المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريق الى مراجعات الاخوان ( 14 )



هشام النجار
29-10-2013, 10:09 PM
أخطر حالتين للتنظيم والدولة الحاضنة له ؛ الأولى عدم وجود القيادة بالمرة كالفترة التى أعقبتْ اغتيال الشهيد البنا ؛ وكانت ثلاث سنوات من الفتن والجرائم والاضطرابات بعد العصف بربان السفينة المُمسك بدفتها والمتحكم فى توجيهها ، والثانية تلك التى يُغيَب فيها القائد بالهروب أو الاعتقال ؛ خاصة اذا كانت قيادة تتعامل باستعلاء مع الجميع ، كما يصف الشيخ القرضاوى تعامل الهضيبى مع الملك ثم مع القيادة العسكرية " تعاملَ الند للند والسيد للسيد " .
هى الفترة الأخطر فى تاريخ الصدام بين الحركة الاسلامية ومؤسسات الدولة ؛ فالدولة لأسباب سياسية أرادت اعادة الاخوان الى المشهد السياسى ، سواء فى حكومة اسماعيل صدقى منتصف الأربعينات أو بعد اغتيال البنا وعروض الملك السخية للتحالف مع الهضيبى أو بعد قيام الثورة ومحاولات عبد الناصر المستميتة .
اغتيال البنا فى مرحلة نضجه التام وهو فى ذروة يقينه بضرورة الاصلاح والعودة بجماعته الى ما قبل منتصف الثلاثينات لتصبحَ الجماعة بلا مرشد ، لا يختلف هدفه عن الدفع بقيادة جديدة بمثل هذا الاستعلاء ترفض ما دون موافقتها على كل صغيرة وكبيرة وكل قرار يتخذه رأس الدولة ؛ فالخصم يريد فى الحالتين هزيمة التنظيم وانهاكه وتفكيكه ، وعندما تفشل محاولات التقريب والترغيب تقع الطامة ويشتعل فتيل الصراع ويهرب المرشد ليقود معركة التحريض والمنشورات ، ويتم افشال مساعى التهدئة وتنقسمُ الجماعة بين مؤيد ومعارض ، ويتم السطو على مبادرة قيادات اخوانية رفيعة للصلح بسبب التنافس على من يملأ فراغ المرشد الهارب بين عودة وخميس ، وبسبب استخفاف بطبيعة المرحلة جعلَ الجماعة تنقض العهد مع عبد الناصر وتخرق اتفاق البنديْن ، لتحرق فرصة ثمينة لصناعة السلام فى مرحلة كادتْ تتحطم فيها مصر بيد أبنائها .
لم أجدْ فى تاريخ الحركة مرحلة أشبه بما نحياه اليوم كتلك المرحلة ، فالتفاصيل والمشاهد تتكرر بشكل مخيف ؛ عناد واستعلاء ومُرشد مُغيب وتحريض من الجانبين وحملات كراهية وافشال لمبادرات وتخطيط مُبيت ورغبة واضحة عند الخصوم للاقصاء والاستحواذ الكامل .
فاذا كان الخصوم جشعون ويكرهوننا ويلاحقون منهجنا وسلوكنا فى الحكم والحياة ، فأين العقل الذى يتحكم فى المسير ، حيث لا عودة الى الوراء ، بغموضه وازدواجيته وجموده ، وبشخصيات شبيهة تكرر نفس المآسى ، وتعطى للخصم السياسى الفرصة التى يتمناها ، لينقض على الحركة وهى فى أضعف وأخطر حالاتها ، سواء باغتيال المرشد أو بتغييبه .
لنقرأ من " أحداث صنعت التاريخ " كيف يصف مؤرخ الاخوان مشهدَ الأمس واليوم : " المرشد مختفى سألت عن سبب اختفائه قالوا انه مهدد بالاغتيال ، أحسست أن الحالة فى تفاقم مستمر ؛ تتلخص أن الاخوان فى القاهرة والمركز العام يعيشون فى ظل سلطة ارهاب ، والاخوان بالمركز العام يغذون اخوان الأقاليم بسيل من المنشورات ، منها خطابات موجهة اليهم من المرشد من مخبئه ، ولاحظت أن هذه المنشورات مما يرفع من حرارة الالتهاب فى أعصاب الاخوان ضد الحكومة حتى أن بعضها رمت رجال الثورة بما تُستباح به الدماء ، كما وجدت حملة الصحف المصرية قد وصلت فى اثارتها للاخوان بنشر الأكاذيب واختلاق التهم وقلب الحقائق واستعداء الشعب عليهم الى الحد الذى لا يستطيع الاخوان أن يملكوا أعصابهم معه " .
" لم يكن اخواننا هؤلاء ولا اخوان الأقاليم يتوقعون ما كنا نتوقعه من أهوال ستصب على رؤوسنا صباً ، لأنهم حجبوا أنفسهم عن الحقائق ، ورضوا أن يعيشوا سابحين فى الأوهام ، ولم يصدقوا ما أنذرتهم به من أن أسرارنا مكشوفة ، وأرادوا أن يفرضوا على الواقع ما تخيلوه من أوهام " .
" لقد كنتُ أرى صداماً عنيفاً مدمراً يوشك أن تسيلَ الدماء فيه أنهاراً ، تتجمع سحبه فى سماء مصر ولن تكون أرواح الألوف وحدها ضحية هذا الصدام ، وانما سيأتى هذا الصدام على الأخضر واليابس ويحيل هذا البلد الطيب الى حطام ؛ فحكومة الثورة وراءها الجيش المصرى بكل امكانياته ، وأنا فى نفس الوقت أعرف قوة الاخوان الروحية والمادية ولاحظتُ أن جمهور الاخوان يُشحَنون شحناً مُضاعفاً بالحملات الاعلامية الاستفزازية ، فكان لزاماً على كل من يستطيع أن يصنعَ شيئاً لتخفيف هذا التوتر أن يتقدم دون توان ولا تأخر ، فان كل ساعة لا تزيد النار الا اشتعالاً " .
محمود عبد الحليم لا يصف هنا حالنا وحالَ مصر اليوم ، انما يصف واقعَ الخمسينات .. ورغم ذلك لا أحد يتعلم ولا أحد يقرأ ولا أحد يراجع الأخطاء ؟