المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفراشات



هشام النجار
05-11-2013, 06:02 PM
قالت فاطمة : عندما نكون سوياً لا أشعر بتعب ولا حزن ولا خوف .

- فتابعتها خديجة بابتسامة واثقة : عندما نكون سوياً لا أسمع صوت الدبابات وهى فى الخارج تحاصرنا .. ولا أسمع صوت الطائرات وهى فوق رؤوسنا .

- أما أسماء فلخصتْ القضية بكلمات رمزية : عندما نكون سوياً أشعر بالدفء ولا يوجد غطاء .. وبالشبع ولا يوجد غذاء .

- لكن مريم كان لها رأى ورؤية ربما أكثر عمقاً وواقعية فقالت متقمصة شخصية المعلمة : ولماذا لا نخاف ونحن وحدنا ؟.. لماذا لا نخاف ونحن فى هذه الحالة .. فنحن بنات صغار يحاصر الصهاينة قريتنا من كل اتجاه ؟

- الخوف حالة إنسانية ، طبيعي جداً أن نخاف ، فغيرنا يخاف من أشياء أخف هولاً مما نلاقيه هنا ؛ هناك من يخاف من ذئب ، هناك من يخاف من كلب ، بل هناك من البشر من يخاف من خياله .. هذا يا أخواتي فعل إنساني ، الخوف طبيعي فى البشر .
والآن ما الذي يجعلنا لا نخاف ، استشهد أبونا واستشهدت أمنا وعائلتنا كلها ، ونحن فى هذا البيت الصغير وحدنا ، ليس معنا أحد .

- طبيعي جدا يا أخواتي أن نخاف ، ولكن غير الطبيعي وغير العادى أن نتغلب على هذا الخوف فى قلوبنا .. البطولة حقاً أن نهزم هذا الشعور فى نفوسنا ونتحلى بالشجاعة .

- أسماء : أنا حقا خائفة يا مريم ، ولكنى لا أنسى أبداً وصية أمنا رحمها الله .

- فاطمة : وأنا أيضاً أوصتني أمنا رحمها الله بشئ أفعله إذا خفت .

- خديجة : وأنا أيضاً .

- مريم : أعلم الشئ الذى أوصتكن به أمنا الحبيبة رحمها الله ، وهو نفس الشئ الذى أوصتني به .. إنه الحقل !
ألم تقل لكل واحدة منكن : إذا خفتِ من شئ إذا أصابني ووالدك مكروه ، فاذهبي إلى الحقل ؟

- أسماء : نعم قالت لي أمي بأن أخرج إلى الحقل .

- فاطمة : وهو ذاته ما قالته لي .

- خديجة : وأنا كذلك قالت لي نفس الكلام .
ولكن لماذا الحقل بالذات يا مريم ؟

- مريم : بماذا كانت تسمينا أمنا يرحمها الله ؟

- الجميع فى صوت واحد : الفراشات .

- مريم : وهذا الحقل الذى ينتشر فيه جنود اسرائيل بدباباتهم الآن ماذا يمثل لنا ؟

- خديجة : إنه ملكنا .

- فاطمة : أنه ملعبنا .

- أسماء : إنه حياتنا ، كنا نقضى به أكثر مما نقضيه بالبيت .

- فاطمة : ولكن كيف سنخرج للأعداء بأرجلنا ؟

- أسماء : الجنود متربصون فى الحقل ونحن هنا فى مأمن منهم وإذا خرجنا إليهم قتلونا .

- فاطمة : هذا انتحار .

- خديجة : أمنا رحمها الله لم تكن تعلم الغيب ، عندما قالت لكل واحدة منا هذا الكلام .. وان كانت تعلم أن هذا الموقف سيواجهنا ما أمرتنا بالخروج .

- خديجة : أمنا كانت تحبنا وأبونا أيضاً ، كنا أغلى شئ عندهما .. أغلى من حياتهما ، وأغلى من عيونهما ، كانا لا يطيقان فراقنا لحظة واحدة.

- ابتسمت مريم قائلة : ولهذه الأسباب التى ذكرتيها يا خديجة نصحت أمنا كل واحدة منا على حدة تلك النصيحة .

