المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلم البنفسجي



فاطمة بلحاج
17-11-2013, 12:41 PM
الحلم البنفسجي


رمت بنظرها نحو نافذة الغرفة، سرحت بعيداً، حيث روحها الهائمة، تضمّ الأشجار والأزهار، وبسمتها تطوف حول نبتة الصبّار - في قرية ريفية - حيث كانت معلمة في مدرسة القرية، تحلم بالفارس ميمون وهو يمتطي حصاناً برياً، تتابعه من بعيد بنظرات متلهفة وهو يعمل في الحقل، تمسك بين يديها باقة أزهار البنفسج، التي تحظرها شقيقته الصغرى كهدية لها كل صباح.. تداعبها بأناملها وهي تحلم..

تحلم بعرس بنفسجي بالفلاح الشهم، الذي يصلح كل ما تعطل بالمدرسة القروية، و يحييها في صمتٍ كلما أبصرته عيناه، وقد أخرس نبضات قلبه، الذي تجرأ على الخفقان والحلم..
أخذت نفساً بطيئاً، ثم خرجت من شرودها، وعادت بنظرها وفكرها بالجالس قبالتها، مرتدياً سروالاً قصيراً، وجوارب صوفية في صيف حار، وقبعة فرنسية، يعبث بها بيده أو يشد شواربه الطويلة، أو ينكش أنفه، ثم يرمي ما علق بأصبعه أرضاً أمام ناظريها.. و رائحة فمه تصل أنفها!

ثم غابت مرة أخرى، حيث الحلم، واقفة بباب المدرسة القروية، تحدق من بعيد بفتاة قروية تجني الزيتون تحت المطر، وقد أطلقت العنان لصوتها بالأهازيج.
لمحت ميمون يمرّ بإحدى المسالك، فخفق قلبها مثل كل مرّة، وضمت أزهار البنفسج لصدرها.
رتبت الفتاة هندامها ومشت إليه على استحياء، كانت الرياح تختل بضفيرتها الطويلة، وقدميها تغوصان في التربة المبللة، ترقصان على إيقاع حبات المطر وهي تتكسر على التربة.
اقتربت، أمسكت طرف فستانها بأصابعها تعبث به، وقد ارتسمت على محياها ابتسامة خجلى، وهمست له: أتمنى أن أشاركك جني الثمار، وقطف أزهار البنفسج التي تهديها للمعلمة..!
ابتسم ميمون ومشى نحو حقله، لاحقته نظارتها، وتساءلت مع نفسها: بما همست له الفتاة؟!

أخرجها الجالس قبالتها بسؤال عن هواياتها، شعرت بقطرات العرق تتصبب على جسدها، تبلل ملابسها، بردت، رجفت، وهمست وهي تعبث بأصابعها: الغوص في أغوار ذاتي، والسفر حيث مدن الشوق والحلم..!
أحست بنيران الشوق تلفح أوصالها فتمتمت:
_ من هوايتي صناعة أطواق من أزهار البنفسج.. وأنت؟
أطلق ضحكة عالية ثم أطبق صامتاً، يفكر، يبحث بين درج هواياته عن واحدة مستترة، تليق برجولته، انتظرت كلماته التي أنطقها بتلعثم:
_ هوايتي.. مشاهدة الثيران وهي تتناحر، والكتابة..
ارتسمت على ثغرها ابتسامة خفيفة، فحشر يده في جيبه، ثم أخرج ورقة، وألقى قائلا:
إني الحالم بحضنك، الودود للهفتك، العابر حدود أشواقك، فأنت عشقي منذ أول لقاء كان بيننا..!
سألته في ذهول:
_وهل التقيا يوما؟!
_ألا تذكرين؟ لقد التقينا في سوق السبت.. كنت تتسوقين رفقة أمك قبل أيام من عيد الأضحى، وكنت البائع للخرفان رفقة والدي قبل أن أستقر بمدريد!

