه . فكرت في واقعه ، و روتينه ، في استعلائه أو جبنه ، في حياديه أو سلبيته.
استمتعت و قلت لا عجب ، فأنا أقرأ لعبد السلام دغمش
أترك تحية و محبة و إعجابا و أمضي

سررتُ بمرورك و طيب انطباعك أيها الأديب الأريب..
سحائب ودّ وباقات ورد.

كاملة بدارنه
02-12-2013, 03:18 PM
وصف يجعل القارئ مشاركا للبطل فيما قام به
تعب هي الحياة وروتين ...
بوركت
تقديري وتحيّتي

عبد السلام دغمش
03-12-2013, 05:29 PM
وصف يجعل القارئ مشاركا للبطل فيما قام به
تعب هي الحياة وروتين ...
بوركت
تقديري وتحيّتي

الأخت كاملة بدارنة

تقديري الكبير لمروركم وقراءتكم.
وافر تحياتي.

نداء غريب صبري
09-03-2014, 05:57 PM
قصة جميلة واستفادة من الحلم في بناء الحبكة
ممتعة ومفيدة وهادفة

شكرا لك أخي

بوركت

عبد السلام دغمش
31-03-2014, 07:50 PM
قصة جميلة واستفادة من الحلم في بناء الحبكة
ممتعة ومفيدة وهادفة

شكرا لك أخي

بوركت

الأخت نداء صبري

تقديري لمروركم وتفاعلكم المشهود ..
تحياتي.

د. سمير العمري
28-05-2014, 06:43 PM
نص قصصي بارع يعالج حالة ظاهرة ومعنى باطنا ، فأما الحالة الظاهرة فهي رصد حالة الرتابة التي تصيب حياة أكثر الناس خصوصا الموظفين ويرصد حالة الوجع التي تنتابه مما يتعرض له من مضايقات وسفاسف الناس ، وأما الأمر الباطن فهو المعالجة النفسية للتعالي الذي يصيب بعض القوم ممن لا يرى إلا أنه هو الصواب والحق والقدوة ويتهم غيره بكل شيء ويحاول دائما وصادقا تجنب السفاسف ولككن على حساب الكثير من التواصل والعلاقة السوية.

هو نص مميز ومعبر فلا فض فوك!

هذا وأشير إلى أن النص بحاجة لبعض تنقيح ليكتمل بهاؤه.

تقديري

عبد السلام دغمش
11-06-2014, 10:54 PM
نص قصصي بارع يعالج حالة ظاهرة ومعنى باطنا ، فأما الحالة الظاهرة فهي رصد حالة الرتابة التي تصيب حياة أكثر الناس خصوصا الموظفين ويرصد حالة الوجع التي تنتابه مما يتعرض له من مضايقات وسفاسف الناس ، وأما الأمر الباطن فهو المعالجة النفسية للتعالي الذي يصيب بعض القوم ممن لا يرى إلا أنه هو الصواب والحق والقدوة ويتهم غيره بكل شيء ويحاول دائما وصادقا تجنب السفاسف ولككن على حساب الكثير من التواصل والعلاقة السوية.

هو نص مميز ومعبر فلا فض فوك!

هذا وأشير إلى أن النص بحاجة لبعض تنقيح ليكتمل بهاؤه.

تقديري

أشكركم أستاذنا الفاضل لقراءتكم الكاشفة للنص ..
دمتم ودام حضوركم .
تقديري الكبير ..