- أسماء : نصحتنا بماذا يا مريم ؟

- فاطمة : بأن نذهب إلى الموت بأرجلنا ؟

- خديجة : بأن نخرج لأعدائنا ونقول لهم : نحن هنا أقتلونا ؟

- مريم : لا يا أخواتي الحبيبات ، أمرتنا أمنا بهذا الأمر لنتغلب على خوفنا الذى نشعر به الآن ، ولنتحلى بالشجاعة .. لقد علمت أمنا بما سيحدث لنا ، فأرادت خروج الفراشات إلى حقلها .

- أمنا لا تطيق فراقنا ولا أبونا يطيق فراقنا لحظة ، فأرادت أمنا للفراشات بأن تطير وتحلق فى السماء لتلحق بها وبوالدنا.

- نهضت مريم واثقة مبتسمة ولحقتها أخواتها الثلاث بدون تردد .

- نظر الضابط المجج بالسلاح بدهشة إلى الفتيات الأربع وقد خرجن من المنزل .

- أشار بيده إلى جنوده ليصوبوا نيرانهم على رؤوسهن .. نظرَ إلى جنوده ضاحكاً وقال : هذا صيد ثمين لم نتعب فى البحث عنه وجاءنا بنفسه.

- أمر جنوده بإطلاق النار ، وصوب هو نظره إلى الفتيات ليستمتع بمنظر رؤوسهن وهى تكسر وتتطاير ومنظر دمائهن وهى تنفجر وتسيل .

- لكنه نظر فلم يجد الفتيات أمامه .
أدارَ بصره فى أرجاء الحقل فلم يجد أحداً ، أمرَ جنوده بتفتيش المنزل ومحيطه .

- عادَ الجنود خائبين وأخبروا قائدهم بأنهم لم يجدوا شيئاً ، ولم يعثروا للفتيات على أثر .

- سألهم : ألم تشاهدوهن معي بأعينكم أم أنني كنت أحلم ؟

- ألم تروا هؤلاء الفتيات بيض الوجوه والثياب يخرجن من منزلهن متجهات إلى الحقل الذى نتحصن فيه ؟

- قال الجنود : بلى رأيناهن .. كن مبتسمات ، ينظرن إلينا باستخفاف وثقة .

- قال أحد الجنود : انتظر أيها القائد ، لقد تذكرت شيئاً عجيباً .. فبعد أن صوبنا عليهن بنادقنا لنقتلهن ، رأيتهن ينظرن فجأة إلى السماء وبعدها مباشرة اختفين من أمامي .

- قال الضابط متعجباً : السماء !

- نظر الضابط الصهيونى وجنوده إلى السماء فإذا بفراشات أربع تحلقن فوق رؤوسهم متجهة إلى أعلى .

خلود محمد جمعة
08-11-2013, 05:34 PM
حروفك كفراشات حلقت بنا الى ابعد من سطور الحكاية
جمال السرد أمتعني
والقضية المطروحة سامية
عندما نتحرر من خوفنا نحرر ارواحنا صدقت
دمت رائعاً
مودتي وتقديري

عبد السلام هلالي
08-11-2013, 08:19 PM
نص مسرحي جميل البناء مفعم بالرمزية و الحكمة .
عدو الإنسان الأول و الأكبر هو خوفه ، إذا تغلب عليه هانت عليه الصعاب.
تحيتي و تقديري و مزيدا من الإبداع أخي هشام

هشام النجار
09-11-2013, 12:20 PM
حروفك كفراشات حلقت بنا الى ابعد من سطور الحكاية
جمال السرد أمتعني
والقضية المطروحة سامية
عندما نتحرر من خوفنا نحرر ارواحنا صدقت
دمت رائعاً
مودتي وتقديري

مرحباً بالمبدعة خلود جمعة .. الرائع هو حضورك وقراءتك ، والخوف قد لا يكون من البطش انما الخوف ايضا وهو المذل للنفس من الناس ومن الاتباع ومن المريدين ليعيق الانسان عن قول الحقيقة والمصارحة والاعتراف والاعتذار .. هو الخوف الذى يحبس الذات فى عقدة الأنا والاستعلاء فلا تتقدم انما تتهاوى ذاتيا فى العزلة والفشل ، ،،، الخوف طبيعى فطرى لكن الحقيقة لا تتجزأ والمواقف واضحة فالجبان جبان بأنانيته وطمعه وذاتيته التى قد تعصف بالمجموع وتطيح بكل شئ ليبقى هو فى نظر اتباعه واصدقائه البطل المغوار وما هو الا قش وفراغ ، فلا حجة ولا دليل ولا رؤية انما مجرد عنتريات . الخوف خوف من الحقائق أن تظهر ومن الامور ان تسير سيرها الطبيعى ليتضح من البطل والشجاع وصاحب المبدأ الذى يدور مع الحق حيث دار ، من مدعى البطولات طامسى الحقائق عبيد ذواتهم وتقوقعهم .. يجذبهم هذا كله الى ارض الخوف الدائم ، فلا تحرر من قداسة موهومة ولا تطلع لفهم سليم ولا تقدم للأمام ولا رؤية ولا فكر .. التحليق فى الحرية فقط للاحرار الصادقين مع انفسهم ومع اتباعهم ومع اصدقائهم ، احرار من الاوهام والذاتية والاحادية ، لن نتحرر من الخوف بمعناه الشامل الا بالتحليق فى الحرية الحقيقية فلا حب للذات وتقديم لمصلحتها ولا خداع وتلون وادعاء .
شكرا جزيلا لهذا الحضور ودام ابداعك وعطاؤك

هشام النجار
09-11-2013, 12:25 PM
نص مسرحي جميل البناء مفعم بالرمزية و الحكمة .
عدو الإنسان الأول و الأكبر هو خوفه ، إذا تغلب عليه هانت عليه الصعاب.
تحيتي و تقديري و مزيدا من الإبداع أخي هشام

مرحباً بالمبدع الأستاذ عبد السلام الهلالى .. تخيلت بالفعل أننى مقدم على كتابة مسرحية ذات فصل واحد لكننى تهيبت التجربة مع رغبتى السابقة ، لأننى لم أكتب المسرحية من قبل ، وكلامك هنا شجعنى ربما فى مرة قادمة أخوض التجربة بثقة أكبر .
تحيتى وتقديرى لابداعك الرائع الذى اتابعه بشغف .

ربيحة الرفاعي
23-12-2013, 09:21 PM
فكرة النص بديعة وغايته واضحة وفاعلة، وإذا كان أجمل الأدب أمتعه فإن أبقاه أنفعه ، وأبقاه ما يعالج من القضايا أكثرها عمقا واتصالا بحياة الناس
وهل كالخوف سوط يحمل في جلداته الذل لمن يبتلى به أفرادا وأمما؟!

قصة عادف ملفت

دمت مبدعنا بخير

تحاياي

هشام النجار
24-12-2013, 07:01 PM
فكرة النص بديعة وغايته واضحة وفاعلة، وإذا كان أجمل الأدب أمتعه فإن أبقاه أنفعه ، وأبقاه ما يعالج من القضايا أكثرها عمقا واتصالا بحياة الناس
وهل كالخوف سوط يحمل في جلداته الذل لمن يبتلى به أفرادا وأمما؟!

قصة عادف ملفت

دمت مبدعنا بخير

تحاياي

لكِ الشكر الجزيل سيدتى الكريمة المبدعة والناقدة الكبيرة أستاذتنا ربيحة الرفاعى .. تقبل الله منا ما قدمنا وما أخرنا ورضى عنا وجعل هذا كله فى موازين حسناتنا وتقبل الله منا ومنكم .

سامية الحربي
26-12-2013, 05:01 PM
نحن أمة مجدها في انعتاقها من الخوف تماما كتلك الفراشات . ذكرتني بمقولة لذلك الجندي الروسي الملحد الذي قيل له كيف يستطيع ثلة ضعيفة العتاد أن تنصر عليكم فرد عليهم :ماذا تريدني أن أفعل مع رجل يرى الجنة في فوهة بندقيته.
بعض الهنات شابت هذا النص البديع دون أن تفقده بريقه . تحياتي وتقديري

آمال المصري
25-12-2015, 06:10 PM
أكثر ما يذل النفس هو الخوف الذي يطبق على أرواحنا فيعيقها عن الانطلاق
نص هادف بحوارية جميلة شائقة ولغة سلسة وفكرة تخلف الحكمة في طياتها
بوركت واليراع أديبنا الفاضل
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

ناديه محمد الجابي
25-12-2015, 10:29 PM
الخوف يكبل الإنسان وإرادته ويذله ويحطمه
وينهزم الخوف من أنفسنا عندما نملؤها بذكر الله والثقة فيه
وعندما نتحرر من الخوف تحلق أرواحنا للسماء حرة كالفراشات
حرف جميل، وكلمات معبرة ـ حروف ملائكية أرسلت أشعتها إلى القلب
فحلقت معك كالفراشات. سلمت وبورك القلم. :001: