المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دمٌ في السماء .. دمٌ في الطريق



حسن سلامة
19-11-2013, 06:14 PM
دمٌ في السماء .. دمٌ في الطريق


كم كنتُ حزيناً ،
كم خجلتُ ،
حين نظرتُ الشجرة العارية من أخضرها ..
فقلتً سلاماً أيتها الأم
حارسة الرصيف
والعمر الذي يزرع عند الصباحات
أيامه اللاهثة ..
كم حزنتُ ،
كم انتابني ذاك الخشوع ،
حين كانت الشجرة
سامقة ،
تحرس ظلها ..
نظرتُ إلى مدى بصيرتها في السماء،
فرأيتُ كفيّها النـازفين،
وما رأيت العصافير ،
ولا بياض الغيوم
وما سمعت صدى الصوت الذي
مات في رائحة الموت،
بعد أن حطت خرائبه
على ربيع الحـياة ..

**
(قال الـراوي: سقـطُ مني الكـلام سهواً، وتلعـثم لساني، وتـذكرتُ
صوت أمي قبل موتها، حين علمتني حكمة: يا بني، بعـد كل أزمة
خـرابٌ أو حـرب ، فصدقـتها ، لأنـها كانت ترى ما لا أرى ، وحين
رحـلتْ ، قلت لنفسي : مـاذا تبقى لنـا على عروش التـراب سـوى
الغبـار واليـباب، وقلت لربي العظيم أحمدك، لأنني ما كنت لأحتمل
أسى أمي بالذي نرى)..
**

وحين ، صار الدخان هو الرئة الوحيدة ،
قام كافر يوزع الجمر وأشواكه السوداء على المارة ..
وكان يهذي بنبوءة ابن سبأ حين أراد له رباً مختلفاً
يطلب منه مصحفاً مختلفاً ، على قياس كفره ..
وصار يصدح جهاراً للذين اصطفوا وصفقوا له ..
وعبأوا صرته بالدنانير،
فانحنى
وتلوى
وتمطى ،
وكاد يأكلني لولا رحمة الرحمن ،
فاشعل نيرانه في الياسمين
وأعشاش الحساسين..
ونحر القرابين لمعبده ..
..
قلت سلاماً أيها الرب العظيم
سلاماً أيها الرب الرحيم ،
من أين يا رب جاء كل هؤلاء الشياطين
بغواية الكفر ،
وممرات النكوص عن الخليقة ..؟!
وأنا الذي ما كنت
باسطاً يدي لأقـتلهم ..؟

**
(وقال الراوي : قلتُ في لحظة شائكة لنفسي: الحمد لله، لم تسألني أمي
عن هـؤلاء الذين وزعوا أرواحـهم على تلك الأرصفة، ولونـوا السماء
بالأحمـر القاني ، فأنا والله لا أحتمل أسى أمي ولا حـزنها، فأنـا أعـرفها
تماماً حين تحزن ، تنـام على جنبها الأيمن، فلا تـأكل ، وتعبث بأي شيء
حولها، تـزيح حزنها لسؤال: يـُمه، ما أخبار(..) فـذهلت حين علمت أنها
كانت تـتابع الوجـع المقيم، وأنها بكت حين تشابه عليها القتـل ،فشعـرتُ
بانكسار شديد، وحمدت الله، فقـد رحلت ولم تسألـني عن الربيع العـربي،
ولو فعلت لظنت أنني أهزأ بها، وأنني ، معاذ الله ،على وشك العقوق..!)
**

الساعة واقفة عند عقربها ،
والصوت فوق الصوت ،
والناس الطيبون يتخاطرون مع وقتهم
وهواجسهم ، وخطواتهم .
أنا أعلم تماماً أن العابرين
يلقون التحية على الأرصفة
والجدران
والياسمين الفائض عن حاجة النوافذ
وأعلم يقيناً أن النسائم تنقل الرد
عطراً ، وعبقاً ، ومحبة ..
سألت نفسي :
كيف تنتصر الشياطين على ذاتها ،
وكيف تأتيها الهواجس البشرية
فيكون عصيان الرب ،
وتبرق المعصية
ويطل الإنتقام برأسين
أسودين
بعيون محملقة في الفراغ ،
فتفرد سواد عباءتها
وموتها ،
وتوزع لكل عابر
رطلين من حريق ،
وقارورة موت لكل طفل ،
وللبالغين عناقيد الديناميت..
فيصمت الشارع ،
ويصمت المارة ،
ويصمت الأطفال ،
فيختلط الدم والنار،
وتتعرى الشجرة من أخضرها ،
من هول الفجيعة ،
فتمد روحها للسماء ،
تخاطب الإله الخالق ،
في انتظار غيمة ، ليست عابرة
بل ، محملة بالبرق والرعد
في مخاض المطر ..
..

**
(وقال الراوي: قـالت أمي: لعنة الله على الظـالمين . فأنصت لعسعسة الليل،
حين النجوم كأنها في كـدر، وكـأن الأرصفة ثـكلى حين غـابت خطوات المارة
فما كان مني ، قـال ، سوى البحث في أشيائي كلها، عن زاويـة للحزن، فمـا
وجدت إلا روحي أعتصرها كقطنة مبللة، لكنها كانت تنز ّ دماً.فنمت عليها..)
..

ايلينا المدني
22-11-2013, 02:01 PM
العزيز حسن ....

حين يخططف الموت الموت أحب الناس إلينا نحزن نبكي دمعاً نعتصر قلوبنا ألماً

ولكن حين نقد من كان السند والظهر والطهر والشمس والنهار والحب والخير

حين نفقد بلحظة مجنونة تمخضت عن قرار شيطاني الملامح حين نفقد الوطن .......

نبكي دماً تعتصر أرواحنا تسحب لمنحدر الموت فلا نموت لنرتاح ولا نحيا لنسعد

حينها فقط ننظر بعين الرأفة لمن رحلوا ونسعد لرحيلهم ونشكر الله أن وقاهم حزناً

لا قِبل لهم به كما لا قِبل لنا به ............

يا لروعة ما كتبت لا أدري ما أقول سوى أن تلاشيت في النص حتى وجدتني به ....

لروحك النقية السلام .

فاطمه عبد القادر
23-11-2013, 03:16 AM
كم حزنتُ ،
كم انتابني ذاك الخشوع ،
حين كانت الشجرة
سامقة


السلام عليكم
أشعار جميلة شجية ,
أشعر بانجذاب شديد نحو قراءتها والاستمتاع والإفادة منها ,
شكرا لك أخي
ماسة

حسن سلامة
25-11-2013, 09:27 PM
...
إيلينا المدني
لك الاحترام ..

لا تعليق لي على كلماتك ؛
فهي بمثابة إضافة حقيقية للنص ..
..
لك الشكر والتقدير

خلود محمد جمعة
28-11-2013, 04:36 PM
تعتصر الحزن حروفك لتمطر سماؤك دماً
أمطرتنا بنور روحك فملأت قلوبنا متعة
نثرية وصلت من الروعة أبعد الحدود
متجدد كعادتك
ياسمينة لحرفك
مودتي وتقديري

كاملة بدارنه
30-11-2013, 03:13 PM
جمال في الأسلوب وروعة في المضمون...
يعتصرنا الأسى حين تغلّف الأحزان والأوجاع أيّامنا وأوطاننا فنبيت على فراش الخوف ونصحو على دموع الهمّ..
رائع ما قرأت
بوركت
تقديري وتحيّتي

حسن سلامة
30-11-2013, 11:34 PM
...

الأديبة فاطمة
تحية واحترام

شكراً لمرورك وكلماتك الطيبة
..

ربيحة الرفاعي
06-01-2014, 01:55 AM
تنثر الحروف على صفحات البوح صورا مغلفة بالروعة في مدهش الصورة ومبتكر التعبير ومائز التحميل الحسيّ لسطور المنثور
أكتفي بإعجابي بروعة الحرف في نثرية تمنيت لو كتبت مرسلة بأسلوب الفقرة لتكون بمحمولها العظيم أيسر وصولا لوعي وإحساس المتلقي

دمت بخير مبدعنا

تحاياي

نداء غريب صبري
23-03-2014, 12:07 AM
تغتسل أوطاننا بالدم والألم وتغسلنا بهما
ونعيش حزنا وضياعا فيها وبعيدا عنها

نثر جميل أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
17-10-2020, 05:49 PM
أنين قلب وحس رق ومعنى راقي في نثرية تموسقت حتى كادت أن تكون شعرا رغم الألم
عاطفة ثائرة أججتها حرقة وهم الوطن
بديع بجمالية حروفك، وعمق تأملك، ونقي تفاعلك
بورك الحس والحرف.
:009::002::003: