تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تمرد " قصة قصيرة "



عدي بلال
24-10-2013, 11:00 AM
انكفأ في تعبٍ على وجهه ، فوق أوراقه المتناثرة على المكتب، و التي ازدحمت بشخصياتٍ و أحداثٍ ، كان هو المحرك لها ، كأنه يراقصها على حبالٍ ، عُقِدت أطرافُها بأصابعه.
تدحرج من يده القلمُ واستكان كصاحبه في غفوةٍ ، بعد ليلةٍ حافلة بصراعات شخصياته ، واقتتالهم على صفحات قصته الطويلة .
لم يشعر بخطوات بطله " راكان " الذي تمرد على سطور قصته ، وخلع معطف الحبر ، و اعتلى صهوة يده في حيرةِ وتأمل ، وشرع يتفرّسُ في وجه هذا الراقد ، وصمَّ أذنيه عن شخيره المزعج .

تلفّتَ حوله في تعجبٍ ، و أبهره وهجُ هذا المصباح فوق رأسه كأنه شمس منتصف النهار ،
وظلمة المكان كأنها سماءُ البيداء التي ينتمي إليها .

قفز عن يده إلى منتصف الصفحة الأخيرة ، فانزلقت قدماه على حبرها ، وشرع يقرأ تلك السطور أسفله .

“وانطلق راكان موجهاً عنان ناقته إلى قبيلة أخوالها ....”

فاغراً فاه في اعتراض ، حين وقعت عيناه على " قبيلة أخوالها" فتقرفص في مكانه ، ودفن رأسة بين راحتيه ، كأنه يندب حظه .

فكّر ملياً في كلام ِ " عروب " ، حين أخبرته بأن الوصول إلى مرابعها أمرٌ عسير ، وتلك السطور تؤكد نبوءتها .

كانت حسناء قبيلتها ، حديثها الشعر ، وخطواتها مرور السحاب ، وعيناها السحر ، وليل شعرها وشت به جارتها ، لبائع ٍ متجول ٍ ، فصار يضرب به الأمثال .

لقاؤهما عند تلك النبعة مازال يذكره ، حين أنهك الظمأ ناقته ، وشرب هو من ينابيع عينيها ، ومن يشرب من عين " عروب " يعود إليها .

قال والدها له : هي لابن عمها منذ الصغر ، والعرب عاداتهم دستورٌ لا يتغير .
وحين رآها وإياه خلسة - كأنهما نجمتان في غسق الدجى - أقسم بأن تزف " عروب " عند اكتمال البدر .

بعد أيام ثلاثة ، وشت " عروب " إلى واردة النبع - رفيقتها - بأن تخبره عن عزمها للرحيل إلى قبيلة أخوالها ، وتجرع مع كلماتها مرارة القهر ، وبابتسامةٍ خجلى ودعها ..

حدثته نفسه: " سيأتي الفرج "

لم يكن يعلم بأن تحالفه وأخوالها سينقض ، وبأنهم سيعودون بـ " عروب " إلى مضاربها قبل اكتمال البدر .

بيد أن رؤيا أتته في المنام ، والعاشق يصدق رؤياه ، أخبرته بأن يوجه عنان ناقته إلى مضارب أهلها .
الحيرة تنهش ذاكرته ، يبحث عن مقصدِ هذا الراقد أمام عينيه ، ويؤرقه ذاك الهاتف في المنام .
قرر ذات فطنةٍ أن يتبع إحساسه ، وتجاهل كلمات واردة النبع ، هي أقرب الصديقات ، وهو عاشقٌ ثملُ .

أمسك في صعوبةٍ القلمَ ، وفي الشوط العاشر طمس " قبيلة أخوالها " ، وخط " قبيلتها " وأتبعها بنقطة .

“وانطلق راكان موجهاً عنان ناقته إلى قبيلتها ".

ثم أكمل ..

لم يغمض له جفن ، ولم يشفق على ناقته ، والشمس والقمر يتعاقبان عليهما ، حتى كاد البدر يكتمل .

وعلى مشارف ِ مضارب أهلها ، ظهيرة البدر ِ ، لمع ثغرها على سيفه ، فجرّده في وجه خالها ، ثم ..

توقف فجأةً عن الكتابة ، وسقط من يده القلم .

استفاق هذا الراقد في تململٍ ، وفرك عينيه ، وطقطق رقبته ، ثم نظر إلى أوراقه في حيرةٍ من كلماتها الأخيرة ، وحكّ رأسه بالقلم .

ارتسمت على وجهه ابتسامة الحيرة ، والظفر ، حين شرع يكتب هذه الكلمات ..

" فعاجله خالها بطعنةٍ نجلاء ، وصرخة باسمها ظلّت مدوية حتى مطلع الفجر . "

تمت ..

رتب أوراقه في عجل ، وانطلق إلى الجريدة ، يحمل في نشوةٍ قصته ، وبعض قطرات حبره استقرت على المكتب .

كاملة بدارنه
24-10-2013, 03:40 PM
أسلوب سرديّ مميّز وجاذب حتّى القفلة الجميلة بمفاجأتها
أمتعتني قراءتها
بوركت
تقديري وتحيّتي

عبد السلام دغمش
24-10-2013, 04:02 PM
قصّة جميلة رأيت فيها ابتكاراً و صنعة متميّزة.
بروز الشخوص من بين الأوراق و سعيها لتغيير مجرى الحدث .. فيه تشويق للقاريء .
هناك رمزية في القصة قد تكون لها اسقاطات متعددة على واقعنا.
لماذا يرسم الآخرون لنا دروباً .. نسير فيها لا نلوي على شيء ..ثم بكل بساطة ينتظروننا عند نهاية الطريق ؟
أخي عديّ
سرد مشوّق..بوركت.

نداء غريب صبري
18-11-2013, 11:46 PM
خرج من النص ليرسم طريق موته بطعنة مجرمة
هذا منتهى الظلم في الفكرة
أما الأسلوب فمميز ومبتكر

أمتعتني قراءتها

شكرا لك أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
21-11-2013, 12:59 PM
أعجبت بالفكرة وجمالية تشكيلها في لغة شيقة
نص رائع ومختلف شكلا ومضمونا وألق في الطرح
وذكاء في التوجيه
بوركت وسلم نبض قلمك.

خلود محمد جمعة
24-11-2013, 09:43 PM
الفكرة عميقة والسرد رائع الرمزية جميلة
قصة مائزة
تمتعت في تصفحها
دمت بخير
مودتي وتقديري

د. سمير العمري
16-12-2013, 04:14 PM
هذا نص مميز لغة وأسلوبا ويقدم فكرة مميزة بخاتمة مؤثرة ومفاجئة.
هو نص يقدم لي أديبا واعي الحرف وعالي الحرفة.
لا فض فوك حقا!

تقديري

قوادري علي
16-12-2013, 06:11 PM
التيمة مطروحة من قبل ولكن طريقة السرد واللغة النازحة للشعر
جعلت القصة مميزة وبقيت في إطارها البدوي وفي تراثياتها التي حكت لنا ألف حكاية حب..
جميل ومميز ما اتحفتنا به الراقي عدي

سامية الحربي
17-12-2013, 07:04 PM
قد نرسم خط أحداث معين ولكن اللاوعي يتبلور بعد النوم ليفاجأنا بتمرد ! سردية ماتعة أتت من عوالم الكُتاب وطقوسهم الغريبة .تقديري وتحاياي.

ربيحة الرفاعي
13-01-2014, 01:54 AM
كأني بالعنوان يتحدانا لنقرأ التناقض في صورتيه؛ المباشرة في تمرد البطل على الكاتب والعميقة في رسالة النص المتمردة على واقع لسنا فيه أكثر من مؤدين في رواية يكتبها من لا يشبهنا تقودنا أحداثها التي نتبنى بسلبية لحتوفنا، فإن أردنا التمرد ففي ذات السيناريو الذي أراد لنسير به بأنفسنا نحو حتفنا

سرد شائق وأداء ابتكاري القالب مبهر المعالجة

دمت مبدعا

تحاياي

آمال المصري
10-11-2015, 01:55 AM
صراع على الورق خرج عن المألوف فامتزج الواقع بالخيال لينتج لنا نصا جميلا قوي البيان والبنيان والحبكة ماتع السرد بفكر جديد
وخاتمة مدهشة زادت من بهاء النص
شكرا لك أديبنا الفاضل تلك المساحة البديعة
ودام ألقك
تحاياي