دغدغتها الأفكار، توغلت في باطن عقلها، محاولة استعادة ذكرى لقائها الأول، فلم تتذكر غير حلمها البنفسجي الذي تبخر، حين قررت أن تهمس لميمون بحروف اللهفة، و تشكره على أزهار البنفسج، وتهتف له: إني أعشق أزهار البنفسج، ومن يهديني إياها مع كل إشراقة صباح..
مشت تتمايل بين مسالك الحقل، تراقص الخيال، تراه آتياً إليها، عابراً المسالك، يداعب وجنتيها، يعقد ضفائر شعرها، فتتناثر نشوة فرحها على التلال، تضمه رفقة الحلم، ويكللها بالبنفسج في عرسٍ ربيعي، وتنتظر..
تنتظر العابر حدود أحلامها أن يصل..
تهتز من الخفقان، تقترب، تبتسم له، فيلوح لها بتحية ثم يركب حصاناً، ويرافق رجال القرية لملاقاة عروسه، وقد تعالت الزغاريد..

احترقت، تلاشت، وتنهدت حرقة، لفحها غبار الأحصنة الذي امتلأ به الهواء الحار، فزاد اللهيب داخلها اشتعالاً.
انجرفت الدموع من مقلتيها، انسابت على التربة كقطرات من روحها، ارتوت بها أزهار البنفسج، و عادت أدراجها بخطى واهنة، تجر خيبتها.
حملت حقائبها المعبأة بالأحلام، و وشظايا الأماني، وبعثتها رفقة قلبها إلى مدن الراحلين.
وفي مدريد، زرعت أزهار البنفسج، لكنها لم تزهر...

ناديه محمد الجابي
17-11-2013, 09:31 PM
رمت بنظرها نحو نافذة الغرفة .. ثم بدات في الأسترجاع حيث كانت معلمة
في مدرسة القرية ـ تحلم بالفارس ميمون الذي يعمل في الحقل ويهديها باقة
من أزهار البنفسج مع اخته في كل صباح .. فتهفو بقلبها إليه حيث كانت
تحلم بيوم العرس بذلك الفلاح الشهم.
ترجع من استرجاعها وتخرج من شرودها على الواقع الذي تعيشه فترسم
لنا صورة كريهه للرجل الجالس أمامها.
تهرب من واقعها لتغيب من جديد في الحلم القديم ـ ولكن الحلم البنفسجي
يتبخر عندما يلوح لها الساكن أحلامها ويرافق الرجال ويذهب لملاقه عروسه
وقد تعالت الزغاريد.
تحترق وتتنهد حرقة وتعود بأدراجها من زكرياتها تجر خيبتها ـ وقد حاولت
أن تزرع أزهار البنفسج في أرضها الجديدة التي رحلت إليها مع الزوج الذي
اختارها لكنها لم تزهر.

جميلة قصتك عزيزتي فاطمة
شاعرية في التعبير وبهاء في التصوير في قالب قصصي مشوق مترف اللغة
وأسلوب سردي مميز وآسر .
أسجل إعجابي العميق بقلمك.

عبد السلام دغمش
17-11-2013, 10:13 PM
الأخت فاطمة

انتقال جميل من واقع مخيب للامل وسوداويّ مثلهُ الزوج بغلظته والغربة - الى عالم الذكريات واحلام الصبا.
النقلات كانت شاعرية و معبرة بتصاويرها ولغتها.
وافر تحياتي.

خلود محمد جمعة
20-11-2013, 11:20 PM
جميلة هي الذكريات التي تستطيع أن تنسيك الواقع ولو للحظات
ومؤلم هو الواقع الذي تستيقظين عليه
لن تزهر أزهار البنفسج الا في ارضها
لن تحيا بعد الذبول
ولن يعود النبض من جديد
دمت بخير
مودتي وتقديري

كاملة بدارنه
24-11-2013, 06:40 PM
مرّ الواقع يجعل الفكر يسوح في دنيا الخيال، لكن لابدّ من العودة
سرد مؤثّر حتّى النّهاية الحزينة
بوركت
تقديري وتحيّتي

