تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حكايات قبل النوم ..



بثينة محمود
26-02-2005, 10:11 AM
(1)

سألتنى طفلتى وأنا أضعها فى فراشها : أين وُلدتِ يا أمى؟
أدركت أنها تريد حكاية قبل النوم , ولكنها تريدنى بطلة للقصة ..

وأجبتها : ولدت يا صغيرتى فى بلدة صغيرة فى ريف مصر .. لم تكن بلدة أبى وأمى ..بل كانت مكاناً بديلاً هاجرا إليه بعد أن تعرضت مدينتهم الساحلية الجميلة لقصف العدو .

سألتنى: ما معنى العدو ؟
نظرت إليها باسمة .. فنحن وعينا وجود العدو منذ لحظة الميلاد وملأ كياننا كرهه والنقمة عليه .. لكنه الآن خفى .. لا يمكن تحديده ..

أجبتها: هو من يكره بلدى وأهل بلدى ويأخذ أرضى .

سألتنى : وكيف عدت إذن إلى بلدتنا الساحلية الجميلة ثانية ؟

قلت : عدت وأنا طفلة صغيرة جداً وكانت البيوت كلها خاوية ومهدمة وطلقات المدافع على الجدران فى كل مكان ,والأبطال الذين ظلوا يدافعون عن المدينة -ومنهم جدك- كتبوا بدمائهم على تلك الجدران كلمات جميلة عن حب الوطن والتضحية لأجله..

سألتنى : وماذا كنت تلعبين ؟ هل كان هناك ملاهى؟

ضحكت من قلبى وأنا أسمع سؤالها ..
وقلت : كنا فى بلدة خالية تماماً .. لم يكن هناك غير عدة أسر ولم تكن هناك سيارات , وكنا نتجمع يا صغيرتى فى الشارع الخالى ونرسم لعبة (الأولى ) بالطباشير على الأرض ونظل نقفز بين المربعات حتى يفوز احدنا .. ويلاعبنا من حين لآخر أحد أفراد قوات الطوارىء الدولية ..أعطانى أحدهم ذات مرة قطعة شيكولاتة كبيرة جداً .. لم يكن يوجد مثلها فى بلدنا حينذاك.. لأنه كان يشتاق لأطفاله الذين تركهم فى بلده البعيد .. أو ربما لأنه لم يصادف من قبل طفلة لها هذا الشعر الأسود والعيون السوداء ..

سألتنى وهى تتثاءب : ما معنى قوات الطوارىء .. وماذا كان مذاق الشيكولاتة ؟؟

أجبتها : غداً أجيبك يا صغيرتى ..

قالت وهى تغالب النعاس : أكره الحرب يا أمى .. تصبحين على خير .

بثينة محمود
02-03-2005, 11:06 AM
(2)

سألتنى وهى تحتضن دميتها الصغيرة :

أمى .. هل كنت تحبين السفر وأنت صغيرة ؟

أجبتها وأنا أحكم الغطاء من حولها : طبعاً .. ففى السفر سبع فوائد ..

سألتنى : ما هى ؟

حرت قليلاً , فقد كنت أردد الجملة كالببغاء و لاأقف كثيراً عند تفسيرها , ما أزهى ما يعلمه لنا أطفالنا !!

وبخبرة أم محنكة ( !! ) أجبتها بسؤال : أخبرينى أنت أولاً هل تحبين السفر ؟

قالت بسرعة : أحب السفر جداً .. ليس لأحد معين فأنا أحب كل أقاربنا الذين نسافر لهم , وأحب كل الأماكن التى يأخذنا أبى إليها , لكنى أحب السفر نفسه , بالسيارة والقطار والطائرة

أحب ليلة السفر وإعداد الحقائب , وأحب الحلم الذى أحلمه فيها , وأحب استيقاظنا المبكر وعجلتنا ,أحب كل هذا ..

أمى .. أحكى لى أين كنت تسافرين وأنت صغيرة .

لزمنى وقت للرجوع إلى الوراء .. إلى ذكريات بعيدة ..منقوشة فى الذهن كالزخارف ..

قلت : أجمل مكان كنت أسافر إليه هو بيت جد أبى .. فى قرية صغيرة تحمل اسم العائلة
وكان البيت كبيراً وواسعاً جداً - ولو أنه لم يبد بهذا الإتساع عندما زرته قريباً - كان دوراً واحداً وسقفه العالى جداً من الخشب .. وكان كل ابن من أبناء الجد يشغل حجرة من الحجرات الكثيرة وكانت هناك حجرتين كبيرتين لأبناء الجميع ,واحدة للأولاد وأخرى للبنات ..

قالت بدهشة : كل الناس يعيشون معاً فى بيت واحد !!

أجبتها : نعم .. كانت هذه عادة الناس قديماً .. يعيشون فى بيت العائلة .. الذى كان يضم حجرة للغسيل ,فلم تكن هناك غسالات , بل كانت هناك نسوة يأتين لمساعدة سيدات البيت فى الغسيل وكل أعمال البيت .. أما المطبخ فكان حجرة واسعة جداً بها فرن لخبز العيش ( تزداد الدهشة فى عين الصغيرة ) ومواقد تعمل بالكيروسين ومواقد أخرى اسمها "الكانون " مصنوعة من الطين وتحتها شعلة صغيرة .. وكان الطعام المطهى عليها شهياً جداً ..

أنظر إليها فأراها سارحة بخيالها فيما أصف وكأنى أحكى لها قصة من قصص الأساطير .. هل ألوم التكنولوجيا الحديثة أم ألوم الزمن ؟!!

وأُكمل : وكانت بنات العائلة الصغيرات يأخذننى للتنزه صباحاً ..وأول مكان نقصده طبعاً كان "التوتة"

فترد سائلة : وما هى التوتة ؟

وأجيبها : هى شجرة التوت العتيقة التى تقف بشموخ على شاطىء الترعة وتمتد جذوعها هنا وهناك كأنها تسعى لإمتلاك الأرض .. وكنا نفرش تحتها ملاءة كبيرة .. وتتسلق إحدانا الشجرة وتهز الأغصان ..فتتساقط علينا ثمار التوت الشهية .. ونجمعها ونذهب بها إلى حوض الطلمبة الذى أقامه الناس على الشاطىء ليتوضأوا فيه ويصلوا بجواره أثناء عملهم .. وبعدها كنا نذهب للعب فى حديقة البرتقال ونقطف بعضه من على الشجر ..

استوقفتنى قائلة : أمى .. هل التوت والبرتقال يأتى من الشجر .. كنت أظن البائع يصنعه .. لماذا لم تقولى لى ياأمى أنه يأتى من الشجر .. ولماذا لا نذهب إلى هناك الآن يا أمى ؟

نظرت إليها .. هل أخبرها أن البيت صار مكاناً للحيوانات بعد أن بنى الأبناء عمارة عالية وصار لكل منهم مسكناً منفصلاً .. هل أخبرها أنهم صاروا يشترون الخبز والحليب والتوت والبرتقال من " سوبر ماركت القرية" .. هل أخبرها أن " التوتة " لا تجد أطفالاً يتسلقونها ..

غرقت فى أفكارى طويلاً .. ونظرت إليها .. فوجدت ملاكاً باسماً .. نائماً .

زرقاء االيمامة
02-03-2005, 01:42 PM
العزيزة سنبله


وقفت بين السطور أتأمل تلك الحكاية
رأيتها بوح يهمس للأ مل الاتي
يفرش أحلام الطفولة رداد مطر من خلال حرفك المبجل
دكريات تعيدنا الى أيام الصفاء والبراءة
لتغدي حاضرنا الملفوف بالسود

توقفت كثيرا حاولت جاهدة محاكات حرفك أبى القلم أن يشوه من روعة الصور الجميلة
المنقوشة كانها نجوم ترصع السماء

دمتي بالف خير

د. سمير العمري
06-03-2005, 04:35 PM
أي شعور هذا الذي منحت النفس أيتها المتألقة؟!!
هو الشعور بالدفء والحنين للماضي الذي كان يجمع القلوب في ود صادق وينشر السلام والخير في أرجاء الأرض.
كم تقت إلى تلك الأيام وأنا أشم عبقها في قصصك الرائعة لابنتك الذكية البريئة!

واصلي سرد قصصك فلعلها توقظ البراءة والود والصدق في القلوب.


تحياتي وتقديري
:os::tree::os:

د. سلطان الحريري
06-03-2005, 09:07 PM
نعم إنها حكايات ترتب فصول الذكريات ، بعد أن كبرت مبدعتها في عذابات الحرف ، ولعل في الطفولة القادمة ما يرمم خرائب الذاكرة..
رائع يا سنبلة هذا الطرح الجديد، وارتباطه بالطفولة الأمل التي تعيش الواقع بمرارته، وليس لنا إلا أن نجمل لهم الواقع ، حتى ولو كان استدعاء للنوم ، فلعل القادم يكون أجمل ، ولعل أحلامهم تصبح أجمل من أحلامنا..
كنت في قمة السعادة وأنا أقرأ هذه النصوص المتألقة من كاتبة أعتز بالقراءة لها..
لك خالص الود والتقدير

بثينة محمود
07-03-2005, 12:07 PM
عزيزتى زرقاء اليمامة
نلتقى مع الذكريات الجميلة
وندعها تطوقنا
لنهرب من واقع تملؤه غيوم لا إرادية

كلماتك تقدير ووسام لقلمى الصغير
تحياتى

بثينة محمود
07-03-2005, 12:08 PM
أستاذى د. سمير
توقفت عند كلماتك
أتلمس فيها ملاحظاتك المعهودة
والتى تقوّم قلمى وتقويه
لكنى امتلأت نشوة لتوقفك عند المعنى
كلماتك تملأ قلمى بالثقة أستاذى العزيز

تقبل كل تقديرى واحترامى

بثينة محمود
07-03-2005, 12:09 PM
أستاذى د. سلطان
بل أنا من لها كل الشرف بمرورك ووقفاتك الرائعة

وأنا من تعتز بامضائك هنا أستاذى الكريم

تقبل أسمى آيات الود

سحر الليالي
14-12-2006, 06:49 PM
سنبلة :

هل عدت لنا

كوني بخير دوما

ناديه محمد الجابي
30-06-2018, 12:09 PM
هناك دائما في دهاليز الذاكرة تقطن أجمل الذكريات واللحظات التي لاتنسى
الذكريات التي عشناها مع أشخاص نكن لهم في قلوبنا كل ما هو جميل ورائع
إن ذكريات الزمن الماضي لها نكهة خاصة وشعورا جميلا عند استرجاعها حيث كانت
تجمع بين سخرية الحياة من عقولنا الصغيرة وأحلامنا العريضة.
ممتعة كانت رحتي بين حكايات الماضي وأسئلة طفلتك الرائعة الذكية
فأخذت أدعو أن يحسن الله لهم أيامهم ويحقق لهم كل أحلامهم.
دمت بكل خير.
:001::001: