المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصر بين خارطتين



هشام النجار
26-11-2013, 08:31 PM
الرئيس السادات لم يصدق ما طرحه الزعيم عبد الناصر - الذى كان على وعى بالصراع على السلطة - فقد وضعَ مجلس قيادة الثورة بين اختيارين ؛ اما الحكم بالديمقراطية ، أو الديكتاتورية .
اعتقد العسكريون أن الديمقراطية أضرت بالبلاد ، وأن صراعات الأحزاب أسهمت فى تأخر نهضتها ، فى مقابل ما يميز الضباط من همة وصرامة وسرعة انجاز لاصلاح البلاد فى أسرع وقت – بحسب تصورهم - .
المدهش - وفق شهادة السادات - أن عبد الناصر رفض طريق الديكتاتورية ووصفه بطريق الدم ، وقال ان العمل الذى يبدأ بدم لابد أن ينتهى بدم ، وأنه يفضل اعادة البرلمان والحزبية وتسليم مقاليد الأمور للأحزاب .
المفاجأة كان فى التصويت ؛ فكان سبعة ضباط لصالح الديكتاتورية ضد صوت واحد فقط كان مع الديمقراطية هو صوت عبد الناصر نفسه !
تلك خارطة ؛ فبديل التعددية هو صناعة الزعيم ، مع النجاح فى اقناع القوى والشخصيات الحالمة بالديمقراطية – حتى العسكريين منهم – بالتخلى عن الحلم أو اجبارهم على ذلك .
حالة عبد الناصر - على مستوى صناعة الزعيم لتعويض التعددية الحقيقية وليست الديكورية – من الصعب القياس عليها ؛ فتلك تجربة محكومة بعصرها ، وربما لو وُجد عبد الناصر اليوم بشحمه ولحمه الآن لوجدَ صعوبة فى تحقيق ربع النجومية التى حظى بها فى الخمسينات والستينات .
جزء كبير من زعامة عبد الناصر ونجوميته صنعها من اشتراكيته ودعمه للفقراء ، والزعامة التى يُراد صناعتها اليوم ممثلة فى الفريق السيسى جانحة للرأسمالية ، ولم نعثر على هذا المنحى فى التسريبات فقط ، انما من اعتماده على حكومة متوحشة فى رأسماليتها ، يترأسها رأسمالى بامتياز ، ولازالت زعامة الفريق السيسى الى اليوم محصورة فى النخبة والاعلام ولم تدخل بعد اختبارَها الجماهيرى .
بالرغم من نجاحات عبد الناصر فى تحقيق الزعامة بديلاً عن التعددية والحزبية ، وقد حاز اعجاب ورضا الأغلبية الساحقة ، بحيث يصعب حشد مظاهر السخط ضده وتحقيقها نتائج مؤثرة ، ورغم الأهوال التى تعرض لها الاخوان واعدام عدد من قادتهم فقد عادوا للانتقام منه ، كما تم الكشف عن عدد من التنظيمات اليسارية ومحاولات الانقلاب ، أى أن " الارهاب " المصاحب لصناعة النجم الأوحد لم يئد حركة الرفض وظلت تقاوم .
بل تراجع الزعيم أمام انفجار الشارع فى مظاهرات فبراير 68م بعد صدور الأحكام الهزلية فى قضية القادة المسئولين عن نكسة يونيو ، وسقط فيها عشرات القتلى .
وظلت القضية تؤرق الزعيم حتى اللحظة الأخيرة فى حياته بعد اجتهاده فى التخلص من الحالمين بالديمقراطية – حتى رفاقه وأصدقاءه منهم – مع حلمه فى تحقيق نهضة بلده ومشروعه الكبير من أقصر الطرق وأسرعها ، فهل أرضته الزعامة ، وهل حققت الزعامة ما لم تحققه الديمقراطية والأحزاب والحكم المدنى ؟
يعكفون الآن على صناعة زعيم ، وقد بدا لهم أنهم تخلصوا من الحزبية والتعددية – الحقيقية – ويطرح " المرشح للزعامة " خارطة المستقبل وتلمح فيها من بعيد مصطلح الديمقراطية يشتكى ظلم الزمن .
سينزل الزعيم على رأى الغالبية وربما كان صوته هو الأوحد الذى يرفض السير فى هذا الاتجاه ، ولن يرضوا بغيره رئيساً ولن تهدأ الحملة ضد التعددية – الحقيقية – والديمقراطية التى عرقلت النهضة ، وأن البلاد فى حاجة لزعيم وللسرعة والانجاز والحسم .
هم الذين يستدعون النموذج الستينى فى غيره موضعه ولست أنا ، انما أحاول اثبات أن الفارق كبير والمقارنة ظالمة ، وقد مات الزعيم هماً وكمداً بعدما انهارَ حلمه أمام عينيه .
بين التعددية والأحادية يختارون وقد حسموا أمرهم والشواهد واضحة ، لكن الروائى الشهير نجيب محفوظ له رأى آخر فى رسالة نشرها فى الأهرام بعد وفاة عبد الناصر بتاريخ 2 أكتوبر 1970م ؛ مؤكداً بعد حوار بليغ متخيل مع عبد الناصر " أن مصر لا تحتاج الى زعيم جديد لأن وجوده فى الظروف الراهنة يربك الأمور ويعطل الديمقراطية ، ذلك أن حب الناس له سوف يجعلهم يتغاضون عن أخطائه حتى ولو كان من هذه الأخطاء فرض أسلوب الرأى الواحد ووضع المعارضين فى السجون ، فمصر بحاجة الى حاكم وطنى مستنير لديه اجابة عملية واضحة عن هذا السؤال : ما هو دور مصر فى هذا النظام العالمى الجديد " .
أتيتُ برأى الأديب نجيب محفوظ فربما لا يقتنع الفريق السيسى برأيى ، ولأنه رأى كاتب كبير يناهض رأىَ كاتب كبير آخر يعتز به كثيراً قائدُ الجيش .

