تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العيدية



هشام النجار
15-10-2013, 08:39 AM
إنه سمير بك .. ألا تعرفه ؟ إنه مسئول كبير فى إحدى الهيئات ، وصاحب شركة استثمارية كبيرة ، وهو أيضا يمتلك قناة فضائية .
كيف لا تعرفه ؟ إلى متى ستظل مغيباً عن هذا العالم ؟ ألم يحن الوقت الذي تخرج فيه من قمقمك ؟ الدنيا تتغير كل يوم ، بل كل لحظة وأنت لازلتَ مكانك منذ عشرين عاما ً ونحن معك !
هكذا أجابني زميلي ونائبي العزيز "محمود " عندما سألته عن هوية ذلك الرجل البادي الثراء الذي خرج لتوه من مكتب المدير ... ، ومحمود دائما ً هكذا موجوع ومغتاظ لأنني أسير دائما ً عكس التيار ، وأقف بالمرصاد لكل محاولة للسير معه ، ومحمود يضعني دائما ً على قائمة الأسباب التى أدت إلى تدهور حالته الاقتصادية ، وتردى حالته النفسية ، وانهيار حالته الاجتماعية .. وكثيرا ما تمنى زوالي .. وكثيرا ً ما دعا على فى حضوري وغيابي وسره وعلانيته ، أن يبتليني الله بشئ دون الموت يلزمني الفراش ، أو على الأقل " أسوى المعاش " أو يتم نقلى إلى قسم آخر ، حتى يهنأ هو بالهدايا والهبات والعطايا التى يتوقف مجيئها على توقيعي أو على سكوتي .
* لم أهتم كثيرا بسمير بك الذي يوزع الأموال والشيكات كما يوزع الابتسامات ، ودفنتُ رأسي فى الأوراق المُكومة على مكتبي ، إلا أنه هذه المرة أثار دهشتي وشكوكي ، عندما تقدم إلى مكتبي بخطى ثابتة واثقة ، وبدخان سيجاره الغليظ ، وبنظارته السوداء التى تخفى من وجهه أكثر مما تظهر .
* تساءلت فى نفسي .. ماذا يريد منى هذا الرجل ؟
ربما أثاره هدوئي وعدم اكتراثي به مثل الباقين ، أو لأنني لا أنهض من مكاني لألاحقه بالتبريكات والسلامات والدعوات وهو فى طريقه إلى مكتب المدير ، ثم وهو فى طريقه إلى خارج الشركة .
* وقف أمام المكتب ببذلته الزاهية وجسده الضخم ، حتى أنني لم أستطع رؤية الواقفين خلفه من الموظفين والعمال ... ، نظرت مندهشاً إلى زميلي ونائبي " محمود " فوجدته واقفا ً مبتسما ً ، يستحثني ويشير إلى بيده لكي أنهض من مكاني ، إلا أنني ظللت صامتا ً ثابتاً .
* تساءلت للمرة الثانية وسمير بك واقف أمام المكتب بأبهته ودخان سيجاره .. ماذا يريد منى هذا المسئول الكبير الذي يضرب به المثل فى الثراء والبذخ ؟
وماذا بيدي أنا لأقدمه له ، وهو صاحب العلاقات والصداقات ، إنه ليس بحاجة إلى رشوتي حتى أمرر رغباته أو أنفذ طلباته ، فهو بكلمة واحدة لمدير الشركة يستطيع فعل أي شئ .
* خلع سمير بك نظارته السوداء فالتقت نظراتنا ، استفزني عندما انفجر فى الضحك وظننته يهزأ بى ، فسألته فى غضب : ماذا تريد ؟
من أنت ؟
قال : أخيرا ً سمعت صوتك .. لماذا أنت صامت هكذا ؟
ألستُ ضيفا ً عندكم ، لماذا لا ترحب بى مثل الباقين ؟ إننى أستغرب ذلك منك وأنت أولى الناس بالترحيب بى ، أنا لم أستدل عليك إلا الآن عندما تردد اسمك أثناء وجودي فى مكتب المدير .
* قلتُ : وما صلتي بك يا سيدي ؟ دعني وشأنى ، فأنا لدى ابنة أريد تربيتها ، أنا مجرد موظف على قد حالي .
تعللتُ بالأوراق أمامي ، فوجدته يستند بيديه على المكتب ، ويقترب بوجهه حتى كادت جبهته تلاصق جبهتي ، وقال .. ألا تذكرني أيها الرجل الطيب ؟
قلت : من أنت ؟
اعتدل واقفا ً وأخرج من جيب جاكتته الكارت الخاص به وألقى به على المكتب ، وقال: ألا يُذكرك هذا الاسم بشئ ؟
قرأت .. سمير عيد عبد المنعم !
* نهضتُ من مكاني غيرَ مصدق ، واندفعت نحوه ممسكا ً بخناقه ، وقبل أن أتفوه بكلمة جذبني من يدي وركض بى فى خفة وسط ذهول الزملاء .. دفعني بشدة داخل مكتب المدير وأغلق علينا الباب .
* بدا سمير أمامي كما كان فى الماضي نحيلا ً هزيلا ً ، لا يكاد يجد ما يسد به رمقه ، ساخطا ً على كل شئ ، راغبا ً فى فعل أي شئ ليغير واقعه ، ناقما ً على الأغنياء ، لاعناً الفقر والفقراء .
* قلت : يا سيادة المدير ، هذا الرجل مدين لي بمائة جنيه !
* انفجر سمير فى الضحك ، قائلا ً ودخان سيجاره يكاد يخنقني : هذه المائة جنيه أعطيها اليوم لسائقي بقشيشاً .
* قلت : هل تذكر كيف استوليت على مالي وهربت ، هذه المائة جنيه كانت هي كل ما أملك ، وأنت تعلم أنني ادخرتها لأتزوج بها ، إنها تساوى الآن أكثر من مائة ألف .
قال : سأعطيها لك مليونا ً بشرط أن تخفض صوتك .. ألا تعرف من أنا ؟
نظر إلى صديقه كأنه يطلب منه المساعدة ، ثم نظر إلى نظرة حنين مصطنع وهو يقول : أبعدَ كل هذه السنوات تنسى كل شئ ، وتتذكر فقط هذا المبلغ التافه ؟ هل أنت راض عما أنت فيه الآن .. هل هذا هو كل طموحك فى الحياة ؟ تعال معي وأنا أعاهدك أنني سأغيرك وسأجعل منك شخصا ً آخر وسوف أجعلك تعيش حياة غير الحياة .
* قلت : لا ، إنني لا أريد سوى المائة جنيه التى سرقتها .. أريد حقي فقط .
* قال : ولا تتفوه بكلمة ، ولا تخرج لتعلن على الملأ أنني كنت مدينا ً لك بمائة جنيه ؟
* قلت : نعم
* ألقى سمير بك المسئول الكبير والمستثمر العظيم وصاحب الفضائيات بورقة من فئة المائة جنيه على الأرض ، فانحنيتُ والتقطها .. وخرجت من مكتب المدير لأجد زملائي مجتمعين أمام الباب فى انتظار الخبر .. قلت لهم : كل عام وأنتم بخير ..لقد طلبتُ سلفة و حصلت على مائة جنيه لأقدمها عيدية لابنتي .

آمال المصري
17-10-2013, 07:36 AM
هناك من يرضى بما قسم الله له .. وآخر يتمرد على القدر ويحارب المقسوم وإن خاض مانهى الله عنه
فللمال والثراء سحر يسلب ذوي النفوس الضعيفة
نص جميل بسرده المتقن وتصاعد أحداثه التي تجبر المتلقي على المتابعة المصحوبة بمتعة القراءة تناول فيها أديبنا نموذجين مختلفين اختلف مسار كل منهما ولكن لم يتغير صاحب المبادئ والقيم
وخاتمة مدهشة كللت النص بمزيد من البهاء
أتابع كتاباتك القصصية أديبنا وأسعد دائما بالقراءة لك
بوركت واليراع
وكل عام وأنت للرحمن أقرب
تحاياي

هشام النجار
17-10-2013, 06:45 PM
سيدتى الكريمة والمبدعة الكبيرة الأستاذة آمال المصرى لكِ الشكر الجزيل على الحضور الدائم والمتابعة السخية والقراءة المميزة المعمقة للنصوص والتى تزيدها بهاءاً وألقاً وقيمة .. ووالله انه لشرف لنا هذه المتابعة من قامة أدبية ونقدية مثلك .
بارك الله فيك وتقبل الله منا ومنك صالح الأعمال وكل عام وأنتم فى كامل الصحة والعافية وفى ذروة عطائك الفكرى والابداعى .
تقبلى خالص التحية .

د. محمد حسن السمان
18-10-2013, 03:10 AM
الأخ الفاضل الأديب القاص هشام النجار
أغبطك على هذه المقدرة في رسم الملامح القصية , والتحكم بالنبض النفسي والداخلي للشخوص , والارتقاء بالتوتر باسلوب عفوي , ضمن لوحة مجتمعية صارخة , تلامس مفهوم التباين بين الخير والشر , وتقدم رسالة ايجابية , ولكن كقارئ لم تعجبني الفقرة التالية:

" * ألقى سمير بك المسئول الكبير والمستثمر العظيم وصاحب الفضائيات بورقة من فئة المائة جنيه على الأرض ، فانحنيتُ والتقطها ..

فأنا لا أحب أن أرى الخير منحنيا , يلتقط ورقة نقود ألقيت على الأرض , كنت أتمنى أن تنتزع الورقة النقدية , مع الاكتفاء بها , والرفض المطلق لأي تبعة , إلا إذا كان غرضك من الملمح , رسم بعض الانكسار في الشخصية الخيّرة .
تقبل تقديري وإعجابي

د. محمد حسن السمان

هشام النجار
18-10-2013, 05:45 AM
أخى الحبيب الفاضل المبدع والناقد الكبير الدكتور محمد حسن السمان ، شكراً جزيلاً على هذا الحضور البهى وهذه الطلة النقدية الفاحصة التى استفدتُ واستمتعت بها ، فضلاً عن اعتزازى وفخرى وامتنانى بمجرد توقيعك على النص .. وبشأن المشهد الأخير فقد وجدتنى مضطراً لذلك تأكيداً على طبيعة ومواصفات الشخصية ، وأظن أن المتلقى قد ترسخت فى مخيلته بهذا المشهد مدى ما يميز الرجل من رضا وشغف بواقعه وما ارتضاه الله له من خير قليل ، ومن ناحية أخرى لتأكيد نجاحه فى الاختبار الذى وضعه فيه صديقه القديم فقد انحاز للمبلغ التافه الحلال بانكسار ليس للثرى انما للواهب الرازق سبحانه وتعالى الذى أعاد اليه ماله بعد هذه السنوات ، ورأيى المتواضع أنه لو صُور المشهد بترفع وانتزاع لما صار منسجما مع طبيعة الشخصية التى يمثل الرضا والتواضع والاستسلام والاذعان لقدر الله أهم ملامحها .
وهذا مجرد اجتهاد شخصى أرجو أن أكون مصيباً فيه ، وهذا لا ينقص من وجاهة مقترحك من زاوية انتصار الخير على الشر وتشفينا فى الشخصية الشريرة ، وهذا يحدث لو انتهى الامر عند حصول البطل على ماله وفقط ، لكننى مشيت على مسار القدر ولون الشخصية ليرفع الجنيهات الضئيلة الحلال التى يستهين بها صاحب الملايين من على الارض ليصنع بها فرحة حقيقية نقية لابنته ، فى حين كان فى وسعه لو انحاز للزيف أن ينال ملايين حرام غير مستحقة ليعيش مع ابنته فى سعادة وهمية .
لك الشكر الجزيل سيدى الكريم . وتقبل منى خالص التحية والتقدير .

ربيحة الرفاعي
07-11-2013, 12:47 AM
سرد متقن البناء الدرامي بتصاعد هادئ ومقنع للحدث واداء قصّي ماتع بعفويته وواقعية موضوعه وسمو غايته
الخاتمة مرسومة المشهد بعناية وذكاء استكمل توصيل رسالة النص للقارئ ليحدث تاثيره المطلوب

هادف حرفك وماتع أديبنا
دمت بخير ورضى

تحاياي

هشام النجار
07-11-2013, 01:15 AM
سرد متقن البناء الدرامي بتصاعد هادئ ومقنع للحدث واداء قصّي ماتع بعفويته وواقعية موضوعه وسمو غايته
الخاتمة مرسومة المشهد بعناية وذكاء استكمل توصيل رسالة النص للقارئ ليحدث تاثيره المطلوب

هادف حرفك وماتع أديبنا
دمت بخير ورضى

تحاياي

هذا فضل من الله جل وعلا نحمده أن طوع لنا لغتنا والأداء لرسم معانى الخير ، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ويجعله فى موازين حسناتنا .
الشكر موصول لأستاذتنا الكبيرة المبدعة والناقدة الراقية ربيحة الرفاعى .. تقبلى منى بالغ التحية والتقدير .

خلود محمد جمعة
10-11-2013, 06:32 AM
تدخل حروفك الى القلوب دون استئذان، بهدوء صاخب فتملأ عيوننا رغبة ملحة على الجري بين السطور
سلاسة التمرير لأعماقنا تطلب مهارة انت تجيدها بحرفية
تدخل بقوة وتغادرنا خلسة ويبقى الألق
دمت عازفاً
مودتي وتقديري

عدنان الشبول
10-11-2013, 07:51 AM
فعلا أسلوب قصصي مشوِّق بقلم مبدع ورسام .
استمتعت بها ولو أني أحببت أن أرى موظف المكتب أفضل حالا ( يعني زيدوا الرواتب قليلا يا أخي ههه)

رائع رائع

كاملة بدارنه
14-11-2013, 08:25 PM
عفيف النّفس يبقى عفيفا، والجشع لا تملأ عينه كنوز الدّنيا
قص رائع وممتع وجاذب حتّى النّهاية المحبوكة بإحكام
بوركت
تقديري وتحيّتي

هشام النجار
16-11-2013, 03:17 AM
تدخل حروفك الى القلوب دون استئذان، بهدوء صاخب فتملأ عيوننا رغبة ملحة على الجري بين السطور
سلاسة التمرير لأعماقنا تطلب مهارة انت تجيدها بحرفية
تدخل بقوة وتغادرنا خلسة ويبقى الألق
دمت عازفاً
مودتي وتقديري

تشرفنى وتسعدنى هذا القراءة المتعمقة التى تصنع هذه الحالة الابداعية المدهشة من التواصل والانسجام .
نسأل الله تعالى أن نكون صادقين فى كل ما نقول ونعمل ، فبالصدق يفتح لنا القلوب ، وبالصدق تصل رسالتنا من أقصر طريق دون أيما عناء .
باقة شكر لكرمك وثنائك الجميل أستاذتنا المبدعة خلود محمد جمعة .

نداء غريب صبري
05-03-2014, 11:29 AM
هل هذه طيبة وقناعة
وهل هكذا يسترد الرجل ماله إذا كان قنوعا ؟
شخصية سلبية مستسلمة تتقدم الدنيا وهي في مكانها وتقبل الإهانة بضعف

لم أحب شخصية البطل
لكن القة جميلة والسرد ممتع

شكرا لك أخي
بوركت

هشام النجار
20-05-2014, 01:26 AM
هل هذه طيبة وقناعة
وهل هكذا يسترد الرجل ماله إذا كان قنوعا ؟
شخصية سلبية مستسلمة تتقدم الدنيا وهي في مكانها وتقبل الإهانة بضعف

لم أحب شخصية البطل
لكن القة جميلة والسرد ممتع

شكرا لك أخي
بوركت

هذا البطل بسماته تلك موجود بكثرة فى مجتمعاتنا سيدتى الكريمة ، هو متسامح لكنه ليس ضعيفاً ، يدرك جيداً حجمه وقوته المحدودة فى عالم الديناصورات والحيتان ، وهو يوازن المسألة ليعيش بقدر الامكان حافظاً لحقوقه وحارساً لكيانه ومحارمه ، دون الدخول فى معارك وصراعات يعلم جيداً أنه سيخسرها لا محالة . تلك حال الغالبية العظمى من ناسنا الطيبين محتضنى القناعة .
شكراً جزيلاً لحضورك الذى يسعدنا ويشرفنا دائماً ايتها المبدعة الكبيرة

هشام النجار
23-04-2015, 10:31 AM
فعلا أسلوب قصصي مشوِّق بقلم مبدع ورسام .
استمتعت بها ولو أني أحببت أن أرى موظف المكتب أفضل حالا ( يعني زيدوا الرواتب قليلا يا أخي ههه)

رائع رائع

لك الشكر الجزيل اديبنا القدير عدنان الشبول
تقديرى الكبير لابداعك الراقى
تحياتى واطيب الامنيات

ناديه محمد الجابي
02-02-2019, 07:01 PM
نص جميل السرد قوي الفكرة والمعالجة
بسبك فني مميز وألق في الأداء
مشهد صيغ بإقتدار في رسم كل من الشخصيتين الممثلتين
للخير والشر ـ الفضيلة والرذيلة
في قصة قصيرة عميقة الطرح ، رائعة الحرف والتصوير.
دمت وقلمك الهادف ودام ألقك.
:nj::0014::pr: