المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زينة



هشام النجار
23-11-2013, 04:29 PM
نحن غارقون فى الفشل والعجز ، مستحقون لهذا القبح والحزن العام الدائم .
الأمر لا يتعلق فقط بمحاولة اغتصاب طفلة بريئة فى عمر الزهور ثم قتلها بوحشية وخسة ونذالة ، فقد سبقته حوادث مماثلة لا تقل بشاعة ، ولا نتغير ولا نسعى للتغيير ، والخسة والنذالة صارا عنواناً يومياً للوقائع المصرية ، وتصرخ زينة وقبلها بسنوات طفلة حى الزهور وأخريات ، ومصر هى مصر لا أمل فى تغييرها ولا فى انقاذ شرفها وتحسين مستوى الانسانية فيها .
من وراء كل هذه المصائب والنكبات ، ومن يستهدف المصريين ليقيموا على الاحساس الدائم بالعار والخزى والألم والحزن ؟
هذا الصراع الذى لا ينتهى منذ الأربعينات الى اليوم أخرنا قروناً ، ومن استولوا على السلطة متشدقين بالاصلاح والديمقراطية أضاعونا بالأوهام والخداع والمماطلة ، ومن يتشدق بالشريعة والاصلاح بالقرآن تركَ الساحة تفرخ مطواة وبسكوتة وحارس عقار زينة وابن الراقصة وانشغل بمادة فى الدستور ومقعد فى البرلمان وحقيبة وزارية .
نحن نمثل ببساطة رواية " 1984 " التى كتبها جورج أورويل فى الأربعينات يتنبأ بشكل العالم فى ذاك العام .
نعيش منذ الثمانينات تقريباً أجواء جمهورية أوشايانيا الديكتاتورية ، التى لا تصحو أبداً من صراعاتها ؛ فهى فى حرب مستمرة باردة وساخنة .
والنفاق والتزلف هو سيد الموقف حيث يعيد ونستون سميث كتابة مقالات الصحف لتتناسب مع عقيدة الحزب الحاكم المتغيرة باستمرار .
تنتهى الحميميات وتلغى الحياة الخاصة ، ويخضع الجميع فى مشيهم ونومهم للمراقبة بواسطة عين اليكترونية تلفزيونية ، واليافطات فى كل مكان ترفع شعار الدولة " الأخ الكبير يراقبك " ، والأخ الكبير هو زعيم الحزب الحاكم .
يرتكب سميث خطيئة فكرية حيث يصرخ فى داخله " يسقط الأخ الأكبر " ، ثم يقع فى حب جوليا زميلته فى وزارة الحقيقة ، والحب ممنوع هناك والحزب يدعو للعفة الجنسية والأطفال يولدون فقط بواسطة التلقيح الصناعى ، والولاء للحزب البوليسى.
سميث يتم تعذيبه ببشاعة فى الغرفة 101 لأيام طويلة ، حتى يصل التحقيق والتعذيب به الى ادخال وجهه فى قفص يحتوى على فئران ، عندئذ ينهار ويتوسل أن يخضعوا جوليا لهذا التعذيب بدلاً منه ، وتنهى هذه الخيانة كل ما تبقى لديه من احترام للذات والكرامة ، لقد أصبحَ عضواً كاملاًَ فى الحزب ، وعندها يتم الاعتراف به كحزبى جيد .
لن نكون جيدين فى نظر هذا الواقع الا اذا استسلمنا له وصرنا أعضاءاً كاملين فيه ، وعبدنا من صنعوه وقدسنا " الأخ الكبير " وتواطأنا على الخنوع ، لينهار كل ما تبقى لدينا من احترام لأنفسنا وشعور بالكرامة ، ولنتخلى عن المبادئ والقيم التى نحلم بها ، لنصبحَ جزءاً من واقع الشاذين والعربدة والجريمة والقبح ، ولا يؤثر فينا مشهد اغتيال البراءة ولا تكسير عظام وسفك دماء " زينة " .
لا تحلموا بعالم سعيد .. فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد .. وخلف كل ثائر يموت أحزان بلا جدوى ودمعة سدى .
لن نكون جيدين فى نظرهم الا اذا كان ولاؤنا كاملاً لهم ، وأقمنا الدليل على خيانتنا لأقرب الناس الينا .
ماذا فعله هؤلاء أو هؤلاء للوطن ، وللشباب وللمرأة وللأسرة ولاقتصاد البلد والتنمية ؟
لا شئ ، فهذا مشغول باخضاع ذاك ، وذاك مشغول باسقاط هذا والحلول محله .
والمجتمع بلا اصلاح ولا تغيير والدماء تسفك والأعراض تنتهك والشرف رخيص .
أُسقطتْ زينة من منور العمارة ورحلت عن هذا القبح الفج المقيم وتلك الكآبة التى لا تفارقنا ، فقد أُسقطنا نحن منذ عقود من نظر المصلحجية المزايدين المخادعين الكذبة ، ممن يُدعون " سياسيين " .