فاطمة بلحاج
30-11-2013, 05:10 PM
رمت بنظرها نحو نافذة الغرفة .. ثم بدات في الأسترجاع حيث كانت معلمة
في مدرسة القرية ـ تحلم بالفارس ميمون الذي يعمل في الحقل ويهديها باقة
من أزهار البنفسج مع اخته في كل صباح .. فتهفو بقلبها إليه حيث كانت
تحلم بيوم العرس بذلك الفلاح الشهم.
ترجع من استرجاعها وتخرج من شرودها على الواقع الذي تعيشه فترسم
لنا صورة كريهه للرجل الجالس أمامها.
تهرب من واقعها لتغيب من جديد في الحلم القديم ـ ولكن الحلم البنفسجي
يتبخر عندما يلوح لها الساكن أحلامها ويرافق الرجال ويذهب لملاقه عروسه
وقد تعالت الزغاريد.
تحترق وتتنهد حرقة وتعود بأدراجها من زكرياتها تجر خيبتها ـ وقد حاولت
أن تزرع أزهار البنفسج في أرضها الجديدة التي رحلت إليها مع الزوج الذي
اختارها لكنها لم تزهر.

جميلة قصتك عزيزتي فاطمة
شاعرية في التعبير وبهاء في التصوير في قالب قصصي مشوق مترف اللغة
وأسلوب سردي مميز وآسر .
أسجل إعجابي العميق بقلمك.


الأخت الفاضلة الأديبة نادية
أسعدني مرورك العطر وقراءتك الراقية للنص
يسعدني أن تكوني من المعجبين بقلمي
شكراً لكِ أخية
تحياتي ومودتي

عبد السلام هلالي
30-11-2013, 10:24 PM
قص جميل تراقص بين واقع و حلم مندثر بين ما كان و ما هو كائن .
و لن يتفتح البنفسج في أرض غير أرضه و لن يفوح عطره لقلب غير قلبه.
سلامي إلى " سوق السبت" و " الفقيه بن صالح" " بني ملال" و " وادي زم الشهيدة"
تحيتي و تقديري

سامية الحربي
01-12-2013, 09:22 PM
لا يمكن للأزهار أن تنمو إلا في موطنها و تأتي الأقدار بما لا يشتهي القلب . قصة مفعمة بالأحاسيس سُكبت في قالب لغوي ماتع .شكرًا لكِ أديبتنا . تقديري الكبير.

آمال المصري
04-12-2013, 05:58 AM
لن يزهر البنفسج إلا في أرضه ولن تتمخض الذكريات عودة للوراء بل مزيد من الألم والحسرة
نص يفيض جمالا شجيا ولغة شائقة وتعابير قوية وخاتمة حكيمة جميلة
بوركت واليراع
تحاياي

ربيحة الرفاعي
27-12-2013, 02:47 AM
بأسلوب استرجاعي تنقل بالقارئ بين اللحظة الكئيبة والماضي الذي يثخن الذاكرة بالشجن ، وبمهارة في الوصف نقلت للمتلقي حس البطلة بالجالس أمامها وثقل حضورة البغيض فعاشه معها، وبفكرة جميلة ومؤثرة سردت قصة عاطفية تحمل الخيبة والفشل العاطفي والشجن في أداء موفق وتأثيرملفت

دمت بخير أديبتنا

تحاياي

فاطمة بلحاج
28-12-2013, 08:00 PM
الأخت فاطمة

انتقال جميل من واقع مخيب للامل وسوداويّ مثلهُ الزوج بغلظته والغربة - الى عالم الذكريات واحلام الصبا.
النقلات كانت شاعرية و معبرة بتصاويرها ولغتها.
وافر تحياتي.


الشاعر الكريم عبد السلام دغمش
أشكرك على المرور الكريم وتعليقك الراقي
بوركت
تحياتي وتقديري

فاطمة بلحاج
28-12-2013, 08:02 PM
جميلة هي الذكريات التي تستطيع أن تنسيك الواقع ولو للحظات
ومؤلم هو الواقع الذي تستيقظين عليه
لن تزهر أزهار البنفسج الا في ارضها
لن تحيا بعد الذبول
ولن يعود النبض من جديد
دمت بخير
مودتي وتقديري


الأخت الأديبة الكريمة خلود
أشكركِ على مروركِ الجميل وتعليقك الراقي
بوركتِ
تحياتي وتقديري

فاطمة بلحاج
28-12-2013, 08:04 PM
مرّ الواقع يجعل الفكر يسوح في دنيا الخيال، لكن لابدّ من العودة
سرد مؤثّر حتّى النّهاية الحزينة
بوركت
تقديري وتحيّتي



