تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حسناء على الجانب الآخر...!



فوزي الشلبي
11-11-2013, 04:43 PM
حسناء على الجانب الآخر...!




قالَ لزوجه عندما صحا من نومهِ على سريرٍ في المستشفى: ماذا حدثَ..لماذا أنا هنا؟!
قالتْ له زوجُه: اتَّصل الدفاعُ المدني بنا، وقالوا إنَّك في المستشفى، ولكن اين محفظةُ نقودك؟! ...فأخذَ يتذكرُ..

وقفَ أبو محمدٍ في جوِّ الصَّيفِ القائظ على قارعةِ الطريق.. يُلوِّحُ لسياراتِ الأجرةِ المارةِ. مرَّت ساعتان وهو على حاله ذاك... حتى نفخ فوهُ وكلت يداهُ..فآد عودُه ..وناءت قدماهُ بحملِ جسمهِ الثقيلِ..فاستسلمَ واقفاً مسبلَ اليدين تلاحقُ عيناهُ السياراتِ المارّةَ يمنةً ويسرةً ..وقد حجبت عينيهِ سحابةٌٌ رقيقةٌٌ من دمعٍ، فلولا أن كظمَها لسرّى عن نفسهِ مُرَّ البكاء. تحرقتْ معدتُه لوجبةِ الغداءِ، وكانت حاجتهُ للطّعام شديدةً لمعاناتهِ مرضَ الُّسكرِ وإن لم يأكلْ في الوقتِ المناسبِ فإنَّهً سيعاني كثيرا..
وتاقَ جسمُه إلى نومةٍ هانئةٍ ٍبعدها..لولا أن تداركتهُ رحمةُ ربِّه فحطَّت قربَه سيارةُ أجرةٍ ..فصحا من غفلتِه تلكَ ..وما كاد يصدِّقُ أن السائقَ أوقفَ سيارتَه حِذاءه دونَ أن يُلوِّحَ له بالوقوفْ..قال في نفسِه : وأخيرا جاء السائقُ ابنُ الحلال..
وما أن تقوقعَ بجسمهِ الضَّخمِ في سيارةِ الأجرةِ الصَّغيرةِ..واستقبلهُ ريحُ المُكيفِ الباردِ بحنان، حتى تنفَّسَ الصُّعداء.. وانطلقَ صوتُ مسجلِ السيارةِ بالغناءِ.."نانسي عجرم" : " أحبك ..نص.. نص.. نص... "
. انطلقتْ السيارةُ... وانطلقَ خيلاؤُه كأنَّما يقودُ فيلقاً إلى حربٍ..ثم تراءتْ له مائدةُ الغداءِ تُرائي الحالمِ اليقظِ..المائدةُ التي تُواعدُهُ أو تتوعدُهُ إن أطالَ المُكثَ؛ إذ ما أنْ يحطَّ قدمه على عتباتِ بيتِه ويضعَ رحالَه، حتى تُبْسطَ لَه، فينحني عليها حنوَ الضيغَمِ على فلِوّ ..ونال منها ما يحبُّ ويشتهي، ثمَّ إذا اضطجعَ في مقامهِ هذا نائماً، انطلقتْ من منخارهِ الزَّغاريدُ..تلك التي ألفَ أنغامُها أهلُ البيتِ، ورُبَّما الجيران.
ثمّ تراءى له من بعدٍ خيالُ سيِّدةٍ حسناءَ، تقفُ على الرَّصيفِ من جانبِ الشارعِ الآخرَ وقد داعبَ بعضَ خصلاتِ شعرها الفاحمِ، وأطرافَ ثوبِها الهفهافِ النّاعمِ كفُّ النَّسيم في كلِّ اتجاهٍ..فرقَّ أبو محمدٍ لها، قائلاً في نفسِه " لقد نال التَّعبُ من هذهِ الحسناءِ اليافعةِ مثلَ ما نالَ مني..واللهِ حرام..لولا يأتي سائقٌ ابنُ حلالٍ بسيارتهِ..كسائقي هذا، فيحتملُها إلى وجهتَها..وتمنّى لو أنَّه نفسَهُ كان ذلك السائقُ ".
رنَّ الهاتفُ الخُليوي... وما هي حتَّى انخفضَ صوتُ المُسجِّلُ حتى انعدمَ تماماً... و بصوتٍ ينبعثُ منه الحزنُ ونفخَةُ الغضبِ ردَّ السائقُ على الهاتفِ قائلا "ماذا تقول..أبي!!..متى..أين!!..في المُستشفى الحكومي!...سآتي حالا" ..
وانحرفَ السائقُ بسيارتهِ يمنة، وتباطأتْ سرعتُهُ حتى انعدمتْ تماما..وأطرقَ مسندا رأسهِ على الِمقود..وأبو محمدٍ من الأمرِ في حيرةٍ ..رفعَ السَّائقُ رأسهُ..وقال: انزل هنا ياعمُّ..فقد أتاني نعيُ أبي ..نقلوهُ الآن بسبب جلطةٍ ألمَّتْ فحملوهُ إلى المستشفى..وهناكَ قضى..قال أبو محمَّدٍ" لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ..إنّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعون..يرحمهُ اللهُ تنحَّ يا بني..دعني أقودُ السيارةَ عنك ..أنتَ متعبٌ جدا.."
قال السائقُ بحزن وأدبٍ جم "لا عليكَ يا عمُّ ..سأتدبرُ أمري " ..مضى السائقُ في حالِ سبيله..إلى حيثُ منفذٍ في جزيرةِ الشارعِ يعكسُ اتجاهَ مساره إلى الجانبِ الآخرَ..قال أبو محمدٍ بعد أن انتصبَ واقفاً..كمهزومٍ مستسلمٍ تخلَّى عنه غبارُ معركة" رحمَ الله أباهُ..ثم قال في نفسه " ويْ كأنَّ أباه لم يمتْ إلا السّاعة!..اللهمَّ لا اعتراض" ..فرآهُ مُقبلاً يمنةً والتفتَ يسرةً ..فإذاها السيدةُ الحسناءُ يلوحُ خيالُها في الأفقِ البعيدِ..لا ضيرَ فأنا والحسناءُ في هذا الهمِّ سواءٌ َفسُرِّيَ عنه...
وعاد يُلوِّح من جديدٍ للسياراتِ المارةِ المسرعةِ التي تنهبُ الشارعَ نهبا..والتفتَ يسرة يتابعُ السيارةَ التي خلَّفتهُ وراءَها ..يراقبُها من بعيدٍ، في حسرةٍ ولوعةٍِ وألم..
تباطأتِ السيارةُ شيئاً.. شيئاً حتى استقرَّتْ حيالَ السيدةِ الحسناءِ..وما هي حتى صعِدت إليها..وانطلقتْ تنهبُ الأرضَ لا تلوي على شيء..هنالكَ صرخَ أبو محمدٍ صرخةً مزَّقت الهواءَ من حولَهُ :" يا ابن الكاااااااااااااااالب!!!" فترقرقتْ عيناهُ سحابتيْ دمعٍ دونَ أن تنزفا..
وانطلقا في السَّيارة.. تغيبهُما أمواجُ السراب الذي يترقرقُ من بعيدٍ! ..وخارتْ قواه..

كاملة بدارنه
11-11-2013, 08:29 PM
حسناء لم يكن سلوكها حسنا... ومسافر لم يسعفه الحظ!
سرد مشوّق حتّى النّهاية
بوركت
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
11-11-2013, 08:58 PM
أنزله من السيارة ليعود ليأخذ المرأة, ويبدو انه قد سرقه أيضاً
أحسنت السرد المشوق فاستطعت ان تشدنا وأن تأخذ منا كل الإنتباه
إلى آخر كلمة , بلغة عذبة جميلة, وتصوير دقيق ماتع.
سلمت وسلم مداد قلمك.

خليل ابراهيم عليوي
14-11-2013, 10:09 AM
لقد افقت من غفلتي اما هذه الصور الجميلة لاجد نفسي اركب زحمة الافكار
احسنت
د خليل

عبد السلام دغمش
14-11-2013, 11:08 AM
قصة طريفة أستاذ فوزي
يظهر أن الحسناء تلك أصابته بدوار فغفل عن محفظته..
بوركتم للقصة واللغة المتينة.
تحياتي

فوزي الشلبي
14-11-2013, 02:46 PM
حسناء لم يكن سلوكها حسنا... ومسافر لم يسعفه الحظ!
سرد مشوّق حتّى النّهاية
بوركت
تقديري وتحيّتي


الأديبة العزيزة كاملة:

تحية إكبار وود..أشكر لك مرورك البهي وتقديرك الكريم للنص..إنما هي ثقةٌ ثمينة أعتز بها...

تقديري وبالغ احترامي!

أخوكم

فوزي الشلبي
14-11-2013, 02:57 PM
أنزله من السيارة ليعود ليأخذ المرأة, ويبدو انه قد سرقه أيضاً
أحسنت السرد المشوق فاستطعت ان تشدنا وأن تأخذ منا كل الإنتباه
إلى آخر كلمة , بلغة عذبة جميلة, وتصوير دقيق ماتع.
سلمت وسلم مداد قلمك.


الأديبة العزيزة نادية:

تحية إكبارٍ وود...قد يكون سرقه، وقد يكون هذا احد الاحتمالات لنهاية مفتوحة حول السرقة منها ما تفضلت وذكرت...لكن الرجل أغمي عليه..فقد يكون السارق من احد الذين مروا..أو من تظاهر بإسعافه... سرني مرورك جداً فاضفى على النص بهاءً......
دعائي وخالص ودي!

أخوكم

فوزي الشلبي
14-11-2013, 03:02 PM
لقد افقت من غفلتي اما هذه الصور الجميلة لاجد نفسي اركب زحمة الافكار
احسنت
د خليل

ا
الأستاذ الشاعر د.خليل:

تحية إكبار وتقديرٍ وود...أشكر لك مرورك الكريم وتقديرك البهي للنص ما اكسبه جملا وبهاءً...هي ثقة غالية نبضت به أريحيتك النبيلة!

تقديري الكبير ودعائي المتصل!

أخوكم

فوزي الشلبي
14-11-2013, 03:07 PM
قصة طريفة أستاذ فوزي
يظهر أن الحسناء تلك أصابته بدوار فغفل عن محفظته..
بوركتم للقصة واللغة المتينة.
تحياتي


الأخ الشاعر النبيل عبد السلام:

تحية إكبارٍ وتقدير وود ...قد يكون هذه احتمالية لأن يكون أصيب بدوارِ تلك الحسناء، فغفلَ عن محفظته...وأشكر لك ثقتك الغالية وتقديرك البهي!

تقديري الكبير وخالص ودي!

أخوكم

آمال المصري
16-11-2013, 07:56 AM
سرد شائق ولغة قوية ازدانت بصور بديعة
تابعت رحلة هذا المسكين وأحد صور الازدحام وأزمة المواصلات مصحوبة بأزمة الأخلاق
ونهاية مفتوحة تتركنا في حيرة كيف فقد حافظته ؟
يبدو من السرد أنه فقد الوعي وتم نقله إلى المشفى .. المكان الذي لم يعد آمنا حيث يتم في بعضها حالات السرقة والنصب ليس للمال فقط ولكن للأعضاء البشرية وقد طالت وامتدت حتى وصلت لسرقة الأعراض
وهنا تحضرني مأساة فتاة مشفى " كليوباترا "
أبدعت شاعرنا الفاضل
بوركت

فوزي الشلبي
21-11-2013, 03:04 PM
سرد شائق ولغة قوية ازدانت بصور بديعة
تابعت رحلة هذا المسكين وأحد صور الازدحام وأزمة المواصلات مصحوبة بأزمة الأخلاق
ونهاية مفتوحة تتركنا في حيرة كيف فقد حافظته ؟
يبدو من السرد أنه فقد الوعي وتم نقله إلى المشفى .. المكان الذي لم يعد آمنا حيث يتم في بعضها حالات السرقة والنصب ليس للمال فقط ولكن للأعضاء البشرية وقد طالت وامتدت حتى وصلت لسرقة الأعراض
وهنا تحضرني مأساة فتاة مشفى " كليوباترا "
أبدعت شاعرنا الفاضل
بوركت

ا
الأديبة العزيزة آمال:

أجل ايتها الغالية ..لقد ظهر الفساد في كافة الصُّعد...من رجل المن إلى الطبيب ..إلى المعلم...إلى رجال الأعمال إلى سائقي التاكسي...إلى التي تخلع لباس العفة لتغوي ذوي النفوس المريضة!...لست أعلم شيئا عن هاته المأساة " مأساة فتاة مشفى كليوباترا "...لكنني سأبحث لأقرأعنها!

أشكر لك مرورك البهي وتقديرك البهي...ثقةٌ غالية!

دعائي وخالص ودي!

اخوكم

خلود محمد جمعة
25-11-2013, 11:39 PM
ألم يكفي ابو محمد السكري والأنتظار ليتوجها خيبة الأمل في السائق
وضياع المحفظة
قصة بسرد ممتع
دمت بخير
مودتي وتقديري

فوزي الشلبي
28-11-2013, 09:56 AM
ألم يكفي ابو محمد السكري والأنتظار ليتوجها خيبة الأمل في السائق
وضياع المحفظة
قصة بسرد ممتع
دمت بخير
مودتي وتقديري


الغالية خلود:

أجل يا خلود...لم يكف الرجل مرض السكر وإنما اخترمته امراض المجتمع!
تحية إكبار وود...أثمن غاليا تقديرك البهي...واقبلي خالص ودي!

أخوكم

ربيحة الرفاعي
05-12-2013, 01:35 AM
سرد قصّي رائق وأداء جميل وصل بالمحمول الهادف للمتلقي بكامل مراد الكاتب منه
الفكرة ملفتة وزاوية الطرح موفقة

والنص للتثبيت إعجابا

تحاياي

سامية الحربي
06-12-2013, 05:27 PM
كيف أستطاع السائق "ابن الحلال"أن يتعلل بهذا العذر !
سرد موشى بمتانة اللغة و وصف مليء بالحيوية والحركة. تحياتي وتقديري.

فوزي الشلبي
10-12-2013, 05:32 AM
سرد قصّي رائق وأداء جميل وصل بالمحمول الهادف للمتلقي بكامل مراد الكاتب منه
الفكرة ملفتة وزاوية الطرح موفقة

والنص للتثبيت إعجابا

تحاياي


الأديبة النبيهة ربيحة:

تحية إعزاز وإكبار وامتنان..لم نسج نبلك من كرم في تقدير النص والإشراق عليه بأريحيتك وبهائك!

دعائي المتصل وخالص ودي!

أخوكم

فوزي الشلبي
10-12-2013, 05:38 AM
كيف أستطاع السائق "ابن الحلال"أن يتعلل بهذا العذر !
سرد موشى بمتانة اللغة و وصف مليء بالحيوية والحركة. تحياتي وتقديري.

ا
الأديبة النبيلة غصن:

أقدر لك مرورك البهي الكريم وما اشرق به قلمك في تقدير النص ...سرني مرورك جدا...

تقديري الكبير وخالص ودي!

أخوكم

د. سمير العمري
30-12-2013, 06:48 PM
أنت صاحب أسلوب مميز في السرد الفني الأدبي وتوصل المعاني بذكاء وجسن أداء.
نص مبدع جميل لولا أنني رأيت أنه كان بحاجة قليلة لبعض تكثيف في بعض مواضع وكذا الاستغناء تماما عن السطرين الآخيرين بعد "لا تلوي على شيء" أو على الأكثر بعد "يا ابن الكلب".
هي قصة شدتني ومتعتني بلغتها وأسلوبها طريقة طرح فكرتها.

تقديري

فوزي الشلبي
31-12-2013, 05:56 PM
أنت صاحب أسلوب مميز في السرد الفني الأدبي وتوصل المعاني بذكاء وجسن أداء.
نص مبدع جميل لولا أنني رأيت أنه كان بحاجة قليلة لبعض تكثيف في بعض مواضع وكذا الاستغناء تماما عن السطرين الآخيرين بعد "لا تلوي على شيء" أو على الأكثر بعد "يا ابن الكلب".
هي قصة شدتني ومتعتني بلغتها وأسلوبها طريقة طرح فكرتها.

تقديري


أستاذنا المبجل د. سمير:

أشرقت ايها الغالي على النص بروح المعلم والناقد والأديب.. أشكرك اولا على تقديرك البهي الكريم...وما نضح نصحك من سديد رأي وبهاء نقد...

ربما أكون قد أسأت في في تكرار سرد..وإنما هذا هوجهد المقصر الذي يرى في الكمال غاية مستحيلة!

تقديري الكبير وخالص ودي!

اخوكم:

فوزي

نداء غريب صبري
20-03-2014, 04:27 PM
قصة جميلة بأسلوب مشوق
أمتعتني قراءتها

شكرا لك أخي

بوركت

فوزي الشلبي
24-03-2014, 04:44 PM
قصة جميلة بأسلوب مشوق
أمتعتني قراءتها

شكرا لك أخي

بوركت

ا
الأديبة النبيلة نداء:

أشكر لك مرورك البهي، وما سطع بيانك من تقدير للنص، ما جعله اكثر إشراقاً وروعة..ثقة غالية وتقدير ثمين!
تقديري الكبير وخالص دعائي!

أخوكم