تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المعطف



هشام النجار
02-11-2013, 04:33 PM
الرجل غريب الأطوار الجالس كعصفور يتيم مبتل ، يرتجف من شدة البرد.. متزوج منذ أكثر من عشرين سنة .
- أعلم أنك لن تصدقني ، لكنني سألته وأخبرني بكل شئ عندما أهديته المعطف الخاص بي .
- هل تذكرين ذلك المعطف الجلدي الثمين الذي كنتُ أعتز بامتلاكه .. وأداوم على ارتدائه في الشتاء حتى أطلقوا على ذو المعطف ؟
- خلعته دون تردد عندما رأيت ذلك الرجل جالساً بمفرده ، يرتجف من شدة البرد .
- لم أكن أنوي في البداية إهداءه المعطف ، فأنا لا أستغنى عنه بطبيعة الحال ولا أرتاح دونه بعد أن صارَ جزءاً منى ومن تاريخى .. كنتُ فقط أرغب في تدفئة الرجل ، وبعدها أسترده وأمضي لحال سبيلي ، لكنه لم يتركني أمضى ، ولم يرد لي معطفي .. فرح به كما يفرح الطفل الصغير بلعبة جديدة ، وانتفض واقفاً وهو يقهقه .
- وبعد أن ارتداه وأحكم غلقه جعل ينظر إلى نفسه بإعجاب وفخر ، و بعدها سددَ إلي نظرة غريبة ليس فيها طعم الامتنان ولا رائحة الشكر ، ثم جلس وسألني باشمئزاز : من أنت ؟
- كان جالساً في نفس المطعم .. هنا فى ذات المكان الذي اعتدنا الجلوس فيه كلما جئنا لتناول عشاءنا .. كان جالساً ، بل متكوماً يرتجف جسده وتتراقص عظامه وتصطك أسنانه على نفس الكرسي الذي تجلسين عليه الآن .
- شعرت بالغثيان وبالخوف وبدأ البرد يتسلل الى أطرافى وجسدى .. كنت أرغب فقط في استرداد معطفي لذلك جلست ، وطلبت له شيئاً يأكله ومشروباً ساخناً .
- قدمت له سيجارة وأشعلتها له .
- سألته : أنت ترتاد مطعماً فخماً ، وهذا معناه أنك ميسور الحال .. وأن لديك الكثير الذي ترتديه ليقيك هذا البرد القارس .
- نظرَ إلي باستنكار وظل صامتاً قبل أن يسألني ثانية : من أنت !
- ضحكت دون أن تكون لى رغبة فى الضحك .
- وعندما هممت بذكر اسمي وتعريفه بنفسي قاطعني قائلا : قبل أن نتعرف..اعلم جيداً أننا لن نصبح أصدقاء ولن نتبادل الزيارات ، ولن أحبك يوماً ولن أكون مخلصاً لك فى صداقتى إلا إذا أهديتني هذا المعطف.
- قلت وقد استهوانى غموضه راغباً فى السير معه حتى النهاية : اذن هو هدية لك.
- قال بطلاقة غير متوقعة : فاعلم يا صاحب المعطف ، أنني لست في حاجة لمعطفك هذا ، فلدى الكثير منه ، ولدى ما لا تمتلكه أنت وعشرة من أمثالك .
- سألته : فما هي مشكلتك ؟
- قال كأنه يهذى أو يتحدث أمام مرآة يجاهد فى النظر لحقيقة تعبيراته : ليست مشكلتي أنا.. بل مشكلة زوجتي .
- أغار عليها .
- أحبها جداً وأغار عليها .
- أنا متزوج منذ أكثر من عشرين سنة ، وأحبها كما لم يحب رجل امرأة من قبل .
- جميلة ليس هناك من هو أجمل منها ، إنها أجمل مشهد وقعت عليه عيناي.. كأجمل ما يكون النساء .
- كانت تحضر إلى شركتي وتصحبني في جولاتي .. وتذهب معي إلى الحفلات والعزومات ، واعتدنا المجئ إلى هذا المطعم لتناول العشاء ، وكنا نجلس دائماً على هذه الطاولة التي نجلس عليها الآن .
- إذا وهبك ربنا كنزاً ماذا تفعل فيه ؟
- قلت : أخفيه .
- قال : حاولت أن أخفيها .. ولكنها كانت تتأبى وتصر على الظهور بكامل الفتنة .. هى ليست مُغوية ولا منحرفة السلوك ، لكنها امرأة عصرية فى عصر جائع أخلاقه جاهلية .
- كانت عائدة بسيارتها لى بيتنا قبل عشر سنوات ، فاستوقفها الذئاب واعتدوا عليها على قارعة الطريق
- أخذوا حليها والسيارة ومعطفها الجلدي الثمين وتركوها ومضوا .
- أخرج هكذا منذ عشر سنوات في البرد القارس بدون ملابس تقيني البرد .
- وعندما تصر هي على ارتدائي أحد معاطفي أرفض وتبكى .
- منذ عشر سنوات تتوسل إلي لأرتدي معطفى ، لكنني أرفض .
- أخرج .. أمنح جسدي رخيصاً للريح العاصف والبرد القارص .

ناديه محمد الجابي
03-11-2013, 04:14 PM
الأخ الفاضل/ هشام النجار
قصتك أعجبتني جدا على غرابتها وغموضها
اندمجت معها وارتشفتها ارتشافا , ولكن دعني أكون صادقة
لم استطع أن أصل إلى حل شفرتها..
هل هو نوع من جلد الذات وعقابها بتركها تتعرض للريح العاصف
والبرد القارص بدون معطف ـ كعقاب لهذه النفس التي فرطت في
عرضها .. فترك زوجته ينتهك عرضها وتسلب منها حليها وسيارتها
ومعطفها الثمين , وتركت بدون معطف.
ولم فرح بالمعطف وارتداه .. وهل هذا يعني له إنه استرد ما سلب منه..
وإلى أن أصل إلى أغوار هذه القصة وأحل شفرتها أحب أن أشكرك
على اللغة الفنية الممتعة التي تصور خوالج النفس وعلى عطائك المدهش المتجدد.
تحياتي وتقديري.

هشام النجار
04-11-2013, 12:35 AM
هى قد تكون اجراءات عقابية ممتدة لزوجته - حبيبته - وأغلى انسان لديه فى الوجود .. وحبه الشديد لها أدخله فى حالة غريبة بالفعل بعدما حدث ما حدث وأصرت على الكشف من قبيل الموضة رغم الحاحه مراراً على الاخفاء والحشمة .
هو لحبه لا يستطيع أن يفعل معها شئ ولا أن يعاملها بقسوة فأوقعَ العقاب المشابه للفكرة الأساسية للجريمة والمستنسخ من جسد الحادث على نفسه ؛ فكانت هذه المُراوحة والمقابلة القصصية بين الحاحه عليها لترتدى ما يستر مصادر الفتنة فتأبى ، ثم بعد الفاجعة الحاحها هى ليستر هو جسده بما يقيه من البرد فيأبى .
المطعم كان مكان الذكرى - ثم اللقاء ومعطف الرجل هيجه واعطاه المبرر للتواصل الانسانى والحكى والفضفضة ، وكان مناسبة لاقتناص السرد وفرحه به كان غيرة من ذلك الذى يرتدى معطفه فى أمان وطمأنينة بدون مشاكل نفسية ولا ماض مُؤرق .. هو يجرده من المعطف ويرتديه فى ذروة أزمته بين رغبته العارمة بأن تمضى حياته جميلة هادئة مستقرة مع زوجته فاتنة الجمال يحيا ويفرح ويذهب فى المساءات بصحبتها الى المطعم مرتديا معطفه الخاص به ، وبين حالته تلك التى انتهى اليها حيث يعانى من الحاداث المدمر الذى شقه من الداخل وشل كيانه .
المعطف .. كلمة لها ايحاء قوى بالعطف على الجسد والحرص عليه والحفاظ صحته ، وحشمة السيدة العصرية كذلك ففيها عطف وشفقة بهذا الجسد وحفظ لتلك الكرامة وهذا الكيان الرقيق الحساس .
الرجل يعاقب نفسه .. لا أدرى لماذا ، لكنى تقمصت شخصيته وحبه الشديد وحرصه على حبيبته - زوجته ، فلم ينصاع معى لعقابها والقسوة عليها فربما حطمتها حادثة الاغتصاب وربما تباشر هى عقابها لنفسها على طريقتها ، وربما كان أى عقاب ولو هين من زوجها - حبيبها هو الضربة القاضية لتنتهى تماماً الرغبة فى المواصلة وينتهى كل شئ فلا أمل ولا أحد تؤمل بقاءه بجوارها .
ربما استشعر أنه قصر معها وأنه ربما كان من الأجدى أن يكون أكثر صرامة وحسماً فى مطالبتها بالحشمة اللازمة التى تخرس الأعين الجائعة .
المهم أنه ارتدى المعطف أخيراً بعد سنوات من العقاب والعذاب النفسى .. وربما عاد بعد ليلته تلك متجاوزاً آثار المحنة ، ليبدأ مع زوجته طريقاً يمكنهما من تجاوز وعلاج آثار الماضى بالتناصح والحوار الجاد والوصول بالاقناع والمنطق الى أفضل القرارات بشأن سلوك الزوجين ومظهرهما وطريقة حياتهما .
عودته الى المعطف معناها عودته الى حالته الأولى واتزانه النفسى ، كمؤشر لمواصلة الحياة الزوجية بعد المحنة الطويلة . ونفهم هنا أن الحادثة كانت أكثر تأثيرا على الزوج من زوجته .
هذه بعض الاجابات على أسئلتك العميقة المشروعة سيدتى الكريمة المبدعة الكبيرة أستاذتنا نادية الجابى .
مع الشكر الجزيل على اتاحة هذه الفرصة لهذا العصف الذهنى حول النص ، وبالطبع تبقى قراءتى فى حدود مقدرتى ووضعيتى ككاتب لا يرى النص الا من الزاوية التى كتبه من خلالها .. وتبقى القراءة الأكثر شمولاً وعمقاً لمبدعينا ونقادنا الكبار .
تقبلى سيدتى الكريمة عظيم احترامى وتقديرى ، وباقة شكر لثنائك الجميل .. جعلنى الله عند حسن ظنك بى وتقبل منا ومنك هذا العطاء وجعله فى موازين حسناتنا .

آمال المصري
05-11-2013, 09:13 AM
كان عليه أن يدفع ثمن تجاوزه عن ظهرو زوجته بكامل فتنتها حتى وقعت فريسة للذئاب
ولم يعمل بقول رسولنا الكريم : (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجد ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا). رواه مسلم.
فهو لم يقم بالأمانة التي استرعاه الله إياها رغم أن له القوامة على ذلك .. ومن يحب حقا يصون من أحبب
تناول النص قضية اجتماعية عالجها أديبنا بصورة مختلفة لم نألفها من قبل بلغة طيعة سلسة وحوار شائق
وجاء توضيحك للفكرة كشف النقاب عن الحالة النفسية التي سيطرت على البطل ودفعته لترك البرد يقتات من جسده كنوع من جلد النفس وعقابها
بوركت واليراع أديبنا الفاضل
تحاياي

حارس كامل
05-11-2013, 10:16 AM
عليه أن يجلد ذاته، ويجني ما اقترفت يداه
لي عدة ملاحظات:
- السرد كان فيشكل حواري على لسان البطل؛ فلاأدري لما قمت بتجزيئه.
- نقطة قد تكون من وجهة نظري أخلت بالحبكة، وهي أن هذا الرجل يجلد ذاته لخطأ مع نفسه، وتركه لزوجته، فما ذنب الناس أن يتكبر على من أشفق عليه وأعطاه المعطف. ومن زاوية أخرى فأن الرجل صاحب شركة وثري ولدي معاطف عديدة، فكيف له أن يعرف بمعطف غيره. ( من وجهة نظري أن تزيل ذلك اللبس، بإزالة جملة إعطائه المعطف، ولتكن أن سأله البطل عن سر جلوسه هكذا متقرفصا في نفسه محاولا تدفئتها، ويقدم له المعطف؛ فيرفضه، ثم يقص عليه حكايته.)
- ايضا في نهاية القصة برأي أن تعدل هجوم الذئاب عليها لتصبح: هاجمها بضعة شباب، أحاطوا بها كذئاب جائعة...
في النهاية
الفكرة رائعة وسردك جميل، ففي رأي عليك بمعالجة ذلك ليكتمل بهاء النص.
والنص زاخر بخلجات النفس ويستحق الكثير
سامحني إن كنت قد تجاوزت
فنحن معا مرآة لبعضنا البعض
وعليك أن تراجع مواضيعي، فستجد أن أكثر سعادة بمن جلدني بنقده، وتعلمت من ذلك الكثير.
تحيتي وتقديري

خلود محمد جمعة
07-11-2013, 08:49 AM
الغيرة قاتلة
ربما غيرته دفعته للقسوة عليها دون أن يدري فباتت تعاقبه بالظهور الماجن
أو تخونه حتى لو بمظهرها
فما استطاع بعد الحادثة أن يقسو عليها ولا ان يواجه رجولته المجروحة

وهي بعد الحادثة احست بجريمتها في حق نفسها اولا وفي حقه ثانية
كلاهما تعرى
كلاهما كان بحاجة لذلك المعطف
أحببت القصة
دمت متألقا كعادتك
مودتي وتقديري

د. سمير العمري
16-12-2013, 04:25 PM
قصة تتناول جانب نفسي لإنساني واجتماعي ، وتناول جيد عموما للحدث لكني رأيت أن النص بحاجة لما يلي:

1- التكثيف في الطرح والسبك المتين والربط بين المعاني.
2- تخليص النص من بعض الهنات اللغوية المتفرقة.
3- ضبط عرض النص بحيث لا يسبب تشويش باستعمال غير دقيق لعلامات الترقيم أو بقطع الجمل بشكل يتداخل معه الحوار.
4- العمل بشكل أفضل على الحبكة والقفلة.

تقديري

ربيحة الرفاعي
07-01-2014, 11:33 PM
أكان عقابا لها أم لنفسه ما يفعل! وعلام يعاقب نفسه وهي من جعلت نفسها بدعوى العصرنة مطمعا للذئاب!
عرض قصّي طيب لفكرة شائقة اعتمدت المعالجة النفسية زاوية للطرح

دمت بخير أديبنا

تحاياي

نداء غريب صبري
24-03-2014, 04:04 PM
أخطاؤنا ندفع ثمنها مهما حاولنا أن نهرب من ذلك
وهي أخطأت فالتهمها الكلاب
وهو أخطأ بتركها لتقع في ذلك الخطأ فدفع الثمن من كل حياته وشخصيته

قصة جميلة وأسلوب ممتع

شكرا لك أخي

بوركت

هشام النجار
24-03-2014, 05:44 PM
الشكر الجزيل للمفكر الكبير والمبدع الراقى أستاذنا الدكتور سمير العمرى على هذا الطرح النقدى العميق للنص .
تقبل تحياتى وشكرى الجزيل على ملاحظاتك القيمة
مع خالص الامنيات الطيبة

هشام النجار
24-03-2014, 05:46 PM
شكراً جزيلاً لهذا المرور العطر الكريم وهذا التوقيع الراقى من قلمك المبدع أستاذتنا الكريمة المبدعة الكبيرة ربيحة الرفاعى
لك منى خالص الشكر والامتنان

هشام النجار
24-03-2014, 05:48 PM
بورك حرفك وقلمك سيدتى الكريمة استاذتنا المبدعة الرائعة نداء غريب
ربنا يكرمك ويفتح عليك ويوفقك دائما لما يحبه ويرضاه .
تقبلى تحياتى وخالص تقديرى واحترامى أختى الفاضلة .

هشام النجار
24-03-2014, 05:50 PM
صدقت أستاذ حارس نحن مرآة لبعضنا البعض ، وجميل ما قدمته وطرحته هنا .
شكراً جزيلا لآرائك القيمة
تقبل خالص شكرى واحترامى وتقديرى ايها الاديب المحترم

هشام النجار
24-03-2014, 05:53 PM
هو ما تفضلت به بالضبط أستاذتنا المبدعة الراقية خلود جمعة
تقبلى خالص شكرى على هذا الحضور الثرى وهذه القراءة المتعمقة للنص التى وقفت على غايته ورسالته
دمت بهذا الرقى ودام لنا عطاؤك سيدتى
خالص التحية والامنيات

هشام النجار
24-03-2014, 05:58 PM
كان عليه أن يدفع ثمن تجاوزه عن ظهرو زوجته بكامل فتنتها حتى وقعت فريسة للذئاب
ولم يعمل بقول رسولنا الكريم : (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجد ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا). رواه مسلم.
فهو لم يقم بالأمانة التي استرعاه الله إياها رغم أن له القوامة على ذلك .. ومن يحب حقا يصون من أحبب
تناول النص قضية اجتماعية عالجها أديبنا بصورة مختلفة لم نألفها من قبل بلغة طيعة سلسة وحوار شائق
وجاء توضيحك للفكرة كشف النقاب عن الحالة النفسية التي سيطرت على البطل ودفعته لترك البرد يقتات من جسده كنوع من جلد النفس وعقابها
بوركت واليراع أديبنا الفاضل
تحاياي

أثمن هذه القراءة الراقية الغالية للأديبة الكبيرة أستاذتنا آمال المصرى
هذا ما دفعنى بالفعل للكتابة فى هذا الموضوع ومعالجته قصصياً ، وهو يستحق المزيد من الاعمال من زوايا مختلفة وبقصص وحبكات شتى ، فهى قضية هامة وحيوية فى مجتمعاتنا . نسأل الله التوفيق والسداد وان يفتح علينا بالافكار الجديدة لاثراء هذه القضية وتناولها من جميع زواياها
تقبلى تحياتى وتقديرى سيدتى الكريمة
مع اطيب واخلص الامنيات