الأخت الفاضلة الأديبة كاملة
أشكرك على مروركِ الكريم وتعليقك
بوركتِ
تحياتي ومودتي

فاطمة بلحاج
29-12-2013, 10:11 PM
قص جميل تراقص بين واقع و حلم مندثر بين ما كان و ما هو كائن .
و لن يتفتح البنفسج في أرض غير أرضه و لن يفوح عطره لقلب غير قلبه.
سلامي إلى " سوق السبت" و " الفقيه بن صالح" " بني ملال" و " وادي زم الشهيدة"
تحيتي و تقديري



الأخ الفاضل الأديب عبد السلام هلالي
أشكرك على المرور الكريم والتعليق الراقي
سلامي لكل ربوع بلادي
بوركت
تحياتي وتقديري

فاطمة بلحاج
29-12-2013, 10:15 PM
لا يمكن للأزهار أن تنمو إلا في موطنها و تأتي الأقدار بما لا يشتهي القلب . قصة مفعمة بالأحاسيس سُكبت في قالب لغوي ماتع .شكرًا لكِ أديبتنا . تقديري الكبير.



الأخت الفاضلة الأديبة غصن
أشكركِ للمرور العطر
بوركتِ
تحياتي وتقديري

فاطمة بلحاج
06-02-2014, 03:59 PM
لن يزهر البنفسج إلا في أرضه ولن تتمخض الذكريات عودة للوراء بل مزيد من الألم والحسرة
نص يفيض جمالا شجيا ولغة شائقة وتعابير قوية وخاتمة حكيمة جميلة
بوركت واليراع
تحاياي




أختي العزيزة آمال أشكرك على مرورك العطر وقراءتكِ الراقية
بوركتِ
لكِ كل التقدير والاحترام

قوادري علي
06-02-2014, 06:18 PM
يبقى الحلم حلما ويبقى البنفسج يبحث عن أرضه..
لغة السرد شاعرية فلا تدعنا نفلت اللحظة الراهنة ولا تلك العودة بالحدث.
شكرا جزيلا الراقية فاطمة.

فاطمة بلحاج
20-02-2014, 04:31 PM
بأسلوب استرجاعي تنقل بالقارئ بين اللحظة الكئيبة والماضي الذي يثخن الذاكرة بالشجن ، وبمهارة في الوصف نقلت للمتلقي حس البطلة بالجالس أمامها وثقل حضورة البغيض فعاشه معها، وبفكرة جميلة ومؤثرة سردت قصة عاطفية تحمل الخيبة والفشل العاطفي والشجن في أداء موفق وتأثيرملفت

دمت بخير أديبتنا

تحاياي



الأستاذة الفاضلة ربيحة الرفاعي
أشكرك على مرورك الجميل وقراءتكِ الراقية للنص
سعدت بحضورك في صفحتي
بوركتِ
تحياتي وتقديري

فاطمة بلحاج
20-02-2014, 04:36 PM
يبقى الحلم حلما ويبقى البنفسج يبحث عن أرضه..
لغة السرد شاعرية فلا تدعنا نفلت اللحظة الراهنة ولا تلك العودة بالحدث.
شكرا جزيلا الراقية فاطمة.




أخي الكريم الشاعر قوادري علي
أشكرك على مرورك الكريم وتعليقك الراقي
بوركت
تحياتي وتقديري

نداء غريب صبري
06-05-2014, 08:16 PM
نهرب من الواقع المؤلم للأحلام أو الذكريات ونستغيث بها لتخفف عنا عذابه
لكنها ليست دائما مهربا يؤمننا من العذاب ففي بعضها حزن وخيبات أكبر

قصة جميلة ومؤثرة بأسلوب مشوق
منحتنا متعة كبيرة في قراءتها

شكرا لك أختي

بوركت

د.حسين جاسم
31-08-2014, 01:15 AM
نفسك القصّي جميل وقدرت على شحن القصة بالمشاعر كبيرة
الاسترجاع في حبكتها زادها تأثيرا

أحييك

د. سمير العمري
05-09-2015, 12:47 PM
قصة من قصص الحب الشاعرية التي تلامس وجدان كل فتاة خصوصا حين يكون نصيبها مثل ذلك الخامد على صدرها.

النص كان جميلا لكنه بحاجة لبعض تنقيح لغوي.

تقديري