ربيحة الرفاعي
08-01-2014, 01:33 AM
ما زلنا نحاكم عبد الناصر نستحضره في كل داهية، ونحيل عليه كل خطب، ونجرّمه حتى فيما يشكل شهادة له
وكون السيسي عسكريا لا يجعل منه شبيها بعبد الناصر من أي وجه كان وإن تمنى وزعم
وكما قلت أيها الكريم فإن "زعامة الفريق السيسى الى اليوم محصورة فى النخبة والاعلام ولم تدخل بعد اختبارَها الجماهيرى" بينما كانت لعبد الناصر نجاحات استثنائية في تحقيق الزعامة بديلاً عن التعددية والحزبية وكل البدائل المستوردة التي تسللت إلينا بوابات للفتنة والنزاع.
نحن لسنا بحاجة لديمقراطيات كاذبة أو صادقة، ولأ أحزاب "بأجندات" خارجية مهما زعمت صلاح المواطنة ولا ولا .. نريد ديكتاتوريات وطنية شريفة وسنعيش بسلام، لأن مصالحنا عندها وعندها فقط ستتفق .

أعتذر لإقلاقي النص بمداخلتي

دمت ومصر وأهلها بكل الخير

تحاياي


المشهد مختلف

نداء غريب صبري
17-03-2014, 04:51 PM
لأول مرة أقرأ شهادة حق في حق عبد الناصر من كاتب إسلامي
لقد كان رجلا عظيما وقائد للأمة كلها وليس لمصر فقط
والسيسي الذي يحاول اليوم أن يقف مكانه يعرف أنه يستغل رمزا عظيما
ولكنه لا يعرف أن هذا الرمز العظيم الذي كان حقيقيا فشل أمام قدرة الأعداء على اختراق كل تنظيم وكل فكر
فماذا سيفعل رجل جاء اليوم ليمثل الدور تمثيلا فاشلا!

مقالة رائعة اخي

شكرا لك

بوركت

د. سمير العمري
31-05-2014, 03:15 AM
لا أحب الخوض في أمر عبد الناصر هنا على الأقل وما كنت أحب الخوض في أمر مصر الحبيبة وما يمر عليها من كرب وحزب ، ولكن شدني العنوان لأقول ببساطة إن الرؤية الواقعية للحالة المعاشة لا تعني بالضرورة حالة وعي وإلمام بشمولية الحالة تماما كمن يتوه في غابة كثيفة وينشغل في تفصيلات التربة والصخور والأشحار والفروع ويظن أنه بدراسة هذا كله والانشغال بتحليل هذه الحال وتلك الحالة سيجد طريق الخلاص من التيه ، ولا يعلم أنه قد يكون طريق الخلاص خلفة مباشرة ويحجبه عنه بعض صخرة وبعض شجرة ولكنه لا يدرك هذا لأنه غارق في تفاصيل الصورة ولا يلم بالمشهد الكامل ، والمنطق أن يترفع عن كل ذاك ويرتقي أعلى مكان ويجتهد في تحري ورصد طريق الخلاص قبل أن يدهمه الموت جوعا أو عطشا أو أسفا وهو منهمك في قراءة ما لا يفيد أو ما ليس له علاقة أو صلة بماشرة بالحالة أو ما قد يزيده تيها وضياعا باعتماد ما ليس صحيحا أو ما ليس شرعيا.

وأضيف باختصار ان مشكلة مصر ليست سياسية في أساسها بل أخلاقية بالدرجة الأولى ومنهجية بالدرجة الثانية واجتماعية بالدرجة الثالثة ، وليس ثمة احتمال لخرائط في مصر ما لم يتجرد كل فرد من هواه وغرضه وطالما لم يطمع كل صغير وكبير في مقدرات مصر له وله فقط.

والكلام يطول ولكن يكفي اللبيب إشارة. وردي هذا رد عام على الحالة في مصر وليس عليك أيها الحبيب هشام وأنا أثق بنقاء توجهك وصادق حرصك ولكن أرى أكثر ما تكتب يرتكز على قراءة حالة غير صحيحة وغير صحية وغير شرعية وهذا بتقديري لا يمثل أولوية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر العظيمة والتي أجدها تسير في طريق مخيف ما لم يتداركها الصالحون المصلحون من أبرارها وأحرارها.

تقديري