المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المشاركة سر الانتصار



هشام النجار
22-11-2013, 01:40 PM
في مكتبة الإسكندرية اجتمعت هناك عقول مُفكرة تبحث عن مشتركات بينها.. وتبنى جسوراً للثقة والتفاهم والتقارب.. في ورش عمل وندوات.. اهتمت بإبراز رؤية وأطروحات جيل الوسط من كافة التيارات السياسية.. وشهدتْ اهتماماً إعلاميا ملحوظاً.

وعلى مدى ثلاثة أيام تم فتح باب الحوار والنقاش في موضوعات شتى.. شهدَ الحوارُ بشأنها ذروة الاسْتقطاب الحاد في المجتمع.. مثل العلاقة بين "الدين والدولة"، و"التنمية الاجتماعية"، و"التطور الثقافي" خاصة ما يتصل بالإبداع وحرية التعبير.. فضلاً عن القواعد الحاكمة للمجال العام ..ومستوى انفتاحه.. وقدرته على استيعاب مختلف الاتجاهات .

بدأ "د/ سامح فوزي" مدير مركز دراسات التنمية بالترحيب بالضيوف.. وقام بالتعريف بمحاور الندوات ورُؤاها والغاية منها.. مُؤكداً حِرْصَ مكتبة الإسكندرية على الاقتراب من مُقاربة ورؤية جيل الوسَط من أجل إيجاد أرْضية مُشتركة للتيارات السياسية المختلفة.. طارحاً السؤال الرئيسي:

كيف يُمكن بناء مشتركات بين القوى السياسية للخروج من حَالة الاسْتقطاب الحَادة داخلَ المُجتمع؟!!

ثم شكَرَ "أ/ أيمن الصياد" الذي أدارَ جلسة الحوار د/ سامح فوزي على الجُهد الذي يقوم به في محاولة للبحث عن مشتركات بين من يُظن أن بينهم مشتركات.. مؤكداً أن:

جيل الوسط لا يُقاس فقط بمقياس العمر وحده.. لأننا نرى شباباً تلبسوا باستقطابات الماضي وصراعاته.. في حين يجب استحضار واستدعاء العكس.

وفي بداية حديثه الثرى أكد سيادة "المستشار/ طارق البشري" أنه:

بمقياس العُمر يبلغ عمر جيلين من جيل الوسط.. وأكد أنه يرغب في طرح قضايا وإشكاليات فكرة على وقع تطورات الأحداث على الساحة السياسية.. وأنه يرغب في طرح حلول لهذه الإشكاليات.

مُشيراً إلى أنه:

تعود على مثل تلك الندوات المغلقة التي تذكره بجلسات المُداولة في المحكمة.. فالمداولة تتم في نطاق ضيق ومحدود العدد ومستوى متقارب من التفكير.. بحيث يطرح كل منا رؤيته ورأيه كما لو كان لا يتمسك به إذا وجد وجهة نظر مخالفة أوْجَه وأقوَى.

فكل منا يتكلم ولا يتمسك برأيه.. ونتكلم في المنابع العامة.. ونتبادل الحوار ونخطئ المخطئ وندعم المصيب.. وأساس هذه القضية وأساس التفكير السليم في هذا الموضوع هو ابتداع مناهج وأساليب جديدة للتقريب .

وقد كتبتُ قبل ذلك كُتيباً صغيراً بعنوان "نحو تيار أساسي للأمة".

وحول دقة الإشارة بـ "نحو" في جملة "نحو بنا مشتركات بين القوى السياسي أكد المستشار البشرى أن:

الإشارة بـ "نحو" مقصودة.. لأن التيار الأساسي غير موجود بالفعل على أرض الواقع ونحن نسعى لإيجاده.

مؤكداً أن:

التيار الواحد ليس حزباً ولا جماعة واحدة.. إنما تتمايز داخله التيارات عن بعضها.. لكنها تدرك جميعاً أنها محصلة فكر الجماعة.. وأن حدود الوطن تحدها.

وأكد المستشار طارق البشري على:

أهمية وجود منهج تسعى جميع القوى السياسية من خلاله للتقارب.. مشددًا على وجود حدود عامة في فكر الجماعة.. بالرغم من اختلاف البعض في داخلها.. إلا أنهم يدركون جميعًا حدود التفاهم والتي تعد كحدود الوطن.

وأوضح أن:

مصر مَر عليها 20 شهر منذ ثورة 25 يناير التي تعد لحظة دقيقة في تاريخنا السياسي.. إلا أن هذه الأشهر انقضت في صراع حول موضوع واحد.. وهو: هل مصر دولة مدنية أم دينية ؟!

بحيث ينتهي الصراع عند نقطة بدايته.. ولا يُسفر العراك عن نتيجة.. مُشيراً إلى أن المادة – المادة الثانية من الدستور – التي كانت مجال صراع ممتد.. وتناولتها الأطراف بالزيادة أو النقصان انتهت إلى ما كانت عليه من قبل.

وأشارَ المستشار البشرى إلى أن:

هذا الصراع تسبب في خسارة في الوقت والجهد.. والابتعاد عن قضايا هامة مُلحة بها مصلحة في المستقبل القريب والبعيد .. وهذا يدل بقوة على أننا في غفلة عن أهمية الزمن.. حيث نهدره في الانشغال بقضايا أقل أهمية .

وأكد المستشار البشرى أن:

توازن المجتمع لم ندْركه في الفترة الماضية.. وترتب على الصراعات خسارة الوقت والجهد والمال الذي تم تكلفة الصراع به وابتعدنا عن القضايا التي يجب تناولها .

وحمل المفكرين المسئولية قائلاً:

وطالما أننا لم نوجه الرأي العام للقضايا الملحة ذات الأهمية السياسية للمستقبل.. فقد تشاركنا بالسكوت على هذا الأمر .

مُضيفاً أن:

الرأي العام لم يواجه بالقضايا الملحة ذات الأهمية في المستقبل.

وعن القضايا الهامة التي يجب أن يركز عليها جيل الوسط في المرحلة المقبلة.. أكد "البشري" أن:

الثورة المصرية هي ثورة ديمقراطية في الأساس.. وحُقَ لها أن تطالب بالديمقراطية.. لأن الديمقراطية هي الحلقة الأساسية التي تجر وراءها كل ما نريده من أشياء أخرى.. وطالما أن الاستبداد هو ما أدى بنا إلى ما نحن فيه من مشاكل تقترب من الكوارث - وهو سبب قيام الثورة -.. فإن معالجة الاستبداد هي الحلقة الأساسية لتحقيق الديمقراطية.

وأوضح أن:

الديمقراطية تعني جمعية اتخاذ القرار.. وتعدد الهيئات التي تتخذ القرار.. وعدم قصر اتخاذ القرار على جهة واحدة بعينها.. وتداول مواقع اتخاذ القرار.

مؤكداً أن:

اقتصار اتخاذ القرار على هيئة بعينها واستمرارها دون تداول يعطيها مع الوقت ذاتية خاصة تضغط عليها في اتخاذ القرار.. والحل أن تتداول القرار عدد من الهيئات حتى يتخلق من خلال هذه الآليات:

جمعية اتخاذ القرار لا تكون من فرد واحد.. بل من مجموعة.

إعداد الهيئات التي تتخذ القرار.

تداول العاملين في هذا المجال بشكل دوري.

وعرف المستشار/ البشرى الولاية العامة أنها:

نفاذ قوم على الغير ولا يستطيع أحد أنه أصلى فيها.. ومن يمارس الولاية العامة فترة طويلة تكسبه ذاتية خاصة.. لذلك لابد أن يتغير.. فتحديد مدة الولاية في منتهى الأهمية .

وأكد البشرى:

إننا لنا تاريخ مع الاستبداد حتى أصبح لدينا ما يُعرف بعلم الاستبداد.. فلابد من فهمه كي نخالفه بما لدينا من أسس يمكن تطبيقها على الأرض الواقع.

وأكد أن:

حالة التبعية تعد من القضايا الهامة التي يجب التفكير فيها.. مشيرًا إلى أن الاستعمار هو التحكم في القرار السياسي وتوجيهه لغير صالح الوطن.. وأن مصر كانت مستعمرة في فترة نظام مبارك بالتبعية والاحتياجات الاقتصادية.. لذلك فإن استرداد الإرادة السياسية كاملة يعني تدبير ما يمكن تدبيره والاكتفاء الذاتي لمنع الضغط الخارجي.

مشيراً إلى:

كتاب داود بركات عن الاحتلال الأجنبي.. الذي أكد فيه أن مصر يتم استعمارها بالغزو وبالتحكم في المياه.. مشيراً إلى أن مصر تم استعمارها في ظل نظام مبارك بالتبعية الاقتصادية.

وأشار إلى أنه:

بالتركيز على الإعلام.. يمكن استنتاج أن المعارك التي نراها في الفضائيات وهمية.. والموضوعات التي أثيرت لا أولوية لها.. فموضوع الاقتصاد مثلاً لا يحْظى باهتمام كاف كقضايا أخرى لا أولوية لها.

مشيراً إلى انشغالنا بقضايا أخرى غير ملحة.. وضرب مثالاً بيان الجنزورى في استصلاح الأراضي مثلاً.. متسائلاً :

هل دارت مناقشة إعلامية بالرفض أو بالقبول.. لم يحدث ذلك.. فقط جلسنا نتحدث وننظر في المادة الثانية للأسف.

وشدد البشري على:

أهمية بناء المؤسسات واستعادة دورها الحيوي.. مبينًا أن نظام مبارك أضرَ بالكثير من مؤسسات الدولة التي تدير المجتمع كالتعليم والصحة والمرافق المختلفة.. ونحن نريد أن نعيد لهذه المؤسسات تكوينها من جديد.. وهذا ننتظره من جيل الوسط والجيل السابق له.. ننتظر أفكارهم التي سنقبلها ما دامت متوافقة مع الواقع.

وقال:

إن أساس المرجعية هو الثقافة السائدة في المجتمع.. وأن المجتمع هو الذي يصنع دولته.. وأن الثقافة العامة السائدة هي التي تخرج منها المرجعية.

مُعرفاً المرجعية بأنها:

هي الأصول العامة التي أصدر عنها ما يتعلق بالسلوك والقيم الأخلاقية للأفراد.

وهي الأصول العامة التي يصدر عنها التشريع في تعاملات الناس.

وهى الأصول العامة التي يصدر عنها النظام السياسي وفكرة الولاية في النظام السياسي.

والجماعة الوطنية التي تضم مسلمين ومسيحيين مرجعيتها الثقافة السائدة.. وعنها تتحدد الأصول العامة التي تتعلق بالسلوك والقيم الأخلاقية للأفراد.. والتي يصدر عنها التشريع.

وأوضح أن:

الأصول العامة ينتج عنها التشريع والنظام السياسي .

وعندما أطلق الشيخ حسن البنا عبارة شُمُولية الإسلام كان يقصد الأصول العامة.. فالشمولية هي الأصول العامة لفكر معين بعيداً عن الأحكام التفصيلية.. وهى الوحيدة التي تجمع ما بين السلوك الفردي والتعامل داخل الجماعة والنظام.. فأساس وجودها وانتشارها أساس ثقافي في المجتمع في المقام الأول.

وأضاف أن:

التداخل الذي حدث في القضايا الثقافية والسياسية جرى لحساب السياسة.. بالرغم من أن المرجعية موجودة في المجتمع .

وقام سيادة المستشار طارق البشرى بتبسيط هذه الفكرة وتوضيحها بمثال عملي:

عندما انتشر الحجاب بين المتعلمات والمثقفات والنخب منذ بداية الثمانينات والتسعينات.. وكان قد انتشر بالدعوة والتوجيه المجتمعي دون أن يطلب من الدولة لفرضه.. فقد انتشر بدون تدخل من الدولة.. ولو تدخلت الدولة لحدث صراع بين النخب المثقفة ولحدثت بلبلة.. وانتشاره في هذه الحالة عائد للمرجعية كوضع ثقافي خاضع للثقافة السائدة.

وضرب سيادته أمثلة أخرى على الجانب الثقافي الذي يجب مراعاته وألا تقف الدولة ضد كل هذا النشاط أو أمام سيادة الثقافة السائدة .

وأشار إلى أنه:

في عام 1979 قامت الثورة الإيرانية ضد الاستبداد الأمريكي والداخلي.. فالتقط الأمريكان الفكرة الإسلامية منذ ذلك التاريخ وبدأوا يلعبون عليها.. وكتب مفكرهم "صراع الحضارات ".. مُصورين الإسلام كعدو للقيم الغربية.. وتم إغفال أن بداخل بلاد الإسلام يوجد تيار إسلامي له بعد وطني وتيار إسلامي له اتجاه ديمقراطي.. والثورة الإسلامية لها مدلول وبعد وطني ومدلول اجتماعي وديمقراطي.

وفى عام 1984 تحالف الإخوان المسلمون في مصر مع حزب الوفد.. فنشبت معركة داخل الوفد.. وجندوا جميع أجهزة الإعلام ضد التحالف مستنكرين وممتعضين من دخول تيار إسلامي الانتخابات.

ودعموا فكرة الإقصاء للتيار الإسلامي.

ومن أمثلة تقديم ملفات وقضايا أقل أهمية عندما ثارت قضية هل مصر فرعونية أم إسلامية.. وفى حين اهتم الرأي العام عندما سعت أوربا لدفن نفايات نووية في مصر وانتفضت حركات سياسية ضد هذا الأمر.. خرجت على السطح قضايا أخرى مثل قضايا سلمان رشدي، وحيدر حيدر – صاحب وليمة لأعشاب البحر - ، ورواية " أولاد حارتنا " لنجيب محفوظ ، وتسليمة نصرين وقضية مجلة إبداع.. وقضايا قانون الأحوال الشخصية مثل الشقة من حق الزوجة أو الزوجة .

والمفارقة أن تقدم هذه القضايا ونترك قضية فلسطين والاحتلال.

وضرب "المستشار/ البشرى أمثلة على الوحدة والتقارب بين التيارات السياسية المصرية في العهود الماضية.. بما حدث أيام السادات ضد الاتفاقية النووية وضد اتفاقية السلام:

وحدث أيامها أن أجريت انتخابات نقابة المحامين وترشح فيها عبد العزيز الشوربجى.. ودعمه كل من شمس الشناوي من الإخوان المسلمين ونبيل الهلالي من الشيوعيين.. فعلق السادات في لقاء عام على ذلك أن كيف أنهم التقوا لهدف واحد ولم يحدث شيء.

وحدث أيضاً في القرن العشرين أن الحزب الوطني – حزب إسلامي -.. والديمقراطية كانت مع حزب آخر اسمه حزب الأمة.. وعندما توافقا واجتمعت الإسلامية مع الديمقراطية حدثت ثورة 1919م على أثر هذا التعاون .

أما في عام 1951- 1952 فقد حدثَ العكس.. فقد كان هناك تيار إسلامي، وتيار قومي، وتيار وطني، وتيار اشتراكي وتيار اجتماعي، وتيار ديمقراطي هو الوفد، فلم يحدث بينهم هذا التحالف الذي حدث في عام 1919م.. لذلك لم تستطع الحركة الشعبية السيطرة على الوضع.

والذي سيطر على الوضع هو تنظيم صغير داخل الجيش جمع داخله "خالد محيى الدين اليساري" و"كمال الدين حسين" المتأثر بالتيار الإسلامي مع ناس من الوفد.. فكونوا صورة مصغرة من التآلف داخل إطار الجيش.. فنجحوا هم في السيطرة .

فالمشاركة هي الضمانة للعبور لتنهض مصر ونقيلها من عثرتها.

وطالب المستشار البشرى الأقباط بـ:

إعمال الاجتهاد داخل صفوفهم.. وضرب مثالاً بما حدث في أمريكا اللاتينية .. عندما تم الاجتهاد داخل الفكر المسيحي وتم إنتاج ما يعرف بلاهوت المواطنة.

وشهدت الجلسة تفاعل كبير بين الحضور الذي ناقش القضايا التي طرحها المستشار البشري.

وأكد "د/ ماجد موريس" أستاذ علم النفس في هذا الإطار على:

أهمية التمتع بالشجاعة للاعتراف بوجود فكر غير متفق عليه في المجتمع.. والتصارح بهذا الأمر لكي يكون لنا مشترك.

ومن جانبه أكد المفكر الإسلامي "د/ ناجح إبراهيم" أنه:

لن يكون هناك مشترك بين القوى السياسية بدون توافر شرطان.. هما:

شرط في القلب.. وهو التسامح.

وشرط في العقل.. وهو الوسطية في الإسلام.

وقال: إن الشرطين غير موجودين في مصر.. حيث زادت بعد الثورة معاني الانتقام والتفنن في صنع عداوات .

الأحد الموافق:

14-11-1433 هـ

30-9-2012م